الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 123
وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)
هذه الآية ترهيب من الله جل ثناؤه بما وعظهم به في الآية قبلها. يقول الله لهم: واتقوا ـ يا معشر بني إسرائيل المبدلين كتابي وتنزيلي ، المحرفين تأويله عن وجهه ، المكذبين برسولي محمد صلى الله عليه وسلم ـ عذاب يوم لا تقضي فيه نفس عن نفس شيئاً ، ولا تغني عنها ، أن تهلكوا على ما أنتم عليه من كفركم بي ، وتكذيبكم رسولي ، فتموتوا عليه ، فإنه يوم لا يقبل من نفس فيما لزمها فدية ، ولا يشفع فيما وجب عليها من حقٍّ لها شافع ، ولا هي ينصرها ناصر من الله إذا انتقم منها بمعصيتها إياه .
وقد مضى البيان عن كل معاني هذه الآية وإعرابها في نظيرتها قبل، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
أَمَّا الأعداء فلا يَقْبَلُ منهم شيئًا ، وأمَّا الأولياء فقال صلى الله عليه وسلم: « اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة » ، والكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين ، فهذا حكم كلِّ أمّةٍ مع نبيِّها ، وأمَّا المؤمنون فتنفعهم شفاعة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم . وكلُّ أحدٍ يقول يومئذٍ نفسي نفسي ونبيُّنا
صلى الله عليه وسلم يقول: « أمتي أمتي » .
{تجزي} جزى عني هذا الأمرَ يجزي:مثل قضى يقضي وزناً ومعنىً أي لا تقضي في ذلك اليوم { نفس } من النفوس { عن نفس } أخرى { شيأ } من الحقوق التي لزمتها ، ولا تدفع عنها شيئاً ، أمّا إذا كان عليها حقٌّ واجبٌ لغيرها فإنها تجزي وتقضي ـ بغير اختيارها ـ بما لها من حسناتها ، ما عليها من الحقوق ، كما جاء فى حديث أبي هريرة رضى الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من كانت له مظلمة لأخيه ، مِن عرض أو غيرِه ، فلْيَسْتَحْلِلْ منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهمٌ ، إنْ كان له عمل صالح أُخِذَ منه بقدْرِ مَظَلَمتِه ، وإن لم يكن لهُ حسناتٌ أُخِذَ من سيّئاتِ صاحبِه فحُمِّل عليه)) .
{ولا يقبل منها عَدلٌ} أي فداءٌ . و"العَدْلُ" بفتح العين ، الفِدْيَةُ، وهي ما يماثل الشيءَ قيمةً وإن لم يكن من جنسِه ، و" العِدْلُ " بالكسر ما يساوي الشيءَ في الوزن والجُرْمِ من جنسِه . والمعنى لا يؤخذ منها فِدْيةٌ تنجو بها من النار ، وسُمِّيتْ الفِدْيةُ عَدْلاً لأنها تعادل ما يُقصَدُ إنقاذُه وتخليصُه ، يُقالُ فَداهُ إذا أعطى فِداءَه فأُنقذ .
{ولا تنفعها شفاعة}إن شَفَعت للنفس الثانية {ولا هم ينصرون} أي يمنعون من عذاب الله تعالى .