قوْلُهُ: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ "زَيْتُها"، ولَوْ وَصْلِيَّةٌ هُنَا. وَالتَّقْدِيرُ: يَكَادُ يُضِيءُ فِي كُلِّ حَالٍ حَتَّى فِي حَالَةٍ لَمْ تَمْسَسْهُ فِيهَا نَارٌ.
وَهَذَا تَشْبِيهٌ بَالِغٌ كَمَالَ الْإِفْصَاحِ بِحَيْثُ هُوَ مَعَ أَنَّهُ تَشْبِيهُ هَيْئَةٍ بِهَيْئَةٍ هُوَ أَيْضًا مُفَرِّقُ التَّشْبِيهَاتِ لِأَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ الْمُشَبَّهِ مَعَ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَذَلِكَ أَقْصَى كَمَالِ التَّشْبِيهِ التَّمْثِيلِيِّ فِي صِنَاعَةِ الْبَلَاغَةِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهَ الْهَيْئَةِ بِالْهَيْئَةِ، وَالْمُرَكَّبِ بِالْمُرَكَّبِ، فقد حَسَنُ دُخُولُ حَرْفِ التَّشْبِيهِ عَلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمُرَكَّبِ، لِيُكَوِّنَ قَرِينَةً صالحةً، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّشْبِيهُ الْمُرَكَّبُ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَ الْهُدَى فَقَطْ لَقَالَ: نُورُهُ كَمِصْبَاحٍ فِي مِشْكَاةٍ.. إِلَى آخِرِهِ. فَالنُّورُ هُوَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. شُبِّهَ بِالْمِصْبَاحِ الْمَحْفُوفِ بِكُلِّ مَا يَزِيدُ نُورُهُ انْتِشَارًا وَإِشْرَاقًا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَميدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "نُورٌ عَلَى نٌورٍ" قَالَ: النَّارُ عَلَى الزَّيْتِ جاوَرَتْهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "يَكَادُ زَيْتُها يُضِيءُ: يَقُولُ: مِنْ شِدَّةِ النُّورِ.
وَأَخْرَجَ ابْنٌ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُما، أَنَّهُ قَالَ: الضَّوْءُ إِشْرَاقُ الزَّيْتِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ" مِنْ طَرِيقٍ عَليٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، يَقُول: كَمَا يَكَادُ الزَّيْتُ الصَّافي يُضيءُ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ، إِذَا مَسَّتْهُ النَّارُ، ازْدَادَ ضَوْءً عَلَى ضَوْئِهِ كَذَلِكَ يَكونُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ يَعْمَلُ بِالْهُدَى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهِ الْعِلْمُ، فَإِذا أَتَاهُ الْعِلْمُ ازْدَادَ هُدًى عَلى هُدًى وَنُورًا عَلَى نُورٍ.
قوْلُهُ: {نُورٌ عَلى نُورٍ} نُورُ: خَبَرٌ لمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: "مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ .."، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ الَّذِي مُثِّلَ بِهِ الْحَقُّ هُوَ نُورٌ عَلَى نُورٍ. و "عَلى" هنا لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ التَّظَاهُرُ وَالتَّعَاوُنُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ نُورٌ مُكَرَّرٌ مُضَاعَفٌ. وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مَجْمُوعِ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ التَّمْثِيلِيِّ هُنَا هُوَ الْبُلُوغُ إِلَى إِيضَاحِ أَنَّ الْهَيْئَةَ الْمُشَبَّهَ بِهَا قَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الْمُضَاعَفَةِ لِوَسَائِلِ الْإِنَارَةِ، إِذْ تَظَاهَرَتْ فِيهَا الْمِشْكَاةُ وَالْمِصْبَاحُ وَالزُّجَاجُ الْخَالِصُ وَالزَّيْتُ الصَّافِي، فَالْمِصْبَاحُ إِذَا كَانَ فِي مِشْكَاةٍ كَانَ شُعَاعُهُ مُنْحَصِرًا فِيهَا غَيْرَ مُنْتَشِرٍ فَكَانَ أَشَدَّ إِضَاءَةً لَهَا مِمَّا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ، وَإِذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي زُجَاجَةٍ صَافِيَةٍ تَضَاعَفُ نُورُهُ، وَإِذَا كَانَ زَيْتُهُ نَقِيًّا صَافِيًا كَانَ أَشَدَّ إِسْرَاجًا، فَحَصَلَ تَمْثِيلُ حَالِ الدِّينِ أَوِ الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ مِنَ اللَّهِ فِي بَيَانِهِ وَسُرْعَةِ انْتِشارِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِانْبِثَاقِ نُورِ الْمِصْبَاحِ وَانْتِشَارِهِ فِيمَا حَفَّ بِهِ مِنْ أَسْبَابِ قُوَّةِ شُعَاعِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي الْجِهَةِ الْمُضَاءَةِ بِهِ. وَقَدْ أَشَرْنا آنِفًا إِلَى أَنَّ هَذَا التَّمْثِيلَ قَابِلٌ لِتَفْرِيقِ التَّشْبِيهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ رُكْنَيِ التَّمْثِيلِ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ مُشَابِهًا لِجُزْءٍ مِنَ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا، وَيُعَدُّ ذَلِكَ أَعْلَى التَّمْثِيلِ.
