عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 4 الجمعة نوفمبر 02, 2012 2:51 am | |
| مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) ما كنتَ يا محمَّدُ تَدري ما الكتابُ، لكنّه اختيارٌ أزليٌّ ألقاك في أمرٍ عجيبٍ شأنُه، جَلِيٍّ برهانُه، عزيزٍ محلُّه ومكانُه. محقِّقًا لِمَوعودِه لك في الكتاب على أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ عليهم السلام. فأنزلنا قبلَك كُتُبَنَا على المرسلين فما أخْلَيْنَا كتابًا من ذِكْرِكْ، وكما أتممْنا بِكَ أنوارَ الأنبياءِ زيَّنا بذكرك جميعَ ما أنزلْنا من الأذكار. و{واللهُ عَزِيرٌ} على أوليائه {ذُو انْتِقَامٍ} من أعدائه.قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ قَبْلُ} قيل: من قبلِكَ والتصريحُ بِه معَ ظُهورِ الأمرِ للمُبالَغَةِ في البَيانِ. والتصريحُ به للرمز إلى أنَّ إنزالَهُما مُتضَمِّنٌ للإرهاصِ لِبِعثتِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيثُ قيَّدَ الإنزالَ المُقيَّدَ بِـ "مِنْ قَبْلُ" بقولِه سبحانَه: {هُدًى لّلنَّاسِ} أي أنزَلَهُما كذلك لأَجلِ هِدايَةِ النَّاسِ الذين أَنزلا عليهم إلى الحقِّ الذي من جُملتِه الإيمانُ به ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ واتِّباعِه حيثُ يُبعَثُ لِما اشتملتا عليه من البِشارَةِ به والحَثِّ على طاعتِه ـ عليه الصلاة والسلام ـ والهدايةِ بهما بعدَ نَسْخِ أَحكامِهِما بالقُرآنِ إنَّما هي مِن هذا الوَجْهِ لا غير، والقولُ بأنَّه يُهتَدى بهما أيضًا فيما عَدا الشرائع المنسوخة مِن الأُمورِ التي يُصدِّقُها القرآنُ ليس بِشيءٍ لأنَّ الهِدايةَ إذْ ذاك بالقرآنِ المُصدّق لا بهما كما لا يَخفى، {وَأَنزَلَ الفرقان} عن قَتادةَ هو القرآن فرَق به بين الحقِّ والباطِلِ فأَحَلَّ فيه حلالَه وحرَّم حرامَه وشَرَعَ شرائعَه وحَدَّ حُدودَه وفرائِضَه وبيَّنَ بيانَه وأَمرَ بطاعتِه ونَهى عن معصيتِه، وذُكِرَ بهذا العُنوان بعدَ ذِكرِهِ باسمِ الجِنسِ تعظيمًا لشأنِه ورفعًا لمَكانِه، وأخرج ابنُ جريرٍ عن محمَّد بنِ جعفرَ بنِ الزبيرِ أنّه الفاصلُ بيْن الحَقِّ والباطِلِ فيما اختَلَفَ فيه الأحزابُ مِن أمرِ عيسى ـ عليه السلامُ ـ وغيرِه، وأُيِّدَ هذا بأنَّ صَدْرَ السّورةِ نَزَلَتْ في مُحاجَّةِ النَّصارى للنبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمرِ أَخيهِ عيسى ـ عليه السلام ـ وعليه يكون المُرادُ بالفُرقانِ بعضُ القُرآنِ ولم يَكْتَفِ بانْدِراجه في ضمن الكُلِّ اعتناءً به، ومثلُ هذا القولِ ما رُويَ عن أبي عبدِ اللهَ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنه ـ أنَّ المُرادَ بِه كلُّ آيةٍ مُحْكمَةٍ، وقيلَ: المُرادُ بِه جِنْسُ الكُتُبِ الإلهيَّةِ عَبَّرَ عنها بِوَصْفٍ شاملٍ لِما ذُكِرَ منها وما لم يُذْكَرْ على طريقِ التتميمِ بالتَّعميمِ إِثْرَ تَخصيصِ بعضِ مَشاهيرِها بالذِّكرِ، وقيل: نفسُ الكُتُبِ المَذكورةِ أُعيدَ ذِكرُها بوصفٍ خاصٍّ لم يُذكَرْ فيما سَبَقَ على طريقِ العَطْفِ بتكريرِ لفظِ الإنْزالِ تنزيلاً للتغايُر الوَصْفِيِّ مَنزِلةَ التَغايُرِ الذاتيِّ، وقيل: المُرادُ بِهِ الزَّبُورُ، وتقديمُ الإنجيلِ عليه مع تأخُّرِهِ عنه نُزولاً لِقُوَّةِ مُناسَبَتِهِ للتوراةِ في الاشْتِمالِ على الأَحكامِ وشُيوعِ اقترانِهِما في الذِّكْرِ، واعْتُرِضَ بأنَّ الزَّبورَ مَواعِظَ فليس فيه ما يُفرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ مِن الأحكام، وأُجيبَ بأنَّ المَواعِظَ لِما فيها مِن الزَّجْرِ والترغيبِ فارقةٌ أيضًا ولِخَفاءِ الفَرْقِ فيها خُصَّتْ بالتوصيفِ به، ورُدَّ عليْهِ بأنَّ ذِكْرَ الوَصْفِ دونَ المَوصوفِ يَقتَضي شُهْرتَه به حتّى يُغْني عن ذِكْرِ مَوصوفِهِ والخَفاءُ إنَّما يَقتَضي إثباتَ الوَصْفِ دونَ التَّعبيرِ بِه، وقيل: المُرادُ بِه المُعجِزاتُ المَقرونَةُ بإنْزالِ الكُتُبِ المَذكورةِ الفارِقَةِ بيْنَ المُحِقِّ والمُبْطِلِ، وعلى أيِّ تقديرٍ كان فهو مصدرٌ في الأصلِ كالغُفرانِ أُطلِقَ على الفاعلِ مُبالَغَةً.قولُه: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بآياتِ اللهِ} يُحتَمل أنْ تكونَ الإضافةُ للعهدِ إشارةً إلى ما تقدَّمَ من آياتِ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ، ويُحتَمَلُ أنْ تَكونَ للجِنْسِ فتَصْدُقُ الآياتُ على ما يَتحقَّقُ في ضِمْنِ ما تَقَدَّمَ وعلى غيرِه كالمُعجِزات وأَضافَها إلى الاسْمِ الجَليلِ تعيينًا لحيْثيَّةِ كُفرِهم وتهويلاً لأَمرِهم وتأكيداً لاستِحقاقِهمُ العذابَ، والمُرادُ بالمَوصولِ إمَّا مَن تقدَّم في سَبَبِ النُّزولِ أو أهلِ الكٍتابيْنِ أو جِنسِ الكَفَرَةِ وعلى التقديريْن يَدخُل أولئك فيه دخولاً أَوَّليًّا {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} فيه إشارةٌ إلى أنَّه لا يَقدِرُ قدرَه وهو مَناطُ الحَصرِ المُستفاد مِن تقديمِ الظَرفِ والتعليقِ بالموصولِ الذي هو في حُكمِ المُشتق وهو معنى تضمَّنَه الشرطُ وتَرَكَ فيه الفَاءَ لِظُهورِهِ فهو أَبلَغُ إذ اقْتَضاه المَقامُ {والله عَزِيزٌ} أي غالب على أمرِه يَفعلُ ما يَشاء ويَحكُمُ ما يُريد {ذُو انتقام} انتقام: على وزنِ افتِعال من النَّقمَةِ وهي السَّطوَةُ والتَسَلُّطُ، يُقال: انتَقَمَ منه إذا عاقبَه بجِنايَتِه، ومُجَرَّدُهُ نَقَمَ بالفَتْحِ والكَسْرِ، وجَعَلَه بعضُهم بمَعنى كَرِهَ لا غير، والتنوين للتفخيم، واختار هذا التركيب على منتقمٍ مع اختصارِه لأنَّه أبلغ منه إذ لا يُقال صاحبُ سيفٍ إلّا لِمَن يُكثِرُ القتلَ لا لِمن معَه السيفُ مُطلَقاً، والجُملة اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ للوعيدِ مؤكِّدٌ له.قولُه تَعالى: {مِن قَبْلُ} متعلِّقٌ بـ "أَنْزَل"، والمضافُ إليه الظرفُ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرهُ: مِنْ قبلِك ِأو من قبلِ الكتاب. والكتابُ غَلَب على القرآن. وهو في الأصْلِ مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به أي: المكتوبَ، وذكَر المنزَّلَ في قوله: "نَزَّل عليك" ولم يذكره في قولِه: {وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل} تشريفاً لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم.