روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 196

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 196 Jb12915568671



الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 196 Empty
مُساهمةموضوع: الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 196   الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 196 I_icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 1:24 pm

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196)

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلَّهِ، فَقِيلَ: أَدَاؤُهُمَا والإتيان بهما، كقوله: "فَأَتَمَّهُنَّ" البقرة: 124 وقوله: "ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ" البقرة: 187 أَيِ ائْتُوا بِالصِّيَامِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَوْجَبَ الْعُمْرَةَ. وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا قَالَ: الْمُرَادُ تَمَامُهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، فَإِنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَلَا يَفْسَخُهُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَفَعَلَهُ عِمْرَانُ بن حصين. وقال سفيان الثوري: إتمامهما أن تخرج قَاصِدًا لَهُمَا لَا لِتِجَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُقَوِّي هَذَا قَوْلُهُ: "لِلَّهِ".
وَقَالَ عُمَرُ: إِتْمَامُهُمَا أَنْ يُفْرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِتْمَامُهُمَا أَلَّا تَسْتَحِلُّوا فِيهِمَا مَا لَا يَنْبَغِي لَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُشْرِكُونَ فِي إِحْرَامِهِمْ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. فَقَالَ: فَأَتِمُّوهُمَا وَلَا تَخْلِطُوهُمَا بِشَيْءٍ آخَرَ.
أَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَفَعَلَهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِي الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي وَقَّتَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قَالَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلِيَاءَ، وَكَانَ الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو إِسْحَاقَ يُحْرِمُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ، وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُودَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)). وفِي رِوَايَةٍ ((غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ)). وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ وَكِيعًا! أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَعْنِي إِلَى مَكَّةَ". فَفِي هَذَا إِجَازَةُ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إِحْرَامَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ. وَأَنْكَرَ عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ إِحْرَامَهُ قَبْلَ الميقات. وقال أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: وَجْهُ الْعَمَلِ الْمَوَاقِيتُ، وَمِنَ الْحُجَّةِ لِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ وَعَيَّنَهَا، فَصَارَتْ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْحَجِّ، وَلَمْ يُحْرِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِهِ لِحَجَّتِهِ، بَلْ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِهِ الَّذِي وَقَّتَهُ لِأُمَّتِهِ، وَمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْأَفْضَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ صَنَعَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى بِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ بِقَوْلِ سيدتنا عَائِشَةَ الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ : مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ مَعَ مَا ذُكِرَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ شَهِدُوا إِحْرَامَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَعَرَفُوا مَغْزَاهُ وَمُرَادَهُ، وَعَلِمُوا أَنَّ إِحْرَامَهُ مِنْ مِيقَاتِهِ كَانَ تَيْسِيرًا عَلَى أُمَّتِهِ.
ورَوَى الْأَئِمَّةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاسْتِعْمَالِهِ، لَا يُخَالِفُونَ شَيْئًا مِنْهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي مِيقَاتِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَفِيمَنْ وَقَّتَهُ، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ السيدة عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَمَنْ رَوَى أَنَّ عُمَرَ وَقَّتَهُ لِأَنَّ العراق في وقته افْتُتِحَتْ، فَغَفْلَةٌ مِنْهُ، بَلْ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ. وَالشَّامُ كُلُّهَا يَوْمئِذٍ دَارُ كُفْرٍ كَمَا كَانَتْ الْعِرَاقُ وَغَيْرُهَا يَوْمئِذٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، وَلَمْ تُفْتَحِ الْعِرَاقُ وَلَا الشَّامُ إِلَّا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: كُلُّ عِرَاقِيٍّ أَوْ مَشْرِقِيِّ أَحْرَمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ فَقَدْ أَحْرَمَ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَالْعَقِيقُ أَحْوَطُ عِنْدِهِمْ وَأَوْلَى مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَذَاتُ عِرْقٍ مِيقَاتِهِمْ أَيْضًا بِإِجْمَاعٍ.
وأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَنْ رَأَى الْإِحْرَامَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضَيِّقَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ مَا قَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَتَعَرَّضَ بِمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْدُثَ فِي إِحْرَامِهِ، وَكُلُّهُمْ أَلْزَمَهُ الْإِحْرَامَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ زَادَ ولم ينقص.
وفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا كَمَا أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ. قَالَ الصُّبَيُّ بْنُ مَعْبَدٍ: أَتَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ إِنِّي كُنْتُ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَتَيْنِ عَلَيَّ، وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا جَمِيعًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: "وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَتَيْنِ عَلَيَّ". وَبِوُجُوبِهِمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ مَنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ سَبِيلًا، فَمَنْ زَادَ بَعْدَهَا شَيْئًا فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأُخْبِرْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ الْحَجِّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِهَا مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو بُرْدَةَ وَمَسْرُوقٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْجَهْمِ مِنَ المالكيين. وقال الثوري: سمعنا أنها واجبة. وسئل زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، فَقَالَ: صَلَاتَانِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرِيضَتَانِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ)). وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: ((الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِي تَرْكِهَا)). وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَحَكَى بَعْضُ الْقَزْوِينِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يوجبها كالحج، وبأنها سنة ثابتة، قاله ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ: أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) فَسَأَلَهُ عَنِ الْعُمْرَةِ: أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: ((لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ)).
فَهَذِهِ حَجَّةٌ مَنْ لَمْ يُوجِبْهَا مِنَ السُّنَّةِ. قَالُوا: وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِلْوُجُوبِ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا قَرَنَهَا فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ فقال: "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ" المزمل: 20. وَابْتَدَأَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ فَقَالَ: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ" آل عمران: 97 وَلَمَّا ذَكَرَ الْعُمْرَةَ أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا لَا بِابْتِدَائِهَا، فَلَوْ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ، أَوِ اعْتَمَرَ عَشْرَ عُمَرٍ لَزِمَ الْإِتْمَامُ فِي جَمِيعِهَا، فَإِنَّمَا جَاءَتِ الْآيَةُ لِإِلْزَامِ الْإِتْمَامِ لَا لِإِلْزَامِ الِابْتِدَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ عَلَى وُجُوبِهَا بِأَنْ قَالَ: عِمَادُ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةِ، وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ وُقُوفٌ، فَلَوْ كَانَتْ كَسُنَّةِ الْحَجِّ لَوَجَبَ أَنْ تُسَاوِيَهُ فِي أَفْعَالِهِ، كَمَا أَنَّ سُنَّةَ الصَّلَاةِ تُسَاوِي فَرِيضَتَهَا فِي أَفْعَالِهَا.
وقدقَرَأَ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو حَيْوَةَ بِرَفْعِ التَّاءِ فِي "الْعُمْرَةِ"، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ. وَقَرَأَ الْجَمَاعَةٌ "الْعُمْرَةَ" بِنَصْبِ التَّاءِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ. وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ" وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ لِلَّهِ" وَرُوِيَ عَنْهُ "وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ".
وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِذِكْرِ اللَّهِ هُنَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقْصِدُ الْحَجَّ لِلِاجْتِمَاعِ وَالتَّظَاهُرِ وَالتَّنَاضُلِ وَالتَّنَافُرِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَحُضُورِ الْأَسْوَاقِ، وَكُلِّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ، وَلَا حَظَّ بِقَصْدٍ، وَلَا قُرْبَةَ بِمُعْتَقَدٍ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهِ، ثُمَّ سَامَحَ فِي التِّجَارَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي.
ولَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ شَهِدَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَهُوَ لَا يَنْوِي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً - وَالْقَلَمُ جَارٍ لَهُ وَعَلَيْهِ - أَنَّ شُهُودَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا قَصْدٍ غَيْرُ مُغْنٍ عَنْهُ، وَأَنَّ النِّيَّةَ تَجِبُ فَرْضًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَأَتِمُّوا" وَمِنْ تَمَامِ الْعِبَادَةِ حُضُورُ النِّيَّةِ، وَهِيَ فَرْضٌ كَالْإِحْرَامِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ لَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ: ((لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا)) عَلَى مَا يَأْتِي. وَذَكَرَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: وَلَوْ لَبَّى رَجُلٌ وَلَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً لَمْ يكن حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا، وَلَوْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ حَتَّى قَضَى الْمَنَاسِكَ كَانَ حَجُّهُ تَامًّا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)). قَالَ: وَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلِيٌّ حِينَ أَهَلَّ عَلَى إِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْزَتْهُ تِلْكَ النِّيَّةُ، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى نِيَّةٍ لِغَيْرِهِ قَدْ تَقَدَّمَتْ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ يُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ ثُمَّ يَحْتَلِمُ هَذَا وَيَعْتِقُ هَذَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا سَبِيلَ لَهُمَا إِلَى رَفْضِ الْإِحْرَامِ وَلَا لِأَحَدٍ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ فَلَا يَتِمُّ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جَائِزٌ لِلصَّبِيِّ إِذَا بَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَنْ يُجَدِّدَ إِحْرَامًا، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى حَجِّهِ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ يَجْزِي عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنِ الْفَرْضُ لَازِمًا لَهُ حِينَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ لَزِمَهُ حِينَ بَلَغَ اسْتَحَالَ أَنْ يُشْغَلَ عَنْ فَرْضٍ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِنَافِلَةٍ وَيُعَطَّلُ فَرْضَهُ، كَمَنْ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبَةُ وَخَشِيَ فَوْتَهَا قَطَعَ النَّافِلَةَ وَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَوَقَفَ بِهَا مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
وَاحْتُجَّ فِي إِسْقَاطِ تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ الْيَمَنِ مُهِلًّا بِالْحَجِّ: ((بِمَ أَهْلَلْتَ)) قَالَ قُلْتُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ نَبِيِّكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَسُقْتُ الْهَدْيَ)). قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، وَلَا أَمَرَهُ بِتَجْدِيدِ نِيَّةٍ لِإِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ: أَجْزَأَهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ، وَالصَّبِيُّ يَبْلُغُ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مُحْرِمِينَ وَلَا دَمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الدَّمُ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنَ الْمِيقَاتِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ الْعَبْدَ الدَّمُ. وَهُوَ كَالْحُرِّ عِنْدَهُمْ فِي تَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فَإِنَّهُمَا لَا يَلْزَمُهُمَا الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُمَا. فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَبَلَغَ الصبي كان حكمهما حكم المكي، ولا شي عَلَيْهِمَا فِي تَرْكِ الْمِيقَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" الْإِحْصَارُ هُوَ الْمَنْعُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي تقصده بالعوائق جملة، سواءً كان حَصْر عَدُوٍّ أَوْ جَوْرَ سُلْطَانٍ أَوْ مَرَضًا. وَاخْتَلَفَفوا فِي تَعْيِينِ الْمَانِعِ هُنَا فقال علقمة وعروة ابن الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ الْمَرَضُ لَا الْعَدُوُّ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَنْسٌ وَالشَّافِعِيُّ هو العدو خاصّةً. وقال أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي هَذَا: الْإِحْصَارُ إِنَّمَا هُوَ الْمَرَضُ، وَأَمَّا الْعَدُوُّ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ: حَصِرَ حَصْرًا فَهُوَ مَحْصُورٌ، وهُو كَذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْحَبْسِ، وَمِنْهُ الْحَصِيرُ لِلَّذِي يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنِ الْبَوْحِ بِسِرِّهِ. وَالْحَصِيرُ: الْمَلِكُ لِأَنَّهُ كَالْمَحْبُوسِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ. وَالْحَصِيرُ الَّذِي يُجْلَسُ عَلَيْهِ لِانْضِمَامِ بَعْضِ طَاقَاتِ الْبَرْدِيِّ إِلَى بَعْضٍ، كَحَبْسِ الشَّيْءِ مَعَ غَيْرِهِ.
وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الْحَصْرِ الْحَبْسَ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُحْصَرُ مَنْ يَصِيرُ مَمْنُوعًا مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا بِمُقْتَضَى الْإِحْصَارِ مُطْلَقًا، قَالُوا: وَذِكْرُ الْأَمْنِ فِي آخِرِ الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنَ الْمَرَضِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الزُّكَامُ أَمَانٌ مِنَ الْجُذَامِ))، وَقَالَ: ((مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ أَمِنَ مِنَ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ)). الشَّوْصُ: وَجَعُ السِّنِّ. وَاللَّوْصُ: وَجَعُ الْأُذُنِ. وَالْعِلَّوْصُ: وَجَعُ الْبَطْنِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا جَعَلْنَا حَبْسَ العدل حصاراً قياساً على المرض إذا كان فِي حُكْمِهِ، لَا بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ حَصْرُ الْعَدُوِّ، لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ. وَدَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: "فَإِذا أَمِنْتُمْ". وَلَمْ يَقُلْ: بَرَأْتُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
والْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ يَحِلُّ حَيْثُ أُحْصِرَ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ إِنْ كَانَ ثَمَّ هَدْي وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَإِبْرَاهِيمُ: يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ، فَإِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ صَارَ حَلَالًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: دَمُ الْإِحْصَارِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، بَلْ يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ (الإمام محمد وأبو يوسف) فَقَالَا: يَتَوَقَّفُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ نَحَرَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ.
ولَمْ يَحِلَّ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ إِحْلَالِ الْمُحْصَرِ ذَبْحَ هَدْيٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَمَتَى وَجَدَهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ".
وقِيلَ: يَحِلُّ وَيُهْدِي إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يَجِدُ هَدْيًا يَشْتَرِيهِ، قَوْلَانِ. والْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ كَالْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا: مَنْ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ فَلَا يُحِلُّهُ إِلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَإِنْ أَقَامَ سِنِينَ حَتَّى يُفِيقَ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَهْلُ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ كَأَهْلِ الْآفَاقِ. قَالَ: وَإِنِ احْتَاجَ الْمَرِيضُ إِلَى دَوَاءٍ تَدَاوَى بِهِ وَافْتَدَى وَبَقِيَ عَلَى إِحْرَامِهِ لَا يحل من شي حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ مَرَضِهِ، فَإِذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ مَضَى إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ سَبْعًا، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلَّ مِنْ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ أَوْ خَطَأِ الْعَدَدِ: إِنَّهُ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَحُكْمُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يَكُونَ بِالْخِيَارِ إِذَا خَافَ فَوْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِمَرَضِهِ، إِنْ شَاءَ مَضَى إِذَا أَفَاقَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ وَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ إِلَى قَابِلٍ، وَإِنْ أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَلَمْ يُوَاقِعْ شَيْئًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ الْحَاجُّ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. وَمِنْ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَقَالَ فِي الْمَكِّيِّ إِذَا بَقِيَ مَحْصُورًا حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ مِنْ حَجِّهِمْ: فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ فَيُلَبِّي وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُعْتَمِرُ وَيَحِلُّ، فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ حَجَّ وَأَهْدَى. ويقولُ الزُّهْرِيِّ فِي أَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلِهِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يُقِيمَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ يَتَعَالَجُ وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَا لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ المشاهد وإننُعِشَ نَعْشًا لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ بِالْبَيْتِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: كُلُّ مَنْ منعَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ تفقه أَوْ إِضْلَالِ رَاحِلَةٍ أَوْ لَدْغِ هَامَةٍ فَإِنَّهُ يَقِفُ مَكَانَهُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ أَوْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ، فَإِذَا نَحَرَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ. كَذَلِكَ قَالَ عُرْوَةُ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ"
وقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا يَنْفَعُ الْمُحْرِمَ الِاشْتِرَاطُ في الحج إذا خاف الحصر بمرض أَوْ عَدُوٍّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ. وَالِاشْتِرَاطُ أَنْ يَقُولَ إِذَا أَهَلَّ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي مِنَ الْأَرْضِ. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ وَلَهُ شَرْطُهُ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ المطلب أنها أتت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَدْتُ الْحَجَّ، أَأَشْتَرِطُ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَتْ: فَكَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: ((قُولِي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتَنِي)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وقَدْ صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَاخْتَلَفَتِ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أُحْصِرَ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ أحصر بعدو فلا قضاء عليه لحجِّه وَلَا عُمْرَتِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورَةً، فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَلَى حَسَبِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهَا فَرْضًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ. قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِنْ كَانَ مُهِلًّا بِحَجٍّ قَضَى حَجَّةً وَعُمْرَةً، لِأَنَّ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ صَارَ عُمْرَةً. وَإِنْ كَانَ قَارِنًا قَضَى حَجَّةً وَعُمْرَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ قَضَى عُمْرَةً. وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمُ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ. واحتجوا بحديث ميمون بن مِهْرَانَ قَالَ: خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا عَامَ حَاصَرَ أَهْلُ الشَّامِ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ وَبَعَثَ مَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي بِهَدْيٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مَنَعُونِي أَنْ أَدْخُلَ الْحَرَمَ، فَنَحَرْتُ الْهَدْيَ مَكَانِي ثُمَّ حَلَلْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ خَرَجْتُ لِأَقْضِيَ عُمْرَتِي، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَبْدِلِ الْهَدْيَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ: ((مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى أَوْ عُمْرَةٌ أُخْرَى)). رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ عَرَجَ أَوْ كُسِرَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى)). قَالُوا: فَاعْتِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِنْ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ إِنَّمَا كَانَ قَضَاءً لِتِلْكَ الْعُمْرَةِ، قَالُوا: وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ، وَلَا حُفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا قَالَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ: إِنَّ عُمْرَتِي هَذِهِ قَضَاءٌ عَنِ الْعُمْرَةِ الَّتِي حُصِرْتُ فِيهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْهُ.
و{فَمَا اسْتَيْسَرَ} عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ شَاةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَعْلَى الْهَدْيِ بَدَنَةٌ، وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ، وَأَخَسُّهُ شَاةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى:{مِنَ الْهَدْيِ} الْهَدْيُ وَالْهَدِيُّ مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} الْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ: مُحْصَرٌ وَمُخَلًّى. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَاهَا لِلْمُحْصَرِينَ خَاصَّةً، أَيْ لَا تَتَحَلَّلُوا مِنَ الْإِحْرَامِ حَتَّى يُنْحَرَ الْهَدْيَ. وَالْمَحِلُّ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ ذَبْحُهُ. فَالْمَحِلُّ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: مَوْضِعُ الْحَصْرِ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: "وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ" الفتح: 25 قِيلَ: مَحْبُوسًا إِذَا كَانَ مُحْصَرًا مَمْنُوعًا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَحِلُّ الْهَدْيِ فِي الْإِحْصَارِ: الْحَرَمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ" الحج: 33. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ الْآمِنُ الَّذِي يَجِدُ الْوُصُولَ إِلَى الْبَيْتِ. فَأَمَّا الْمُحْصَرُ فَخَارِجٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: "ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ "بِدَلِيلِ نَحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ هَدْيَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْحَرَمِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْمُحْصَرِ هَلْ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ
يَحِلَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْحِلِّ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَقَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، قَالَ اللَّهُ تعالى: "وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إِذَا حَلَّ الْمُحْصَرُ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ هديه فعليه دم، ويعود حرامًا كَمَا كَانَ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ. وَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ لَا يَحِلُّ أَبَدًا حَتَّى يَنْحَرَ أَوْ يُنْحَرُ عَنْهُ. قَالُوا: وَأَقَلُّ مَا يُهْدِيهِ شَاةٌ، لَا عَمْيَاءَ وَلَا مَقْطُوعَةَ الْأُذُنَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُمْ مَوْضِعُ صِيَامٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُحْصَرِ إِذَا أَعْسَرَ بِالْهَدْيِ: فِيهِ قَوْلَانِ: لَا يَحِلُّ أَبَدًا إِلَّا بِهَدْيٍ. وَالْقَوْلِ الْآخَرِ: أَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فإن لم يقدر على شي كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: يَحِلُّ مَكَانَهُ وَيَذْبَحُ إِذَا قَدَرَ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَذْبَحَ إِلَّا بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ذَبَحَ حَيْثُ قَدَرَ. قَالَ وَيُقَالُ لَا يُجْزِيهِ إِلَّا هَدْيٌ. وَيُقَالُ: إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا كَانَ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ أَوِ الصِّيَامُ. وَإِنْ لَمْ يجد واحدا من هذه الثَّلَاثَةِ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا إِذَا قَدَرَ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا نَحَرَ الْمُحْصَرُ هَدْيَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ لَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ عَنْهُ النُّسُكُ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ بِالْإِحْصَارِ جَمِيعُ الْمَنَاسِكِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ- وَذَلِكَ مِمَّا يَحِلُّ بِهِ الْمُحْرِمُ مِنْ إِحْرَامِهِ- سَقَطَ عَنْهُ سَائِرُ مَا يَحِلُّ بِهِ الْمُحْرِمُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُحْصَرٌ. وَمِمَّنِ احْتَجَّ بِهَذَا وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَا: لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ تَقْصِيرَ وَلَا حِلَاقَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يحلق المقصر، فإن لم يحلق فلا شي عَلَيْهِ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ عَنِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْحِلَاقَ، وَالتَّقْصِيرُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحِلَاقَ لِلْمُحْصَرِ مِنَ النُّسُكِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَالْآخَرُ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالْحُجَّةُ لِمَالِكٍ أَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الْمُحْصَرُ وَقَدْ صُدَّ عَنْهُ، فَسَقَطَ عَنْهُ مَا قَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ، وَمَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فَهُوَ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْهُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِلَاقَ بَاقٍ عَلَى الْمُحْصَرِ كَمَا هُوَ بَاقٍ عَلَى مَنْ قَدْ وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ سَوَاءٌ قوله تعالى: "وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ"، وَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً. وَهُوَ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ وَالنَّظَرُ الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَى هذا ذهب مالك وأصحابه. والحلاق عِنْدَهُمْ نُسُكٌ عَلَى الْحَاجِّ الَّذِي قَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَعَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ وَالْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ.
ورَوَى الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِمَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ((اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ)) قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ)) قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((وَالْمُقَصِّرِينَ)). فَفِي دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ" وَلَمْ يَقُلْ تُقَصِّرُوا. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ عَنِ الرِّجَالِ، إِلَّا شيء ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الْحَلْقَ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ يَحُجُّهَا الْإِنْسَانُ. لَمْ تَدْخُلِ النِّسَاءُ فِي الْحَلْقِ، وَأَنَّ سُنَّتَهُنَّ التَّقْصِيرُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إِنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ)). خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وتُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ مِثْلَ الْأُنْمُلَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مَقْبُوضَةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تُقَصِّرُ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَأْخُذُ مِنْ جَمِيعِ قُرُونِ رَأْسِهَا.
ولَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ سُنَّةَ الذَّبْحِ قَبْلَ الْحِلَاقِ. وَالْأَصْلُ فِي ذلك قوله تعالى: "وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ"، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَدَأَ فَنَحَرَ هَدْيَهُ ثُمَّ حَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدَّمَ الْحِلَاقَ قَبْلَ النَّحْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَدِّمَهُ خَطَأً وَجَهْلًا أَوْ عمداً وقصداً، فإن كان الأول فلا شي عَلَيْهِ، وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عليه الهدي. وقَالَ الشَّافِعِيُّ يجوز تقديم الحلق غلى النحر. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ: ((لَا حَرَجَ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
رَوَى الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: "عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: ((أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ)) قَالَ نَعَمْ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ". خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا. فَقَوْلُهُ:" وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَصْرِ الْعَدُوِّ لَهُمْ، فَإِذَاً الْمُوجِبُ لِلْفِدْيَةِ الْحَلْقُ لِلْأَذَى وَالْمَرَضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُحْرِمِ يُصِيبُهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ: إِنَّهُ يُجْزِيهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْفِدْيَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ ذَكَرَ النُّسُكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِشَاةٍ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ وَالْإِطْعَامُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لكعب بن عُجرة: ((احْلِقْ وَاهْدِ هَدْيًا)). فَقَالَ: مَا أَجِدُ هَدْيًا. قَالَ: ((فَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ)). فَقَالَ: مَا أَجِدُ. قَالَ: ((صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)). وَعَامَّةُ الْآثَارِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَرَدَتْ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ مَضَى عَمَلُ الْعُلَمَاءِ.
واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْإِطْعَامِ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى، فَقَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمُ: الْإِطْعَامُ فِي ذَلِكَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ. وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفِدْيَةِ: مِنَ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ، وَمِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ صَاعٌ. وَلَا يُجْزِي أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينَ وَيُعَشِّيَهُمْ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى حَتَّى يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِيهِ أَنْ يُغَدِّيَهِمْ وَيُعَشِّيَهِمْ.
وأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ حَلْقِ شَعْرِهِ وَجَزِّهِ وَإِتْلَافِهِ بِحَلْقٍ أَوْ نَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا فِي حَالَةِ الْعِلَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى مَنْ حَلَقَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَوْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ بِغَيْرِ عُذْرٍ عَامِدًا، فَقَالَ مَالِكٌ: بِئْسَ مَا فَعَلَ! وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا، وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ الْعَمْدُ فِي ذَلِكَ وَالْخَطَأُ، لِضَرُورَةٍ وَغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ أَبُو حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبو ثور:لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ" فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ عَامِدًا أَوْ لَبِسَ عَامِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ لَا غَيْرَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا، فَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعَامِدُ وَالنَّاسِي فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَأَكْثَرُهم يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضِهِ، وَلُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ وَمَسِّ الطِّيبِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى، وَكَذَلِكَ إِذَا حَلَقَ شَعْرَ جَسَدِهِ أَوِ اطَّلَى، أَوْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ. وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ فِي الْكُحْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ. وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ. وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْفِدْيَةُ إِذَا غَطَّتْ وَجْهَهَا أَوْ لَبِسَتِ الْقُفَّازَيْنِ، وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالْجَهْلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَبَعْضُهُمْ يجعل عليهما دما في كل شيء من ذلك.
وَاخْتَلَفَوا في موضع الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانَ مِنْ دَمٍ فَبِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الدَّمَ بِمَكَّةَ. وَقَالَ طَاوُسٌ وَالشَّافِعِيُّ: الْإِطْعَامُ وَالدَّمُ لَا يَكُونَانِ إِلَّا بِمَكَّةَ، وَالصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ، لِأَنَّ الصِّيَامَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سبحانه" هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ" المائدة: 95 رِفْقًا لِمَسَاكِينَ جِيرَانِ بَيْتِهِ، فَالْإِطْعَامُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِخِلَافِ الصِّيَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ مَالِكٌ ومجاهد: يَفْعَلُ ذَلِك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 196
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 49
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 93
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 94
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :109
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :123

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: