عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران:الآية: 1 الأحد أكتوبر 28, 2012 4:23 pm | |
| سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ. وَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّ اسْمَهَا فِي التَّوْرَاةِ طَيْبَةُ. وقد وَرَدَ فِي فَضْلِهَا آثَارٌ وَأَخْبَارٌ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ أَنَّهَا أَمَانٌ مِنَ الْحَيَّاتِ، وَكَنْزٌ لِلصُّعْلُوكِ، وَأَنَّهَا تُحَاجُّ عَنْ قَارِئِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَيُكْتَبُ لِمَنْ قَرَأَ آخِرَهَا فِي لَيْلَةٍ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. ذَكَرَ أبو محمدٍ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نِعْمَ كَنْزُ الصُّعْلُوكِ سُورَةُ "آلِ عِمْرَانَ" يَقُومُ بِهَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ. وعَنْ أَبِي السَّلِيلِ "ضُريبٌ بنُ نقير" قَالَ: أَصَابَ رَجُلٌ دَمًا: فَأَوَى إِلَى وَادِي مَجَنَّةَ: وَادٍ لَا يَمْشِي فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا أَصَابَتْهُ حَيَّةٌ، وَعَلَى شَفِيرِ الْوَادِي رَاهِبَانِ، فَلَمَّا أَمْسَى قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَلَكَ وَاللَّهِ الرَّجُلُ! قَالَ: فَافْتَتَحَ سُورَةَ "آلِ عِمْرَانَ" قَالَا: فَقَرَأَ سُورَةَ طَيْبَةَ لَعَلَّهُ سَيَنْجُو. قَالَ: فَأَصْبَحَ سَلِيمًا. وَأَسْنَدَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ "آلِ عِمْرَانَ" يَوْمَ الْجُمْعَةِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى اللَّيْلِ. وَأَسْنَدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: مَنْ قَرَأَ آخِرَ سُورَةِ "آلِ عِمْرَانَ" فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يؤتى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ـ وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ(ضوء)، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ (جماعتان) مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ صاحبهما. وخرَّجَ أيضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((اقْرَؤوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ". قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ سلام: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ. ولِلْعُلَمَاءِ فِي تَسْمِيَةِ "الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ" بِالزَّهْرَاوَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: إِنَّهُمَا النَّيِّرَتَانِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّهْرِ وَالزُّهْرَةِ، فَإِمَّا لِهِدَايَتِهِمَا قَارِئَهُمَا بِمَا يُزْهِرُ لَهُ مِنْ أَنْوَارِهِمَا، أَيْ مِنْ مَعَانِيهِمَا. وَإِمَّا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قِرَاءَتِهِمَا مِنَ النُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي. الثَّالِثُ: سُمِّيَتَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَتَا فِيمَا تَضَمَّنَهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا. وَالْغَمَامُ: السَّحَابُ الْمُلْتَفُّ، وَهُوَ الْغَيَايَةُ إِذَا كَانَتْ قَرِيبًا مِنَ الرَّأْسِ، وَهِيَ الظُّلَّةُ أَيْضًا. وَالْمَعْنَى: إِنَّ قَارِئَهُمَا فِي ظِلِّ ثَوَابِهِمَا، كَمَا جَاءَ "الرَّجُلُ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ" وَقَوْلُهُ: "تُحَاجَّانِ" أَيْ يَخْلُقُ اللَّهُ مَنْ يُجَادِلُ عَنْهُ بِثَوَابِهِمَا مَلَائِكَةً كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: إِنَّ مَنْ قَرَأَ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْآيَةَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعِينَ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَوْلُهُ: "بَيْنَهُمَا شَرْقٌ قُيِّدَ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الضِّيَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: "سَوْدَاوَانِ" قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا مُظْلِمَتَانِ، فَنَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "بَيْنَهُمَا شَرْقٌ" وَيَعْنِي بِكَوْنِهِمَا سَوْدَاوَانِ أَيْ مِنْ كَثَافَتِهِمَا الَّتِي بِسَبَبِهَا حَالَتَا بَيْنَ مَنْ تَحْتِهِمَا وَبَيْنَ حَرَارَةِ الشَّمْسِ وَشِدَّةِ اللَّهَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وقد نَزَلَ صَدْرُ هَذِهِ السُّورَةِ بِسَبَبِ وَفْدِ نَجْرَانَ فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عن محمد ابن جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانُوا نَصَارَى وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة فِي سِتِّينَ رَاكِبًا، فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَيْهِمْ يَرْجِعُ أَمْرُهُمْ: الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو آرَائِهِمْ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ ثِمَالُهُمْ وَصَاحِبُ مُجْتَمَعِهِمْ وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَحَدُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أُسْقُفُّهُمْ وَعَالِمُهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْرَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ "ضربٌ من الثياب اليمانية" جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهَمْ جَمَالًا وَجَلَالَةً. وَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فَصَلَّوْا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَشْرِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعُوهُمْ)). ثُمَّ أَقَامُوا بِهَا أَيَّامًا يُنَاظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالٍ شنيعةٍ مضطرِبة، ورسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَنَزَلَ فِيهِمْ صَدْرُ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى نَيِّفٍ وَثَمَانِينَ آيَةً، إِلَى أَنْ آلَ أَمْرُهُمْ إِلَى أَنْ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ (المباهلة: أنْ يَجتَمِعَ القومُ إذا اختلفوا في شيءٍ فيقولوا: لعنةَ اللهِ على الظالم منا)، حَسْبَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيرَةِ ابْنِ إسحاق وغيره.رَوَى الْكِسَائِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى الْعِشَاءَ فَاسْتَفْتَحَ" آلَ عِمْرَانَ" فَقَرَأَ" الم. اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيَّامُ" فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِمِائَةِ آيَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ. وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِبِ فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ، خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ. أشارَ بقولِه "ألف" إلى قيامِه بكِفايَتِكَ على عُمومِ أحوالِكَ، فأنتَ في أَسْرِ الغَفلةِ لا تَهتدي إلى صلاحِك ورُشدِك، وهو مُجْرٍ ما يُجبِرُكَ، وكافٍ بما يَنصُرُك، فبغيرِ سؤالِك يَكفيكَ مِن حيثُ لا تَشعُر، ويُعطيك مِن غيرِ أنْ تَطلُبَ. والإشارةُ من اللامِ إلى لُطفِه بك في خفيِّ السِرِّ. والإشارةُ من الميم إلى مُوافقةِ جَرَيان التقديرِ بمتعلّقات الطِّلْبَةِ مِنَ الأَوْلياءِ، فلا يتحرك في العالم شيءٌ، ولا تظهرُ ذرة إلَّا وهو بمحلِّ الرِّضا منهم. فهو الذي لا يشتغِلُ عنك، وهو على عموم أحوالك رقيبُ سِرِّك؛ إنْ خَلَوْتَ فهو رقيبُك، وإن توسَّطتَ الخَلْقَ فهو رقيبُك، وكيفما دارت بك الأحوالُ فهو حبيبك.