فيض العليم .... سورة يوسف، الآية: 17
قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
قولُهُ ـ تَبَاركتْ أَسْماؤه: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} نَسْتَبِقُ: أَيْ فِي الرَّمْيِ، أَوْ عَلَى الْفَرَسِ، أَوْ عَلَى الْأَقْدَامِ، والْمُرَادُ بالِاسْتِبَاقِ هُنَا ـ واللهُ أَعْلَمُ، الْجَرْيُ عَلَى الْأَرْجُلِ لأَمْرَيْنِ، الأولُ: أَنَّ الرميَ إنَّما يكونُ في النَّهارِ، والذئابُ كما باقي الحيواناتِ المتوحشَّةِ إنَّما تخرجُ في الليلِ وتنامُ في النَّهارِ، والثاني: أَنَّهم قالوا: "ذَهَبْنَا"، فخَرَجَ الرَّمِيُ أيضًا لأنَّه لا يَقْتَضِي الذَّهابَ، وخَرَجَ الاسْتِبَاقُ عَلَى الخَيْلِ لأَنَّهُ لا يَتَطَلَّبُ الغِيَابَ عَنْ أَخِيهم ومَتَاعهم فَتْرَةً طَويلَة بحيثُ تتجمعُ الذئابُ وتأكُلُ أَخَاهم. وَالْغَرَضُ مِنَ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ تَدْرِيبُ النَّفْسِ عَلَى الْعَدْوِ، لِأَنَّهُ الْآلَةُ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، وَدَفْعِ الذِّئْبِ عَنِ الْأَغْنَامِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ حِبَّانَ: "نَسْتَبِقُ" نَشْتَدُّ جَرْيًا لِنَرَى أَيُّنَا أَسْبَقُ. وَذَلِكَ مِنْ مَرَحِ الشَّبَابِ وَلَعِبِهِمْ. الِاسْتِبَاقُ: افْتِعَالٌ مِنَ السَّبْقِ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى التَّسَابُقِ، وَالِافْتِعَالُ وَالتَّفَاعُلُ يَشْتَرِكَانِ كَالِانْتِضَالِ وَالتَّنَاضُلِ، وَالِارْتِمَاءِ وَالتَّرَامِي، أَيْ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ. وَيُقَالُ أَيْضًا: السِّبَاقُ، كَمَا يُقَالُ النِّضَالُ وَالرِّمَاءُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النِّضَالُ فِي السِّهَامِ، وَالرِّهَانِ فِي الْخَيْلِ، وَالْمُسَابَقَةُ تَجْمَعُهُمَا. وقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمُسَابَقَةُ شِرْعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَخَصْلَةٌ بَدِيعَةٌ، وَعَوْنٌ عَلَى الْحَرْبِ، وَقَدْ فَعَلَهَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَفْسِهِ وَبِخَيْلِهِ، فسَابَقَ السيدةَ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَلَى قَدَمَيْهِ فَسَبَقَهَا، فَلَمَّا كَبُرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَابَقَهَا فَسَبَقَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: ((هَذِهِ بِتِلْكَ)) رواهُ النَّسائيُّ في السُنَنِ الكُبْرَى بِرَقَم: (8942)، وابْنُ ماجَةَ في سُنَنِه، برقم: (1979)، عَنِ السيدةِ عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها. وَسَابَقَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَجُلًا لَمَّا رَجَعُوا مِنْ ذِي قَرَدٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ، مُسْنَدُ أَحْمَد: (33/303)، وخَرَّجَهُ مُسْلمٌ في صحيحِه: (9/304) من حديثٍ طويلٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ، وذَكَرَهُ ابْنُ حَجَر في فتح الباري" (12/15). و "ذِي قَرَدٍ" مَوْضِعٌ قَريبٌ مِنَ المَدينَةِ أَغَارُوا فيهِ عَلَى لقاحِ رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةِ والسَّلام، فغَزَاهُمْ. وَرَوَى مَالِكٌ في موطّأِهِ: (888)، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، (مَوْضِعٌ بالمَدينَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ ثِنْيَةِ الوَداعِ سِتَّةُ أَمْيالٍ أَوْ سَبْعَةٌ) وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ. وخَرَّجَهُ الشيخانِ في صحيحيهما: البخاري: (9/485)، ومُسلِمٌ: (9/441)، وخرَّجه أيضًا أَصحابُ السُنَنِ وغيرُهم. والأَمَدُ: غَايَةُ الْمُسَابَقَةِ، وَيُسْتَعَارُ لِمُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ مُعَيَّنَةٍ. قَالَ تَعَالَى في سورة الحديد: {فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} الآية: 16. وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا. وللمُسابَقَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ، ذَكَرَها القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِهِ وقالَ: فَلَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بِدُونِهَا، وَهِيَ:
1 ـ أَنَّ الْمَسَافَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً.
