روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 40

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  40 Jb12915568671



المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  40 Empty
مُساهمةموضوع: المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 40   المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  40 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 28, 2022 5:25 pm

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ
(40)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} مَثَلٌ آخَرُ يَضْرِبُهُ اللهُ ـ تَعَالَى، مُوَضِّحًا فيهِ أَنَّ ما يَظُنُّهُ الَّذينَ كَفَرُوا أَعْمَالًا صَالِحَةً لَا فَائِدَةَ لهُمْ فِيهِ، فقدْ شَبَّهَ في الآيةِ التي قَبْلَها هَذِهِ الأَعمالَ بالسَّرابِ بِقِيعَةٍ، الَّذِي يُرَى مُنْتَصَفَ النَّهَارِ عِنْدَما يَشْتَدُّ الْحَرُّ فِي الْبَرَارِيِّ، فَيَظُنُّهُ مَنْ رَآهُ مَاءً، فَإِذَا قَرُبَ مِنْهُ لَمْ يجِدْ شَيْئًا.
وَهُنَا يُشَبِّهُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَعْمَالِ مِنَ الكفَّارِ والمُشْرِكينَ، ومَنْ لَمْ يُخلِصْ في عَمَلِهِ لِرَبِّ العالمينَ مِنَ المُؤمنينَ، يُشُبِّهُ هؤلاءِ جميعًا في تَعْلِيقِ الآمالِ عَلَى هَذِهِ الأَعْمَالِ بِمَنْ يَبْحَثُ عَنْ بُغْيَتِهِ في لَيلٍ دَامِسٍ مُدْلَهِمِّ الظَّلامِ بَيْنَ أَمْوَاجِ بَحْرٍ مُترامي الشُّطآنِ عَمِيقِ القِيعَانِ.
قالَ أَبُو إِسْحَاقٍ الزَّجَّاجُ: إِنْ شِئْتَ مَثِّلْ بِالسَّرَابِ، وَإِنْ شِئْتَ مَثِّلْ بِالظُّلُمَاتِ، فَـ "أَوْ" لِلْإِبَاحَة. أَعْلَمَ اللهُ أَنَّ أَعْمَالَ الكُفَّارِ إِنْ مُثِّلتْ بِمَا يُوجَدُ، فَمَثَلُهَا مِثَلُ السَّرَابِ، وَإِنْ مُثِّلَتْ بِما يُرَى فَهِيَ كَهَذِهِ الظُلُمَاتِ الَّتي وَصَفَ في قولِهِ: "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ" الآيَةَ. "مَعَانِي القُرْآنِ وَإِعْرابُهُ" لَأَبي إسْحاقٍ الزَّجَّاجِ: (4/48).
قالَ الإمامُ الوَاحِدِيُّ في تفسيرِهِ "البَسيط" مُعَقِّبًا عَلَى قَوْلِ أَبي إسْحاقٍ الزَّجَّاجِ: (وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "بِمَا يُوجَدُ"، وَ "بِمَا يُرَى"، يَعْني بِالْعَيْنِ وَبِالْأَثَرِ. فَالتَّشْبيهُ بالسَّرابِ تَشْبيهٌ بِعَيْنٍ، وَالتَّشْبِيهُ بِالظُّلُمَاتِ تَشْبيهٌ بِأَثَرٍ وَحَدَثٍ". "البَسيطُ" للواحديِّ: (16/309).   
و "أَوْ" هُنَا يَجُوزُ أَنْ تَكونَ للتَّقْسيمِ؛ لِأَنَّ أَعْمَالَ الكُفَّارِ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ، قِسْم: "كَسَرَابٍ"، وَهُوَ عَمَلُهُمُ الصَّالح في ظاهِرِهِ. وَقِسْم: "ظُلُمَات"، وَهُوَ العَمَلُ السَّيِّءُ. وَيجوزُ أَنْ تكونَ للتَّقْسيمِ بِاعْتِبَارِ وَقْتَيْنِ، فَإِنَّها كَالظُّلُمَاتِ في الدُّنْيا، وكَالسَّرابِ في الآخِرَةِ.    
وَجاءَ في تفسير القاضِي البَيْضَاوي": أَنَّ "أَوْ" هُنَا، إِمَّا لِلإِباحَةِ، فَإِنَّ أعمالهم لَا مَنْفَعَةَ فيها لِكَوْنِها لَاغِيَةً كَالسَّرابِ، ولِكَوْنِها خَالِيَةً عَنْ نُورِ الحَقِّ، كالظُّلُماتِ المُتَرَاكِمَةِ، مِنْ لُجَجِ البَّحْرِ وَالسَّحَابِ وَالأَمْوَاجِ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ شِئْتَ مَثِّلْ بِالسَّرَابِ، وَإِنْ شِئْتَ مَثِّلْ بِهَذِهِ الظُلُمَاتِ، ـ وَهُوَ قولُ أَبي إِسْحاقٍ الزَّجَّاجِ. أَوْ للتَّنْويعِ فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ إِنْ كَانَتْ حَسَنَةً فَكَالسَّرابِ، وَإِنْ كَانَتْ سَيِّئَةً فَكَالظُّلُماتِ.
