روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 35 (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  35 (1) Jb12915568671



المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  35 (1) Empty
مُساهمةموضوع: المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 35 (1)   المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  35 (1) I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 08, 2022 4:44 am

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(35)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} كَانَ اللهُ ـ تَعَالَى، قَدِ امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ المُؤمنينَ بِالْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ فَقَالَ مِنَ الآيَةِ: 34، السَّابقةِ: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ}, ثُمَّ أَعقَبَهُ في هَذِهِ الآيَةِ بِامْتِنَانٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ هو ـ سُبْحانَهُ، الَّذي كَوَّنُ أُصُولَ الْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ، وَالْمَعَارِفِ الْحَقَّةِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، وَذَلكَ بِإِرْسَالِ رَسُولِهِ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، مَعَ مَا فِي هَذَا الِامْتِنَانِ مِنَ إِعْلَامٍ بِعَظَمَتِهِ ـ تَعَالَى، وَمَجْدِهِ وَعُمُومِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، حِينَ قَالَ: "مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ"، فَكَانَتْ هَذِهِ الجملةُ بيانًا للجملةِ الأُوْلى.
أَيْ: أَنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ، هُوَ مُنَوِّرُ أَهْلِ السَّمَواتِ والأَرْضِ بِنُورِ الإِسْلامِ وَالإيمانِ لِأَهْلِ الإِيمانِ، وَبِنُورِ الإِحْسَانِ لِأَهْلِ الإِحْسَانِ، فَحَقيقَةُ النُّورِ: هُوَ الَّذي بِه تَنْكَشِفُ الأَشْيَاءُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، حِسِّيَّةً كانْتْ أَمْ مَعنَوَيَّةً، وَالمُرادُ هُنَا: المَعْنَوِيَّةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ، فَإِنِ انْكَشَفَتْ بِهِ أَحْكَامُ العُبُودِيَّةِ، بِاعْتِبَارِ المُعَامَلَةِ الظَّاهِرَةِ، سُمِّيَ: بِنُورِ الإِسْلَامِ، وَإِنِ انْكَشَفَتْ بِهِ أَوْصَافُ الذَّاتِ المُقدَّسَةِ الْعَلَيَّةِ وَكَمَالَاتُها، مِنْ طَريقِ البُرْهَانِ، سُمِّيَ: بِنُورِ الإِيمانِ، وَإِنِ انْكَشَفَتْ بِهِ بعضُ حَقائِقِ الذَّاتِ وَأَسْرَارِهَا، مِنْ طَريقِ الشُّهودِ وَالمُعَايَنَةِ، سُمِّيَ: بِنُورِ الإِحْسَانِ.
أَمَّا جُمْلَةَ: "اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" فالظَّاهِرُ أَنَّها مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَقَدْ جِيءَ بها تَمْهِيدًا لِجُمْلَةِ: "مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ". وَالمُنَاسَبَةُ أَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ الكَريمِ نُورٌ، كما قَالَ في الآيةَ: 174، منْ سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} وَكَمَا قَالَ فِي الآيَةِ: 15، مِنْ سُورَةِ الْمائدةِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}، فَكَانَ قَوْلُهُ: "اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" جَامِعًا لِمَعَانٍ جَمَّةٍ تَتَّبِعُ مَعَانِي النُّورِ فِي إِطْلَاقِهِ فِي الْكَلَامِ، مِنْ عِدَّةِ جِهَاتٍ، وَانْتِقَالًا مِنْ بَيَانِ الْأَحْكَامِ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ مِنْ أَغْرَاضِ الْإِرْشَادِ وَأَفَانِينَ مِنَ الْمَوْعِظَةِ وَالْبُرْهَانِ.
