أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
(41)
قولُهُ ـ تَعالى شأْنُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هَذِهِ هِيَ إِحْدَى عَلَامَاتِ وُجُودِ ذَلِكَ النُّورِ المُتَقَدِّمِ الذِّكْرِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ آياتٍ مُباركاتٍ، في أَهْلِ الأَرْضِ والسَّمَواتِ.
وَهَذا الخطابُ خاصٌّ بحضرةِ النَّبيِّ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، بَعْدَ أَنْ أَفَاضَ اللهُ عَلَيْهِ أَعَلَى مَرَاتِبِ النُّورِ وَأَجْلَاهَا حِينَ أَسْرَى بِهِ رَبُّهُ مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، ثمَّ عَرَجَ بِهِ إلى السَّمواتِ وَرَأَىَ مَا رَأَى مِنْ عَظيمِ الآياتِ، وَأَطْلَعَهُ عَلى مَا شَاءَ مِنْ أَسْرارِ الَملَكُوتِ، وأَجَلَّها وأَخْفَاهَا.
وَالمُرادُ بـ "أَلَمْ تَرَ" هُنَا: أَلَمْ تَعْلَمْ، فهوَ كَقَوْلِهِ ـ تعالى، مِنْ سُورةِ الفيلِ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} الآيَةَ: 1، وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ حَضْرةَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ في ذلكَ العامِ، وَلَمْ يَرَ هَذِهِ الحَادِثَةَ بعينِهِ، وَإنَّما عَلِمَ بها عِنْدَمَا كَبُرَ، وهُنَا يُعلِمُ اللَّهُ رَسُولَهُ بِتَسْبِيحِ جَمِيعِ المَوْجُوداتِ لعَظَمَتِهِ.
وَقد خاطِبُهُ بـ "ألمْ تَرَ" فَكَأنَّما يَقُولُ لَهُ: إِنَّ مَا أُخْبِرُكَ بِهِ غَيْبًا عَنْكَ أَوْثَقُ مِمَّا تُخْبِرُكَ بِهِ عَيْنُكَ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ عِلْمِكَ هُوَ اللهُ، فَإِنَّ النَّظَرَ قَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئ، وَقَدْ يُصيبُهُ مَرَضٌ فَتَخْتَلُّ رُؤْيَتُهُ. وَالمَعْنى: أَلَمْ تَنْظُرْ ـ أَيُّها النَّبيُّ، بِعَيْنِ بَصيرَتِكَ، فَتَعْلَمَ عِلْمَ اليَقِينِ، أَنَّ اللَّهَ ـ جَلَّ جلالُهُ، يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مِنَ العُقَلاءِ وَغَيْرِ العُقَلَاءِ، وَيُنَزِّهُونَهُ عَلَى الدَّوَامِ تَنْزيهًا مَعْنَويًّا، فإِنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنَ المَخلوقاتِ يَدُلُّ بِنَفْسِهِ وَعَجِيبِ صُنْعِهِ عَلَى وُجُودِ اللهِ الخالقِ البارئِ الصَّانِعِ وَاجِبِ الوُجُودِ، المُتَّصِفِ بكلِّ صِفاتِ الكَمَالِ، المُقَدَّسِ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَليقُ مِنَ الأَوْصافِ. فيَجوزُ أَنْ يكونَ التَّسْبيحُ مَعْنَويًّ بِلِسَانِ الحَالِ، كَمَا قالَ الشَّاعِرُ العبَّاسِيُّ أَبو العَتاهِيَةِ إِسْماعِيلُ بْنُ قاسِمِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ كيسانَ (مِنَ البحْرِ المُتقاربِ التَّامِّ):
ألاً إنَّنَا كُلُّنَا بائدُ ......................................... وأَيّ بَني آدَمٍ خالِدُ؟
وبدءُهُمُ كانَ مِنْ ربِّهِمْ ....................................... وكُلٌّ إِلى رَبّهِ عائِدُ
فيَا عَجَبَا كيفَ يُعْصَي الإلَــ .......................... ــهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ
وللهِ فِي كلِّ تحرِيكَةٍ ..................................... وفي كلّ تَسكينَةٍ شاهِدُ
وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آيةٌ .................................... تَدُلّ عَلى أنّهُ الواحِدُ
وَيجوزُ أَنْ يَكونَ التَّسْبيحُ حِسِّيًّا بِاللِسَانِ وَالمَقَالِ تَلْهَجُ بِهِ هَذِهِ المَخلوقاتُ، وكُلٌّ يلفظُهُ باللُّغةِ التي علَّمَهُ اللهُ النُّطْقَ بِها.
