عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 2 الإثنين أكتوبر 29, 2012 4:04 am | |
| اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
(2) تَقَدَّمَ البَيانُ عن قولِه:"الله" في البَسْمَلَةِ وسورةِ الفاتحةِ، وأمَّا مَعنى قولِهِ: "لا اله إلا هو"، فإنَّه خبرٌ مِنَ اللهِ جَلَّ وعَزَّ، أَخْبَرَ عِبادَه أنَّ الأُلوهيَّةَ خاصّةٌ بِه، وأنَّ العِبادَةَ لا تَصلُحُ ولا تَجوزُ إلّا لَهُ لانْفِرادِهِ بالرُّبوبيَّةِ، وتوحُّدِهِ بالأُلوهيَّةِ، وأنَّ كلَّ ما دونَه فهو مُلْكُهُ، وأنَّ كلَّ ما سِواهُ فَخَلْقُه، لا شريكَ له في سُلْطانِه ومُلْكِه. وتُبيِّنُ هذه الجملةُ السامِيَةُ أصلَ التوحيد، وتقرِّرُ معناه، فابتُدئت بلفظِ الجلالَةِ الذي يدلُّ على كمالِ الأُلوهيَّةِ، وانفراده ـ سبحانه ـ بحقِّ العُبوديَّةِ، إذْ إنَّه الإلهُ وحدَه الذي أَنشأَ الخلقَ وربَّاه ونَمَّاه، ولا مالكَ لهذا الوُجودِ ومَنْ فيه وما فيه سِواه. ولفظُ "الله" عَلَمٌ على الذاتِ العَلِيَّةِ المُتَّصِفةِ بكلِّ كمالٍ والمُنزَّهةِ عن كلِّ نَقْصٍ، والّتي لَا تُشابِهُ الحَوادِثَ، ولا يُشبِهُها شيءٌ من الحوادث: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.ثمَّ صرّحَ ـ سبحانه وتعالى ـ بما تَضَمَّنَه لفظُ الجَلالَةِ وهو الانْفِرادُ بالأُلوهيَّة وحقِّ العُبوديَّة فقال ـ سبحانه: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي لَا معبودَ بحقٍّ إلّا هو، أوْ لَا إلهَ في الحقيقةِ والواقعِ إلَّا هو، وكلُّ ما يُدَّعى لَه الأُلوهيَّةُ مِن شخصٍ أو وَثَنٍ فهو ليس إلَّا أسماءٌ سمَّاهم بها المُشركون الضالّون، وليس من حقيقةِ الأُلوهيّة في شيءٍ {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}، ثم بيّن سبحانَه الأَوصافَ التي تبيِّنُ استحقاقَه وحدَه لحَقِّ العُبوديَّة، فقال سبحانه: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي الدائم الحياة الذي لَا يفنى، ويفنى ما سواه، ولا يستمِدُّ حيٌّ حياتَه إلَّا بإرادتِه سبحانَه، وهو القائمُ بنفسِه، والقائمُ على كلِّ شيءٍ، والمُدبِّرُ لكلِّ شيءٍ. فهذا مَعنى القَيّومِ.قولُه تعالى: {لا إله إِلاَّ هُوَ} يجوزُ أَنْ تكونَ هذه الجُملَةُ خبَرَ الجَلالَة و{نَزَّل عليك} خبرٌ آخرُ ، ويجوزُ أن تكونَ {لا إله إِلاَّ هُوَ} معترضةً بين المبتدأ وخبرِه، ويجوزُ أنْ تكونَ حالاً. وفي صاحبها احتمالان، أحدهما: أنْ يكونَ الجلالةَ، والثاني: أن يكونَ الضميرَ في "نَزَّل" تقديرُه نَزَّل عليكم الكتاب متوحِّداً بالربوبيَّة. ذكره مَكِيّ. وأوَّلُ الأَقوالِ أَوْلاها.وقرأ جمهورُ الناس: "ألمَ الله" بفتح الميمِ وإسْقاطِ همزةِ الجَلالةِ، واختَلَفوا في فتحةِ هذه الميم على أقوالٍ أحدُها: أنَّها حركةُ التِقاءِ ساكنين، وهو مذهبُ سِيبَوَيْهِ وجمهورِ الناسِ. فإنْ قيلَ: أصلُ التِقاءِ الساكنَيْنِ الكَسْرُ فَلِمَ عَدَلَ عنه؟ فالجَوابُ أنَّهم لو كَسَروا لَكانَ ذلك مُفْضِياً إلى ترقيقِ لامِ الجَلالَةِ والمَقصودُ تَفخيمُها للتّعظيمِ فأُوثِرَ الفتحُ لذلك. وأيْضاً فقبلَ الميمِ ياءٌ وهي أختُ الكسرةِ، وأيضاً فقبلَ الياءِ كسرةٌ فلو كَسَرْنا الميمَ الأخيرةَ لالْتِقاءِ الساكنيْنِ لتوالَى ثلاثةُ مُتُجانِساتٍ فحرَّكوها بالفَتْحِ كما حَرَّكوا في نحو "مِنَ الله". وأمَّا سُقوطُ الهمزةِ فَواضِحٌ وبِسْقُوطِها التَقى الساكنان.الثاني: أنَّ الفتحةَ لالْتِقاءِ الساكنيْن أيضاً، ولكنْ الساكنان هما الياءُ التي قبلَ الميمِ والميمُ الأخيرةُ، فحُرِّكتْ بالفَتحِ لِئَلَّا يَلتقي ساكنان، ومثلُه: أين وكيف وكَيْتَ وذَيْتَ وما أشبهَهُ، وهذا على قولِنا إنَّه لم يُنْوَ الوَقْفُ على هذه الحروفِ المُقطَّعةِ، وهذا بخلاِفِ القولِ الأوَّلِ فإنَّه مَنْوِيٌّ فيه الوقفُ على الحروفِ المُقطَّعَةِ فَسَكَنَتْ أواخِرُها وبعدَها ساكنٌ آخرُ وهو لامُ الجلالةِ، وعلى هذا القولِ الثاني ليس لإِسقاطِ الهمزةِ تأثيرٌ في التقاءِ الساكنين بخِلافِ الأوَّلِ فإنَّ التقاءَ الساكنينِ إنّما نَشَأَ مِنْ حَذْفِها دَرْجاً.الثالث: أنَّ هذه الفتحةَ ليسَتْ لالتِقاءِ الساكنين، بل هي حركةُ نقلٍ أي: نُقِلَتْ حركةُ الهمزةِ التي قبلَ لامِ التعريفِ على الميمِ الساكنةِ نحو: {قَدَ أفلح} المؤمنون: 1. وهي قراءةُ ورشٍ وحمزةَ في بعض طُرُقِه في الوَقْفِ وهو مذهبُ الفراء، واحتجَّ على ذلك بأنَّ هذه الحروفَ النِيَّةُ بها الوقفُ، وإذا كان النيةُ بها الوقفَ فَتَسْكُنُ أواخُرها، والنِيَّةُ بما بعدَها الابتداءُ والاستئنافُ، فكأنَّ همزةَ الوصلِ جَرَتْ مجرى همزةِ القطعِ إذ النِيَّةُ بها الابتداءُ وهي تَثْبُتُ ابتداءً ليس إلاَّ، فلمَّا كانت الهمزةُ في حكمِ الثابتةِ وما قبلِها ساكنٌ صحيحٌ قابلٌ لِحَركتِها خَفَّفوها بأَنْ ألقَوا حركتَها على الساكنِ قبلها.وقد رَدَّ بعضُهم قولَ الفَرّاءِ بأنَّ وَضْعَ هذه الحُروفِ على الوَقْف لا يُوجِبُ قَطْعَ ألِفِ الوصلِ وإثباتَها في المواضعِ التي تسقُط فيها، وأنتَ إذا أَلْقَيْتَ حرَكتَها على الساكنِ قبلَها فقد وَصَلْتَ الكلمةَ التي هي فيها بما قبلَها وإنْ كان ما قبلها موضوعاً على الوقفِ، فقولُك: "ألقيتُ حركتَه عليه" بمنزلة قولِك "وصلتُه" ألا ترى أنكَّ إذا خَفَّفْتَ "مَنْ أَبوك" قلت: "مَنَ بُوك" فوصَلْتَ، ولو وقفْتَ لم تُلْقِ الحركةَ عليها، وإذا وصلْتَها بما قبلها لَزِم إسقاطِها، وكان إثباتُها مخالِفاً لأَحكامِها في سائِر مُتَصَرَّفاتِها.