وَحَقِيقَةُ النُّورِ: الْإِشْرَاقُ وَالضِّيَاءُ. وَهُوَ اسْمٌ جَامِدٌ لِمَعْنًى، فَهُوَ كَالْمَصْدَرِ لِأَنَّا وَجَدْنَاهُ أَصْلًا لِاشْتِقَاقِ أَفْعَالِ الْإِنَارَةِ. وَبِذَلِكَ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنِ اللَّهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالَى، بِأَنَّهُ نُورٌ إِخْبَارًا بِالْمَصْدَرِ أَوْ بِاسْمِ الْجِنْسِ فِي إِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيْ بِمَعْنًى مَجَازِيٍّ لِلنُّورِ لِأَنَّهُ اسْمُ مَاهِيَّةٍ مِنَ الْمَاهِياتِ، فَهُوَ وَالْمَصْدَرُ سَوَاءٌ فِي الِاتِّصَافِ بِذَلِكَ. فَمَعْنَى: "اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" أَنَّ مِنْهُ ـ سُبْحانَهُ، ظُهُورَ السَّمواتِ والأَرْضِ. وَيمكنُ أَنْ نُطلقَ "النُّورَ" هَهُنَا عَلى عِدَّةِ مَعَانٍ تُشَبَّهُ بِالنُّورِ. وَإطلاقُ اسْمِ النُّورِ عَلَيْهَا مُسْتَعْمَلٌ فِي اللُّغَةِ، بِقَرِينَةِ أَصْلِ عَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ في أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَلَا جَوْهَرٍ، وَلَا عَرَضٍ، وَلَا تَخْلُو حَقِيقَةُ مَعْنَى النُّورِ عَنْ كَوْنِهِ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا. وإِنَّما يُرَادَ بِهِذا جَلَاءُ الْأُمُورِ الَّتِي مِنْ شَأْنهَا أَنْ تَخْفَى عَنْ مَدَارِكِ عامَّةِ النَّاسِ وَتَلْتَبِسَ عَلَيْهِمْ، فَإِطْلَاقُهُ عَلَى ذَلِكَ مَجَازٌ بِعَلَامَةِ التَّسَبُّبِ فِي الْحِسِّ وَالْعَقْلِ.
قَالَ الإمامُ الْغَزَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ "مِشْكَاةُ الْأَنْوَارِ": النُّورُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي بِهِ كُلُّ ظُهُورٍ، أَيْ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ، وَتَنْكَشِفُ لَهُ، وَتَنْكَشِفُ مِنْهُ، وَهُوَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ، وَلَيْسَ فَوْقَهُ نُورٌ. وَجَعْلُ اسْمِهِ ـ تَعَالَى، النُّورَ دَالًّا عَلَى التَّنَزُّهِ عَنِ الْعَدَمِ وَعَلَى إِخْرَاجِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا عَنْ ظُلْمَةِ الْعَدَمِ إِلَى ظُهُورِ الْوُجُودِ، فَآلَ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ اسْمُ النُّورِ مِنْ مَعْنَى الْإِظْهَارِ وَالتَّبْيِينِ فِي الْخَلْقِ وَالْإِرْشَادِ وَالتَّشْرِيعِ. وَقالَ ابْنُ بَرَّجَانَ الْإِشْبِيلِيُّ مقتفِيًا آثارَ الإمامِ الغزاليِّ: إِنَّ اسْمَهُ النُّورَ آلَ إِلَى صِفَاتِ الْأَفْعَالِ. "شَرْحُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى".
أَمَّا "النُّورِ" هُنَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُلَائِمًا لِمَا ذُكِرَ في الْآيَةِ التي قبلَها، أَعْني قَوْلَهُ: {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ}، وَمَا بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِهِ هُنَا: "مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ" إِلَى: "يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ" وَقَوْلِهِ بَعْدَ ذلكَ في الآيَةِ: 40، منها: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَما لَهُ مِنْ نُورٍ}.
وَلِلنُّورِ إِطْلَاقَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَإِضَافَاتٌ أُخْرَى صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ مُرَادًا مِنْ وَصْفِهِ ـ تَعَالَى، ذاتَهُ الَعَلِيَّةَ بِالنُّورِ. كَقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ، فيما أَخْرجَ الأئمَّةُ مِن حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: ((اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالشَّفَاعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، أَنْتَ رَبُّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، رَبِّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)). أخْرَجَهُ مَالِكٌ في المُوَطَّأِ: (1/215 ـ 216)، وأَحْمَدُ في المُسْنَد: (2710)، والبخاري: (1120)، ومسلم: (769)، وابْنُ مَاجَهْ: (1355)، والتِّرْمِذِيُّ: (3716)، وَالنَّسَائِيُّ في "الكُبْرَى": (7657)، وابْنُ حِبَّانَ في الصَّحِيح: (2598). عَنْ طَاوُس. فَإِنَّ عَطْفَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَنْ فِيهِنَّ))، يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَاتُهُمَا لَا الْمَوْجُودَاتُ الَّتِي فِيهِمَا، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرَادَ بِالنُّورِ هُنَالِكَ إِفَاضَةُ الْوُجُودِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْفَتْقِ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ الأنبياءِ: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ..} الْآيةَ: 30. وَالْمَعْنَى: أَنَّ أُمُورَ السَّمواتِ والأَرْضِ إِنَّما اسْتَقامَتْ بِقُدْرَتِهِ ـ تَعَالَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فيهِمَا، نُجُومَهُمَا، وشمْسَهُمَا، وَقَمَرَهُما.