فَالْمِشْكَاةُ يُشْبِهُهَا مَا فِي الْإِرْشَادِ الْإِلَهِيِّ مِنِ انْضِبَاطِ الْيَقِينِ وَإِحَاطَةِ الدَّلَالَةِ بِالْمَدْلُولَاتِ دُونَ تَرَدُّدٍ وَلَا انْثِلَامٍ. وَحِفْظُ الْمِصْبَاحِ مِنَ الِانْطِفَاءِ مَعَ مَا يُحِيطُ بِالْقُرْآنِ مِنْ حِفْظِهِ مِنَ اللَّهِ تعالى بِقَوْلِهِ في الآيةِ: 9، مِنْ سُورةِ الحِجْرِ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}.
وَأَخْرَجَ ابْنٌ أَبي حَاتِم عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "نُورٌ عَلى نُورٍ" قَالَ: نُورُ النَّارِ وَنورُ الزَّيْتِ حِينَ اجْتَمَعَا أَضَاءَا، وَكَذَلِكَ نُورُ الْقُرْآنِ وَنُورُ الإِيمانِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ قالَ: "نُورٌ عُلى نُورٍ" قَالَ: أَتَى نُورُ اللهِ ـ تَعَالَى، عَلى نُورِ مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ.
قولُهُ: {يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَّشَاءُ} مَعَانِي الهِدَايَةِ للْإِسْلَامِ وَإِرْشَادِهِ تُشْبِهُ الْمِصْبَاحَ فِي التَّبْصِيرِ وَالْإِيضَاحِ وَتَبْيِينِ الْحَقَائِقِ مِنْ ذَلِكَ الْإِرْشَادِ، وَسَلَامَتُهُ مِنْ أَنْ يَتسرَّبَ إِلَيْهِ الشَّكُّ وَاللَّبْسُ، يُشْبِهُ الزُّجَاجَةَ فِي تَجْلِيَةِ حَالِ مَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ كَمَا قَالَ في الآيةِ التي قبلَها: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ} الآيةَ: 34، السَّابقة، مِنْ هذِهِ السُّورةِ المُباركةِ.
وَالْوَحْيُ الَّذِي أَبْلَغَ اللَّهُ بِهِ حَقَائِقَ الدِّيَانَةِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، يُشْبِهُ الشَّجَرَةَ الْمُبَارَكَةَ الَّتِي تُعْطِي الثَّمَرَةَ التي يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا دَلَائِلُ الْإِرْشَادِ.
وَسَمَاحَةُ الْإِسْلَامِ، وَبعْدُهُ مِنَ الْحَرَجِ يُشْبِهُ تَوَسُّطَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ طَرَفَيِ الْأُفُقِ الشَّرقيِّ والغربيِّ، فَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الشِّدَّةِ الْمُحْرِجَةِ، وَالإِفْرَاطِ في اللِّينِ. وَدَوَامُ ذَلِكَ الْإِرْشَادِ وَتَجَدُّدُهُ يُشْبِهُ استمرارَ إِمْدادِ المِصْباحِ بالوَقُودِ الذي هُوَ الزيتُ.
وَتَعْلِيمُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمَّتَهُ بَيَانَ الْقُرْآنِ وَتَشْرِيعَ الْأَحْكَامِ، يُشْبِهُ الزَّيْتَ الصَّافِي الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الْبَصِيرَةُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ بَيِّنٌ قَرِيبُ التَّنَاوُلِ يَكَادُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى المَزيدِ. وَقيامُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالتَّبْلِيغِ والتَّعْلِيمِ يُشْبِهُ مَسَّ النَّارِ للسِّرَاجِ، وَفيهِ إِيماءٌ إِلَى اسْتِمْرَارِ هَذَا التَّوجيِهِ والْإِرْشَادِ.