و "لُجِيٍّ": أَيْ وَاسِعٍ عَمِيقٍ كَثِيرِ المَاءِ، مُتلَاطِمِ الأَمواجِ، وهوَ مَنْسُوبٌ إِلَى اللُّجِّ، وَهُوَ مُعْظَمُ البَحْرِ حَيْثُ لَا يُرَى جَبَلٌ ولا أَرْضٌ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلى اللُجَّةِ ـ بالتَّاءِ، وَهْيَ أَيْضًا مُعْظَمُ البَحْرِ.
يقالُ: الْتَجَّ الْبَحْرُ إِذَا تَلَاطَمَتْ أَمْوَاجُهُ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ)). وفي روايةٍ أَنَّهُ قالَ: "ارْتَجَّ"، واللهُ أَعلمُ.
وَالْتَجَّ الْأَمْرُ إِذَا عَظُمَ وَاخْتَلَطَ. كَقَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ النَّمْل: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} الآيَةَ: (44).
والْتَجَّ الأَمْرُ: اخْتَلَطَ عَلى وجْهِ الاسْتِعَارَةِ. فقد في الحَديثِ الشَّريفِ قولُهُ ـ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((إِذَا اسْتَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، فَهُو آثِمٌ عِنْدَ اللهِ)). فـ " اسْتَلَجَّ" هنا أَيْ: تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهِ فيها وَاسْتَمَرَّ عَلَيْها وَلمْ يُكَفِّرْهَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ. أَو اسْتَمَرّ عّلّيْهَا معَ أَنَّهُ رأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها.
قولُهُ: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} يَغْشاهُ: أَيْ: يَعْلُو ذَلِكَ البحْرَ الُّجِيَّ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ، مُتَرَاكِمٌ بعضُهُ فوقَ بعضٍ، وَمِنْ فَوْقِ الموجِ سَحَابٌ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تَعَالَى، عَنْهُما: يُريدُ مَوْجًا مِنْ فَوْقِ المَوْجِ.
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَغْشَاهُ موج} يَعْنِي بذلك الغشاوة الَّتِي على الْقلب والسمع وَالْبَصَر
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنْهُ، أَنَّهُ قال في قولِهِ ـ عَزَّ مِنْ قائلٍ: "يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ" قَالَ: هَذَا هو مَثَلُ عَمَلِ الْكَافِرِ، فَـضَلالاتٌ لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ وَلَا مَنْفَذٌ، وَهُوَ أَعْمَى فِيهَا لَا يُبْصَرُ.
وقيلَ: إِنَّ المَعْنَى: يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ بَعْدِهِ مَوجٌ، أَيْ: أَنَّ المَوْجَ يَتْبَعُ بَعُضُهُ بَعْضًا حَتَّى يَتَرَاءَى للنّاظِرِ وَكَأَنَّ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وَهُوَ أَخْوَفُ مَا يَكُونُ أَنْ يَتَوَالَى المَوْجُ وَيَتَقَارَبَ. وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ سَحَابٌ، فَالظَّلَامُ مُطْبِقٌ؛ لِأَنَّهُ طَبَقَاتٌ مُتَتَالِيَةٌ، وَفِي أَعْمَاقٍ سَحِيقَةٍ بَعِيدَةٍ.
قولُهُ: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} يَعْنِي بـ "ظُلُماتٌ": ظُلْمَةَ السَّحَابِ، وَظُلْمَةُ الْمَوْجِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، أَيْ: ظُلْمَةُ الْمَوْجِ عَلَى ظُلْمَةِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ الْمَوْجِ فَوْقَ الْمَوْجِ، وَظُلْمَةُ السَّحَابِ عَلَى ظُلْمَةِ المَوْجِ.
وَأَرَادَ بِهَذِهِ الظُّلُمَاتِ أَعْمَالَ الْكَافِرِ، وَبِالْبَحْرِ اللُّجِّيِّ قَلْبَهُ، وَبِالْمَوْجِ مَا يَغْشَى قَلْبَهُ مِنَ الْجَهْلِ وَالشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ، وَبِالسَّحَابِ الخَتْمَ عَلَى قَلْبِهِ وَالطَّبْعَ عَلَيْهِ، والعياذُ باللهِ ـ تَعَالى.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي ذِكْرِ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ، وَالثَّانِيَةُ فِي ذِكْرِ كُفْرِهِمْ، وَنُسِقَ الْكُفْرُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ أَيْضًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ} سورةُ البَقَرَةِ، الآيةَ: (257)، أَيْ مِنَ الكُفْرِ إلى الإيمانِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الفارسيُّ: "أَوْ كَظُلُماتٍ": أَيْ: أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ، وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمُضَافِ قَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قائلٍ: "إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ" فَالْكِنَايَةُ تَعُودُ إِلَى الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فَعِنْدَ الزَّجَّاجِ التَّمْثِيلُ وَقَعَ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ لِكُفْرِ الْكَافِرِ، وَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ لِلْكَافِرِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عنهُما، فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: هَذَا مَثَلُ قَلْبِ الْكَافِرِ.
وأَخرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِم، عَنِ ابْنِ عَبَّاس ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ ـ جَلَّ وَعَلَا: "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ" قَالَ: يَعْنِي بالظُّلُماتِ: الْأَعْمَالَ، وَبِالبَحْرِ اللُّجِيِّ: قَلْبَ الإِنْسانِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنْعانيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، في قولِهِ ـ تَعالى: "أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِيٍّ" قَالَ: اللُّجِيُّ: العَميقُ القَعْرِ.
