عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: الدر النظيم ... ( الآية 34 من سورة البقرة ) السبت يناير 14, 2012 12:29 pm | |
| وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) . السجودُ لغةً : التذلُّلُ والخضوعُ ، وغايتُه وَضْعُ الجبهةِ على الأرضِ ، وقال ابن السكيت : " هو المَيْلُ " قال زيدٌ الخيل : بجَمْعٍ تَضِلُّ البُلْقُ في حَجَراته ............... ترى الأُكْمَ فيها سُجَّداً للحَوافِرِ يريد أنَّ الحوافِرَ تطأُ الأرضَ فتجعلُ تأثُّرَ الأكْمِ للحوافرِ سُجوداً .وفَرَّقَ بعضُهم بين سَجَد وأَسْجد ، فسجد : وََضَعَ جَبْهَتَه ، وأَسْجَدَ : أمال رأسَه وطأطأها ، قال الشاعر : فُضُولَ أَزِمَّتِها أَسْجَدَتْ ......................... سُجودَ النَّصارى لأرْبابها وقال آخر : ... وقُلْنَ له أسْجِدْ لِلَيْلَى فَأَسْجدا يعني: أنَّ البعيرَ طأطأ رأسَه لأجلها . واختلف في " إبليس " فقيل : إنه اسمٌ أعجمي مُنِعَ من الصَّرْفِ للعلَمِيَّة والعَجْمةِ ، وقيل : إنه مشتقٌّ من الإِبْلاسِ وهو اليأسُ من رحمة اللهِ تعالى والبُعْدُ عنها ، قال الشاعر : ... وفي الوُجوهِ صُفْرَةٌ وإبْلاسْ وقال آخر : يا صاحِ هل تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَسَا .................. قال نَعَمْ أَعْرِفُه وأَبْلَسَا أي: بَعُد عن العِمارةِ والأُنْسِ به ، ووزنُه عند هؤلاء : إِفْعِيل . ولقد كان هذا سجودَ تحية وسلام وإكرام ، كما قال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا ، قال معاذ ـ رضي الله عنه ـ : قدمتُ الشامَ فرأيتُهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم ، فأنت يا رسول الله أحق أن يُسجَد لك ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " لا لو كنتُ آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجِها من عظم حقه عليها " والسجدة لآدم إكرامًا وإعظامًا واحترامًا وسلامًا ، وهي طاعة لله ، عز وجل ؛ لأنها امتثال لأمره تعالى ، وقد قواه الرازي في تفسيره ، وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتنّ بها على ذريّته ، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم . وقد دلّ على ذلك أحاديث كثيرة . منها ما روي عن ابن عباس وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما فرغ الله من خلق ما أحب ، استوى على العرش ، فجعل إبليسَ على مُلْك السماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم : الجن ، وإنما سُمّوا الجنَّ لأنهم خُزّان الجنّة ، وكان إبليسُ مع مُلْكه خازنا ، فوقع في صدره كبر وقال : ما أعطاني الله هذا إلا لمزيّة لي على الملائكة . فلمّا وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه . فقال الله للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً } قالوا : ربَّنا ، وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً . قالوا: ربنا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } يعني : من شأن إبليس . فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تَقْبض مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ ، وقال : رَبِّ منّي عاذت بك فأعذتُها ، فبعث ميكائيل ، فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل، فبعث مَلَك الموت فعاذت منه . فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، وخَلَطَ ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ، فَصعِد به فَبَلَّ التراب حتى عاد طيناً لازباً – واللازب: هو الذي يلتزق بعضه ببعض ـ ثم قال للملائكة : { إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ، ليقول له : تتكبر عمّا عملتُ بيديّ ، ولم أتكبر أنا عنه . فخلقَه بشراً ، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه ، وكان أشدهم فزعا منه إبليس ، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة . فذلك حين يقول: { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } ويقول : لأمر ما خُلقت. ودخل من فيه فخرج من دبره ، وقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا ، فإن ربكم صَمَدٌ وهذا أجوف . لئن سلطت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه ، عَطِسَ ، فقالت الملائكة : قل : الحمد لله . فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة . فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول تعالى : {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } أبى واستكبر وكان من الكافرين . قال الله له : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي؟ قال : أنا خير منه ، لم أكن لأسجد لمن خلقته من طين . قال الله له : اخرج منها فما يكون لك ، يعني : ما ينبغي لك { أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} والصغار : هو الذل . قال : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا } ثم عرض الخلق على الملائكة {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فقالوا { سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } قال الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال : قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } فهذا الذي أبدوا "وأعلم ما تكتمون" يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر. وهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور ويقع فيه إسرائيليات كثيرة ، فلعل بعضَها مُدْرَجٌ ليس من كلام الصحابة ، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة . والله أعلم . والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء ، ويقول: على شرط البخاري . وقد ثبت في الصحيح: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر " وقد كان في قلب إبليس من الكبر والكفر والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس . وكان من الكافرين أي: وصار من الكافرين بسبب امتناعه ، كما قال: { فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } وقال { فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } وقال الشاعر: بتيهاء قفر والمطيّ كأنها ................قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها أي : قد صارت ، وقيل: تقديره : وقد كان في علم الله من الكافرين . قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ } : العاملُ في " إذ " محذوفٌ دلَّ عليه قولُه : " فَسَجَدوا " تقديرُه : أطاعوا وانقادُوا فسجدوا ، لأنَّ السجودَ ناشئٌ عن الانقيادِ ، وقيل : العاملُ هو " اذكُرْ " مقدرةً ، وقيل : " إذ " زائدةٌ ، وقد تقدَّم ضَعْفُ هذين القولين .وقيل : " إذ " بدلٌ من " إذ " الأولى ، ولا يَصِحُّ لتوسُّطِ حرفِ العطفِ ، وجملةُ " قلنا " في محلِّ خفضٍ بالظرفِ ، وفيه التفاتٌ من الغَيبةِ إلى التكلمِ للعظمة ، واللامُ للتبليغ كنظائِرها. والمشهورُ جَرُّ تاءِ " الملائكة " بالحرفِ " ل " وقرأ أبو جعفر بالضمِّ إتباعاً لضمةِ الجيم ، ولم يَعْتَدَّ بالساكن ، وغَلَّطه الزجَّاج ، وخطّأه الفارسي ، وشَبَّهه بعضُهم بقولِه تعالى : { وَقَالَتِ اخرج عليهم } بضم تاء التأنيث ، وليس بصحيح لأنَّ تلك حركةُ التقاءِ الساكنين وهذه حركةُ إعرابٍ فلا يُتلاعَبُ بها ، والمقصودُ هناك يحصُلُ بأيِّ حركةٍ كانَتْ . و" اسجُدوا " في محلِّ نصبٍ بالقولِ ، واللامُ في " لآدمَ " الظاهرُ أنها متعلقةٌ باسجُدُوا ، ومعناها التعليلُ أي لأجلِه . و" فسجدوا " الفاءُ للتعقيبِ ، والتقديرُ : فسَجدوا له ، فَحُذِفَ الجارُّ للعلمِ به . قوله تعالى : { إِلاَّ إِبْلِيسَ } " إلا " حرفُ استثناءٍ " إبليسَ " نصبٌ على الاستثناء . وهل نصبُه بإلاَّ وحدها أو بالفعلِ وحدَه أو به بوساطة إلا ، أو بفعلٍ محذوف أو بـ " أنَّ " ؟ أقوالٌ ، وهل هو استثناءٌ متصلٌ أو منقطعٌ ؟ خلافٌ مشهورٌ ، والأصحُّ أنه متصلٌ . { أبى واستكبر } الظاهرُ أنَّ هاتين الجملتين استئنافيتان جواباً لمَنْ قال : فما فعلَ ؟ والوقفُ على قولِه: { إِلاَّ إِبْلِيسَ } تامٌّ . وقيل هو في موضع نصبٍ على الحالِ من إبليسِ تقديرُه : تَرَك السجودَ كارهاً ومستكبراً عنه فالوقفُ عنده على " واستكبر " ، وجَوَّز في قولِه تعالى : { وَكَانَ مِنَ الكافرين } أَنْ يكونَ مستأنفاً وأن يكونَ حالاً أيضاً . " أبى " الإِباء الامتناعُ ، قالَ الشاعر : وإما أَنْ يقولوا قَدْ أَبَيْنا ........................ وشَرُّ مواطِنِ الحَسَبِ الإِباءُ وهو من الأفعال المفيدةِ للنفي ، ولذلك وَقَعَ بعده الاستثناءُ المفرَّغُ ، قال الله تعالى : { ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } والمشهورُ أبى يأبى بالفتحِ فيهما ، وكان القياسُ كسرَ عينِ المضارعِ ، ولذلك اعتبره بعضُهم فَكَسَر حرفَ المضارعةِ فقال : تِئْبى ونِئْبى . وقيل : لمَّا كانت الألفُ تشبه حروفَ الحَلْقِ فُتِح لأجلِها عينُ المضارعِ . وقيل : أَبى يأبى بالفتحِ فيهما ، وكان القياسُ كسرَ عينِ المضارعِ ، ولذلك اعتبره بعضُهم فَكَسَر حرفَ المضارعةِ فقال : تئبى ونئبى . وقيل : لَمَّا كانت الألف تشبه حروف الحلق فُتح لأجلها عين المضارع . وقيل: أَبِيَ يأبى بكسرها في الماضي وفتحها في المضارع ، وهذا قياسٌ فيُحتمل أنْ يكونَ مَنْ قال : أبى يأبى بالفتح فيهما استغنى بمضارع مَنْ قال : أبِيَ بالكسر ويكونُ من التداخُلِ نحو : ركَن يركَنُ وبابِه . " واستكبر " بمعنى تكبَّر وإنما قدَّم الإِباءُ عليه وإنْ كان متأخِّراً عنه في الترتيبِ لأنه من الأفعالِ الظاهرةِ بخلافِ الاستكبارِ فإنه من أفعال القلوب .
| |
|