فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 41
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
قولُهُ ـ تعالى شَأْنُهُ: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} لَمَّا فَرَغَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مِنْ بَيَانِ الحَقِّ لَهُمَا في مَسْأَلَةِ التَوْحيدِ، وعِبَادَةِ اللهِ تَعَالى وَحْدَهُ، شَرَعَ في تَعْبيرِ رُؤْياهُما فقَالَ للشَّابَّيْنِ: إِنَّ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ الذِي رَأَى نَفْسَهُ فِي المَنَامِ يَعْصِرُ خَمْرًا، سَيَخْرُجُ مِنَ السِّجْنِ، وَسَيَسْقِي سَيِّدَهُ المَلِكَ "رَبَّهُ" الخَمْرَ. ويَعْنِي بِرَبِّهِ: مَالِكُ رَقَبَتِهِ وَهُوَ الْمَلِكُ، لَا رُبُوبِيَّةَ الْعُبُودِيَّةِ، فَمَلِكُ مِصْرَ فِي عَهْدِ يُوسُفَ لَمْ يَدَعِ الرُّبُوبِيَّةَ وَالْأُلُوهِيَّةَ كَفِرْعَوْنَ مُوسَى وَغَيْرِهِ، بَلْ كَانَ مِنْ مُلُوكِ الْعَرَبِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ مَلَكُوا الْبِلَادَ عِدَّةَ قُرُونٍ. وقد رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: مَا أَحْسَنَ مَا رَأَيْتَ، أَمَّا حُسْنُ الْعِنَبَةِ فَهُوَ حُسْنُ حَالِكَ، وَأَمَّا الْأَغْصَانُ الثَّلَاثَةُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يُوَجِّهُ إِلَيْكَ الْمَلِكُ عِنْدَ انْقِضَائِهِنَّ، فَيَرُدُّكَ إِلَى عَمَلِكَ فَتَصِيرُ كَمَا كُنْتَ بَلْ أَحْسَنَ. وقد عَبَّرَ رؤياهُ هذِهِ عَلى العَوْدِ إِلى ما كانَ يَعْمَلُ مِنْ قَبْلُ؛ لمَّا رَأَى أَنَّهُ كانَ عَمِلَ عَلى ما كانَ يَعْمَلُ مِنْ قَبْلُ.
أخرجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، قَالَ: أَتَاهُ فَقَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنِّي غَرَسْتُ حَبَّةً مِنْ عِنَبٍ، فَنَبَتَتْ، فَخرجَ فِيهِ عَنَاقيدُ، فعَصَرْتُهُنَّ ثمَّ سَقَيْتُهُنَّ الْمَلِكَ فَقَالَ: تَمْكُثُ فِي السِجْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثمَّ تَخْرُجُ فَتَسْقيهِ خَمْرًا.
قولُهُ: {وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} وَإِنَّ الآخَرَ ـ وَهُوَ الذِي رَأَى أَنَّهُ يَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِهِ خُبْزًا تَأْتِي الطَّيْرُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ ـ فَإِنَّهُ سَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ لَحْمِ رَأْسِهِ، ولم يُعَيِّنْهُ فيذكُرْهُ باسْمِهِ اعتمادًا على دلالَةِ الحالِ، ورِعايةً لِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، أَوْ كراهَةَ التَّصريحِ لهُ بِأَنَّهُ سَيُصْلَبُ. ورُوِيَ أَنَّهُ قالَ لَهُ لَمَّا قَصَّ عَلَيْهِ: بِئْسَمَا رَأَيْتَ، السِّلَالُ الثَّلَاثُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، يُوَجِّهُ إِلَيْكَ الْمَلِكُ عِنْدَ انْقِضَائِهِنَّ فَيَصْلُبُكَ وَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ. وقد عَبَّرَ رُؤيا الخَبّازِ على هذا النَّحْوِ؛ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ حَمَلَ الخُبْزَ على رَأْسِهِ، والخُبْزُ إذا خَبَزَهُ الخَبَّازُ لا يَحْمِلُهُ عَلى رَأْسِهِ في العادةِ؛ فَرَأَى أَنَّ أَمْرَهُ قدِ انْتَهى؛ إذْ عَمِلَ عَلى خِلافِ ما كان يَعْمَلُ مِنْ قَبْلُ؛ "فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ"، فعَبَّرَ أَنَّهُ يُصْلَبُ وتَأْكُلُ مِنْ رَأْسِهِ الطيرُ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ حَمَلَ الخُبْزَ عَلى رَأْسِهِ؛ وقد كانَ يَخْبِزُ مِنْ قَبْلُ للعِبَادِ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّه يَخْبِزُ لِغَيْرِهِم عَبَّرَ أَنَّهُ يَهْلِكُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ.
قولُهُ: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} ثُمَّ قَالَ لَهُمَا إِنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ سَيَقَعُ بِتَمَامِهِ، وَإِنَّهُ أَمْرٌ مَقْضِيٌّ مِنَ اللهِ. ورُوِي فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُمَا قَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا فَقَالَ: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ.
وَالِاسْتِفْتَاءُ فِي اللُّغَةِ السُّؤَالُ عَنِ الْمُشْكَلِ الْمَجْهُولِ، وَالْفَتْوَى جَوَابُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ نَبَأً أَمْ حُكْمًا، وَقَدْ غَلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى عُمُومِهِ قولُهُ بعد ذلك: {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} الآية: 43، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْفُتُوَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنَى الْقُوَّةِ وَالْمَضَاءِ وَالثِّقَةِ. وإِنَّ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، زَائِدَةٌ عَلَى مَا عَبَّرَ بِهِ رُؤْيَاهُمَا، دَاخِلَةٌ فِي قِسْمِ الْمُكَاشَفَةِ، وَقد نَبَّأَ الْغَيْبَ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَجَعَلَهُ آيَةً لَهُ لِيَثِقُوا بِقَوْلِهِ، وَهُمْ أُلُو عِلْمٍ وَفَنٍّ وَسِحْرٍ، وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ عَلِمَ بِوَحْيِ رَبِّهِ أَنَّ الْمَلِكَ قَدْ حَكَمَ فِي أَمْرِهِمَا بِمَا قَالَهُ، لَا مِنْ بَابِ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا رَأَيَا مِنَ النَّوْعِ الصَّادِقِ مِنْهَا لَا مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَا لِأَجْلِهِ قَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا، فَقِيلَ إِنَّهُمَا وَضَعَا هَذَا الْكَلَامَ لِيَخْتَبِرَا عِلْمَهُ بِالتَّعْبِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا مَا رَأَيَا شَيْئًا، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا لَمَّا كَرِهَا ذَلِكَ الْجَوَابَ قَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَحْيِ مِنْ قِبَلِ الله تَعَالَى أَمْ بِنَاءً عَلَى عِلْمِ التَّعْبِيرِ؟ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نَقَلَ أَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْبِيرِ، وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى في الآيةِ التي تَليها: {وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا} الآية: 42، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ مَبْنِيًّا عَلَى الْوَحْيِ لَكَانَ الْحَاصِلُ مِنْهُ الْقَطْعَ وَالْيَقِينَ لَا الظَّنَّ وَالتَّخْمِينَ، وَالثَّانِي: بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ عِلْمَ التَّعْبِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ.
ولَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا لَمَّا سَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَنَامِ صَدَقَا فِيهِ أَوْ كَذَبَا، فَإِنَّ الله تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّ عَاقِبَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ الْغَيْبِ عِنْدَ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَقَعَ فِي الظَّنِّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْبِيرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ بَنَى ذَلِكَ الْجَوَابَ عَلَى عِلْمِ التَّعْبِيرِ، وَقَوْلُهُ: "قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ" مَا عَنَى بِهِ أَنَّ الذي ذَكَرَهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ بَلْ عَنَى بِهِ أَنَّهُ حَكَمَهُ فِي تَعْبِيرِ مَا سَأَلَاهُ عَنْهُ ذَلِكَ الذي ذَكَرَهُ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ في تَفْسيرِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قال: ثُمَّ قَالَ لِ "مِجْلِثَ" أَمَّا أَنْتَ فَتُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ، وَقَالَ لِ "نَبْوَ" أَمَّا أَنْتَ فَتُرَدُّ عَلَى عَمَلِكَ، يَرْضَى عَنْكَ صَاحِبُكَ، "قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ".
وأَخرج أَيضًا عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا فَيُعَادُ عَلَى مَكَانِهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ. فَفَزِعَا، وَقَالا مِمَّا عَبَّرَ؟ وَاللهِ مَا رَأَيْنَا شَيْئًا. قَالَ يُوسُفُ: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ.
وأخرج أيضًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَصَّا عَلَى يُوسُفَ، فَأَخْبَرَهُمَا قَالا: إِنَّا لَمْ نَرَ شَيْئًا، قَالَ: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ يَقُولُ: وَقَعَتِ الْعِبَارَةُ.
وَأخرج ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنِ عبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: مَا رأى صاحِبَا سِجْنِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَام، شَيْئًا، إِنَّمَا تحاكَمَا إِلَيْهِ لِيُجَرِّبَا عِلْمَهُ فَلَمَّا أَوَّلَ رُؤْياهُمَا قَالَا: إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ وَلَمْ نَرَ شَيْئًا فَقَالَ: "قُضِيَ الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفتيان" يَقُول: وَقعَتِ الْعِبَارَة فَصَارَ الْأَمرُ عَلَى مَا عَبَّرَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَخرج أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبي مِجْلزٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَحَدُ اللَّذيْنِ قَصَّا عَلى يُوسُفَ الرُّؤْيَا كَاذِبًا.
وَأَخرجَ ابْنُ جَريرٍ، وَأَبُو الشَّيْخ، عَن مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ "قُضِيَ الْأَمرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ" قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِمَا: مَا رَأَيْنَا رُؤْيا إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ. قَالَ: قد وَقعَتِ الرُّؤْيَا على مَا أُوِّلَتْ.