وأَخرج الطبريُّ، وَابْنُ أبي حاتم في تفسيرَيْهِما عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: "ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بعضٍ": يَنْقَلِبُ الكافِرُ في خَمْسٍ مِنَ الظُّلَمِ: فَكَلَامُهُ ظُلْمَةٌ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَصِيرُهُ إِلَى الظُّلُمَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى النَّارِ. تفسيرُ الطبريّ: (18/151)، تفسيرُ ابْنِ أَبي حاتم: (8/2614). وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبو عبدِ اللهِ الحاكِمُ النَّيْسابوريُّ في مُسْتَدْرَكِهِ على الصّحيحينِ: (2/434، ح: 3510) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ في "الدُّرِّ المَنْثورِ": (6/197ـ 198) مِنْ حَديثٍ طَويلٍ: وَعَزَاهُ أَيْضًا لِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، وَابْنِ مِرْدُوَيْهِ.
قولُهُ: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} يَعْنِي: إِذا أَخْرَجَ النَّاظِرُ، يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها، أَيْ لَمْ يَقْرُبْ مِنْ أَنْ يَرَاهَا لِشِدَّةِ الظُّلْمَةِ. وَإِذَا نَفَى القُرْبَ مِنْ رُؤْيَتِها، فَقَدْ نَفَى الرُّؤْيةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى؛ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نُورٌ مِنَ اللهِ لِيَرَى وَيَهْتَدِي بِهِ كَمَا قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: "وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ".  فَكَمَا أَنَّ الرَّجُلَ الذي ضُرِبَ المَثَلُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالنُّورِ، وَلَمْ يَرَ حَتَّى يَدَهُ، كَذَلِكَ لَاَ يَنْتَفِعَ الكافِرُ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ. فَقَدْ بَلَغَتْ هَذِهِ الظُّلْمَةُ حَدًّا لَا يَرَىَ الإنْسان مَعَهَا حَتَّى يَدَهُ الَّتي هِيَ جِزْءٌ مِنْه، فَمَا بالُكَ بِالأَشْيَاءِ الأُخْرَى؟
وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلَامُ في "كادَ"، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّ نَفْيَها إِثْباتٌ، وَإِثْباتَها نَفْيٌ. وَتَقَدَّمَتْ أَدِلَةُ ذَلِكَ في سورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ قولِهِ ـ تَعَالى: {يكادُ البرقُ يخطِف أَبْصارَهم} فَأَغْنى عَنْ إِعَادَتِها هنا.
وقال الزمخشري هُنَا: "لم يَكْدَ يَرَاها" مُبَالَغَةٌ في "لَمْ يَرَهَا" أَيْ: لم يَقْرُبُ أَنْ يَراها فَضَلًا أَنْ يَرَاهَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ ذِي الرُّمَّةِ:
إِذا غَيَّر النَّأْيُ المُحِبِّيْنَ لم يَكَدْ ................. رَسِيْسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
أي: لم يَقْرُبْ مِنْ البَرَاحِ فَمَا بَالُهُ يَبْرَحُ.
وقال أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ في تَأْويلِ هَذَا الكَلَامِ. وَمَنْشَأُ الاخْتِلَافِ فَيهِ: أَنَّ مَوْضُوعَ "كَادَ" إِذَا نُفِيَتْ: وُقوعُ الفِعْلِ. وَأَكْثَرُ المُفَسِّرينَ عَلى أَنَّ المَعْنى: أَنَّه لَا يَرَى يَدَهُ، فَعَلَى هَذَا: في التَّقْديرِ ثَلاثةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ التَّقْديرَ: لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يَكَدْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَه: "لَمْ يَرَها" جَزَمٌ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ. وَقَوْلُهُ: "لَمْ يَكَدْ" إِذَا أَخْرَجَهَا عَلَى مُقْتَضَى البَابِ، كانَ التَّقْديرُ: "وَلَمْ يَكَدْ يَرَاهَا"، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الآيَةِ. فَإِنْ أَرَادَ هَذَا القائلُ أَنَّهُ "لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَأَنَّهُ رَآهَا بَعْدَ جُهْدٍ، تَنَاقَضَ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الرُّؤْيَةَ ثُمَّ أَثْبَتَها. وَإِنْ كانَ مَعْنَى "لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا": لَمْ يَرَهَا البَتَّةَ، عَلَى خَلَافِ الأَكْثَرِ فِي هَذَا البابِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدِّرَ "لَمْ يَرَها".
وَالثاني: أَنَّ "كادَ" زَائِدَةٌ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
والثالثُ: أنَّ "كادَ" أُخْرِجَتْ هَهُنَا عَلى مَعْنَى "قَارَبَ" والمَعْنَى: لَمْ يُقَارِبْ رُؤْيتَها، وَإِذا لَمْ يُقَارِبْها بَاعَدَهَا. وَعَلَيْه جَاءَ قَوْلُ ذِي الرُّمَّة:
إذا غَيَّر النأيُ المحِبِّينَ لم يَكَدْ ................... رسيسُ الهوى من حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
البَيْتَ. أَيْ: لَمْ يُقَارِبِ البَراحَ.
وَمِنْ هُنَا حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا عِيبَ عَلَيْهِ هَذَا قَالَ: لَمْ أَجِدْ بَدَلَ "لَمْ يَكَدْ"، ثُمَّ غَيَّرَهُ فيمَا بَعْدُ فَقالَ: "لَمْ يَزَلْ" بَدَلَ "لمْ يكَدْ". والمَعْنَى الثَّاني: أَنَّهُ رَآهَا بَعْدَ جُهْدٍ.