وقدْ جاءتْ أَلْفاظُ التَّسْبيحِ في القُرْآنِ الكَريمِ بِصِيغَةِ المَاضِي مَرَّةً، كقولِهِ مِنْ سورةِ الحديدِ: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ} الآيَةَ: 1، وَهَذا لا يعني أَنَّها سَبَّحَتِ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ تَوَقَّفتْ عَنِ التَّسْبيحِ؟ إِنَّمَا سَبَّحَتْ في المَاضِي، وَلَا تَزَالُ تُسبِّح في الحاضِرِ، قَالَ ـ تَعَالى، مِنْ سُورةِ الجمعَةِ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأَرْضِ} الآيَةَ: 1، وَقَالَ في الآيَةِ: 13، مِنْ سُورَةِ الرَّعْدِ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدِ بِحَمْدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}، فقدْ جاءَ تسْبيحها بِصِيغةِ المُضارعِ مَرَّةً أُخْرَى.
قَوْلُهُ: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} وَيُسَبِّحُهُ ـ سُبْحانَهُ، الطَّيْرُ حَالَ كَوْنها صَافَّاتٍ أَجْنِحَتِها في الهواء، وفي تخْصيصِهَا الطُّيورِ بِالذِّكْرِ، مَعَ أَنَّها مُنْدَرِجَةٌ في جُمْلَةِ مَا في الأَرْضِ بيانٌ لِعَدَم اسْتِمْرارِها وَقَرارِهَا فِيهَا، وَلِبَارِعِ صُنْعِ اللهِ فيها، بِاصْطِفَافِ أَجْنِحَتِهَا في الجَوِّ، وَتَمْكينِهَا مِنَ الحَرَكَةِ كَيْفَ تَشَاءُ، وَإِرْشَادِ اللهِ لَها إِلَى كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمالِها أَجْنِحَتَها بالقَبْضِ وَالبَسْطِ، في العُلُوِّ والهُبوطِ والالْتفافِ الدَّورانِ، والانقضاضِ، فإِنَّ في ذَلِكَ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلى كَمَالِ قُدْرَةِ صَانِعِها العَظِيمِ المُبْدِئِ المُعِيدِ، ، وَبَالِغِ حِكْمَةِ الحميدِ المَجيدِ.
قولُهُ: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أَيْ: أَنَّ كُلًّا مِنَ الأَشْيَاءِ المَذْكُورَةِ قَدْ عَلِمَ اللهُ ـ تَعَالَى، صَلاتَهُ، أَيْ: دُعَاءَهُ وَخُضُوعَهُ لمولاهُ وَتَسْبيحَهُ لَهُ. أَوْ: إِنَّ كُلًّا مِنَ المخلوقاتِ قَدْ عَلِمَ في نَفْسِهِ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ صَلاَةٍ وَتَسْبيحٍ، أَوْ أَنَّ اللهَ قَدْ عَلَّمَ كُلَّ مَخلوقٍ مِنَ المَخلوقاتِ كَيْفَ يُسَبِّحُ رَبَّهُ، وألْهَمَهُ ما يقولُ في تَسْبيحِهِ.