وقال الضَّحَّاكُ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: مُنَوَّرُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ، يُقَالُ: نَوَّرَ السَّمَاءَ بِالْمَلَائِكَةِ، وَنَوَّرَ الْأَرْضَ بِالْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مُدَبِّرُ الأُمُورِ في السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ.
وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، والحَسَنُ البَصْريُّ، وأَبُو العَالِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُم جميعًا: مُزَّيِّنُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ، زَيَّنَ السَّمَاءَ بالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَزَيَّنَ الْأَرْضَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَيُقَالُ أَيْضًا: أَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، زيَّنَ الأرضَ بِالنَّبَاتاتِ وَالْأَشْجَارِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْأَنْوَارُ كُلُّهَا مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ: فَلَانٌ رَحْمَةٌ أَيْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، وَقَدْ يُذْكَرُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى طَرِيقِ الْمَدْحِ كَمَا قَالَ الشَّاعرُ عَمَّارُ بْنُ الحَسَنِ يَمْدَحُ عَبْدَ اللهِ بْنَ لَهِيعَةَ:
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ عَنْ مَرْوَ لَيْلَةً ..................... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُورُهَا وَجَمَالُهَا
إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ مِنْ كُلِّ بَلْدَةٍ ...................... فَهُمْ أَنْجُمٌ فِيهَا وَأَنْتَ هِلَالُهَا
وَقد الْتَزَمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وحُكَمَاؤهم مَعَانِي مِنْ إِطْلَاقَاتِ النُّور، كالْبُرْهَانُ الْعِلْمِيُّ، وَالْكَمَالُ النَّفْسَانِيُّ، وَمَا بِهِ مُشَاهَدَةُ النُّورَانِيَّاتِ مِنَ الْعَوَالِمِ. وَإِلَيْها أَشَارَ الإمامُ السُّهْرَوَرْدِيُّ شِهَابُ الدِّينِ يَحْيَى فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ: "هَيَاكِلِ النُّورِ" فقَالَ: "يَا قَيُّومُ أَيِّدْنَا بِالنُّورِ، وَثَبِّتْنَا عَلَى النُّورِ، وَاحْشُرْنَا إِلَى النُّورِ".
ويمكِنُ أَنْ نُطْلِقَ: "النُّورَ" عَلَى الهُدَى أَيضًا الذي يَعْني الْإِرْشَادَ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ـ كما تقدَّمَ أَعْلاهُ.
فقدَ أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالكٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ إِلَهِي يَقُولُ: إِنَّ نُوري هُدَايَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قالَ: "اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ" قَالَ: اللهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
وكَذلكَ فقد قَالَ اللهُ ـ تَعَالَى، في الآيةِ: 44، مِنْ سُورَةِ المائدَةِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ}، فأَطْلَقَ "النُّورَ" عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْهُدَى. كَمَا قَالَ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَام: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ} الآيةَ: 91، فَعَطْفُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مُشْعِرٌ بِالْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا.
وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ مَعَانِي لَفْظِ النُّورِ الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِصَالِحٍ لِأَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي جُعِلَ وَصْفًا لِلَّهِ ـ تَعَالَى، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ "نُور" فِي قَوْلِهِ ـ تعالى: "مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ" هوَ غَيْرُ الْمُرَادِ بِلَفْظِ "نُور" فِي قَوْلِهِ ـ عزَّ وَجَلَّ: "اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" فَإنَّ لَفْظَ "النُّور" اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى تَارَةً وَفِي آخَرَ تارةً أُخْرَى.
إِنَّما أَحْسَنُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ قَوْلَهُ ـ تعالى: "اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" هو أَنَّ اللَّهَ مُوجِدٌ كُلَّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالنُّورِ، وَخَاصَّةً أَسْبَابُ الْمَعْرِفَةِ الْحَقُّ، وَالْحُجَّةُ الْقَائِمَةُ، وَالْمُرْشِدُ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي بِهَا حُسْنُ الْعَاقِبَةِ فِي الْعَالَمَيْنِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَنْ فِيهِمَا كَما تقدَّمَ بيانُهُ عندَ قولِهِ مِنْ سورةِ يوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} الآيةَ: 82، أَيْ: واسْأَلْ أَهْلَ القَرْيَةِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذِكْرِ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْحَذف إِيهَام أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَابِلَةٌ لِهَذَا النُّورِ، كَمَا أَنَّ الْقَرْيَةَ نَفْسَهَا تَشْهَدُ بِمَا يُسْأَلُ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِالْمَقْصُودِ وَأَلْطَفُ دَلَالَةً. فَيَشْمَلُ تَلْقِينَ الْعَقِيدَةِ الْحَقَّ وَالْهِدَايَةَ إِلَى الصَّالِحِ مِنَ الأَعْمَالِ، فَأَمَّا هِدَايَةُ أهلِ الأرضِ مِنَ الْبَشَرِ إِلَى الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا هِدَايَةُ الْمَلَائِكَةِ إِلَى ذَلِكَ فَبِأَنْ خَلَقَهُمُ اللَّهُ عَلَى فِطْرَةِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، كما قالَ خالِقُهُم ـ سُبحانهُ وتعالى، في حَقِّهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} الآيةَ: 6، مِنْ سُورَةِ التَّحْريمِ. وَبِأَنْ أَمَرَهُمْ بِتَسْخِيرِ الْقُوَى لِلْخَيْرِ، وَبِأَنْ أَمَرَ بَعْضَهُمْ بِإِبْلَاغِ الْهُدَى بِتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ للمُرسَلينَ، وَإِلْهَامِ الْقُلُوبِ الصَّالِحَةِ وتوجيهِها إِلَى أعمالِ البِرِّ وَالتَّقوىَ وَالصَّلَاحِ، وَكَانَتْ تِلْكَ مَظَاهِرَ هُدًى لَهُمْ وَبِهِمْ.
وَالنُّورُ في اللُّغَةِ: هُوَ الضِّيَاءُ ـ كما تقدَّمَ. وَهُوَ ضِدُّ الظُّلْمَةِ. وَ "النُّورُ" مِنْ صِفَاتِ اللهِ ـ جَلَّ جلالُهُ، وقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَديثِ الأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ، وَنَطَقَ بِهِ القُرْآنُ الكريمُ والكِتابُ المُبينُ كَمَا نَصَّتْ علَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ المباركةُ. فقَدْ أخرجِ الأئمَّةُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ، هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمُقِيتُ، الْحَسِيبُ، الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ، الْمَجِيدُ، الْبَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ الْقَيُّومُ، الْمَاجِدُ، الْوَاجِدُ، الْوَاحِدُ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الْقَادِرُ، الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّؤُوفُ، مَالِكُ الْمُلِكِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْوَالِي، الْمُتَعَالِي الْمُقْسِطُ، الْجَامِعُ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الرَّافِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ، الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ)). وَقَالَ غَيْرُهُ: "الْمَانِعُ" بَدَلَ قَوْلِهِ "الرَّافِعُ"، وَقَالَ: "الْوَالِي الْمُتَعَالِي" عَقِبَ قَوْلِهِ: الْبَاطِنُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ: "وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ الْإِسْفَرَايِينِيُّ قَوْلَهُ: ((مَنْ أَحْصَاهَا دخل الجنة))، يُرِيدُ: مَنْ عَلِمَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ اسْمًا لِلذَّاتِ، وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ اسْمًا لِصِفَاتِ الذَّاتِ، وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ اسْمًا لِلْفِعْلِ)). مسند الإمامِ أَحْمَد، /ط/ الرسالة: (12/469)، وَأَخْرَجَهُ الحُمَيْدِيُّ: (1130)، والبُخَارِيُّ: (6410) و (2736) و (7392)، وَمُسْلِمٌ: (2677) (5)، والترمذي: (3507) و (3508)، والحاكم في المُسْتَدْرَكِ: (1/16)، والبَيْهَقِيُّ في "الأَسْمَاءُ وَالصِّفات": (ص: 4)، وفي "السنن" 10/27، والنَّسَائِيُّ في "السُّنَنِ الكُبْرَى": (7659)، والطبراني في "الدعاء": (106) و (110)، وَابْنُ حِبَّانَ في صَحيحِهِ: (808).