وَالتَّشْبِيهُ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مَعَ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ، إِذَا أَحَدَّ نَظَرَهُ إِلَى يَدِهِ وَقَرَّبَها مِنْ عَيْنِهِ رَآهَا.
قالَ السَّمينُ الحلبيُّ مُعقِّبًا على أَبي البقاءِ: أَمَّا الوَجْهُ الأَوَّلُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ قَوْلُ الأَكْثَرِ: مِنْ أَنَّهُ يَكونَ إِثْبَاتًا، فَقَد تَّقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ الأكَثْرِ، وَإِنَّما غَرَّهُم في ذَلِكَ آيَةُ سُورَةِ البَقَرَةِ. وَمَا أَنْشَدْنَاهُ عَنِ أَبي العَلَاءِ المَعَرِيِّ لُغْزًا وَهُوَ:
أَنَحْوِيَّ هَذا العَصْرِ مَا هِيَ لَفْظَةٌ .................... جَرَتْ في لِسَانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُودِ
إِذَا نُفِيَتْ ـ وَاللهُ أَعْلَمُ، أُثْبِتَتْ .................... وإِنْ أُثْبِتَتْ قامَتْ مَقَامَ جُحُودِ
وأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ زِيَادَةِ "كادَ" فَهُوَ قَوْلُ أَبي بَكْرٍ بْنِ الأعرابيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ مَرْدودٌ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ المَعْنَى الثاني: وَهُوَ أَنَّهُ رَآهَا بَعْدَ جُهْدٍ، فَهُوَ  مَذْهَبُ الفَرَّاءِ وَالمُبَرِّدِ ـ رحمهُما اللهُ تَعَالى. فقد َقَالَ الْفَرَّاءُ: "يَكَدْ" صِلَةٌ. أَيْ: لَمْ يَرَهَا، وقَالَ الْمُبَرِّدُ: يَعْنِي لَمْ يَرَهَا إِلَّا بَعْدَ الْجُهْدِ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: مَا كِدْتُ أَرَاكَ مِنَ الظُّلْمَةِ وَقَدْ رَآهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ بَأْسٍ وَشِدَّةٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَرُبَ مِنْ رُؤْيَتِهَا وَلَمْ يَرَهَا، كَمَا يُقَالُ: كَادَ النَّعَامُ يَطِيرُ.  
والعَجَبُ كَيْفَ يَعْدِلُ العُكْبُريُّ عَنِ المَعْنَى الَّذي أَشَارَ إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ المُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ؟!
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ ما مَعْناهُ: إِذَا كَانَ الفِعْلُ بَعْدَ "كادَ" مَنْفِيًّا دَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ نَحْو قولِكَ: كادَ زَيدٌ لَا يَقُومُ، أَوْ مُثْبَتًا دَلَّ عَلَى نَفْيِهِ، نَحْوَ قوْلِكَ: كَادَ زَيْدٌ يَقُومُ.
وَإِذَا تَقَدَّم النَّفْيُ عَلَى "كادَ" احْتَمَلَ أَنْ يَكونَ مُوْجَبًا، وَأَنْ يَكونَ مَنْفِيًّا. تَقولُ: المَفْلوجُ لَا يَكادُ يَسْكُنُ، فَهَذَا يَتَضَمَّنُ نَفْيَ السُّكونِ. وَتَقُولُ: رَجُلٌ مُنْصَرِفٌ لَا يَكَادُ يَسْكُنُ، فَهَذَا تَضَمَّنَ إِيجابَ السُّكونِ بَعْدَ جُهْدٍ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قَالَ: "إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا" قَالَ: أَمَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: وَالله مَا رَأَيْتهَا، وَمَا كِدتُّ أَنْ أَرَاهَا؟.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذرِ عَنْ أَبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ ـ رَضيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ قَد أَصْبَحْتُم وأَمْسَيْتُمْ فِي مَنْزِلٍ تَقْتَسِمًونَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ والسَّيِّئَاتِ ويُوشِكُ أَنْ تَظْعَنُوا مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَهُوَ الْقَبْرُ، بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الضّيقِ، إِلَّا مَا وَسَّعَ اللهُ. ثُمَّ تُنْقَلونَ إِلَى مَوَاطِنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّكُمْ لَفِي بَعْضِ المَوَاطِنِ حِينَ يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ فَتَبْيَضَّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدَّ وُجُوهٌ، ثُمَّ تَنْتَقِلونَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، فَيَغْشَى ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، ثمَّ يُقْسَمُ النُّورُ، فَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ نُورًا، وَيُتْرَكُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، وَهُوَ الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ الله فِي كِتَابِهِ "أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ" إِلَى قَوْله ـ تَعَالى: "فَمَا لَهُ مِنْ نورٍ"، فَلَا يَسْتَضِيءُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ بِنُورِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا لَا يَسْتَضِيءُ الْأَعْمَى بِبَصَرِ الْبَصِيرِ. فَإِنَّ اللهَ ـ تَبَارَكَ وتَعَالَى، يَقُولُ لَنَا بِأَنَّ مَثَلَ الكَافِرِ الَّذي ضَلَّ سَبيلَ الهِدَايَةِ كَمَثَلِ رَجُلٍ يَعيشُ تَحْتَ هَذِهِ الأَمْوَاجِ المُتلاطمةِ العَمِيقَةِ، في غايةِ الظُّلْمَةِ ومنتهى الضِّيقِ، مُشَبِّهًا الضَّلَالَ بِالظُّلُمَاتِ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ المَعْرِفَةِ في التَّشْبيهِ والتَّمْثيلِ والبلاغةِ، لَم يَمْتَلِكْهُ الأُدَبَاءُ حَتَّى عَصْرَنَا الحاضِرَ، فَكَيْفَ امْتَلَكَهَ رَجُلٌ أُمِيٌّ عَاشَ في عَصْرِ عِبَادَةِ وَالْأَوْثَانِ مِنَ الحِجَارَةِ وغيرِها، عَصْرِ الخُرافاتِ وَالأَسَاطير. لَكِنَّهَا النُّبوَّةُ والرِّسالةُ والإعْجازُ، وَالقُرْآنُ الَّذي تحدَّى كُلَّ العُلَمَاءِ وَالأُدَبَاءِ عَلى مَدَى التَّاريخِ في جَمِيعِ العُصُورِ لِأَنَّه كِتابُ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، خلَقَ الخلْقَ وعَلَّمَ الإنْسانَ ما لمْ يَعْلَمْ.
