فض العليم .... سورة يوسف، الآية: 45
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ
(45)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} وقالَ الذي نَجَا مِنَ القَتَلِ مِنْ صَاحِبَيْ سِجْنِ نَبِيِّ اللهِ يوسفَ ـ عليه السلامُ، اللذيْنِ اسْتَعْبَرَا يُوسفَ الرُّؤيا وقد تَذَكَّرَ ما كانَ نَسِيَ مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ، وذِكْرَ حاجَتِهِ للمَلِكِ التي كانَ سَأَلَهُ أَنْ يبلِّغَها له عِنْدَ تعبيرِهِ رُؤْياهُ.
أَخْرجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ في تفسيرِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ نَبْوُ مِنَ الْمَلِكِ مَا سَمِعَ مِنْهُ وَمَسْأَلَتَهُ، عَنْ تَأْوِيلِهَا، ذَكَرَ يُوسُفُ، وَمَا كَانَ عَبَرَ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ.
وأخرجَ أيضًا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ نَبْوُ مِنَ الْمَلِكِ ذَكَرَ يُوسُفَ، وَمَا كَانَ عَبَرَ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ. وابْتَدَأَ كَلَامَهُ بِضَمِيرِهِ وَجَعَلَه مُسْنَدًا إِلَيْهِ وَخَبَرُهُ فِعْلِيٌّ لِقَصْدِ اسْتِجْلَابِ تَعَجُّبِ الْمَلِكِ مِنْ أَنْ يكون الساقي يُنْبِئُ بِتَأْوِيلِ رُؤْيَا عَوِصَتْ عَلَى عُلَمَاءِ بَلَاطِ الْمَلِكِ، مَعَ إِفَادَةِ تَقَوِّي الْحُكْمِ، وَهُوَ إِنْبَاؤُهُ إِيَّاهُمْ بِتَأْوِيلِهَا، لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ يُفِيدُ التَّقَوِّي، وَإِسْنَادُ الْإِنْبَاءِ إِلَيْهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْبَاءِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: "فَأَرْسِلُونِ". وَفِي ذَلِكَ مَا يَسْتَفِزُّ الْمَلِكَ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ لِيَأْتِيَ بِنَبَأِ التَّأْوِيلِ إِذْ لَا يَجُوزُ لِمِثْلِهِ أَنْ يُغَادِرَ مَجْلِسَ الْمَلِكِ دُونَ إِذْنٍ. وَقَدْ كَانَ مُوقِنًا بِأَنَّهُ يَجِدُ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي السِّجْنِ لِأَنَّهُ قَالَ: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ دُونَ تَرَدُّدٍ. وَلَعَلَّ سَبَبَ يَقِينِهِ بِبَقَاءِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي السِّجْنِ أَنَّهُ كَانَ سِجْنَ الْخَاصَّةِ فَكَانَ مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ إِطْلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ يَبْلُغُ مَسَامِعَ الْمَلِكِ وَشِيعَتِهِ.
قولُهُ: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} وادَّكَرَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَصْلُهُ: اذْتَكَرَ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الذِّكْرِ، قُلِبَتْ تَاءُ الِافْتِعَالِ دَالًا لِثِقَلِهَا وَلِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا ثُمَّ قُلِبَتِ الذَّالُ لِيَتَأَتَّى إِدْغَامُهَا فِي الدَّالِ لِأَنَّ الدَّالَ أَخَفُّ مِنَ الذَّالِ. وَهَذَا أَفْصَحُ الْإِبْدَالِ فِي ادَّكَرَ. وَهُوَ قِرَاءَة النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} الآية: 15، مِنْ سُورَةِ الْقَمَرِ. كَمَا فِي الصَّحِيحِ. يَعْنِي: أَنَّهُ أَجْهَدَ عَقْلَهُ وذِهْنَهُ؛ وافتَعَلَ التَّذَكُّرَ لأنَّ فَتْرَةً لا بَأْسَ بِها مِنَ الزَّمَنِ قدْ مَرَّتْ، وكلمَةُ "أُمَّة" تَعني فترةً مِنَ الزَّمَنِ؛ كَمَا في قولِ الحَقِّ تَبَارَكَ وتَعالى في سورةِ هودٍ: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} الآية: 8. أَيْ: بَعْدَ زَمَنٍ مَضَى عَلَى نِسْيَانِهِ وِصَايَةَ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِم، وَأَبُو الشَّيْخِ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ" قَالَ: بَعْدَ حِينٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعبدِ اللهِ بْنِ كَثيرٍ وَالسُّدِّيِّ ـ رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُم، مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ" يَقُولُ: عَدَّ سِنِينَ. وَأَخرج ابْن أبي حَاتِم في تفسيرِه، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ" يَقُولُ: بَعْدَ سِنينَ. وَأَخرج عَن الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِي الله عَنهُ، أَنَّهُ قَرَأَ: "وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ" قَالَ: بعدَ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ. وأَخرجَ أيضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، "وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ" قَالَ: بَعْدَ حِينٍ، وَهُوَ: الأَجَلُ الَّذِي يَعْلَمُهُ اللهُ. وأَخرج عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ اللهُ تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَيْ: بَعْدَ حِقْبَةٍ مِنَ الدَّهْرِ. وأخرجَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ" وَيُفَسِّرُهَا قَتَادَةُ: بَعْدَ نِسْيَانٍ.