كَمَا يُومِئُ قَوْلَهُ: "مِنْ شَجَرَةٍ" إِلَى حَاجَةِ الأمَّةِ إِلَى اجْتِهَادِ عُلَمَائها في أُمورِ دينِهم ودُنياهم لاسْتِنباطِ الأَحْكَامِ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمِنَةِ، لِأَنَّ اسْتِخْرَاجَ الزَّيْتِ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ المُباركةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِصَارِ الثَّمَرَةِ باستمرارٍ، وَهُوَ ما يَعْني الِاسْتِنْبَاطَ.
قوْلُهُ: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ} فَإِنَّ اللَّهَ يَضْرِبُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ والمَطْلُوبُ مِنْهُمُ التَّذَكُّرُ والتَّفَكُّرُ بِهَا: لِيَعْتَبِرَ مَنْ يَعْتَبِرُ مِنْهُمْ بِهَا فَيَهْتَدِي، وَمَنْ يُعْرِضُ عنها مِنْهُمْ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى ضَلَالِهِ، وَإِنْ كانَ مِنْ شَأْنِ هَذِهِ الْأَمْثَالِ أَنْ يُهْتَدى بِهَا. إِلَّا مَنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ.
قولُهُ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أَيْ: لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ. وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُ مَنْ هُوَ قَابِلٌ لِلْهُدَى، وَمَنْ هُوَ مَطْبوعٌ على قلبِهِ مُصِرٌّ على ذَنْبِهِ، مُسْتَمِرٌّ في غَيِّهِ. وَهَذِهِ الجملةُ الكَريمَةُ تَذْيِيلٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَفيها تَعْرِيضٌ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِلْأَوَّلِينَ والآخِرينِ. كما أَنَّ الْجُمَلَ الثَّلَاثَ الأَخِيرَةَ اعْتَراضٌ أَوْ تَذْيِيلٌ لِلتَّمْثِيلِ. لْدَفْعِ التَّعَجُّبِ مِنْ عَدَمِ اهْتِدَاءِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ ـ تعالى، على رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، وَهَذا النُّورُ هُوَ الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنُّورِ الطَّاعَةَ، سَمَّى طَاعَةَ اللَّهِ نُورًا وَأَضَافَ هَذِهِ الْأَنْوَارَ إِلَى نَفْسِهِ تَفْضِيلًا، كَمِشْكاةٍ، وَهِيَ الْكُوَّةُ الَّتِي لَا مَنْفَذَ لَهَا فَإِنْ كَانَ لَهَا مَنْفَذٌ فَهِيَ كُوَّةٌ. وَقِيلَ: الْمِشْكَاةُ حَبَشِيَّةٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْقِنْدِيلُ فِيها مِصْباحٌ أي: سراج وأصله مِنَ الضَّوْءِ، وَمِنْهُ الصُّبْحُ، وَمَعْنَاهُ: كَمِصْبَاحٍ فِي مِشْكَاةٍ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ، يَعْنِي الْقِنْدِيلَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا ذَكَرَ الزُّجَاجَةَ لِأَنَّ النُّورَ وَضَوْءَ النَّارِ فِيهَا أَبْيَنُ مِنْ كل شيء، وضوء يَزِيدُ فِي الزُّجَاجِ، ثُمَّ وَصَفَ الزُّجَاجَةَ، فَقَالَ: "الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ".
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مرْدُوَيْهِ، عَنْ شَمِرِ بْنِ عَطِيَّةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ: "اللهُ نُورُ السَّمَوَات وَالْأَرْضِ مُثُلُ نُورِهِ"، قَالَ: مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمِشْكَاةٍ، قَالَ: الْمِشْكَاةُ الكُوَّةُ ضَرَبَهَا مَثَلًا لِفَمِهِ، "فِيهَا مِصْبَاح"، وَالمِصْبَاحُ: قَلْبُهُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، "فِي زُجَاجَةٍ" والزُّجَاجَةُ صَدْرُهُ، "كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ" شَبَّهَ صَدْرَ مُحَمَّدٍ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسُلَّمَ، بِالكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِصْبَاحِ إِلَى قَلْبِهِ فَقَالَ: "تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ. زَيْتُونَةٍ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ"، قَالَ: يَكَادُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُبَيَّنُ لِلنَّاسِ وَلَو لَمْ يَتَكَلَّمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ كَمَا يَكَادُ ذَلِكَ الزَّيْتُ أَنَّهُ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، وَشَبَّهَ قَلْبَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالكَوْكَب الدُّرِّيِّ الَّذِي لَا يَخْبُو، تَوَقَّدَ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ، تَأْخُذُ دِينَكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهِيَ الزَّيْتُونَةُ "لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا َغَرْبيَّةٍ"، لَيْسَ بِنَصْرانيٍّ فَيُصَلي نَحْو الْمَشْرِقِ، وَلَا يَهُودِيٍّ فَيُصَلِّي نَحْو