وهذا الردُّ مردودٌ بأنَّ ذلك مُعَامَلٌ معاملةَ المَوقوفِ عليه والابتداءُ بما بعده، لا أنّه موقوفٌ عليه ومبتدأٌ بما بَعده حقيقةً حتى يَرُدَّ عليه بما ذكره. وقد قَوَّى جماعةٌ قولَ الفراءِ بما حكاه سيبويه مِنْ قولهم: "ثَلَثَهَرْبَعَة" والأصلُ : ثلاثة أربعة، فلمَّا وُقِف على "ثلاثة" أُبْدِلَتِ التاءُ هاءً كما هو اللغةُ المشهورةُ، ثم أُجْري الوصلُ مُجْرى الوقفِ، فَتَرَك الهاءَ على حالِها في الوصل، ثم نَقَل حركةَ الهمزةِ إلى الهاءِ فكذلك هذا.وقد رَدَّ بعضُهم هذا الدليلَ، وقال: الهمزةُ في "أربعة" همزةُ قطعٍ، فهي ثابتةٌ ابتداءً ودَرْجاً، فلذلك نُقِلَتْ حركتُها بخلافِ همزةِ الجلالة فإنها واجبةُ السقوطِ فلا تستحقُّ نَقْلَ حركتِها إلى ما قبلها، فليس وِزان ما نَحْن فيه.وهذا من هذه الحيثيّةِ صحيحٌ، والفرقُ لائحٌ؛ إلا أَنَّ حظَّ الفراء منه أنَّه أَجْرى فيه الوصلَ مُجْرى الوقفِ من حيث بقيت الهاءُ المنقلبةُ عن التاءِ وَصْلاً لا وقفاً واعتدَّ بذلك، ونَقَلَ إليها حركةَ الهمزةِ وإنْ كانَتْ همزةَ قطعٍ.وقد اختار الزمخشري مذهبَ الفراء، وسَأَلَ وأجابَ فقال: "ميم حقُّها أن يُوقَفَ عليها كما يُوقَفُ على ألف ولام، وأَنْ يُبتدأ ما بعدها كما تقول: واحدْ إثنان، وهي قراءةُ عاصم، وأمَّا فتحُها فهي حركةُ الهمزةِ أُلْقِيَتْ عليها حين أُسْقِطَتْ للتخفيفِ. فإنْ قلت: كيف جازَ إلقاءُ حركتِها عليها وهي همزةُ وصلٍ، لا تَثْبُتُ في دَرْجِ الكلام فلا تَثْبُتُ حركتُها لأنَّ ثباتَ حركتِها كثباتِها؟ قلت: هذا ليسَ بدَرْجٍ، لأنَّ ميم في حكمِ الوَقْف والسكونِ، والهمزةُ في حكمِ الثابتِ، وإنَّما حُذفت تخفيفاً، وأُلْقِيَتْ حركتُها على الساكنِ قبلَها لتدلَّ عليها، ونظيره: "واحدِ اثنان" بإلقائهم حركةَ الهمزةِ على الدالِ.والفتحةَ علامةُ الجَرِّ والمرادُ بألف لام ميم أيضاً السورةُ، وأنها مُقسَمٌ بها، فَحُذِفَ حرفُ القسم وبقي عملُه امتنعَ من الصرفِ لِمَا تقدَّم، وهذا الوجهُ أيضاً مقولٌ في قراءةِ مَنْ قرأ: صادَ بفتح الدال، إلّا أنَّ القراءةَ هناك شاذةٌ وهنا متواترةٌ، والظاهرُ أنها حركةُ التقاءِ الساكنين؛ كماهو مذهبُ سيبويه وأتباعِه.قال ابن كيسان: ألفُ الله، وكلُّ ألفِ مع لامِ التعريف ألفُ قطْعٍ بمنزلة "قد"، وإنّما وُصِلَتْ لكَثرةِ الاستعمالِ، فَمَنْ حَرَّك الميمَ ألقى عليها حركةَ الهمزةِ التي بمنزلةِ القاف من "قد" من "الله" ففتحها بفتحةِ الهمزةِ.