قولُه: {الم} هذا الاسمُ القُرآنيُّ الذي سَمّى به القرآنُ هذه السورةَ، وهذه حروفٌ تُقرأ في القرآن الكريم بأسمائها، وهي ألفٌ لامٌ ميمٌ. والمعنى الذي تَدُلُّ عليه هذه الحروفُ غيرُ معلومٍ على وجهِ اليقين كما أَسلَفْنا في سورة "البقرة" والله أعلم بمُرادِه منها، ولا يَستطيعُ عالمٌ يَعتَمِدُ على الحَقائقِ العِلْمِيَّةِ أنْ يُقرِّرَ المُرادَ مِن هذه الحروفِ، والمعنى المُحرَّرِ لها، وأقصى ما ذكرَه العُلَماءُ لها حِكَمٌ يَدُلُّ عليها ذِكْرُها، ومن أَحْسَنِ ذلك أنْ يُقالَ: إنًّ هذه الحروفَ تُشيرُ إلى أنَّ القرآنَ الكريمَ من جنسِ ما يتكلَّمُ به العربُ، وأنَّه مكوَّنٌ من الحروفِ التي يتكوَّنُ منها كلامُكم، ومع ذلك تَعْجِزون عن أنْ تأتوا بمثلِ سُورةٍ منه؛ فهي إشارةٌ إلى العَجزِ مع الطَمَعِ في أنْ يُحاولوا، ولن يأتوا بسورةٍ من مثلِه. ومن أحسنِ ما يُقالُ أيضًا أنَّ النبيَّ الأُمِّيَ كان يَنطِقُ بهذه الحروفِ التي كان لَا يَعرِفُها إلَّا مَن يَقرأُ ويَكتُبُ، فاشْتِمالُ القرآنِ عليها معَ أُمِّيَّتِه ـ عليه الصلاةُ والسلام ـ دليلٌ على أنَّه مِن عندِ اللهِ. ومن ذلك أيضًا ما قيلَ مِن أنَّ هذه الحروفَ الصوتيَّةَ التي اشتَمَلتْ عليها بعضُ أوائلِ السُوَرِ إذا نَطَقَ بها الناطقُ مع ما فيها مِنْ مَدٍّ طويلٍ أو قصيرٍ، استَرْعى ذلك الأَسْماعَ فاتَّجهتْ إليه، وإنْ لم يُرِدِ السامعون. ويُروى في ذلك أنَّ المُشركين مِن فَرْطِ تأثيرِ القرآنِ قد تفاهموا على ألّا يَسمعوا لهذا القرآن: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَروا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}. فكانوا إذا قَرَعَتْ آذانَهم هذه الحُروفُ بِمَدِّها، التفتوا مُرْغَمين، ثمَّ هَجَمتْ على قلوبِهم مِن بعدِ ذلك الآياتُ البيِّناتُ المُحكَمَةُ.ولقد أَتيْنا على البيانِ عن معنى قولِه:"ألم" في أوَّلِ سورةِ البَقَرَةِ، بِما أغْنى عن إعادتِه في هذا المَوْضِع. ونَقَلَ الجُرْجانيُّ هنا أنَّ "الم" إشارةٌ إلى حروفِ المُعجمِ كأنَّه يقول: هذه الحروفُ كتابُكَ أو نحوَ هذا، ويدلُّ: {لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب} على ما تَرَكَ ذِكْرَه من خبرِ هذه الحروفِ، وذلك في قولِه تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} الزمر: 22. وتركَ الجوابَ لدلالةِ قولِه: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} الزمُر: 22. عليه تقديرُه: كَمَنْ قسا قلبُه، ومنه قَولُ الشَنْفَرى: فلا تَدْفِنوني إنَّ دَفْني مُحَرَّمٌ ............... عليكم ولكنْ خامِري أمُّ عامرِأي: ولكن اتركوني للتي يقال لها "خامري أم عامر". قال ابنُ عطيّةَ: يَحْسُنُ في هذا القول ـ يعني قولَ الجرجاني ـ أنْ يكونَ "نَزَّل" خبرَ قولِه "اللهُ" حتّى يَرتَبِطَ الكلامُ إلى هذا المعنى. وهذا الذي ذكره الجُرجانيُّ فيه نظرٌ، لأنَّ مُثُلَه ليستْ صحيحةَ الشِبَهِ بالمَعنى الذي نحا إليه، وما قالَه في الآيةِ مُحتَمَلٌ، ولكنَّ الأَبْرَعَ في الآيةِ أنَّ "ألم" لا تَضُمُّ ما بعدَها إلى نفسِها في المعنى، والأصل في حروفِ التَهَجِّي السكونُ، وكان حُكْمُ الميمِ حُكْمَ غيرِه لكنْ حُرِّكَ لالْتِقاءِ الساكِنيْن، وفُتِحَ استِثْقالاً للكَسْرَةِ فيه مِن أَجْلِ الياءِ قَبْلَهُ، ومَن قال: إنَّما فُتِحَ لأنَّه أُلقِيَ عليه حركةُ الهَمزةِ فقد أخطأَ لأنَّ هذه الهمزةَ تَسقُطُ في الدَّرْج إلَّا في قولِهم: يا أَللهُ، والهمزةُ التي تُلْقى حركتُها على ما قَبْلِها هي الثابتة في الوَصلِ والوقفِ، نحو: مَنَ ابوكَ؟ إذا قلتَ: منْ أَبوك؟. وَرُوِيَ عن عاصمٍ وغيرِه سُكونُ المِيمِ وقَطعُ الأَلِفِ. وليس ذلك بصَحيحٍ عند النحْويّينَ، لِكونِ الألِفِ فيه للوصلِ. وأمَّا مَوضِعُ إعرابِ {الم} فمُبْتَدأٌ وخبرُه مُضمَرٌ، أو خبرٌ مبتدَؤهُ مُضْمَرٌ، ودَلَّ على المَحذوفِ منه قولُه: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} فصارَ كقولِه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} وقال بعضُهم: {الم} مبتدأٌ وخبرُه {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ}. | |
|