الْمَغْرِب، "يكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ" فَيَقُول: يَكَادُ مُحَمَّدٌ يَنْطِقُ بِالحكْمَةِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِالنُّورِ الَّذِي جَعَلَ اللهُ فِي قَلْبِهِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مرْدُوَيْهِ، عَنْ شَمِرِ بْنِ عَطِيَّةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ: "اللهُ نُورُ السَّمَوَات وَالْأَرْضِ مُثُلُ نُورِهِ"، قَالَ: مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمِشْكَاةٍ، قَالَ: الْمِشْكَاةُ الكُوَّةُ ضَرَبَهَا مَثَلًا لِفَمِهِ، "فِيهَا مِصْبَاح"، وَالمِصْبَاحُ: قَلْبُهُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، "فِي زُجَاجَةٍ" والزُّجَاجَةُ صَدْرُهُ، "كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ" شَبَّهَ صَدْرَ مُحَمَّدٍ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسُلَّمَ، بِالكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِصْبَاحِ إِلَى قَلْبِهِ فَقَالَ: "تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ. زَيْتُونَةٍ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ"، قَالَ: يَكَادُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُبَيَّنُ لِلنَّاسِ وَلَو لَمْ يَتَكَلَّمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ كَمَا يَكَادُ ذَلِكَ الزَّيْتُ أَنَّهُ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، وَشَبَّهَ قَلْبَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالكَوْكَب الدُّرِّيِّ الَّذِي لَا يَخْبُو تَوَقَّدَ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ، تَأْخُذُ دِينَكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهِيَ الزَّيْتُونَةُ "لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا َغَرْبيَّةٍ"، لَيْسَ بِنَصْرانيٍّ فَيُصَلي نَحْو الْمَشْرِقِ، وَلَا يَهُودِيٍّ فَيُصَلِّي نَحْو الْمَغْرِب، "يكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ" فَيَقُول: يَكَادُ مُحَمَّدٌ يَنْطِقُ بِالحكْمَةِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِالنُّورِ الَّذِي جَعَلَ اللهُ فِي قَلْبِهِ.
فَقَلْبُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، مِمَّا اسْتَنَارَ فِيهِ الْقُرْآنُ وَالإِيمانُ، كَأَنَّهُ كَوْكَب دُرِّيٌّ مُضِيءٌ، "يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مباركة"، وَالشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ: أَصْلُ الْمُبَارَكِ الإِخْلاصُ للهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتُهُ لَا شَريكَ لَهُ، "زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ" قَالَ: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ الْتَفَ بِهَا الشَّجَرُ فَهِيَ خَضْرَاءُ نَاعِمَةٌ لَا تُصيبُها الشَّمْسُ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ، لَا إِذا طَلَعَتْ، وَلَا إِذَا غَرَبَتْ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُؤْمِنُ قَدْ أُجِيرَ مِنْ أَنْ يَصِلَهُ شَيْءٌ مِنَ الْفِتَن، وَقدِ ابْتُلِيَ بهَا فثَبَّتَهُ اللهُ فِيهَا، فَهُوَ بَيْنَ ارْبَعِ خِلَالٍ، إِنْ قَالَ صَدَقَ، وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ، وَإِنْ أُعْطِيَ شَكرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، فَهُوَ فِي سَائِرِ النَّاسِ كَالرّجلِ الْحَيّ يَمْشِي بَيْنَ قُبُورِ الْأَمْوَاتِ، "نُورٌ عَلَى نُورٍ" فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ، فَكَلَامُهُ نُورٌ، وَمَدْخِلُهُ نُورٌ، ومَخْرجُهُ نُورٌ، وَمَصِيرُهُ إِلَى نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَة إِلَى الْجنَّة.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ مرْدُوَيْهِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ "كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح" قَالَ: الْمِشْكَاةُ: جَوْفُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والزُّجَاجَةُ: قَلْبُهُ، وَالمَصْبَاحُ: النُّورُ الَّذِي فِي قَلْبِهِ. و "لَا شرقيَّةً وَلَا غَرْبِيَّةً" قَالَ: هِيَ وَسَطُ الشَّجَرَةِ لَا تَنَالُها الشَّمْسُ إِذَا طَلَعَتْ، وَلَا إِذا غَرَبَتْ، وَذَلِكَ لوُجُودِ الزَّيْتِ، "يَكَادُ زَيْتُهُا يُضيءُ" يَقُول: بِغَيْر نَارٍ "نُورٌ عَلَى نُورٍ" يَعْنِي بِذَلِكَ إِيمَانَ العَبْدِ وَعَمَلَهُ، "يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ" هُوَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ.
٠ تعليق