وَقد أُطْلِقَت الْأُمَّةُ هُنَا عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، وَأَصْلُ إِطْلَاقِ الْأُمَّةِ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ هُوَ أَنَّهَا زَمَنٌ يَنْقَرِضُ فِي مِثْلِهِ جِيلٌ، وَالْجِيلُ يُسَمَّى أُمَّةً، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى في سُورَةِ آلِ عُمْرَان: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية: 110، عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الصَّحَابَةِ. وَإِطْلَاقُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُبَالَغَةٌ فِي زَمَنِ نِسْيَانِ السَّاقِي. وَفِي التَّوْرَاةِ كَانَتْ مُدَّةُ نِسْيَانِهِ سَنَتَيْنِ. وَضَمَائِرُ جَمْعِ الْمُخَاطَبِ فِي "أُنَبِّئُكُمْ" و "فَأَرْسِلُونِ" مُخَاطَبٌ بِهَا الْمَلِكُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى في الآية: 99، مِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ: {قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}.
وَلَمْ يُسَمِّ لَهُمُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُفَاجِئَهُمْ بِخَبَرِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ حُصُولِ تَعْبِيرِهِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ، إِذْ لَيْسَ مِثْلُهُ مَظِنَّةَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ المَسَاجِينِ.
قولُهُ: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ عَمَّنْ عِنْدَهُ عِلْمُهُ لَا مِنْ جِهَتِي. فَأَرْسِلُونِ، أَيِ ابْعَثُونِي إِلَيْهِ لِأَسْأَلَهُ، وَمُرُونِي بِاسْتِعْبَارِهِ، اسْتَأْذَنَ المَلكَ فِي الْمُضِيِّ إِلَى يُوسُفَ لِيُؤوِّلَ لَهُ رُؤياهُ. يَعْنِي أَنَّ التَأْويلَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ؛ بَلْ هُوَ يَعْرِفُ مَنْ يَسْتَطيعُ تَأْويلَ الرُّؤَى. ولم يُفصِحِ القرآنُ عَلى لِسانِ هذا الرَّجُلِ: إلى مَنْ سَوْفَ يَذهَبُ؛ لأنَّ ذَلِكَ معلومٌ بالنِّسْبَةِ لَهُ ولَنَا.
أخرجَ ابْنُ أبي حاتمٍ عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَكُنِ السِّجْنُ فِي الْمَدِينَةِ فَانْطَلَقَ السَّاقِي إِلَى يُوسُفَ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} الواوُ: عاطفةٌ، و "قَالَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، و "الَّذِي" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "قَالُوا". و "نَجَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ المقدَّر على آخِرِهِ لتعذُّر ظهورِه على الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ على الاسمِ المَوْصُولِ "الذي"، والجُمْلَةُ صِلَةِ المَوْصولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "مِنْهُمَا" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بحالٍ مِنْ ضميرِ الفاعِلِ في "نَجَا"، و "هُما" ضَميرُ المُثَنَّى الغائبِ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} الواوُ: واوُ الحالِ. و "ادَّكَرَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعلُه ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هو" يعود علَى "الَّذِي". "بَعْدَ" منصوبٌ على الظرفيَّةِ الزمانيَّةِ، متعلِّقٌ بِـ "ادَّكَرَ"، و "أُمَّةٍ" مُضَافٌ إِلَيْهِ مجرورٌ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ ضميرِ الفاعِلِ في "نَجَا" أَو مِنَ المَوْصولِ، أو أَنَّها عَطْفٌ على جملةِ "نجا" فلا مَحَلَّ لها لنَسَقِها على ما لا محلًّ لَهُ.
