عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 62 الأربعاء فبراير 29, 2012 7:53 am | |
| إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) بعد أن تحدث الحق ـ سبحانه وتعالى ـ عن بني إسرائيل وكيف كفروا بنعمه ، أراد أن يعرض لنا حساب الأمم التي سبقت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، ولقد وردت هذه الآية في سورة المائدة ولكن بخلاف يسير من التقديم والتأخير ، ففي الآية 69 من سورة المائدة يقول تبارك وتعالى: { إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون والنصارى } أي أنه في سورة المائدة تقدمت الصابئون على النصارى ، واختلف الإعْراب ففي البقرة و"الصابئين" ، وفي المائدة و"الصابئون " ووردت آية أخرى في سورة الحج: { إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } الحج : 17 . تبدو الآيات الثلاث متشابهة ، إلا أنَّ هناك خلافات كثيرة فيما بينها فما هو سبب التكرار الموجود في الآيات ، وتقديم الصابئين مرة وتأخيرها ، ومع تقديمها رفعت وتغير الإعراب ، وفي الآيتين الأوليين (البقرة والمائدة ) تأتي : { مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . أما في الآية التي في سورة الحج فقد زاد فيها: { المجوس والذين أشركوا } واختلف فيها الخبر فقال الله سبحانه وتعالى: { إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة } . عندما خلق الله آدم وأنزله ليعمر الأرض أنزل معه الهدى ، واقرأ قوله تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى } طه : 123، فمن المفروض أن يكون آدم بلغ المنهج لأولاده، وهؤلاء بلغوه لأولادهم وهكذا . وتشغل الناس الحياة وتطرأ عليهم الغفلة ، ويصيبهم طمع الدنيا وجشعها ويتبعون شهواتهم ، فكان لابد من رحمة الله لخلقه أن يأتي الرسل ليذكروا وينذروا ويبشروا . الآية الكريمة تقول : { إِنَّ الذين آمَنُواْ } أي إيمان الفطرة الذي نزل مع آدم إلى الأرض . والذين هادوا هم أتباع موسى عليه السلام، أما الصابئة فقد اختلف العلماء فيهم قال بعضهم هم أتباع نوح ولكنهم غيروا بعده وعبدوا الشمس والقمر والكواكب ، أو هم الذين انتقلوا من دين آبائهم إلى الدين الذي كان في عصرهم فصبئوا فسموا صابئة ، أو هم جماعة من العقلاء قالوا ما عليه قومنا لا يقنع العقل كيف نعبد هذه الأصنام ونحن نصنعها ونصلحها؟ فامتنعوا عن عبادة أصنام العرب ، فقالوا عنهم إنهم صبئوا ، أي تركوا . وقال مجاهد: الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى، ليس لهم دين . ولسعيد بن جبير وعطاء فيهم قول قريب من هذا . أما أبو العالية والربيع بن أنس، والسدي، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، والضحاك وإسحاق بن راهويه فالصابئون عندهم فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور . ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق : لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم . وذكر الحسن البصري الصابئين، فقال: هم قوم يعبدون الملائكة. ونلاحظ أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جاء بكلمة "الصابئين " في سورة البقرة متأخرة ومنصوبة ، وفي سورة المائدة متقدمةً ومرفوعةً ، تقول الآية { إِنَّ الذين آمَنُواْ } إِنَّ : تنصب الاسم وترفع الخبر ، الذين اسم موصول في محل نصب اسم لـ "إن " { والذين هَادُواْ } معطوف على {الذين آمنوا} فهو منصوب أيضاً، والنصارى معطوف أيضا على إسم إن ،والصابئين معطوف أيضاً ومنصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. نأتي إلى قوله تعالى: { مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} هذه مستقيمة في سورة البقرة إعرابا وترتيباً ، والصابئين تأخرت عن النصارى لأنهم فرقة قليلة ، لا تمثّل جمهرة كثيرة كالنصارى ، ولكن في آية المائدة تقدّمت " الصابئون " وبالرفع في قوله تعالى : { إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ } الذين آمنوا إسم إنّ والذين هادوا معطوف عليه و "الصابئون" كان القياس أن يقال والصابئين . . وبعدها النصارى معطوفة على الذين آمنوا ولكن كلمة "الصابئون " توسطت بين اليهود وبين النصارى ، وجاء إعرابها بشكل لا يقتضيه الظاهر ، وللعرب إذن مرهفةٌ ، فلا بد للعربي من إن يلتفت ليعرف السبب . حين تولى أبا جعفر المنصور الخلافة ، وقف على المنبر ولحن ، أي أخطأ في نطق كلمة ، وكان هناك إعرابي يجلس فآذت أُذنيه ، وأخطأ المنصور ثانية . وفي المرة الثالثة قام الإعرابي وقال: أشهد أنك وليت هذا الأمر بقضاء وقدر ، أي أنك لا تستحقه . وهنا جاء لفظٌ مرفوعاً والمفروض أن يكون منصوباً ، إذاً لا بدّ من أن يجعل ذلك العربي يتنبه إلى أن لله حكمة فما هي ؟ الذين آمنوا أمرهم مفهوم والذين هادوا أمرهم مفهوم والنصارى أمرهم مفهوم ، أما الصابئون فهؤلاء لم يكونوا تابعين لدين إنما سلكوا طريقاً مخالفاً ، فجاءت هذه الآية لتلفتنا إلى هذا فقدمت هذه الكلمة ورفعتها لتلفت إليها الآذان بقوة . قولُه تعالى : { مَنْ آمَنَ بالله } " مَنْ " ، يجوز فيها وجهان ، أحدُهما : أن تكونَ شرطيّةً في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ ، و" آمَن " مجزومٌ بها تقديراً وهو الخبرُ على الصحيحِ . وقوله "فلهم" جوابُ الشرط ، وهذه الجملة الشرطية في محل رفعٍ خبراً لـ " إنَّ " في قوله " إنَّ الذين آمنُوا" والعائدُ محذوفٌ تقديرُه: مَنْ آمن منهم ، كما صَرَّح به في موضعٍ آخَر. والثاني : أن تكونَ موصولةً بمعنى الذي ومَحَلُّها حينئذٍ النصبُ على البدلِ مِنْ اسمِ " إنَّ " وهو " الذين " بدلِ بعضٍ من كلٍّ ، والعائدُ أيضاً محذوفٌ كما تقدْم ، و" آمن " صلتُها ، فلا محلَّ له حينئذ . {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} خبرُ " إنَّ الذين " ، ودخلتِ الفاءُ لأن الموصولَ يُشْبه الشرطَ . {عِندَ رَبِّهِمْ } " عند " ظرفُ مكانٍ لازمُ الإِضافةِ لفظاً ومعنىً ، والعاملُ فيه " لهم " ، ويجوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من "أجرُهم " فيتعلَّقَ بمحذوفٍ تقديرُه: فلهم أجرُهم ثابتاً عند ربهم . والعِنْديَّة مجازٌ لتعالِيه ـ سبحانه ـ عن الجهةِ ، وقد تَخْرُجُ إلى ظرفِ الزمان إذا كانَ مظروفُها معنىً، ومنه قولُه عليه الصلاة والسلام: (( إنما الصبرُ عند الصَّدمةِ الأولى )) والمشهورُ كسرُ عَيْنِها ، وقد تُفْتَحُ وقد تُضَمُّ . والذين هادُوا هم اليهودُ ، وهادُوا في أَلِفه قولان: أحدُهما أنه من واو ، والأصلُ: هاد يهودُ ،وقيل: هو من التَّهْويد وهو النطق في سكون ووقار ، وأنشدوا : وخُودٌ من اللائي تَسَمَّعْنَ بالضُّحى ....... قَريضَ الرُّدافَى بالغِناءِ المُهَوَّد وقيل: هو من الهَوادة وهي الخضوعُ . والثاني : انها من ياء ، والأصلُ : هاد يَهِيد ، أي : تحرَّك ومنه سُمِّي اليهودُ لتحرُّكهم في دراستِهم . وقيل: سُمُّوا يهودَ نسبةً ليهوذا بالذال المعجمة وهو ابنُ يعقوب عليه السلام ، فغيَّرتْه العربُ من الذال المعجمة إلى المهملة جَرْياً على عادتها في التلاعُب بالأسماء الأعجمية . والنَّصارى جمعٌ ، واحدُه نَصْران ونَصْرَانة كَنْدمان ونَدْمانة وندامى ، وأنشد : فَكِلْتاهما خَرَّتْ وأَسْجَدَ رأسُها ........ كما أَسْجَدَتْ نَصْرانَةٌ لم تَحَنَّفِ وأنشد الطبري على نَصْران قوله : يَظَلُّ إذا دارَ العِشَا مُتَحَنِّفاً ......... ويُضْحي لَدَيْه وهو نَصرْانُ شامِسُ إلاَّ أنَّه لم يُسْتَعْمَلْ في الكلام إلا بياءِ النسبة " نصرانيّ " وقيل إنّ واحدُ النصارى نَصْرِيّ كمَهْرِيّ ومهارى ، ونصارى نكرةٌ ، ولذلك دَخَلَتْ عليه أَلْ التعريف . وسُّمُوا بذلك نسبةً إلى قرية يقال لها نَاصِرة ، كان يَنْزِلها عيسى عليه السلام ، أو لأنهم كانوا يتناصرون . وهو من قولهم لعيسى عليه السلام : نحن أنصار الله . وأما الصابئُون فقد تقدم بيان سبب تسميتهم بذلك ، والجمهورُ على همزهِ ، وقرأه نافعٌ غيرَ مهموز . فمَنْ هَمَزَه جَعَلَه من صَبَأَ نابُ البعير أي : خَرَجَ ، وصَبَأَتِ النجومُ : طَلَعت ، وصَبَأْتُ على القومِ إذا طَرَأْتُ عليهم ، فالصابِئُ : التارِكُ لدينِه كالصابىءِ الطارئِ على القومِ فإنه تارِكٌ لأرضِه ومنتقلُ عنها . ومَنْ لم يَهْمَِزْ فإنه يحتمل وجهين ، أحدهما : أن يكونَ مأخوذاً من المهموزِ فَأَبْدَلَ من الهمزةِ حرفَ علة إمَّا ياءً أو واواً ، فصارَ من باب المنقوصِ مثل قاضٍ أو غازٍ ، والأصل : صابٍ ، ثم جُمِع كما يُجْمع القاضي أو الغازي ، إلا أنَّ سيبويه لا يرى قلبَ هذه الهمزة إلا في الشعر ، خلافاً للأخفش . الثاني : أنه من صَبَا يَصْبو إذا مال ، فالصابي كالغازي ، أصلُه ، صابِوٌ فأُعِلَّ كإعلال غازٍ . ولابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " ما الصابُون إنما هي الصابئون ، ما الخاطون إنما هي الخاطِئون " . فقد اجتمع في قراءةِ نافع همزُ النبيين وتَرْكُ همز الصابئين ، والعكسَ فيهما أَفْصَحُ . وقد حَمَلَ الضميرَ في قوله { مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ } على " مَنْ " فأَفْرد ، وعلى المعنى في قولِه : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } على المعنى . والأجْرُ في الأصلِ مصدرٌ يقال : أَجَرَهُ الله يأجِرُهُ أَجْراً ، وقد يُعَبَّر به عن نفس الشيء المُجَازَى به ، والآيةُ الكريمة تحتملُ المعنيين . وقرئ : { والذين هَادَوْا } بفتحِ الدال كأنها من المفاعَلَةِ والأصلُ " هادَيُوا " فأُعِلَّ كنظائره .
| |
|