قولُهُ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} واللهُ عليمٌ: فَلَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ، ولا يخفى عَليْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ مخلوقاتِهِ، فهوَ مُطَّلِعٌ على أَعمالِهم وَسيجزيهم ويُجازيهم.
قولُهُ تَعالَى: {أَلَمْ تَرَ} أَلَمْ: الهَمْزَةُ: لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْريرِيِّ. و "لَمْ" حرف نفي وجزم وقلب. وَ "تَرَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بـ "لم" وَعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ حَرْفِ العِلَّةِ مِنْ آخِرِهِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ على سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ. وَكُلِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ للخِطابِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَقْريرِ هَذِهِ الحَقيقَةِ، فليسَ لها محلٌّ مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {أَنَّ اللَّهَ} أَنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتَّوكيدَ. ولفظُ الجلالةِ "اللَّهَ" اسْمُهُ مَنْصوبٌ بِهِ على التَّعْظِيم، وَخَبَرُ "أَنَّ" جُمْلَةُ "يُسَبِّحُ" في مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" في تَأْويلِ مَصْدَرٍ سَادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "رأَى"؛ لِأَنَّ الرُّؤيَةَ هُنَا قَلْبِيَّةٌ فَيَتَعَدَّى فعلُها إِلَى مَفْعُولَيْنِ؛ لِأَنَّ تَسْبِيحَ المُسَبِّحينَ لا يُرَى بِالْبَصَرِ.
قوْلُهُ: {يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ} يُسَبِّحُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ. "لَهُ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يُسَبِّحُ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَ "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ بمعنى "الذي"، مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ خَبَرُ "أَنَّ" في مَحلِّ الرَّفعِ.
قوْلُهُ: {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فِي: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمحذوفِ صِلَةِ المَوْصُولِ. والتَّقْديرُ: كَائِنٌ أَوْ هُوَ مُسْتَقِرٌّ في السَّمَوَاتِ، وَ "السَّمَاوَاتِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَ "الْأَرْضِ" مَعْطُوفٌ عَلَى "السَّمَاوَاتِ" مجرورٌ مِثْلُهُ. وَجُمْلَةُ "اسْتَقَرَّ في السَّمَواتِ" صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "مَنْ" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} الوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "الطَّيْرُ" مَرْفوعٌ بالفاعِلِيَّةِ عَطْفًا عَلَى "مَنْ". و "صَافَّاتٍ" اسْمُ فاعِلٍ مَنْصُوبٌ عَلَى الحَالِ مِنَ الطَّيْرِ، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ الكَسْرُ بَدَلًا مِنَ الفتْحِ لكَوْنِهِ مُلْحَقًا بِجَمْعِ المُؤَنَّثِ السَّالمِ، وَمَفْعُولُ اسْمِ الفاعِلِ "صافات" مَحْذُوفٌ؛ تَقْديرُهُ: أَجْنَحَتَها، أَيْ: والطَّيْرُ باسِطَاتٍ أَجْنِحَتَها.