فعلى هذا هذه حركةُ نقلٍ من همزةِ قطع، وهذا المذهبُ هو مشهورٌ عن الخليلِ بن أحمد، حيث يَعْتقد أنَّ التعريف حَصَلَ بمجموعِ "أل" كالاستفهامِ يَحْصُل بمجموع هل، وأنَّ الهمزةَ ليست مزيدةً، لكنّه مع اعتقادِه ذلك يوافِقُ على سقوطها في الدَّرْج إجراءً لها مُجْرى همزة الوصل لكثرة الاستعمالِ، ولذلك قد ثبتَتْ ضرورةً، لأنَّ الضرورةَ تَرُدُّ الأشياءَ إلى أصولها. وللبحثِ في ذلك مكانٌ هو أليقُ به منه منا.ولَمَّا نَقَل أبو البقاء هذا القولَ ولم يَعْزُه قال: وهذا يَصِحُّ على قولِ مَنْ جَعَل أداةَ التعريف "أل" يعني الخليل لأنّه هو المشهورُ بهذه المقالةِ. وقد تقدَّم النقلُ عن عاصم أنّه يقرأ بالوقف على ميم، ويَبتدئُ باللهِ لا إلهَ إلّا هو، كما هو ظاهرُ عبارةِ الزمخشري عنه، وغيرُه يَحْكي عنه أنه يُسَكِّنُ الميمَ ويقطَعُ الهمزةَ من غير وقفٍ منه على الميم، كأنَّه يُجْري الوصلَ مُجْرى الوقفِ، وهذا هو الموافقُ لغالبِ نقلِ القُرَّاء عنه.وقرأ عمرو بن عبيد فيما نَقَل الزمخشري، والرؤاسي فيما نَقَل ابن عطية، وأبو حيوة: "المِ الله" بكسرِ الميم. قال الزمخشري: وما هي بمقبولةٍ. والعجبُ منه كيف تَجرَّأَ على عمرو بن عبيد وهو عندَه معروفُ المنزلة، وكأنّه يريد وما هي مقبولةً عنه أي: لم تَصِحَّ عنه، وكأنَّ الأخفشَ لم يَطَّلِعَ على أنّها قراءةً فقال: لو كُسِرَتْ الميمُ لالتقاءِ الساكنين فقيل: "ألمِ الله" لجاز.قال الزجاج: وهذا غلطٌ من أبي الحسن، لأنَّ قبلَ الميمِ ياءً مكسوراً ما قبلها فحقُّها الفتحُ لالتقاءِ الساكنين لِثقَل الكسرِ مع الياء، وهذا وإنْ كان كما قاله، إلاَّ أنَّ الفارسيَّ انتصرَ لأَبي الحسن، وردَّ على أبي إسحاق رَدَّه فقال: كسرُ الميمِ لو وَرَدَ بذلك سماعُ لم يَدْفَعْه قياسٌ، بل كان يُثْبِتُه ويُقَوِّيه لأنَّ الأَصلَ في التحريكِ لالتقاءِ الساكنين الكسرُ، وإنَّما يُبْدَلُ إلى غير ذلك لما يَعْرِضُ من علةٍ وكراهةٍ، فإذا جاء الشيءُ على بابِه فلا وجهَ لردِّه ولا مساغَ لدَفْعِه، وقولُ أبي إسحاق "إنَّ ما قبلَ الميم ياءٌ مكسورٌ ما قبلها فَحقُّها الفتحُ" منقوضٌ بقولِهم: "جَيْرِ" و"كان من الأمر ذَيْتِ وذِيْتِ وكَيْتِ وكِيْتِ" فَحُرِّك الساكنُ بعد الياءِ بالكسرِ، كما حُرِّكَ بعدَها بالفتحِ في "أَيْنَ"، وكما جاز الفتحُ بعد الياء في قولهم: "أَيْنَ" كذلك يجوز الكسرُ بعدَها كقولِهم "جَيْرَ"، ويدلُّ على جوازِ التحريكِ لالتقاءِ الساكنين بالكسرِ فيما كان قبلَه ياءٌ جوازٌ تحريكه بالضم نحو قولِهم: حيثُ، وإذا جازَ الضمُّ كان الكسرُ أجوزَ وأسهلَ. | |
|