2 ـ أَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ مُتَسَاوِيَةَ الْأَحْوَالِ.
3 ـ أَلَّا يُسَابِقَ الْمُضَمَّرُ مَعَ غَيْرِ الْمُضَمَّرِ فِي أَمَدٍ وَاحِدٍ وَغَايَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْخَيْلُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُضَمَّرَ وَيُسَابَقُ عَلَيْهَا، وَتُقَامُ هَذِهِ السُّنَّةُ فِيهَا هِيَ الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِجِهَادِ الْعَدُوِّ لَا لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ.
وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِالنِّضَالِ وَالْإِبِلِ، فَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العاص ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ في سُنَنِهِ: (11/346)، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ((لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ)). وأَخْرَجَهُ التِرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ: (6/286) وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وأخرجهُ ابْنُ الجَعْدِ في (ص: 405) مِنْ مُسْنَدِهِ، ورَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. ورواهُ غيرُهم. وَثَبَتَ ذِكْرُ النَّصْلِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ، وَبِهِ يَقُولُ فُقَهَاءَ الْحِجَازُ وَالْعِرَاقُ. وَرَوَى أَحْمَدُ في مسندِهِ: (24/118) والْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ: (9/488) عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءُ لَا تُسْبَقُ ـ قَالَ حميد: أولا تَكَادُ تُسْبَقُ ـ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ: ((حَقٌّ عَلَى اللهِ أَلَّا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ)) ورواه غيرُهما مِنْ أَصْحابِ السننِ والمسانيدِ وغيرِها. وقد أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الرِّهَانِ إِلَّا فِي الْخُفِّ وَالْحَافِرِ وَالنَّصْلِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَالسَّبَقُ فِيهَا قمار. وقد زاد أبو البختري الْقَاضِي فِي حَدِيثِ الْخُفِّ وَالْحَافِرِ وَالنَّصْلِ" أَوْ جَنَاحٍ" وَهِيَ لَفْظَةٌ وَضَعَهَا لِلرَّشِيدِ، فَتَرَكَ الْعُلَمَاءُ حَدِيثَهُ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ مِنْ مَوْضُوعَاتِهِ، فَلَا يَكْتُبُ الْعُلَمَاءُ حَدِيثَهُ بِحَالٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا سَبَقَ إِلَّا فِي الْخَيْلِ وَالرَّمْيِ، لِأَنَّهُ قُوَّةٌ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، قَالَ: وَسَبَقُ الْخَيْلِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ سَبَقِ الرَّمْيِ. وظاهرُ الحَديثِ يَسْتَوِي بَيْنَ السَّبَقِ عَلَى النُّجُبِ وَالسَّبَقِ عَلَى الْخَيْلِ. وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الرِّهَانَ فِي كُلِّ شيْءٍ إِلَّا فِي الْخَيْلِ، لِأَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ الْمُرَاهَنَةَ عَلَيْهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ المُراهَنَةَ في كُلِّ شَيْءٍ جَائِزَةٌ، وَقَدْ تُؤُوِّلَ قَوْلُهُ، لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى العُمومِ في كُلِّ شَيْءٍ يُؤَدِّي إِلَى، إِجَازَةِ الْقِمَارِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِاتِّفَاقٍ.