قولُهُ: {كُلٌّ} مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ، وَسَوَّغَ الابْتِداءَ بالنَّكِرةِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى العُمُومِ. وَخبرُهُ جُمْلَةُ "عَلِمَ" في مَحَلِّ الرَّفْعِ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} قَدْ: حَرْفُ تَحْقِيقٍ. و "عَلِمَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرُ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تَقْديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى "كُلٌّ"، أَوْ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى. وَقَدْ رجَّحَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُرِيُّ عَوْدَتَهُ عَلَى "كُلٌّ" لِأَنَّ قِراءَةَ الجُمهورِ بِرَفْعِ "كُلٌّ" عَلى الابْتِداء، فَيَرْجِعُ ضَمِيرُ الفاعِلِ إِلَيْهِ. قالَ: وَلَوْ كانَ فِيهِ ضَمِيرُ اسْمِ اللهِ لَكَانَ الأَوْلَى نَصْبُ "كُلّ"، لِأَنَّ الفِعْلَ الَّذِي بَعدَها قَدْ نَصَبَ مَا هُوَ مِنْ سَبَبِها، فَيَصِيرُ كَقَوْلِكَ: زَيدًا ضَرَبَ عَمْرٌو غُلَامَهُ. فَتَنْصِبُ "زَيْدًا" بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الرَّفْعِ، وَالآخَرُ جَائِز. قالَ السَّمينُ الحلَبيُّ: وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ أَبوا البقاءِ مِنْ ترجيحِ النَّصْبِ عَلَى الرَّفْعِ في هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَا في هَذِهِ السُّورَةِ، بَلْ نَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّ مثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ يُرَجَّحُ رَفْعُها بِالابْتِداءِ عَلَى نَصْبِهَا عَلى الاشْتِغَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَرينَةٌ مِنَ القَرَائِنِ الَّتي جَعَلُوها مُرَجِّحَةً للنَّصْبِ، وَالنَّصْبُ يُحْوِجُ إِلَى إِضْمَارٍ، وَالرَّفْعُ لَا يُحْوِجُ إِلَيْهِ، فَكَانَ أَرْجَحَ.
وقالَ بعضُهُمُ العَكْسَ، أَيْ: عَلِمَ كُلٌ صَلَاةَ الله وَتَسْبيحَه، أَيْ: أَمَرَ بِهِمَا، وَبِأَنْ يُفْعَلَا كَإِضَافَةِ الخَلْقِ إِلِى الخَالِقِ. و "صَلَاتَهُ" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ. وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَ "تَسْبِيحَهُ" مَعْطُوفٌ عَلَى "صَلَاتَهُ" وَلَهُ مِثْلُ إِعرابِهِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ هي خَبَرُ المُبْتَدَأِ "كُلٌّ" فهي في مَحَلِّ الرَّفْعِ.
قولُهُ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا} الوَاوُ: اسْتِئْنافيَّةٌ، ولَفْظُ الجلالةِ "اللَّهُ" مَرفوعٌ بالابْتِداء. و "عَلِيمٌ" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ. و "بِمَا" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالخبرِ "عَلِيمٌ"، و "ما" مَوصولٌ بِمَعْنَى "الذي" مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَهَذِهِ الجملةُ الاسْمِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {يَفْعَلُونَ} فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوصولِ "مَا" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، والعائدُ ضَمِيرٌ مَنْصُوبٌ مَحَلًّا لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ. وَالتقديرُ: بما يَفعلونَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ "ما" مَصْدَرِيَّةً. فَتَكونُ جُمْلَةُ: "يَفْعَلُونَ" صِلَتَها لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ. وَ "ما" وَمَا بَعْدَهَا: بِتَأْويلِ مَصْدَرٍ في مَحَلِّ جَرٍّ بحرفِ الجَرِّ مُتَعَلِّقٍ بالخَبَرِ، والتقديرُ: عَلِيمٌ بِأَفْعَالِهِمْ.
قَرَأَ العَامَّةُ: {والطيرُ} بالَرَّفْعِ عَطْفًا عَلى "مَنْ"، و "صَافَّاتٍ" بالنَّصْبِ عَلَى الحالِـ كما تَقَدَّمَ بيانُهُ في مَبْحَثِ الإِعْرابِ.
وَقَرَأَ عبدُ الرحمنِ الأَعْرَجُ: "وَالطَّيْرَ" بالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌِ مَعَهُ، وَ "صافَّاتٍ" بالنَّصْبِ عَلَى الحالِ أَيْضًا كَالعَامَّةِ.
وَقَرَأَ الحَسَنُ، وَخَارِجَةُ روايةً عَنْ نَافِعٍ: "وَالطَّيْرُ صَافَّاتٌ" بِرَفْعِهِما عَلَى أَنَّهُما مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ.