قوْلُهُ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ} في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "مِشْكَاةٍ"؛ أَيْ: كَمِصْبَاحٍ مِشْكَاةٍ كائِنَة في بُيُوتٍ من بيوتِ الله، أَوْ بِصِفةٍ لِـ {مِصْبَاحٍ}، أَوْ لِزُجَاجَةْ، وَيجوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ {يُوقَدُ}. وَعَلَى هَذَهِ الأقوالِ لَا يُوقَفُ عَلَى {عَلِيمٌ}. وَلَكَ أَنْ تَقِفَ عَلَى {عَلِيم}، فَتُعَلِّقَهُ بِمَحْذُوفٍ، والتقديرُ: سَبِّحُوهُ في بُيُوتٍ، أَوْ بِـ "يُسَبِّحُ". ويجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذوفٍ كما في قولِهِ ـ تعالى، مِنْ سورةِ النَّمْلِ: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} الآيةَ: 12، أَيْ: يُسَبِّحونَهُ في بُيُوتٍ. والتَّكْريرٌ للتَّوْكيدِ كَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ هودٍ: {فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا} الآيةَ: 108. وَعَلَى هَذِينِ القولَيْن فيُوْقَفُ عَلى {عليم}.
قولُهُ: {أَذِنَ اللهُ} أَذِنَ: فعلٌ ماضٍ مَبنيٌّ على الفتحِ. ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" فاعلُهُ مَرفوعٌ بِهِ. والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محلِّ الجرِّ صِفَةً لـ "بُيُوتٍ".
قولُهُ: {أَنْ تُرْفَعَ} أَنْ: حرفٌ ناصِبٌ مَصْدِريٌّ، وهو عَلى حَذْفِ الجارِّ،
والتقديرُ: في أَنْ تُرْفَعَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّقَ "في بيوتٍ" بِقَوْلِهِ: "ويُذْكَرُ" لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلى مَا في حَيِّزِ "أَنْ"، وَمَا بَعْدَ "أَنْ" لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْها. وَ "تُرْفَعَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بـ "أَنْ" مبنِيٌّ للمجهولِ، والنَّائِبُ عَنْ فاعِلِهِ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ: (هيَ) يَعُودُ عَلى "بُيُوتٍ". وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذوفٍ مُتَعَلِّقٍ بِـ "أَذِنَ". والتقديرُ: أَذِنَ اللهُ في رَفْعِ المَساجِدِ وَتَطْهِيرِهَا.
قَوْلُهُ: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} الوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، وَ "يُذْكَر" مَعْطُوفٌ عَلَى "تُرْفَعَ" مَنْصوبٌ مِثْلُهُ. و "فِيهَا" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُذْكَرَ"، و "ها" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "اسْمُهُ" مرفوعٌ بالنِّيابةِ عَنْ فاعِلِهِ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهَ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والجملةُ الفعلِيَّةُ مَعطوفةٌ على جُمْلَةِ "تُرفَعَ" عَلَى كَوْنِها صِلَةَ المَوصُولِ الحَرفي "أنْ" فليسَ لها مَحَلَّ مِنَ الإعراب.
قولُهُ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} يُسَبِّحُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ. و "لَهُ" اللامً: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُسَبِّحُ"، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "فِيهَا" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يُسَبِّحُ" أَيْضًا، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَ "بِالْغُدُوِّ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنَ الفاعِلِ وهو قولُهُ: {رِجَالٌ} في الآيَةِ الَّتي تَلَيها، وَ "الغُدُوِّ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ. و "وَالْآصَالِ" الواوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "الْآصَالِ" مَعْطُوفٌ عَلَى "الغُدُوِّ" مجرورٌ مِثْلُهُ، أَيْ: مُلْتَبِسينَ بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ. والجملةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتّأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ الْعامَّةُ: {يُسَبِّحُ} بِكَسْرِ الْبَاءِ مَبْنِيًا للفَاعِلِ. جَعَلُوا التَّسْبيحَ فِعْلًا لِلرِّجَالِ فَلَا يُوْقَفُ عَلَى الآصَالِ. وقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ "يُسَبَّحُ" بِفَتْحِ الْبَاءِ عَلَى البناءِ للمجهولِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ. والقائمُ مَقامَ الفاعلِ بحسَبِ هذِهِ القراءةِ أَحَدُ المَجْرُوراتِ الثَّلاثةِ. وَالأَوْلَى مِنْهَا بِذَلِكَ الأَوَّلُ لِاحْتِياجِ العاملِ إِلَى مَرْفُوعِهِ، وَالَّذي يَلِيهِ أَوْلَى. وَ "رجالٌ" عَلى هَذِهِ القِرَاءَةِ مَرْفُوعٌ إِمَّا بفعلٍ مُقَدَّرٍ لِتَعَذُّرِ إِسْنَادِ الفِعْلِ إِلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، فكَأَنَّما قيل: مَنْ يُسَبِّحُهُ؟ فَقيلَ: يُسَبِّحُهُ رِجالٌ. وَمثْلُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُ الشاعِرِ نهشَلِ بْنِ حَرِّيّ:
لِيُبْكَ يََزِيْدُ ضارعٌ لخُصُومَةٍ ........................ ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطيحُ الطَّوائحُ
كأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ يَبْكيهِ؟ فَقِيلَ: يَبْكيهِ ضَارِعٌ. إِلَّا أَنَّ في اقْتِياسِ هَذَا خَلَافًا بينَ القرَّاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ. وَالْوَجْهُ الثاني في البَيْتِ: أَنَّ "يَزيدُ" مُنادَى حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّداءِ، أَيْ: يَا يَزيدُ، وَهذا وجهٌ ضَعِيفٌ جِدًا.
والثاني: أَنَّ رِجَالًا خَبَرٌ لمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: المُسَبِّحَهُ رِجَالٌ. وَعَلَى هَذِهِ القَراءَةِ يُوْقفُ عَلَى الآصالِ.
وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَأَبُو حَيَوَةَ "تُسَبِّحُ" بالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ وَكَسْرِ الباءِ؛ لِأَنَّ جَمْعَ التَّكْسيرِ يُعامَلُ مُعامَلَةَ المُؤَنَّثِ في بَعْضِ الأَحْكَامِ وَهَذَا مِنْهَا. وقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ كذلك إلاَّ أنَّه فَتَح الباءَ. وقد خَرَّجَها الزمخشريُّ عَلى إِسْنَادِ الفِعْلِ إِلَى الغُدُوّ والآصالِ عَلى زَيادَةِ الباءِ، كَقَوْلِهِمْ: "صِيْد عَلَيْهِ يَوْمَانَ" أَيْ: وَحْشُهَا. وَخَرَّجَها غيرُه عَلَى أَنَّ القائمَ مَقَامَ الفاعلِ ضَميرُ التَّسْبيحَةِ، أَيْ: تُسَبَّحُ التَّسْبيحَةُ، عَلَى المجازِ المُسَوَّغِ لإِسْنَادِهِ إِلَى الوَقْتَيْنِ، كَمَا خَرَّجُوا قِراءَةَ أَبي جَعْفَرٍ أَيْضًا في سورةِ الجاثيةِ: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الآيةَ: 14، أَيْ: لِيَجْزِيَ الجَزَاءُ قَوْمًا، بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ آيَةِ الجاثِيَةِ؛ إِذْ لَيْسَ هُنَا مَفْعُولٌ صَريحٌ. وَبَعْضُ الْقِرَاءَاتِ فِي الآيةِ يُبَيِّنُ مَعْنَى بَعْضٍ; فالْمُقَرَّرُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ كَالْآيَتَيْنِ.