قولُهُ: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} أَنَا: ضميرُ المتكلِّمِ منفصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ في محلِّ الرفع بالابتداءِ. و "أُنَبِّئُكُمْ" فِعْلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه وُجوبًا تقديرُهُ "أنا" يعودُ عَلى الاسمِ الموصولِ "الَّذِي" وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ نصبِ مَفعولِهِ الأول، والميمُ علامةُ المُذكَّرِ. و "بِتَأْوِيلِهِ" الباءُ حرفُ جرٍّ زَائدَةٌ، و "تأويلِ" اسمٌ مجرورٌ بِحَرْفِ الجرِّ لَفْظًا، مَنْصوبٌ محلًا على أنّهُ مفعولٌ ثانٍ ل "أُنبئكم" وهو مضافٌ والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، والجملةُ الفِعْلِيَّةُ هذه في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبرًا للمبتدأ، والجُمْلَةْ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مقولًا ل "قَالَ". و "فَأَرْسِلُونِ" الفاءُ: عاطِفَةٌ. و "أرسلوا" فعلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ، لأنَّه من الأفعالِ الخمسَةِ، والواو: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والنُونُ للوِقايَةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفةُ اجْتِزاءً عَنْها بِكَسْرَةِ نونِ الوِقايَةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ، والجُمْلَةُ في محلِّ النَّصبِ عطْفًا عَلى جُمْلَةِ "أَنَا أُنَبِّئُكُمْ".
قرأَ العامَّةُ: {ادَّكَرَ} بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وأَصْلُها: "اذْتَكَرَ" على وزنِ "افتعلَ" مِنْ الذِّكْرِ، فَوَقَعَتْ تاءُ الافْتِعالِ بَعْدَ الذالِ فأُبْدِلَتْ دالًا فاجْتَمَعَ مُتَقَارِبانِ فأُبْدِلَ الأَوَّلُ مِنْ جِنْسِ الثاني وأُدْغِمَ. وقرَأَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ بِذالٍ مُعْجَمَةٍ. وَوَجَّهُوها بِأَنَّهُ أَبْدَلَ التَّاءَ ذَالًا مِنْ جِنْسِ الأُولى وأَدْغَمَ، وكَذا الحُكْمُ في قولِه: {مُّدَّكِرٍ} الآية: 15 من سورةِ القَمَرِ.
وقرأَ العامَّةُ: {أُمَّة} بِضَمِّ الهَمْزَةِ وتَشْديدِ المِيمِ وتاءٍ مُنَوَّنَةٍ، وهِيَ المُدَّةُ الطَويلَةُ. وقرَأَ الأَشْهَبُ العَقيلِيُّ "إمَّةٍ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، وفَسَّروها بالنِعْمَةِ، أيْ: بَعْدَ نِعْمَةٍ أُنْعِمَ بِها عَلَيْهِ وهي خَلاصُهُ مِنَ السِّجْنِ ونَجَاتُهُ مِنَ القَتْلِ، وأَنْشَدَ الزَمَخْشَرِيُّ لِعَدِيِّ بْنِ زيدٍ:
ثمَّ بعْدَ الفَلاَحِ والمُلْكِ والإِمَّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةِ وارَتْهُمُ هُنَاك القُبُورُ
وقال زُهيرُ ابْنُ أبي سُلمى:
أَلَا لَا أَرَى ذَا إِمَّةٍ أَصْبَحَتْ بِهِ .............. فَتَتْرُكُهُ الْأَيَّامُ وَهِيَ كَمَا هِيَا
قَالَ الْأَعْلَمُ: الْأُمَّةُ النِّعْمَةُ، وَالْحَالُ الْحَسَنَةُ. وَقَرَأَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَشُبَيْلُ بْنُ عَزْرَةَ الضُّبَعِيُّ، وَرَبِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو: بَعْدَ أَمَهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْمِيمُ مُخَفَّفَةٌ، وَهَاءٌ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُمْ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَأَيْضًا مُجَاهِدٌ، وَشُبَيْلُ بْنُ عَزْرَةَ: بَعْدَ أُمْهِ بِسُكُونِ الْمِيمِ، مَصْدَرُ أَمَهَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
وقرأ العامَّةُ: {أَنَا أُنْبِئُكم} من الإنباءِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ "أَنَا أَتِيكُمُ" مُضَارِعُ أَتَى مِنَ الْإِتْيَانِ، وَكَذَا فِي الْإِمَامِ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ
وقرأ العامَّةُ: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ}، وقرأَ الحَسَنُ "أَنَا آتيكم" مُضَارِعُ أَتى مِنَ الإِتْيانِ، وهوَ قَريبٌ مِنْ مَعْنَى الأَوَّلِ.