وكما لَا يَجُوزُ السَّبَقُ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ إِلَّا فِي غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَمَدٍ مَعْلُومٍ، كَمَا تقدَّمَ، فَكَذَلِكَ الرَّمْيُ لَا يَجُوزُ السَّبَقُ فِيهِ إِلَّا بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ وَرَشْقٍ مَعْلُومٍ، وَنَوْعٍ مِنَ الْإِصَابَةِ، مُشْتَرَطٍ خَسْقًا أَوْ إِصَابَةٍ بِغَيْرِ شَرْطٍ. يقال: خَسَقَ السَّهمُ الرِمْيَةَ أَو خَزَقَها، إِذا أَصابَها ونَفَذَ فيها. وَالْأَسْبَاقُ ثَلَاثَةٌ أيضًا:
1 ـ سَبَقٌ يُعْطِيهِ الْوَالِي أَوِ الرَّجُلُ غَيْرُ الْوَالِي مِنْ مَالِهِ مُتَطَوِّعًا فَيَجْعَلُ لِلسَّابِقِ شَيْئًا مَعْلُومًا، فَمَنْ سَبَقَ أَخَذَهُ.
2 ـ وَسَبَقٌ يُخْرِجُهُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ، وَإِنْ سَبَقَ هُوَ صَاحِبَهُ أَخَذَهُ، وَحَسَنٌ أَنْ يُمْضِيَهُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ لَهُ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى مَالِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.
3 ـ وسَّبَقٌ اخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِثْلَ مَا يُخْرِجُهُ صَاحِبُهُ، فَأَيُّهمَا سَبَقَ أَحْرَزَ سَبَقَهُ وَسَبَقَ صَاحِبِهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا لَا يَأْمَنَا أَنْ يَسْبِقَهُمَا، فَإِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ جَمِيعًا وَأَخَذَهُمَا وَحْدَهُ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ أَحْرَزَ سَبَقَهُ وأَخَذَ سَبَقَ صاحِبِهِ، ولا شَيْءَ للمُحَلِّلِ فِيهِ، ولا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَبَقَ الثَّانِي مِنْهُمَا الثَّالِثَ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ ـ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: وَحُكْمُ الْفَرَسِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا جَرْيُهُ، وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ يُحَلِّلُ السَّبَقَ لِلْمُتَسَابِقَيْنِ أَوْ لَهُ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ وَاشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَسَابِقَيْنِ أَنَّهُ إِنْ سَبَقَ أَخَذَ سَبَقَهُ وَسَبَقَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ قِمَارٌ، وَلَا يَجُوزُ. وَفِي مُسْنَدُ أَحْمَد: (21/197)، وسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: (7/142) والمستدرك على الصحيحين للحاكم (6/142)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: ((مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ وَمَنْ أَدْخَلَهُ وَهُوَ يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ)). ورواهُ ابنُ أبي شيبةَ في مصنَّفِهِ والبيهقيُّ وَابْنُ حَزْمٍ وَصَحَّحَهُ، وغيرهم. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إِذَا دَخَلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ، فَإِنْ سَبَقَ أَخَذَ السَّبَقَ، وإنْ لم يسْبِقَ لَمْ يَكنْ عَلَيْهِ شيءٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ، فَقَالَ مَرَّةً لَا يَجِبُ الْمُحَلِّلُ فِي الْخَيْلِ، وَلَا نَأْخُذُ فِيهِ بِقَوْلِ سَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالْمُحَلِّلِ، وَهُوَ الْأَجْوَدُ مِنْ قَوْلِهِ.
وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فِي الْمُسَابَقَةِ إِلَّا مُحْتَلِمٌ، وَلَوْ رَكِبَهَا أَرْبَابُهَا كَانَ أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَرْكَبُ الْخَيْلَ فِي السِّبَاقِ إِلَّا أَرْبَابُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَسْبِقَ بِالْهَادِي (العُنُقِ) أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ بِالْكَفَلِ أَوْ بَعْضِهِ. وَالسَّبَقُ مِنَ الرُّمَاةِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ عِنْدَهُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سَابَقَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَسَبَقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، يَعْنِي أَنَّ رَأْسَ فَرَسِهِ كَانَ عِنْدَ صَلَا فَرَسِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثَلَتَ عُمَرُ وَالصَّلَوَانِ مَوْضِعُ الْعَجُزِ.
والِاسْتِبَاقُ تَكَلُّفُ السَّبْقِ وَهُوَ الْغَرَضُ مِنَ الْمُسَابَقَة، وَالتَّسَابُقُ بِصِيغَتَيِ الْمُشَارَكَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْغَلَبُ، وَقَدْ يُقْصَدُ لِذَاتِهِ أَوَ لِغَرَضٍ آخَرَ فِي السَّبَقِ. وَمِنْهُ قولُهُ في سُورةِ البَقَرَةِ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} الآية: 148، فَهَذَا يُقْصَدُ بِهِ السَّبْقُ لِذَاتِهِ لَا لِلْغَلَبِ، وَقَوْلُهُ الْآتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} الآية: 25، كَانَ يَقْصِدُ بِهِ يُوسُفُ الْخُرُوجَ مِنَ الدَّارِ هَرَبًا مِنْ حَيْثُ تَقْصِدُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ بِاتِّبَاعِهِ إِرْجَاعَهُ، وَصِيغَةُ الْمُشَارَكَةِ لَا تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى.
قولُهُ: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أَيْ عِنْدَ ثِيَابِنَا وَأَقْمِشَتِنَا حَارِسًا لَهَا. إِذْ لَا يَسْتَطِيعُ مُجَارَاتَنَا فِي اسْتِبَاقِنَا الَّذِي تُرْهَقُ بِهِ قُوَانَا، وقد أَوْغَلْنَا فِي الْبُعْدِ عَنْهُ فَلَمْ نَسْمَعْ صُرَاخَهُ وَاسْتِغَاثَتَهُ. "فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ" وذَلِكَ أَنَّهم عِنْدَمَا سَمِعُوا أَبَاهُمْ يَقُولُ: {وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ فِيهِ فَتَحَرَّمُوا بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ أَظْهَرَ الْمَخَاوِفَ عَلَيْهِ.
قولُه: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا: أَيْ بِمُصَدِّقٍ. فقد أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخ عَنِ الضَّحَّاك ـ رَضِي الله عَنهُ: "وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا} قَالَ: بِمُصَدِّقٍ لَنَا. وأَخْرَجَ الطَبَرِيُّ عَنِ السُّدِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ. "وَلَوْ كُنَّا" أَيْ وَإِنْ كُنَّا، و "صادِقِينَ" فِي قَوْلِنَا، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ يَعْقُوبُ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْهُمْ مِنْ قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَقِيلَ: "وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ" أَيْ وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ مَا صَدَّقْتَنَا، ولاتَّهمْتَنا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، لِشِدَّةِ مَحَبَّتِكَ فِي يُوسُفَ. والْمَتَاعُ: مَا يُتَمَتَّعُ أَيْ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ثَقَلُهُمْ مِنَ الثِّيَابِ وَالْآنِيَةِ وَالزَّادِ. و "أَكَلَهُ الذِّئْبُ" قَتَلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ، وَفِعْلُ الْأَكْلِ يَتَعَلَّقُ بِاسْمِ الشَّيْءِ. وَالْمُرَادُ بَعْضُهُ. يُقَالُ أَكَلَهُ الْأَسَدُ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى في الآيةِ الثالثةِ مِنْ سورةِ المائدةِ: {وَما أَكَلَ السَّبُعُ} عَطْفًا عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا، أَيْ بِقَتْلِهَا. وَمِنْ كَلَامِ أميرِ المؤمنين عُمَرَ بْنِ الخطَّاب ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِينَ طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ (أَكَلَنِي الْكَلْبُ)، أَيْ عَضَّنِي. وَالْمُرَادُ بِالذِّئْبِ جَمْعٌ مِنَ الذِّئَابِ، بِحَيْثُ لَمْ يَتْرُكِ الذِّئَابُ مِنْهُ شيئًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا فَدَفَنَّاهُ. وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا ادَّعَوْهُ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَبَاهُمْ لَا يُصَدِّقُهُمْ فِيهِ، فَلَمْ يَكُونُوا طَامِعِينَ بِتَصْدِيقِهِ إِيَّاهُمْ. أَيْ: وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا فِي قَوْلِنَا هَذَا، لِاتِّهَامِكَ إِيَّانَا بِكَرَاهَةِ يُوسُفَ وَحَسَدِنَا لَهُ عَلَى تَفْضِيلِكَ إِيَّاهُ عَلَيْنَا فِي الْحُبِّ وَالْعَطْفِ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ أَوْ نَفْسِ الْأَمْرِ، أَوْ وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ مَا صَدَّقْتَنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ لِشِدَّةِ وَجْدِكَ بِيُوسُفَ. لذلك فإِنَّكَ تَتَّهِمُنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ الذي خِفْتَنَا عَلَيْهِ منذ البداية. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تُصَدِّقُنَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَنَا عَلَى صِدْقِنَا وَإِنْ كُنَّا صَادِقِينَ عِنْدَ اللهِ. وَأَخْرَجَ ابْنْ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فِي قَوْله تعالى: "وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين" قَالَ: نَزَلَتْ عَلى كَلَامِ الْعَرَبِ كَقَوْلِك: لَا تُصَدِّقُ بِالصِّدقِ وَلَو كُنْتُ صَادِقًا.
قال بَعْضُهُم: إنَّ سَبَبِ ابْتِلاءِ يَعقوبَ بِفِراقِ يُوسُفَ ما رُوِيَ في الخَبَرِ أَنَّهُ ذَبَحَ جَدْيًا بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهِ فَلَمْ يَرْضَ اللهُ تَعالَى ذَلِكَ مِنْهُ، وأَرَيَ دمًا بِدَمٍ، وفُرْقَةً بِفُرْقَةٍ، لِعَظَمَةِ احْتِرامِ شَأْنِ البُنُوَّةِ.