إِنَّ الصُّوَرَ الَّتي التقطَتْها المَرَاكِبُ الفضائيَّةُ والأَقْمارُ الاصْطِنَاعيَّةُ. مِنَ الفَضَاءِ الخارِجِيِّ في العَصْرِ الحَديثِ، تُظْهِرُ بِحَارَ الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ مُغَطَّاةً بالسُّحُبِ بِشَكْلٍ كَبيرٍ. وَهَذِهِ السُّحُبُ الكَثيفَةُ تَحْجُبُ جُزْءًا كَبيرًا مِنْ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ وَنُورِها عَنِ البحارِ، وَلَا يَنْفُذُ مِنْهَا إلَّا القليلُ لِيَخْتَرِقَ الأَمْوَاجَ السَّطْحِيَّةَ للبَحْرِ، ثمَّ يتلاشَى ضَوْؤُها و يَنْعَدِمُ تَمَامًا على بُعْدِ أَلْفِ مِتْرٍ تَقْريبًا عِنْدَمُا يَصِلُ إِلى الأَمْوَاجِ العَمِيقَةِ. وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ ـ تَعَالى: "ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ"، لأنَّ الأَمْوَاجَ المتتابعةَ المتلاحقةَ تُسَاهِمُ في حَجْبِ قِسْمٍ كَبيرٍ مِنَ أَشِعَّةِ الضَّوْءِ. فَيَكونُ لَدَيْنَا ظُلْمَةُ قَاعِ البَحْرِ، وَمِنْ فَوْقِها طَبَقَةٌ مِنَ الأَمْوَاجِ الدَّاخِلِيَّةِ التي تُشَكِّلُ حِجَابًا ثانيًا مِنَ الظُّلْمَة، ثُم يُضيفُ الماءُ المَوْجُودُ فَوْقَ هَذِهِ الأَمْوَاجِ حجابًا ثَالِثًا مِنَ الظُّلْمِةِ، ثُمَّ تُضِيفُ أَمْواجُ السَّطْحِ حجابًا رَابِعًا مِنَ الظَّلامِ، ثَمَّ يُشكل الغِلافُ الجَوِيُّ فَوْقَ سَطْحِ البَحْرِ الحجابَ الخامسَ مِنَ الظَّلَامِ، ثُمَّ السَّحَابُ وَالغُيُومُ الرُّكامِيَّةُ وَتُشَكلُ الطَّبَقَةَ السَّادِسَةَ، فَإِنَّ مَنْ يكونُ تحتَ كُلِّ هَذِه الطبقاتِ والحُجُبِ والكثافاتِ يستحيلُ عليْهِ أَنْ يَرَى يدَهُ إِذا أخرجَها وَوَضَعَهَا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ ضَلَّ عَنْ سَبيلِ اللهِ، وَكفرَ بِلِقَاءِ رَبِّهِ لَنْ يَرَى نُورَ الإَيمانِ أبَدًا!
فَهَلْ دَرَسَ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قَوَانَينَ انْكِسَارِ الضَّوْءِ، وَكَيْفَ يَفْقُدُ الضَّوْءُ جُزْءًا مِنْ طَاقَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلى الاخْتِرَاقِ عِنْدَمَا يَخْتَرِقُ المَاءَ وَالأَمْوَاجَ؟ فَكيْفَ عَلِمَ ذَلِكَ إِذًا، وَكَيْفَ مَخَرَ عُبَابَ البِحَارِ والمُحيطاتِ، وَصَارَعَ أَمْوَاجَها، وغاصَ في أَعْمَاقها، فعَرَفَ ما فيها، وكَشَفَ أسْرارها إِذَا كَانَ الإِنْسانُ قَبْلَ الْقَرْنَ العِشْرينَ لَا يَسْتَطِيعُ الغَوْصَ في المَاءِ إِلَّا أَمْتارَ قَلَيلَةً، ولِمُدَّةٍ قَصيرَةِ.