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، للخَبَّازِ: إِنَّكَ تُصْلَبُ فتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ. وَقَالَ للساقي: أَمَّا أَنْتَ فَتُرَدُّ عَلَى عَمَلِكَ، فَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا قَالَا حِينَ عَبَّرَ: لَمْ نَرَ شَيْئًا، قَالَ: "قُضِيَ الْأَمرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ".
قولُهُ تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} يا: أَداةُ نِداءٍ للمُتَوَسِّطِ بُعدُهُ، و "صاحبَيْ" مُنَادى مُضافٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصْبِ الياءُ لأنَّهُ مثنَّى، وجُمْلَةُ النِّداءِ في مَحَلِّ النَّصْبِ، مَقولُ "قَالَ"، وهو مِنْ إِضافَةِ الوَصْفِ إِلَى الظَّرْفِ؛ أَيْ: يا صاحِبَيْنِ لِي في السِّجْنِ، أَوْ مِنْ بابِ الإضافَةِ إِلى الشَّبيهِ بالمَفعولِ، والمَعْنَى: يا ساكِنَيِ السِّجْنِ. و "أَمَّا" حَرْفُ شَرْطٍ وتَفْصيلٍ. و "أَحَدُكُمَا" مُبْتَدَأٌ مرفوعٌ مضافٌ، والكافُ للخطابِ والميمُ للمذكَّر، وأَلِفُ التثنيةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرِّ مضافٍ إِلَيْهِ. و "فَيَسْقِي" الفاءُ: رابطةٌ لِجَوابِ "أَمَّا" واقعةٌ فٌي غَيْرِ مَوْضِعِها، و "يسقي" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ المُقدَّرةُ على آخرِهِ للثقلِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هو" يعود على "أَحَدُكما". و "رَبَّهُ" مفعولٌ بهِ أوَّلُ، وهو مضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ به في مَحَلِّ حرِّ مُضافٍ إليه، و "خَمْرًا" مفعولُهُ الثاني، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جَوابُ "أَمَّا" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ، وجُمْلَةُ "أَمَّا" في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولَ قولٍ ل "قَالَ" على كونِها مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا بَيَانِيًّا.
قولُهُ: {وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} الواوُ: حرفُ عطفٍ. و "أما" حَرْفُ شَرْطٍ وتفصيلٍ. و "الْآخَرُ" مُبْتَدَأٌ مرفوع. و "فَيُصْلَبُ" الفاءُ: رابِطَةٌ لِجَوابِ "أَمَّا". و "يُصْلَبُ" فعلٌ مُضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، ونائبُ فاعِلِهِ ضَميرٌ مستترٌ جوازًا تقديرُهُ "هو" يعودُ عَلى "الآخَرُ" والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذه في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا للمُبتدأِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جَوابُ "أما"، وجُمْلَةُ "أمَّا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أمَّا" الأُولى. و "فَتَأْكُلُ" الفاءُ: عاطِفَةٌ. و "تأكلُ" فِعْلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازِمِ، و "الطيرُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ للتبعيضِ متعلِّقٌ بِهِ، و "رَأْسِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليه، والجملة الفعليَّةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "يُصْلَبُ".
قولُهُ: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} قُضِيَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌ للمجهولِ مبنيٌّ على الفتحِ، و "الْأَمْرُ" نائبٌ عن فاعِلِه مرفوعٌ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مقولَ القولِ ل "قَالَ". و "الَّذِي" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرفعِ صِفَةً لِـ "الأمرُ". و "فِيهِ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ. و "تَسْتَفْتِيَانِ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثباتُ النونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ من الأفعال الخمسةِ، وألِفُ الإثنين ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصولِ، والعائدُ ضِميرُ "فيه".
قرأ العامَّةُ: {فَيَسْقِي} بفتحِ الياءِ، مِنْ سَقَاهُ يَسْقيهِ. وقَرَأَ عِكْرِمَةُ في روايةٍ عنه: "فَيُسْقي" بِضَمِّ حَرْفِ المُضارَعَةِ مِنْ "أَسْقَى" وهُمَا لُغَتَانِ، يُقالُ: سَقَاهُ وأَسْقاهُ، وهما قِراءتان في السبعة: {نَسْقيكم} و {نُسْقيكم} مما في بطونه}. ونَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عِكْرِمَةَ والجَحْدَرِيِّ أَنَّهُما قَرَآ "فَيُسقَى ربُّه" مبنيًّا للمَجهولِ ورَفْعْ "ربُّه". وسقاهُ وأسقاهُ بمعنى، يقالُ: سقاهُ اللهُ الغَيْثَ وأَسْقَاهَ، كما جاءَ في لِسَانِ العَرَبِ لابْنِ مَنْظورِ. ويُقالُ: سَقَيْتُهُ لِشَفَتِهِ وأَسْقَيْتُهُ لِدَابَّتِهِ وأَرْضِهِ. كما جاءَ عَنْ سِيبَوَيْهِ: سَقَاهُ وأَسْقاهُ: جَعَلَ لَهُ مَاءً أَوْ سِقْيًا (بِكَسْرِ السِّينِ). فسَقَاهُ ك كَسَاهُ، وأَسْقَى ك أَلْبَسَ. فالفعلُ مُتَعَدٍّ لاثْنَيْنِ.