عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 11 الإثنين نوفمبر 05, 2012 4:42 am | |
| كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قولُه: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أصرُّوا في العتوِّ على سَنَنهم، وأدَمْنَا لهم في الانتقام سَنَنَا، فلا عن الإصرارِ أقلعوا، ولا في المَبَارِّ طَعِمُوا، والدَّأْبُ الْعَادَةُ وَالشَّأْنُ. وَدَأَبَ الرَّجُلُ فِي عَمَلِهِ يَدأب دأبًا ودؤوبًا إِذَا جَدَّ وَاجْتَهَدَ، وَأَدْأَبْتُهُ أَنَا. وَأَدْأَبَ بَعِيرَهُ إِذَا جَهِدَهُ فِي السَّيْرِ. ثمَّ أُطلِق الدّأْبُ على العادة والشأن؛ لأنَّ مَن يَدأبُ في عملٍ ويستمرُّ عليه أَمَدًا طويلًا يَصيرُ شأنًا له، وحالًا من أحوالِه، وعادة من عاداتِه؛ فهو مِن بابِ إطلاقِ اسْمِ السَبَبِ وإرادةِ المُسَبِّب. وآلُ فِرعونَ، وهم نُصراؤه وأهلُ حَوزَتِه ومُعاضدوه، قد استمرؤوا الطُّغيانَ وأَلفوه حتى صارَ الكُفرُ دَأْبًا وعادةً وشأنًا مِن شئونِهم. وقد شبَّه اللهُ ـ سبحانَه ـ وتعالى حالَ الكافرين الذين كفروا بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما جاء به، بحال آل فرعون والذين سبقوا فرعون من الطُغاةِ العُتاة القُساةِ المَغرورين، وقد كان وجهُ الشبه في أمرين:أولهما: أنَّ الغرورَ هو الذي دفع إلى الجُحودِ واللَّجاجَةِ فيه والإصرارِ عليه، حتّى إنَّهم لَيَردّون الدليلَ تلوَ الدّليلِ، وما تَزيدُهُم الآياتُ إلَّا كُفوراً، وما تَزيدُهم المَوعظةُ إلَّا عُتُوًّا في الأرضِ وفسادًا. وثانيهما: في الجزاء.وهنا يَرِدُ سؤالان أوَّلُهما: لِمَ ذَكَرَ آلَ فِرعون، ولم يَذكر فِرعونَ؟، والثاني: لماذا نصَّ على قومِ فِرعون مِن بين الذين سبقوهم بالكفر والجحودِ ومُعانَدة النبيّين؟ والجواب عن السؤال الأول: أنَّ ذِكر آلِ فرعون يتضمَّنُ ذِكر فرعونَ؛ لأنّه إذا كان العِنادُ في التابعِ فهو في المتبوع أشدُّ؛ وفوق ذلك فإن آلَ فِرعونَ وحاشيتَه ونُصَراءه همُ السّببُ في طُغيانِه، وهمُ الذين سَهَّلوا لَه سبيلَ الطُّغيانِ وضَنُّوا بالمَوعظةِ في إبَّانِها، وهمُ الذين حرَّضوه على الاستمرارِ في الشَرِّ والإيغالِ فيه، فهم اتَّبَعوه أوَّلًا، ثمَّ حرَّضوه على الطغيان ثانيًا بمبالغتِهم في مَرْضاتِه، واسْتِحسان ما يفعل.وأما الجواب عن السؤال الثاني، وهو اختصاصُ فرعونَ وآله بالذكر، فلأنَّ فِرعون كان أقوى الطُغاةِ وأشدَّهم، وكان أكثرَهم مالًا، وأعزَّهم نفرًا، وأكثرَهم غُرورًا، أليسَ هو القائل: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي. . .}، أليس هو الذي ذهبَ به فرطُ غُرورِه إلى أنْ يَقولَ في حَماقةٍ ظاهرةٍ: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى. . .}، ولقد كان مستكبِرًا يَصُمُّ آذانَه عن سَماعِ الحقِّ حتّى لقد قال ـ سبحانه ـ فيه: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بغَيْرِ الْحَقِّ. . . }. وَالدَّائِبَانِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:كَدَأْبِكِ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا ................ وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِفَأَمَّا الدَّأَبُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَمَا يُقَالُ: شَعْرٌ وَشَعَرٌ وَنَهْرٌ وَنَهَرٌ، لِأَنَّ فِيهِ حَرْفًا مِنْ "حُرُوفِ الْحَلْقِ". والكافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ تَقْدِيرُهُ دَأْبُهُمْ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، أَيْ صَنِيعُ الْكُفَّارِ مَعَكَ كَصَنِيعِ آلِ فِرْعَوْنَ مَعَ مُوسَى. "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ" أَيْ كَعَادَةِ آلِ فِرْعَوْنَ. يَقُولُ: اعْتَادَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ الْإِلْحَادَ وَالْإِعْنَاتَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اعْتَادَ آلُ فِرْعَوْنَ مِنْ إِعْنَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ (الْأَنْفَالِ) {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} فَالْمَعْنَى جُوزِيَ هَؤُلَاءِ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ كَمَا جُوزِيَ آلُ فِرْعَوْنَ بِالْغَرَقِ وَالْهَلَاكِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِآياتِنا} يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْآيَاتِ الْمَنْصُوبَةَ لِلدِّلَالَةِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ. {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ}.قوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} في هذه الكافِ وجهان، أحدُهما: أنَّها في مَحَلِّ رَفْعٍ خبَراً لِمُبتدأٍ مُضْمَرٍ تقديرُه: دَأْبُهم في ذلك كدأبِ آلِ فرعون. والثاني: أنَّها في محلِّ نصبٍ، وفي الناصب لَها تسعةُ أقوال: أحدُها: أنَّها نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحذوفٍ، والعاملُ فيه "كفروا" تقديرُه: "إنَّ الذين كفروا كفراً كدأبِ آل فرعون"، أي: كعادَتِهم في الكفر. وهذا القولُ مردودٌ بأنَّه قد أَخْبَرَ عن الموصولِ قبلَ تمامِ صِلَتِه، فَلَزِمَ الفصلَ بين أبعاضِ الصِلَةِ بالأجنبيِّ، وهو لا يجوزُ. والثاني: أنَّه منصوبٌ بِـ "كَفروا"، لكنْ مقدَّراً لدلالةِ هذا الملفوظِ به عليه. الثالث: أنَّ الناصبَ مقدرٌ مدلولٌ عليه بقوله: "لَنْ تُغني" أي بَطَلَ انتفاعُهم بالأموال والأولادِ كعادةِ آل فرعون، في ذلك. الرابع: أنَّه منصوبٌ بلفظ "وقود" أي: تُوقَدُ النارُ بهم كما توقَدُ بآلِ فرعون، كما تقول: "إنك لتظلم الناس كدأبِ أبيك" تريد: كظلمِ أبيك. وفيه نظرٌ لأنَّ الوَقودَ على القراءةِ المشهورةِ الأظهرُ فيه أنَّه اسمٌ لما يُوْقَدُ به، وإذا كان اسمًا فلا عملَ له. فإنْ قيل: إنَّه مصدرٌ أو على قراءةِ الحَسَنِ صَحَّ. الخامس: أنَّه منصوبٌ بنفسِ "لن تُغْني" أي: لن تُغْنِي عنهم مثلَ ما لم تَغْنِ عن أولئك، وضُعِّفَ بلزومِ الفصلِ بين العاملِ ومعمولِهِ بالجُملةِ التي هي قولُه: {وأولئك هُمْ وَقُودُ النار}، "على أيّ التقديرين اللذين قَدَّرْناهما فيها من أن تكونَ معطوفةً على خبر "إنَّ" أو على الجملةِ المؤكَّدةِ بإنَّ. السادس: أنْ يكونَ العاملُ فيها فعلاً مقدَّراً مَدْلولاً عليه بلفظِ الوَقودِ تقديرُه: يُوقد بهم كعادةِ آل فِرعون، ويكون التشبيهُ في نفسِ الاحتراق. السابع: أَنَّ العاملَ "يُعَذَّبون" كعادة آل فرعون، يَدُلُّ عليه سياقُ الكلام. الثامن: أنَّه منصوبٌ بـ "كَذَّبوا بآياتنا"، والضميرُ في "كَذَّبوا" على هذا لِكفَّارِ مكَّةَ وغيرِهم من مُعاصري رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أي: كَذَّبوا تكذيباً كعادةِ آل فِرعون في ذلك التكذيبِ. التاسع: أنَّ العاملَ فيه قوله {فَأَخَذَهُمُ الله} أي: فأخذهم الله أَخْذاً كأخذِه آلَ فرعون، وهذا مردودٌ، فإنَّ ما بعد الفاءِ العاطفةِ لا يَعْمل فيما قبلَها، فلا يجوزُ: "قُمْتُ زيداً فضربْتُ". | |
|