إِنَّ هَذِهِ المعلوماتِ عَنِ الأَمْوَاجِ العَمِيقَةِ في جوفِ البِحارِ لَمْ تُكْتَشَفْ إِلَا مُنْذُ أَقَلَّ مِنْ مئَةِ سَنَةٍ، حينَ اخْتَرَعَ الغواصَّاتَ ذَات الجُدْرانِ الشَّديدَةِ الصَّلابَةِ شديدةِ التَّحَمُّلِ للضَّغْطِ القوي جِدًا الَّذي تُشَكِّلُهُ طَبَقَاتُ المَاءِ فَوْقَهَا. وَالَّتي بِوِساطتِها أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الأَعْماقِ، وأَنْ يَبْقَى السَّاعاتِ الطِّوالِ الَّتي تُمَكِّنُهُ مِنْ إجراءِ بحوثِهِ، وَلَمْ يَتِمَّ تَصْويرُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ وَدِرَاسَتُها إِلَّا مِنْ سَنَوَاتٍ قَلِيلَةٍ فقطْ.
إِنَّهَا المُعْجِزَةُ وإنَّهُ القُرْآنُ الَّذي تَحَدَّثَ مَنْذُ ما يزيدُ عنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قرنًا عَنْ زَمَنٍ سَيَخْتَرِعُ الإِنْسَانُ فِيهِ هَذِهِ الغَوَّاصاتِ، وَسَيَنْزِلُ إِلَى أَعْمَاقِ البِحارِ، وَسَوْفَ يَتَحَقَّقُ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: "إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا"، وَهَذَا مَا يَحْدُثُ اليومَ فِعْلًا مَعَ الغَوَّاصِينَ في غَوَّاصاتِهِمْ حَيْثُ تَنْعَدِمُ الرُّؤْيا تمامًا.
فالآيَةُ إِذًا تَتَضَمَّنُ عَدَدًا مِنَ المُعْجزات: معجزةَ الحَديثِ عَنِ الظُّلُماتِ في أَعْماقِ البِحَارِ. ومعجِزةَ الحديث عَنِ الأَمْوَاجِ في أَعْماقِ البِحارِ. ومُعجِزةَ الحَديثِ عنْ تَحَقُّقِ مَضْمونِ هَذِهِ الآيَةِ في المُسْتَقْبَلِ وكَشْفِ هَذِهِ الأسْرار.
لَقَدْ أَصْبَحَ الإِنْسانُ الآنَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغُوصَ في مياهِ البَحْرِ بِوِسَاطَةِ المُعِدَّاتِ الحَديثَةِ لِيَجِدَ الظَّلامَ دَامِسًا عَلَى عُمْقِ مِئَتَيْ مِتْرِ. لقدْ أَعْطَتْنا هَذِهِ الاكْتِشَافَاتُ صُورَةً لِمَعْنَى قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ" فَالمَعْروفُ أَنَّ أَلْوَانَ الطَّيْفِ سَبْعَةٌ، مِنْهَا الأَحْمَرُ وَالأَصْفَرُ وَالْأَزْرَقُ وَالْأَخْضَرُ وَالبُرْتُقَالِيُّ ... فَإِذَا غُصْتَ في أَعْمَاقِ البَحْرِ اخْتَفَتْ هَذِهِ الأَلْوَانُ وَاحِدًا واحِدًا، فَالأَحْمَرُ أَوَّلُها اختفاءً يَلِيهِ البُرْتُقَالِيُّ ثَمَّ الأَصْفَرُ، وَاخْتِفَاءُ كُلُّ لَوْنٍ منها يُخلِّفُ ظُلْمَةً، وَ آخِرُها اخْتِفَاءً هُوَ الأَزْرَقُ، ويكونُ اختفاؤُهُ عَلَى عُمْقِ مِئَتِيْ مِتْرٍ، حَيثُ تُصْبحُ الظُّلْمَةِ تامَّةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ" فَقَدْ أَثْبَتَ العُلَماءُ أَنَّ هُناكَ فَاصِلًا بَيْنَ الجُزْءِ العَمِيقِ مِنَ البَحْرِ والجُزْءِ العُلْوِيِّ، وَأَنَّ هَذَا الفَاصِلَ مَلِيءٌ بِالْأَمْوَاجِ، فَكَأَنَّ هُنَاكَ أَمْوَاجًا لَا نَرَاهَا عَلَى حَافَّةِ الجُزْءِ العَمِيقِ المُظْلِمِ مِنَ البَحْرِ، وَهُنَاكَ أَمْواجٌ نَراها عَلَى السَّطْحِ العُلْوِيِّ للبَحْرِ. وَهذا معنى قولِهِ: "مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ. وَلِذَلِكَ قَالَ البُروفِيسُور (دورجاروا): إِنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا بَشَرِيًّا. مُشيرًا إِلَى هَذِهِ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ.
قولُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما: مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ دِينًا وَإِيمَانًا فَلَا دِينَ لَهُ. وَقِيلَ: مَنْ لَمْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا إِيمَانَ لَهُ وَلَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ كَانَ يَلْتَمِسُ الدِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيَلْبَسُ الْمُسُوحَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَفْرَ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّها عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الكُفَّار ، واللهُ أَعْلمُ.
قولُهُ تَعَالَى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} أَوْ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَقْسِيمٍ وَتَنْويعٍ، وَلَيْسَتْ لِلشَّكِّ. وَقِيلَ: بَلْ هِيَ للتَّخْييرِ والإباحةِ، أَيْ: شَبَّهُوا أَعْمَالَهُمْ بِهَذا أَوْ بِهَذَا. وَ "كَظُلُمَاتٍ" الكافُ حَرْفُ جَرٍّ وتَشْبيهٍ، وَ "ظُلُماتٍ" مَجْرورٌ بِحَرفِ الجَرِّ. و "في" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمحذوفِ صِفَةٍ لِـ "ظُلُمَاتٍ"، وَ "بَحْرٍ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "لُجِّيٍّ" صِفَةٌ لِـ "بَحْرٍ"؛ أَيْ: مَنْسُوبٌ إِلَى اللُّجِّ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفةٌ عَلَى قَوْلِهِ: {كَسَرَابٍ} مِنَ الجُمْلَةِ الَّتي قَبْلَهَا عَطْفَ نَسَقٍ، وهوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَاحِدٍ والتَّقْديرُ: أَوْ كَذِي ظُلُماتٍ. قالَ أَبُو عليٍّ الفارسِيُّ: وَدَلَّ عَلَيْهِ المُضَافُ في قَوْلِهِ: "إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا"، فَالْكِنَايَةُ تَعُودُ إِلَى المُضَافِ المَحْذوفِ.
وقيلَ: بِأَنَّهُ عَلى حَذْفِ مُضَافَيْنِ والتَّقْديرُ: أَوْ كَأَعْمَالِ ذِي ظُلُمَاتٍ بعضُها فوقَ بعضٍ، فتُقَدَّرُ "ذِي" لِيَصِحَّ عَوْدُ الضَّميرِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: "إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ"، وَتُقَدَّرُ "أَعْمَال" لِيَصِحَّ تَشْبِيهُ أَعْمَالِ الكُفَّارِ بِأَعْمَالِ صَاحِبِ الظُلْمَةِ، إِذْ لَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِ العَمَلِ بِصاحِبِ الظُّلْمَةِ.
وقيلَ: بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى حَذْفٍ البَتَّةَ. وَالمَعْنَى: أَنَّهُ شَبَّهَ أَعْمالَ الكُفَّارِ في حَيْلُولَتِهَا بَيْنَ الْقَلْبِ وَمَا يَهْتَدِي بِهِ في الظُّلْمَةِ.
وَأَمَّا الضَّميرانِ في "أَخْرَجَ يَدَهُ" فَيَعُودانِ عَلى مَحْذوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ المَعْنَى، أَيْ: إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ مَنْ فِيهَا.
قَولُهُ: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ} فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ضَمَّةٌ مُقَدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ، لِتَعَذُّرِ ظُهورِها عَلى الأَلِفِ، وَالهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى المَفعولِيَّةِ. و "مَوْجٌ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. وَالجملة في محل الجر، صِفَةً ثانيَةً لِـ "بَحْرٍ"، إِذَا أَعَدْنا الضَّميرَ فِي "يَغْشاه" عَلَى "بَحْرٍ" كما هُوَ الظَّاهِرُ. وَإْنْ قَدَّرْنَا مُضَافًا مَحْذوفًا، أَيْ: أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ ـ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ، كَانَ الضَّميرُ فِي "يَغْشاهُ" عائدًا عَلَيْهِ، وَكَانَتِ الجُمْلَةُ في محلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْهُ لَتَخَصُّصِهِ بِالإِضافَةِ، أَوْ صِفَةً لَهُ.
قولُهُ: {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ. وَ "فَوْقِهِ" مَجْرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "مَوْجٌ" مَرفوعٌ بالابْتِدَاءِ مُؤَخَّرٌ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مِنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ صِفَةٌ لِـ "مَوْجٌ" الأَوَّل في مَحَلِّ الرَّفْعِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الوَصْفُ الجارَّ وَالمَجْرُورَ فَقَطْ، وَ "مَوْجٌ" فَاعِلٌ بِهِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى المَوْصُوفِ.
قولُهُ: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} مِثْلُ جُمْلَةِ "مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ" الَّتي قَبْلَها ولها مِثْلُ ما لَهَا مِنْ إِعْرَاب، وَفيها الوَجْهَانِ المَذْكُورانِ في التي قَبْلَها: مِنْ كَوْنِها صِفَةً لِـ "مَوْجٍ" الثاني، أَوِ الجارِّ فَقَطْ.
قولُهُ: {ظُلُمَاتٌ} خَبَرٌ مَرْفوعٌ لمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، تَقديرُهُ: هِيَ ظُلُمَاتٌ. وَقَالَ الحُوفيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "ظُلُماتٌ" مُبْتَدَأً. وَالجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: "بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ" خَبَرُهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا مُسَوِّغَ لِلِابْتِداءِ بِهَذِهِ النَّكِرَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّها مَوْصُوفَةٌ تَقْديرًا، أَيْ: ظُلُمَاتٌ كَثِيرَةٌ مُتَكَاثِفَةٌ بَعْضُها فوْقَ بعضٍ، وَصْفًا لَهَا بِالكَثافةِ وَالتَّراكُمِ، لَا أَنَّ المَعْنَى: أَنَّ بَعْضَ تِلْكَ الظُلُمَاتِ فَوْقَ بَعْضٍ، مِنْ غَيْرِ إِخْبَارٍ بِأَنَّ تِلْكَ الظُلُماتِ السَّابِقِةَ ظُلُماتٌ مُتَرَاكِمَةٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكَ "بَعْضُ الظُلُمَاتِ فَوْقَ بَعْضٍ"، وَبَيْنَ أَنْ تَقُولَ: "الظُلُماتُ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ" وَإِنْ تُخُيِّلَ ذَلِكَ في بَادِئِ الرَّأْيِ. وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لمَا قَبْلَهَا لَيسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} بَعْضُهَا: مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ مُضافٌ، وَ "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "فَوْقَ" منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ المَكانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ محذوفٍ تقديرُهُ، مُتَرَاكِمٌ، وهوَ مُضافٌ. وَ "بَعْضٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. والجُمْلَةُ اسْمِيَّةٌ في مَحَلِّ الرَّفْعِ صِفَةً لِـ "ظُلُمَاتٌ".
