وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ
(42)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لمَّا ذَكّرَ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، في الآيَةِ الَّتي قَبْلَها أَنَّ كُلَّ مَا فِي السَّمَواتِ والأَرْضِ يُسَبِّحُ لَهُ، جاءتْ هَذِهِ الآيةُ الكريمةُ بمثابةِ التَّعْليلِ لِمَا سَبَقَها فهُوَ ـ سُبْحانَهُ، مَالِكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَنْ فيهما، وَهُوَ الحَاكِمُ لَهَما، وَالمُتَصَرِّفُ الْوَحيدُ فيهما، وَلَهُ تَقْديرُ مَقادِرَهُما، وَتَدْبِيرُ شُؤُونِهِما، وَتَصْريفُ أَحْوالِهِما، وَهُوَ الإِلَهُ المَعْبُودُ مِنْ كلِّ المَخلوقاتِ فيهِما، فَهُما وَمَا فِيهِمَا ذَاتًا وَصِفَاتًا، إِيجادًا وإمْدادًا، وإِبْقاءً، وَإِفْنَاءً، وبعْثًا وإِعادَةً، وَمَا كَانَ مِنْ عملٍ عَلَى يَدِ مَخْلُوقٍ، وَمَا لَمْ يَكُنْ، كُلُّ ذلكَ لَهُ ـ سُبحانَهُ، فَالْعِبَادَةُ لا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ، والخُضوعُ لَا يصِحُّ إِلَّا إِلَيْهِ، ولا خُضُوعَ إِلَّا لَهُ، ولا اعتمادَ إِلَّا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ.
قوْلُهُ: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} لَا إِلى غَيْرِهِ، وَذلكَ بِالفَنَاءِ ثمَّ بِالْبَعْثِ إِلَيْهِ. فَإِلَيْهِ يَصِيرُ النَّاسُ جَمِيعًا حينَ يُبْعَثونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِيُحَاسِبَهم عَلَى مَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالٍ، وَيَجْزِيَهُمْ عَلَيْهَا، إِنْ كانَ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَثَوَابٌ ونَعيمٌ، وَإِنْ كانَ شَرًّا فعَذابٌ وعِقابٌ وَجَحِيمٌ. وَفِي هَذَا انْتِقَالٌ إِلَى دَلَالَةِ أَحْوَالِ الْمَخْلوقَاتِ عَلَى تَفَرُّدِ اللهِ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، بِالْخَلْقِ.
قوْلُهُ تَعَالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الواو: للاسْتِئْنافِ. وَ "للهِ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، ولَفظُ الجلالةِ "اللهِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "مُلْكُ" مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، وهوَ مُضافٌ. و "السَّمَاوَاتِ" مَجْرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَ "والْأَرْضِ" الواوُ: للعَطْفِ، و "الْأَرْضِ" مَعْطُوفٌ عَلَى "السَّمَاوَاتِ" مجرورٌ مِثْلُهُ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْميَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قوْلُهُ: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} الوَاوُ: للعطفِ، و "إِلَى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، ولَفظُ الجلالةِ "اللهِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "المصيرُ" مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ. والجمْلَةُ اسْمِيَّةٌ مَعْطوفةٌ عَلى الجُمْلةِ الاسْمِيَّةِ قَبْلَهَا، على كونِها جملةً مُسْتَأْنَفَةً ليسَ لها مَخَلٌّ مِنَ الإعرابِ.