وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)
{وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا} جملة مستأنفة سيقت إثر بيان ما صدر عن أسلافهم لبيان ما صدر عنهم من نفاق ، وقد تقدَّم نظيرُها أولَ السورةِ ، وقد تقدَّم الكلامُ على مفرداتها وإعرابها ، فأغنى
ذلك من الإِعادة .
وهذه الجملةُ الشرطيةُ تحتملُ وجهَيْن ، أحدُهما : أن تكونَ مستأنفةً كاشفةً عن أحوال اليهودِ والمنافقين . والثاني : أن تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ معطوفةً على الجملة الحالية قبلها وهي: وقد كان فريقٌ ، والتقدير: كيف تطمعون في إيمانِهم وحالُهم كَيْتَ وكَيْتَ؟ وقرئ: " لاقُوا " ، وهو بمعنى لَقوا ، فَاعَل بمعنى فَعِل.
{بِمَا فَتَحَ الله } متعلِّقٌ بالتحديث قبلَه ، وما موصولةٌ بمعنى الذي والعائدُ محذوفٌ أي: فَتَحَه الله .
{لِيُحَاجُّوكُم } هذه اللامُ تُسَمَّى لامَ كي بمعنى أنها للتعليل ، كما أنَّ "كي" كذلك، لا بمعنى أنها تَنْصِبُ ما بعدَها بإضمار بـ "كي" وهي حرفُ جرٍّ ، وإنما دَخَلَتْ على الفعل لأنّه منصوبٌ بأَنْ المصدريّةِ مقدرةً بعدها ، فهو معها بتأويل المصدرِ أي للمُحاجَّةِ .
ويجوز إضمارُ أَنْ وإظهارُها بعد هذه اللامِ إلاَّ في صورةٍ واحدةٍ وهي ما إذا وقع بعدها"لا"نحو قوله {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ} الحديد:29{لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ}البقرة:150وذلك لِما يَلْزَمُ من توالي لاَميْن فيثقُل اللفظُ. والمشهورُ في لغةِ العربِ كَسْرُ هذه اللامِ لأنها حرفُ جر وفيها لُغَيَّةٌ شاذَّةٌ وهي الفتح .
وهذه اللامُ متعلقةٌ بقوله: "أَتُحَدِّثُونهم" . أو بفَتْحِ لأنه سببٌ للتحديث ، والسَّبَبُ والمُسَبَّبُ في هذا واحدٌ . وقوله: "به"يعودُ الضمير على "ما" من قوله: {بِمَا فَتَحَ الله} .
{ عِنْدَ رَبِّكُمْ } ظرفٌ معمولٌ لقولِه : { لِيُحَآجُّوكُم } بمعنى لِيحاجُّوكم يومَ القيامة ، فًَكَنَى عنه بقوله: { عِنْدَ رَبِّكُمْ } وقيل: "عندَ" بمعنى في ، أي: ليحاجُّوكم في ربكم ، أي: فيكونون أَحَقَّ به منكم .
وقيل : ثَمَّ مضَافٌ محذوفٌ أي : عند ذِكْرِ ربِّكم ، وقيل : هو معمولٌ لقولِه : { بِمَا فَتَحَ الله } أي بما فتح اللهُ مِنْ ربكم ليحاجُّوكم ، وهو نَعْتُه عليه السلام وأَخْذُ ميثاقِهم بتصديقِه .
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} في هذه الجملةِ قولان: أحدُهما أنها مندرجَةٌ في حَيِّز القولِ . والثاني أنها من خطابِ الله تعالى للمؤمنين بذلك فَمَحَلُّها النصبُ على الأولِ ولا محلَّ لها على الثاني ، ومفعولُ { تَعْقِلُونَ } يجوزُ أن يكونَ مراداً ويجوزُ ألاَّ يكونَ .