قولُهُ: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} إِذَا: ظَرْفٌ لمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمانِ، مُتَضَمِّنٌ مَعْنى الشَّرْطِ، وهوَ خافضٌ لِشَرْطِهِ، مُتَعَلِّقٌ بجَوابِهِ. وَ "أَخْرَجَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ يَعُودُ عَلَى المُبْتَلَى بِتِلْكَ الظُلَمَاتِ. وَ "يَدَهُ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصوبٌ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الخَفْضِ عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطِ لِـ "إِذَا". وَجُمْلَةُ "إِذَا" مِنْ فعلِ شَرْطِها وجوابِها جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ حَالِ مَنْ هُوَ في تِلْكَ الظُلُماتِ فلا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {لَمْ يَكَدْ} لَمْ: حرفُ جَزْمٍ ونَفْيٍ وقَلْبٍ. و "يَكَدْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ مَجْزُومٌ بِـ "لَمْ"، وَاسْمُهَا ضَميرٌ مُسْتترٌ فيها جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى صَاحِبِ اليَدِ المُبْتَلَى بِتِلْكَ الظُلَمَاتِ. أَمَّا خَبَرُها فَهوَ جملةُ "يَكَدْ" وجُمْلَةُ "لم يكَدْ" مِنِ اسْمِها وخَبَرِها جَوَابُ "إِذَا"، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {يَرَاهَا} فِعْلٌ مضارعٌ مَرفوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعَلَامَةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ مُقَدَّرةٌ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِها عَلَى الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى صَاحِبِ اليَدِ المُبْتَلَى بِتِلْكَ الظُلَمَاتِ. وَ "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ، لِأَنَّ الرُّؤيةَ هُنا بَصَريَّةً. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ خَبَرًا لِـ "يكد".
قولُهُ: {وَمَنْ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ. وَ "مَنْ" اسْمُ شَرْطٍ جازِمٌ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. وخَبَرُهُ جُمْلَةُ الشَّرْطِ، أَوِ الجَوَابِ، أَوْ هُمَا مَعًا، وَجُمْلَةُ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} لَمْ: حَرْفُ جَزْمٍ ونَفْيٍ وَقَلْبٍ. و "يَجْعَلِ" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بها، وإنَّما حُرِّكَ بالكَسْرِ لالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. ولفظُ الجَلالةِ "اللَّهُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "لَهُ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالمَفْعُولِ الثَّاني لِـ "يجَعَل"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ الجَرِّ. و "نُورًا" مَفْعُولُ "يَجْعَلَ" الأَّوَّلُ. وَالجُمْلَةُ في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا.
قولُهُ: {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فَمَا: الفاءُ: رَابِطَةٌ لَجَوَابِ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ. و "ما" نافِيَةٌ للجنْسِ بمَعْنَى "لَيْس". و "لَهُ" اللامُ حرفُ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ لَهَا، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ الجَرِّ. وَ "مِنْ" حرفُ جَرٍ زَائدَةٌ. وَ "نُورٍ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ الزائدِ لَفْظًا مَرْفُوعٌ بالابْتِداءِ مَحَلًا على أَنّهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَن" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهَا جَوَابًا لَهَا.
 قَرَأَ العَامَّةُ: {أَوْ كظُلُمَاتٍ} بِسُكونِ الوَاوِ عَلَى أَنَّ "أوْ" للتَّنْويعِ ـ كَمَا تَقَدَّمَ في مَبْحَثَ الإِعْرَاب. وَقَرَأَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيٍن "أَوَ كَظٌلُماتٍ" بِفَتْحِ الواوِ، عَلَى أَنَّها عاطفةٌ دَخَلَتْ عَلَيْها هَمْزَةُ الاسِتِفْهامِ التَّقْريريِّ.
قَرَأَ العَامَّةُ: {ظُلُمَاتٌ} بِتنوينِ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ في مَبْحَثِ الإِعْرَابِ. فَيَكُونُ تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنَ الآيةِ التي قبلَها: {سَحابٌ}، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: "ظُلُماتٌ".
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِرِوَايَةِ الْقَوَّاسِ، وَقَرَأَ أَبو الحَسَنِ الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَيْضًا: {مِنْ فَوْقِهِ سَحابُ ظُلُماتٍ"، بِتَرْكِ التَّنْوِينِ فِي "سَحَاب" وَإِضَافَتِهِ إِلَى ظُلُماتٌ، عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: "أَوْ كَظُلُماتٍ". وَقَرَأَهُ قُنْبُلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ "سَحابٌ" بِالرَّفْعِ مُنَوَّنًا، وَبِجَرِّ "ظُلُماتٍ" عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: "أَوْ كَظُلُماتٍ".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 40
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 13
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 29
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 41
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 14
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 30

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: