عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 21 السبت نوفمبر 10, 2012 2:46 pm | |
| إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) هذا تعريضٌ ببني إسرائيل، وذاك لأنَّ أبا عبيدةَ بنَ الجرَّاحِ قال: قلت: يا رسول الله، مَنْ أشَدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامة؟ قال: ((من قَتَلَ نبيًّا أو رجلًا أَمَرَ بمعروفٍ ونهى عن مُنكَرٍ"، ثمَّ قَرَأَ الآيةَ، وقال: ((يا أبا عبيدة قَتَلَ بَنو إِسرائيلَ ثلاثةً وأَربعين نبيًّا في ساعةٍ مِن صدرِ النَّهارِ، فقام مئةٌ واثنا عشرَ رجلًا من عُبَّادهم، فأمروهم بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فقُتِلُوا جميعهم آخر النهار".وأُعيدَ "يقتلون" ولم يقل: ويقتلون النبيين ويقتلون الذين يأمرون؟ لأمرين: أحدُهما تفظيعًا لشأنِهم. والثاني: أنَه يَجوزُ أنْ يكون أحدَ القتليْن تفويتُ الروح والآخرَ الإِهانةُ وإماتةُ الذِكْرِ، وذلك كثيرٌ في كلامهم. وفي قوله ـ سبحانه ـ: "وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ"، وقتلُهم لا يكون بِحقٍّ أبداً حتّى يحتاج إلى تقييدِه بذلك؟ قيل: إنَّ قولَه "بِغَيْرِ حَقٍّ" ليس يتعلَّق بقولِه "وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ"، بل هو من صِفةِ الذين يكفرون، كأنَّه قال: هم يَقتلون، وهم غيرُ محقِّين، وَوَصَفَهم بذلك مِنْ أنَّهم غيرُ مُحِقّين في جميعِ أحوالِهم، وتَخصيصُه للاستقبال في قوله: "وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ" كتخصيصه في قوله: {تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ}، وقد تقدَّم تخصيصُ لفظ البشارة في العذاب. مع كونِه موضوعًا لِما يَسُرُّ. وقد عنى بقولِه: "مِنَ النَّاسِ" وجودَ الفضيلة المختصَّةِ بالإنسانِ في النَّبيِّين، والآمرين بالقسط، وذلك نحو قولهم: فلان هو إنسان، وعليه قول الشاعر:إذ الناسُ ناس والزمان يَعِزُّ به.ويمكن أنْ يكونَ هذا للإشارة إلى أنَّهم لَيْسوا بأنبياءَ بلْ مِنَ الناسِ غيرِ المبعوثين، وفي قَرنِهم بالأنبياءِ، وإثْباتِ أنَّ الاعتداءَ عليهِم قرينُ الاعتِداءِ على الأنبياءِ إشارة إلى بَيانِ مَنزِلتِهم، وأنَّهمْ يَعملونَ عمَلَ النبيِّين وأنَّهم حقيقةً وَرَثةُ الأنبياء، بالقيامِ بحقِّ هذا الواجب المقدس، فإنَّ لم يقوموا بهذا الواجبِ فليس لهم من وِراثةِ الأنبياءِ شيءٌ. وهذه بعضُ أَعمال أسلافِ الذين كانوا يُحاجُّون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد ذُكِرتْ تلكَ الأعمالُ للدَّلالَةِ على أنَّهم لَا يَطلُبونَ الحقَّ، وإنَّما يَلجّون في الباطلِ، وقد ذهبتْ لُجاجَتُهم إلى دَرَجَةِ أنْ يَقتلوا الداعينَ إلى الحَقِّ، فقتلوا بعضَ النَّبيين، وقتلوا بعضَ الذين يَدعون إلى القِسْطِ. وقد ذَكَرَ سبحانَه لهم وصفًا، ثمَّ ذَكرَ مِن أعمالِهم عمليْن يتَّصِلان بوصفِهم؛ أمَّا الوصفُ فهو أنَّهم يَكفرون بآيات اللهِ، أيْ يَكفرون بالحُجَجَ والبيِّناتِ المُثبتةِ لوحدانيَّةِ اللهِ، ولِرسالة رُسُلِهِ وصِدْقِ دَعَواتِهم، فهم لَا يَكفرون فقط بالله، بل يكفرون مع ذلك بالآيات الدالَّة المُثبَتَةِ، وهذا أقصى ما يَصلُ إليه الضالُّون، لَا يهتدون إلى الحق، ويغلقون عقولهم فلا يمكن أن تصلَ إليها دعوةُ الحقِّ، ويَمنعُ الغرضُ مداركَهم مِن أنْ تفهمَ ما تُشيرُ إليه الآياتُ البيِّنات وأَمثالُ هؤلاء لَا تُجدي معهم مُحاجَّةٌ، فهم قومٌ بُورٌ، كما عبَّر القرآنُ الكريم عن أمثالِهم، وإنَّهم لِكفرِهم بالحقَّ وعِنادِهم، وصَمِّ آذانِهم عن أنْ تَستمَع إلى الداعي إليه اندفعوا فعملوا عملين وهما: قتلُ النبيّين، وقتْلُ الدُّعاةِ إلى القسطِ؛ والقِسْطُ هو الحقُّ والمِيزانُ والاعتِدالُ والمَعقولُ في كلِّ شيءٍ، وهؤلاءِ اليهودُ قد قتَّلوا بعضَ النَّبيِّينَ كـ "يَحْيى بن زكريا" عليهِما السلامُ فكيف يُقال إنَّهم قَتلوا النبيّين، ولم يَقلْ بعضَ النبيين؟ والجواب عن ذلك أنّهم استهانوا بمقامِ النُّبُوَّةِ، ومقامِ الدعوةِ إلى الحَقِّ، فاعتَدوا ذلك الاعتداءَ على بعضِ النبيِّين، ومَن فعل ذلك معَ بعضٍ فقد اعتدى على مقام النبوَّةِ فكأنَّما قَتَلَ كلَّ الأَنبياءِ، كما قال تعالى: {ومَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَاد فِي الأَرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. وإسنادُ القتْلِ إلى مَن كان من اليهود معاصراً للرسول الكريم محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإن لمْ يَصْدُرْ منهم قتلٌ لوجهيْن: أحدُهُما: أنَّ هذه الطريقةَ لمّا كانت طريقةَ أسلافِهم صَحَّتْ إضافتُها إليهم إذْ صُنْعُ الأَبِ قد يُضافُ إلى الابنِ لا سِيَّما إذا كان راضياً به، الثاني: أنَّه عنى بأنَّ القتلَ مِن شأنهم في حال عدم وُجودِ مانعٍ يَمنعُهم من ذلك.وقد ذكر سبحانَه عقابَ هؤلاء وهو العذابُ الأليمُ، فقال تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي أنَّ جزاءَهم في الآخرةِ عذابٌ مُؤلِمٌ يَنزِلُ بهم.قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ} لَمَّا ضُمِّن هذا الموصولُ معنى الشرطِ دَخَلَتِ الفاءُ في خبرِه، وهو قولُه: فبشِّرْهُم، وهذا هو الصحيحُ، أَعني أنَّه إذا نُسِخَ المُبتَدأُ بـ "إنَّ" فجوازُ دخولِ الفاءِ باقٍ، لأنّ المَعنى لم يتغيَّرْ، بل ازدادَ تأكيداً. كقولِه: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات} البروج: 10. الآية، وكذلك إذا نُسِخَ بـ "لكنَّ" كقوله: فو الله ما فَارَقْتُكُمْ عن مَلالةٍ ............. ولكنَّ ما يُقْضَى فسوف يكونوكذلك إذا نُسِخَ بـ "أنَّ" المفتوحة كقولِه تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} الأنفال: 41، أمَّا إذا نُسِخَ بليتَ ولعلَّ وكان، امتنعتِ الفاءُ عندَ الجميعِ لتغيُّرِ المعنى. قوله: {وَيَقْتُلُونَ} قرأ حمزة "ويُقاتلِون" من المُقاتَلَةِ، والباقون: "ويَقْتُلون" كالأولِ، فأمَّا قراءةُ حمزةَ فإنَّه غايَرَ فيها بيْن الفِعليْن وهي موافِقةٌ لقراءةِ عبد الله: "وقاتِلوا" من المُقاتَلَةِ، إلاَّ أنَّه أتى بِصيغَةِ المَاضي، وحمزةُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ المُضارعُ في قراءتِه لِحِكايَةِ الحَالِ، ومعناهُ المُضِيُّ. وأمَّا الباقون فقيل في قراءتهم: إنَّما كَرَّرَ الفِعلَ لاخْتِلافِ مُتَعَلَّقِهِ، أو كُرِّرَ تأكيداً، وقيل: المرادُ بأحدِ القَتْليْن تفويتُ الروحِ وبالآخرِ الإِهانةُ، فلذلك ذَكَر كلَّ واحدٍ على حِدَتِه، ولولا ذلك لكان التركيبُ: ويقتلون النبيين والذين يَأْمُرون. وقرأ الحسن: "ويُقَتِّلون" بالتَّشديدِ ومعناه التَّكثيرُ. وجاء هنا "بغيرِ حق" مُنَكَّراً، وفي البقرة: {بِغَيْرِ الحق} الآية: 61 مُعَرَّفاً قيل: لأنَّ الجُملةَ هنا أُخْرِجَتْ مُخْرَجَ الشرطِ، وهو عامٌ لا يتخصَّصُ فلِذلك ناسَبَ أن تُنَكَّر في سياقِ النفي ليعُمَّ، وأمَّا في البقرةِ فجاءَتْ الآيةُ في ناسٍ مَعْهودين مُشَخَّصِين بأعيانِهم، وكانُ الحقُّ الذي يُقْتَلُ به الإِنسانُ معروفاً عندهم فلم يُقْصَدْ هذا العمومُ الذي هنا، فَجِيءَ في كلَّ مكان بما يناسِبُه. قوله: {من الناس} من: إمَّا بيانٌ وإمَّا للتبعيض، وكلاهما معلومٌ أنهم من الناسِ، فهو جارٍ مَجْرى التأكيدِ. | |
|