عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 17 الخميس نوفمبر 08, 2012 5:30 am | |
| الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ
(17) خمسةُ أوصافٍ للمؤمنين أوّلُها: {الصابرين} وقد حثَّ عليه القرآن في أَكثَرَ من سبعين مَوضِعًا، وله شعبٌ كثيرةٌ، منها وهي أدناها الصبرُ عند الشديدةِ، وتَحمُّلُها دونما شكوى وهو الصبر الجميل، فإن ضَجَّ الصابرُ وشكا فصبرُه غيرُ جميل، ومنها الصبرُ بضبط النفس عن الشهوات والأهواء المُردِيَةِ، وجعلُ العقلِ متحكِّمًا دائمًا، وهذه مرتبة عالية في الصبر. ومنها الصبر على تحمُّلِ النعم؛ فإنها تحتاج إلى صبر لكيلا يطغى الإنسان بسبب النعمة فتؤدي إلى الكفر بدل الشكر. وخلاصةُ الصبرِ حبسُ النَّفْسِ على ما أَمَرَ اللهُ بِه، وحبسُها عمّا نهى عنهُ، الوُقوفُ تحت جَريان حُكمِه على ما يُريد. فإذا ارتقى في هذه المراتب واستوت عنده النعمة والنقمة على أن كلاهما فعل محبوبه أصبح في مقام الرضى، ذلك هو صبر العارف وهو أرفع الصَّبر الذي هو الرضى والتسليم.والصبر لا حَدَّ لأجرِهِ والمكافأةِ عليه فقد قال ربُّ العِزَّةِ {إنّما يُوفّى الصابرون أجرَهم بغيرِ حِساب} ورُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قولُه: ((مَنْ صَبَرَ على مُصيبةٍ فلَه ثلاثُمِئةِ درجة وبين الدرجتين كما بين السماء والأرض، ومَنْ صبَرَ على الطاعةِ فلَه سِتُّمِئةِ درجة ما بيْن الدرجتين كما بين السماء والأرض، ومَن صَبرَ على المَعصية فلَه تِسعُمِئة درجة بين الدرجتين كما بين العرش والكرسي)) والوصف الثاني: {والصادقين} في نِيَّاتِهم وأَقوالِهم سِرًّا وعَلانِيَةً، وهم الذين صدقوا في الاعتقاد والقول والعمل، وذلك غاية الإِيمان، والصدقُ من أكملِ الصفات الإنسانيَّةِ، وهو شُعَبٌ أيضا فمنها الإخبار بالحقِّ، ومنها أنْ يَصْدُقَ نفسَهُ، فلا يَخدعُها، ويُزيِّنُ لها سوءَ الأَعمال، ويُغالطُ قلبَه وحِسَّه؛ ومنها أن يتعرف عيوبَ نفسِه بالحقِّ ولا يسترها عن نفسه، لتكون بين يديه ماثلةً دائمًا فيستيقظَ ضميرُه، وهو طريق التهذيب الروحي الحقُّ.والوصف الثالث هو: {والقانتين} أي المُطيعين قاله ابنُ جُبير، والمداومين على الطاعة والعبادة القائمين بالواجبات. فالقانت هو دائم العبادة في السرِّ والجهر.أما الوصف الرابع فهو: {والمُنْفِقين} من أموالهم في حقِّ اللهِ تعالى، ويتناولُ الانفاقَ على نفسِه وأهلِه وأقارِبِه وصلةَ رَحِمِه وفي الجهادِ وسائرِ وُجوهِ البِرِّ. "وَالمُنفِقِينَ" الذين جادوا بنفوسهم من حيث الأعمال، ثمّ جادوا بميسورهم من الأموال، ثمَّ جادوا بقلوبهم بِصِدْقِ الأحوال، ثمَّ جادوا بترك كلِّ حَظٍ لَّهم في العاجِلِ والآجِلِ، فلم يكن لهم في سوى رضاه مِن مَطمَعٍ.أخيراً: {والمستغفرين بالأسحار} قال مجاهد والكلبي وغيرهما: أي المصلين بالأسحار. وأخرج ابنُ أبي شيبةَ عن زيدٍ بنِ أَسلَمَ قال: همُ الذين يَشهَدون صلاةَ الصبح، وأخرجَ ابنُ جريرٍ عن ابنِ عُمَرٍ رضي الله عنهما أنّه كان يُحي الليلَ صلاةً ثمَّ يَقول: يا نافعُ أَسْحَرْنا؟ فيقولُ: لا فيعاودُ الصلاةَ فإذا قال له نافع: نعم أسحرنا قعد يَستغفرُ الله تعالى ويدعو حتى يُصبحَ، وأَخرَج ابنُ مَرْدَوَيْهِ عن أنس بنِ مالك رضي الله عنه قال: (أَمَرَنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ نَستغفِرَ بالأَسحارِ سبعين استغفارة). ورَوى الرِّضا عن أبيه عن أبي عبد الله (أنَّ مَن استغفرَ الله تعالى في وقتِ السَّحَرِ سبعين مرة فهو من أهلِ هذه الآية) والسّحَرُ مِن ثُلُثِ الليلِ الأخيرِ إلى طلوعِ الفجر. وتخصيصُ الأسحارِ بالاستغفار لأنَّ الدعاء فيها أقرَبُ إلى الإجابةِ إذِ العبادةُ حينئذٍ أشدُّ والنَّفسُ أَصفى والرَّوْعُ أَجْمَعُ، وفي الصحيح أنّه ـ تعالى وتَنَزَّه عن سِمات الحدوث ـ يَنْزِلُ إلى سَماءِ الدنيا في ثلثِ الليلِ الأخيرِ فيقول: مَنْ يَدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يَستغفرني فأغفر له فلا يَزال كذلك حتى يَطلع الفجر. وأخرج ابنُ جريرٍ وأحمدُ عن سعيدٍ الجَريري قال: (بلَغَنا أنَّ داوودَ عليه الصلاة والسلامُ سألَ جبريل عليه السلامُ فقال: يا جبريل أيّ الليل أفضل قال: يا داوودُ ما أَدري سِوى أنَّ العرشَ يَهتزُّ في السَحَرِ).وخرج الترمذيّ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في تفسير قوله تعالى مُخبرًا عن يعقوب عليه السلام لبنيه: {سوف أستغفر لكم ربي} إنَّه أخَّرَ ذلك إلى السَحَرِ، كما سيأتي في مكانه إن شاء الله تعالى. قولُه تعالى: {الصابرين} إنْ قَدَّرْتَ "الذين يقولون" منصوبَ المحل أو مجرورَه على ما تقدَّم كان "الصابرين" نعتاً له على كلا التقديرين، فيجوزُ أن يكونَ في محلِّ نصبٍ وأنْ يكونَ في محلِّ جَرٍّ، وإنْ قَدَّرْتَه مرفوعَ المَحَلِّ تعيَّن نصبُ "الصابرين" بإضمارِ أعني.والأسْحارُ جمعُ "سَحَرٍ" بفتح العينِ وسُكونِها. وهو الوقتُ قبلَ طلوع الفجر، ومنه "تَسَحَّر" أي أَكَلَ في ذلك الوقت، وأَسْحَرَ إذا سارَ فيه، قال زهير: بَكَرْنَ بُكوراً واسْتَحَرْنَ بسُحْرَةٍ ............. فهنَّ ووادي الرَّسِّ كاليدِ للفَموقيل السَّحَرُ: اختلاطُ ظلامِ آخر الليل بضياءِ النهار، ويقال: لَقيتُه بأعلى سَحَرَيْن، والمُسْحِرُ: الخارجُ سَحَراً، والسَّحورُ: اسمُ للطعامِ المأكولِ سَحَراً، والتسَحُّرُ أكْلُه. والمُسْتَحِرُ: الطائر الصَّيَّاحُ في السَّحَر، قال امرؤ القيس: يُعَلُّ به بَرْدُ أنيابِها ............................. إذا غَرَّدَ الطائرُ المُسْتَحِرْوقال بعضُهم: أَسْحَرَ الطَائر أي: صاحَ وتحرَّك في صياحه وأنشد البيت. وهذا وإنْ كان مطلقاً، وإنما يريد ما ذكرْتُه بالصِّياح في السحر، ويقال: أَسْحَر الرجل: أي دخل في وقتِ السَّحَر كأَظْهَرَ أي: دخل في وقت الظُّهر، قال: وأَدْلَجَ مِنْ طِيْبَةٍ مسرعاً ........................... فجاءَ إلينا وقد أَسْحَرَاومثلُه: "اسْتَحَرَ" أيضاً. وقال بعضُهم: "السَّحَرُ من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر" وقال بعضُهم أيضاً: "السَّحَرُ عند العرب من آخر الليل، ثمَ يَسْتمر حكمُه إلى الإِسفار، كلُّه يقال له: سَحَر. قيل: وسُمِّي السَّحَرُ سَحَراً لخفائِه، ومنه قيل: للسِّحْر: سِحْرِ لِلُطْفِه وخَفَائه.والسَّحْر بسكون الحاء مُنْتهى قَصَبةِ الرئة، ومنه قولُ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (ماتَ بيْن سَحْري ونَحْري) سُمِّي بذلك لِخَفائِه، و"سَحَر" فيه كلام كثير، بالنسبةِ إلى الصرف وعدمه، والتصريفِ وعدمهِ، والإِعرابِ وعدمِه، يأتي تفصيلُها إن شاء الله تعالى عند ذِكْرِهِ إذ هو الأليقُ به. وقوله: {والصادقين} وما عُطِف عليه. إنْ قيل: كيف دَخَلَتِ الواوُ على هذه الصفاتِ وكلُّها لقبيلٍ واحد؟ ففيه جوابان، أحدُهما أنَّ الصفاتِ إذا تكرَّرتْ جازَ أنْ يُعْطَفَ بعضُها على بعضٍ بالواوِ، وإنْ كانَ الموصوفُ بها واحداً، ودخولُ الواوِ في مثلِ هذا تفخيمٌ، لأنَّه يُؤْذِنُ بأنَّ كلَّ صِفَةٍ مُستقِلَّةٌ بالمدحِ. والجوابُ الثاني: أنَّ هذه الصفاتِ متفرقةٌ فيهم، فبعضُهم صابرٌ، وبعضُهم صادِقٌ، فالموصوفُ بها متعدِّدٌ، وقال الزمخشري: "الواوُ المتوسطةُ بين الصفاتِ للدلالةِ على كمالِهم في كلِّ واحدة منها. ولا نعلمُ العطفَ في الصِفَةِ بالواوِ يَدُّلُّ على الكمالِ وقد عَلِمَه علماءُ البيان. | |
|