وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(82)
{ والذين آمنوا } أي صدقوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . ويعني بقوله: { وعملوا الصالحات } أطاعوا الله فأقاموا حدوده ، وأدوا فرائضه ، واجتنبوا محارمه .
عندما يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم العذاب والنار ، يأتي بالمقابل وهو النعيم والجنة وذلك أن المقابلة ترينا الفرق، فلما ذكرسبحانه أهل النار وما أعد لهم من الهلاك أتبع ذلك بذكر أهل الإيمان وما أعد لهم من الخلود في الجنان ، وقد جرت عادته جل شأنه على أن يُشفع وعدَه بوعيده مراعاةً لما تقتضيه الحكمة في إرشاد العباد من الترغيب تارة والترهيب أخرى ، فإن تربية الوعيد بذكر ما فات أهله من الثواب ، وتربية الوعد بذكر ما نجا منه أهله من العقاب .
والمراد من {الذين آمنوا} أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومؤمنو الأمم قبلهم ، قاله ابن عباس وغيره وهو الظاهر وقيل: المراد بهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته خاصة .
وذكر الفاء في الآية السابقة ” فأولئك أصحاب النار هم … ” وتركها هنا إما لأن الوعيد من الكريم مَظنَّةُ الخُلْفِ دون الوعدِ فكان الأوّل حَريّاً بالتأكيد دون الثاني ، وإما للإشارة إلى سبق الرحمة فإن النحاة قالوا: مَنْ دخل داري فأُكرمْه يقتضي إكرام كل داخل لكن على خطر أن لا يكرم ، وبدون الفاء يقتضي إكرامه ألبتة ، وإما للإشارة إلى أنّ خلودَهم في النار بسبب أفعالهم السيئة وعصيانهم وخلودُهم في الجنّة بمحض لطفه تعالى وكرمه ، وإلا فالإيمان والعمل الصالح لا يفي بشكر ما حصل للعبد من النعم العاجلة وإلى كلٍّ ذهب بعضٌ .