وقالَ بَعْضُهم: لَمَّا وُلِدَ يُوسُفُ اشْتَرَى يَعْقوبُ لَهُ ظِئْرًا، وكانَ لَهَا ابْنٌ رَضِيعٌ، فبَاعَ ابْنَها تَكْثيرًا لِلَّبَنِ عَلَى يُوسُفَ، فبكَتْ وتضرَّعَتْ، وقالتْ: يا رَبُّ إنَّ يَعقوبَ فَرَّقَ بَيْنِي وبَيْنَ وَلَدَي، فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ وَلَدِهِ يُوسُفَ، فاسْتَجابَ اللهُ دُعاءَها فَلَمْ يَصِلْ يَعْقوبُ إِلى يُوسُفَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ لَقِيَتْ تِلْكَ الجارِيَةُ ابْنَها. تفسيرُ روحِ البَيانِ لإسْماعِيل حَقّي: (4/225). وفي الحديثِ (لا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ بِوَلَدِها) أيْ: لا تُجْعَلْ وَالِهَةً بِتَفْرِيقِهِ مِنْها، البُخَارِيُّ في التَاريخِ الكَبير: (6/477) مِنْ حَديثِ عُيَيْنَةَ بْنِ عَاصِمِ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ، وابْنُ عَدِيٍّ: (6/2414)، مِنْ حَديثِ أَنَسٍ، والبَيْهَقِيُّ: (8/5) مِنْ حَديثِ أَبي بَكْرٍ الصِّديقِ. ومِنْ أَحاديثِ المَقَاصِدِ الحَسَنَةِ: ((مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلِدِها فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ القِيامَةِ)) رواه الإمامُ أحمدُ في مُسْنَدِهِ: (5/412، رقم: 23546)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي الْبَحْرِ وَعَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ وَمَعَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ـ رضي اللهُ عَنْهُ، فَمَرَّ بِصَاحِبِ الْمَقَاسِمِ، وَقَدْ أَقَامَ السَّبْيَ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا. قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِ وَلَدِهَا حَتَّى وَضَعَهُ فِي يَدِهَا، فَانْطَلَقَ صَاحِبُ الْمَقَاسِمِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحِبَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). وخرَّجهُ عنه التِرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ: (4/134، رقم: 1566)، وحسَّنَهُ، والحاكمُ في مستدركِهِ: (2/63، رقم: 2334) وصحَّحَهُ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وأخرجه الدارميُّ والبيهقيُّ والدارقطنيُّ والشهابُ وغيرُهم. ومِثْلُ هَذا وإنْ كانَ بَعيدًا بِالْنِسْبَةِ إلى الأَنْبِياءِ ـ عَلَيْهِمُ الصلاةُ والسَّلامُ، إلَّا أَنَّ القَضَاءَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلْ. قالَ الشَّيْخُ الأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ: إِذا شاءَ الحَقُّ إِنْفاذَ قَوْلِهِ تَعالى: {وكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدورًا} عَلى عُمومِ الأفْعالِ في العَبْدِ، بإيفاءِ زَلَّةٍ مِنْهُ، يُجْرِي عَلَيْهِ القَدَرَ بِمَا أَرادَهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلى مَقامِهِ، إنْ كانَ مِنْ أَهْلِ العِنَايَةِ والوُصُولِ. وقيلَ لأبِي يَزيدٍ البسطاميُّ ـ قُدِّسَ سِرُّهُ: أَيَعْصي العَارِفُ: فَقالَ: وكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدورًا. هَذا بِالنِسْبَةِ إِلى حَالِ يَعْقوبَ وابْتِلائِهِ، وأَمَّا بالنِسْبَةِ إلى يُوسُفَ، فقدْ حُكِيَ أَنَّهُ أَخَذَ يَوْمًا مِرَآةً فَنَظَرَ إِلى صُورَتِهِ، فأَعْجَبَهُ حُسْنُهُ وبَهاؤهُ، فقالَ: لَوْ كُنْتُ عَبْدًا فباعُوني لَمَا وُجِدَ لِي ثَمَنٌ، فابْتُلِيَ بالعُبودِيَّةِ، وبِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وكانَ ذَلِكَ سَبَبَ فِرَاقِهِ مِنْ أَبِيهِ. وفِيهِ إِشارَةٌ إِلى أَنَّ الجَمَالَ والكَمَالَ كُلَّهُ للهِ ـ سبحانَهُ وتَعَالَى وَحْدَهُ.
قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} قَالُوا: فعلٌ ماضٍ مَبَنِيٌّ على الضَّمِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به، مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ رَفْعِ فاعِلِهِ، والأَلِفُ الفارقةُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ. و "يَا أَبَانَا" اليَاءُ: أداةُ نداءٍ للمتوسِّطِ بُعْدُهُ، و "أَبَانَا" مَنصوبٌ على النِداءِ مُضافٌ وعلامةُ نَصبِهِ الألفُ لأنَّهُ مِنَ الأسماءِ الخَمْسَةِ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المتكلِّمينَ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ، وجُمْلَةُ النِّداءِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ ل "قال". و "إِنَّا" إنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسخٌ مُشبَّهٌ بالفِعلِ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المتكلِّمينَ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ نصبِ اسْمِهِ. و "ذَهَبْنَا" فعلٌ مُضارعٌ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" جماعةِ المتكلمينَ وهو ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، وجُمْلَةُ "ذهبنا" في مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرِ "إنَّ"، وجُمْلَةُ "إِنَّ" في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ ل "قالَ" عَلَى كَوْنِها جَوابَ النِّداءِ. و "نَسْتَبِقُ" فعْلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "نحنُ" يَعودُ عَلى إِخْوَةِ يُوسُفَ ـ عليهِ السلامُ، وهذه الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ فاعِلِ "ذَهَبْنَا".
قولُهُ: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} وَتَرَكْنَا: الواوُ
للعطفِ، و "تركنا" مثل "ذهبنا" معطوفةٌ عَلَيها. و "عِندَ" منصوبٌ على الظَرْفِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "تركنا" وهو مضافٌ، و "مَتَاعِنَا" مجرورٌ بالإضافةِ مضافٌ، و "نا" ضميرُ جَمَاعَةِ المُتَكَلِّمينَ متَّصلٌ بهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُكونِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "فَأَكَلَهُ" الفاءُ: عاطفةٌ، و "أكَلَ" فِعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في مَحَلِّ نصبِ مفعولِهِ، و "الذئبُ" فاعلُهُ مرفوعٌ. والجملةُ هذه على جُملَةِ "تَرَكْنا".
قولُه: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} الواوُ: عاطِفَةٌ. و "ما" حجازيَّةٌ أَوْ تَميمِيَّةٌ. "أَنْتَ" ضميرٌ منفصلٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محَلِّ رَفْعِ اسْمِ "ما" إنْ أُعْربتْ حجازيَّةً، أَو في محلِّ رفعِ مُبْتَدَأٍ، إنْ أُعربتْ تميميَّةً. و "بِمُؤْمِنٍ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ زائدٍ، و "مُؤْمِنٍ" مجرورٌ لَفظًا منصوبٌ محَلًا خَبَرًا ل "مَا" الحِجَازِيَّةِ، أوْ مرفوعةٌ خَبَرًا للمُبْتَدَأِ "أنت". و "لَنَا" اللامُ حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "مُؤمِنٍ"، و "نا" ضَميرُ جَمَاعَةِ المُتَكَلِّمينَ متَّصلٌ بهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ، وهذِه الجُملة الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلى جُملةِ "فَأَكَلَهُ" عَلى كونِها مَقولَ القولِ. و "وَلَوْ" الواوُ: اعتراضيَّةٌ أَوْ عاطفةٌ عَلى مَحْذوفٍ. و "لو" حرفُ شَرْطٍ غيرُ جازِمٍ. و "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" ضميرِ جماعةِ المُتَكَلِّمِينَ وهوَ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مَبْنِيٌّ
عَلى السُّكونِ في محلِّ رفعِ اسْمِ "كان"، و "صادقين" خبرُها منصوبٌ،
وعلامةُ نصبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمِ، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسْمِ المفردِ، والجملةُ الاسميَّةُ هذهِ فعلُ شرطِ "لو" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ، وجَوابُ "لو" مَحذوفٌ والتقديرُ: ولو كُنّا صادقينَ، لا تَّهَمْتَنا، وجملةُ "لَوْ" الشَرْطِيَّةُ معطوفةٌ على الجملةِ المَحذوفةِ، والجملةُ المَحذوفةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ ضَميرِ "لنا" تقديرُهُ: وما أَنْتَ بِمُؤمنٍ لَنَا حَالَةَ كَوْنِنا صَادِقينَ وغَيْرَ صادِقينَ.
قرأَ الجمهورُ: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} وفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إِنَّا ذَهَبْنَا نَنْتَضِلُ".