قولُه: {هُدًى} فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه منصوبٌ على المفعولِ مِن أجلِه، والعاملُ فيه "أنْزَلَ" أيْ: أَنْزَلَ هذيْن الكِتابين لأَجْلِ هِدايَةٍ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ مُتَعَلِّقاً مِن حيثُ المَعنى بـ "نَزَّلَ" و"أنزل" معاً، وتكونُ المَسألةُ من بابِ التنازُعِ على إعْمالِ الثاني، والحذفِ مِن الأَوَّلِ تقديرُه: نَزَّلَ عليك له أي: للهدى، فَحَذَفَه، ويجوزُ أَنْ يتعلَّق بالفعلين معاً تعلُّقاً صناعياً لا على وجهِ التَنازُعِ، بل بِمَعنى أنَّه عِلَّةٌ للفعليْن مَعًا، كما تَقولُ: "أكرمْتُ زيداً وضَرَبْتُ عَمْراً إكْراماً لك" يَعني أنَّ الإكرامَ عِلَّةٌ للإِكرامِ وللضَرْبِ.والثاني: أنْ يَنتصِبَ على الحالِ مِن التوراةِ والإنجيلِ، ولم يُثَنَّ لأنَّه مصدرٌ وفيه الأوْجُهُ المَشهورةُ مِنْ حَذْفِ المُضافِ أيْ: ذَوي هُدًى أوْ على المُبالَغَةِ بأَنْ جُعِلا نفسَ الهُدَى أو على جَعْلِهِما بمَعنى هادينَ. وقيلَ: إنَّه حالٌ مِن الكِتابِ والتوراةِ والإِنجيلِ، وقيلَ: حالٌ مِن الإِنجيلِ فقط وحُذِفَ مِمَّا قبلَه لدَلالَةِ هذا عليه. وقال بعضُهم: تَمَّ الكلامُ عند قولِه تعالى: "مِن قَبْلُ" فَيُوقَفُ عليْهِ ويُبْتَدَأُ بقولِه "هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الفرقان" أيْ: وأَنْزَلَ الفرقانَ هدىً للناسِ. وهذا التقديرُ غيرُ صحيحٍ لأنَّه يُؤدِّي إلى تقديمِ المَعمولِ على حرفِ النَسَقِ وهو مُمْتَنِعٌ، لو قلتَ: "قام زيدٌ مَكتوفَةً وضُرِبَتْ هندُ" تعني: "وضُرِبَت هندَ مكتوفةً" لم يَصِحَّ البتَّةَ فكذلك هذا.قولُه: {للنَّاسِ} يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعلَّقَ بنفسِ "هُدَى" لأنَّ هذه المادَّةُ تتعدَّى باللَّامِ كقولِهِ تعالى: {يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء: 9. وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنَّه صفةٌ لِـ "هُدىً".قوله: {وَأَنزَلَ الفُرقانَ} يُحْتَمل أنْ يُرادَ بِه جميعُ الكتبِ السماويَّةِ، ولم يُجْمَعْ لأنَّه مَصدرٌ بمَعنَى الفَرْقِ كالغُفران والكُفران، وهو يَحْتملُ أنْ يكونَ مصدراً واقعاً موقعَ الفاعلِ أو المَفعولِ والأوَّلُ أظهرُ. أو كَرَّرَ ذِكْرَ القرانِ بما هو نَعتٌ له ومُدِحَ مِنْ كونِه فارقاً بيْن الحَقِّ والباطِلِ بعدَ ما ذكَرَه باسْمِ الجِنْسِ تعظيمًا لشأنِه وإظهاراً لِفَضْلِهِ. قوله: {لَهُمْ عَذَابٌ} يُحْتَمَلُ أنْ يَرتَفِعَ "عذابٌ" بالفاعليَّةِ بالجارِّ قبلَه لوقوعِه خَبَراً عن "إنَّ" ويُحْتَمَلُ أنْ يَرتَفِعَ على الابْتِداءِ، والجُملةُ خبرُ "إنَّ" والأوَّلُ أَوْلَى، لأنَّه مِن قَبيلِ الإِخْبارِ بما يَقْرُبُ من المُفردات. وانتقامٌ: وَزْنُها افْتِعالٌ مِنَ النِّقْمةِ وهي السَّطْوَةُ والتَسَلُّطُ، ولِذلك عَبَّرَ بعضُهم عنها بالمُعاقَبَةِ، يُقالُ: نَقَمَ ونَقِمَ، بالفَتْحِ وهو الأفصحُ وبالكسرِ، وقد قُرِئَ بهما. | |
|