وَالنُّورُ حِسِّيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ، فالحِسِيُّ يكْشِفُ حقائقَ أَشْيَاءِ الكونِ المادِيَّةِ الحِسِّيَّةِ، والمَعنويُّ يَكْشِفُ حقائِقَ الوُجُودِ المَعْنَوِيِّ الرُّوحيِّ، واللهُ ـ تَباركَ وَتَعَالى، هُوَ مَصْدَرُ كلِّ نُورٍ ومُصْدِرُهُ، سَوَاءً أَكَانَ النُّورُ مادِّيًّا حِسِّيًا، أَوْ رُوحِيًّا مَعْنَويًّا.
وللنُّورِ الحِسِّيِّ المادِّيِّ مُصادِرُ كَثِيرَةٌ، أَهمُّهَا الشَّمْسُ، والنُّجُومُ، والنَّارُ، وغيرُها، لكِنَّ خالِقَهَا جميعًا وَمُمِدَّها بالطَّاقَةِ والقُدْرَةِ وَاحِدٌ، وهُوَ اللهُ ـ تَعَالَى، إِنَّما لِأَجَلٍ مُحَدَّدٍ، شاءَهُ لَهَا، فإِذا حَانَ الأَجَلُ، أَوْقَفَ اللهُ إمْدادَها وَذَهَبَ بِنُورِهَا فأَظْلَمَتْ، قالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ المُرسَلاتِ: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} الآيةَ: 8، أَيْ: مُحِيَ نُورُهَا.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عبدُ اللهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُما، يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّمَوَات وَالْأَرْضُ، أَنْ تَجْعَلَني فِي حِرْزِكَ، وَحِفْظِكِ، وَجِوَارِكَ، وَتَحْت كَنَفِكَ).
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي دُبُرِ صَلَاة الْغَدَاةِ، وَفِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ بِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ وَحْدَكَ لَا شَريكَ لَك، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، اجْعَلْني مُخْلِصًا لَكَ وَأَهْلِي فِي كُلِّ سَاعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ذَا الْجلَالِ والإِكْرَامِ اسْمَعْ واسْتَجِبْ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ)).
قولُهُ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} أَيْ مَثَلَ نُورِ اللَّهِ ـ تَعَالَى، فِي قَلْبِ عبدِهِ الْمُؤْمِنِ، وَهُوَ النُّورُ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ إلى طريقِ الخير والصَّلاحِ، طريقِ الحقِّ، فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ ربه، كما قالَ في الآيةِ: 22، مِنْ سُورَةِ الزُّمَر: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}، وَكَانَ عبدُ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، يَقْرَأُ: "مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ". وَكَانَ أُبَيٌّ بنُ كعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ اللهُ عنهُ، يَقْرَأُ: "مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَهُوَ عَبْدٌ جُعِلَ الْإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نورِهِ كمِشْكاةٍ"، يَقُولُ: مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: وَهِي النُّقْرَةُ، يَعْنِي الكُوَّةَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنعانيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "مَثَلُ نُورِهِ" قَالَ: مَثَلُ نُورِ اللهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ.
وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فيما رواهُ عًنْهُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "مَثَلُ نُورِهِ الَّذِي أَعْطَى الْمُؤْمِنَ".
وَقَالَ الْحَسَنُ البَصْريُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُما: أَرَادَ اللهُ بِالنُّورِ الْقُرْآنَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتمٍ عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ نُورِهِ" قَالَ: سيِّدُنا مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الضَّحاكُ مِثَلَهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "مَثَلُ نُورِهِ": مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ.
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، "مَثَلُ نُورِهِ" يَا مُحَمَّدُ فِي قَلْبِكَ كَمَثَلِ هَذَا الْمِصْبَاحِ فِي هَذِه الْمِشْكَاةِ، فَكَمَا هَذَا الْمِصْبَاح فِي هَذِهِ الْمِشْكَاةِ كَذَلِكَ فُؤَادُك فِي قَلْبِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قال: "مَثَلُ نُورِهِ" يَا مُحَمَّد فِي قَلْبكَ كَمَثَل هَذَا الْمِصْبَاح فِي هَذِه الْمشكاة فَكَمَا هَذَا الْمِصْبَاح فِي هَذِهِ الْمشكاةِ كَذَلِك فُؤَادُك فِي قَلْبِكَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنٌ الْمُنْذِرِ عَنْ أبي الْعَالِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: هِيَ فِي قِرَاءَة أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ: "مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ، أَوْ قَالَ مَثَلُ مَنْ آمَنَ بِهِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قالَ: "مَثَلُ نُورِهِ" قَالَ: مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ. وَقَالَهُ أَيْضًا عَدَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ: فالْكِنَايَةُ عَائِدَةٌ إِلَى الْمُؤْمِنِ، أَيْ: مَثَلُ نُورِ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، واللهُ أَعْلَمُ.
و "الْمَثَلُ": هوَ تَشْبِيهُ حَالٍ بِحَالٍ، فَمَعْنَى "مَثَلُ نُورِهِ" شَبِيهُ هَدْيِهِ لعبادِهِ ـ تَبَارَكَتْ أَسْماؤُهُ، حَالُ مِشْكَاةٍ فيها مِصْباحٌ .. ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ: كَنُورِ مِشْكَاةٍ، لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ هُوَ الْمِشْكَاةُ وَمَا يَتْبَعُهَا. والضَّمِيرُ فِي "نُورِهِ" عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، مِنَ الجملةِ الَّتي قبلَها، أَيْ: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ بِهِ كِتَابُهُ وِشَرعُهُ الذي بيَّنَهُ الدِّينُ الَّذِي اخْتَارَ لهُ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، رَسُولًا إلى عبادِهِ، أَيْ: مَثَلُهُ فِي إِنَارَةِ عُقُولِ الْمُهْتَدِينَ بهِ مِنَ المُؤمنينَ، "كمشكاةٍ". فَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ إِرْشَادِ اللَّهِ ـ تعالى، عِبادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، بِهَيْئَةِ الْمِصْبَاحِ الَّذِي حَفَّتْ بِهِ وَسَائِلُ قُوَّةِ الْإِشْرَاقِ فَهُوَ نُورُ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ.
وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هذِهِ الجُمْلةَ هي بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: "اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ"، وعليْهِ فَتَكُونُ عَطْفَ بَيَانٍ لما قبلَها وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عنها وَلَمْ تُعْطَفْ عليها.
ويجوزُ أَنْ تكونَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِمَا انْطوى في مَعْنَى: "آياتٍ"، وُصِفتْ بِأَنَّها "مبيِّنات" أَو "مُبيَّنات"، كَمَا نقدَّمَ بَيَانُهُ لدى تفسيرِنا الآيةَ: 34، السَّابقةِ.
فقدْ جاءَتْ هَذِهِ الجُمْلةُ الكريمةُ لَبَيَانِ مَا هِيَ "الْآيَاتُ" وَمَا هُوَ "تَبْيِينُهَا"، أَو "تِبْيانُها". وَعَلَيْهِ تَكونُ جُمْلَةُ: "اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" مُعْتَرِضَةً بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا تَمْهِيدًا لِبيانِ عَظَمَةِ هَذَا النُّورِ الْمُمَثَّلِ لَهُ هُنَا بِالْمِشْكَاةِ.
وَإِنَّمَا أُوثِرَ تَشْبِيهُهُ بِالْمِصْبَاحِ الْمَوْصُوفِ بِمَا مَعَهُ مِنَ الصِّفَاتِ دُونَ أَنْ يُشَبَّهَ نُورُهُ بِشُرُوقِ الشَّمْسِ بَعْدَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِقَصْدِ إِكْمَالِ مُشَابَهَةِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا، بِأَنَّهَا حَالَةُ ظُهُورِ نُورٍ يَبْدُو فِي خِلَالِ ظُلْمَةٍ فَتَنْقَشِعُ بِهِ تِلْكَ الظُّلْمَةُ فِي مِسَاحَةٍ يُرَادُ تَنْوِيرُهَا. وَدُونَ أَنْ يُشَبَّهَ بِهَيْئَةِ بُزُوغِ الْقَمَرِ فِي خِلَالِ ظُلْمَةِ الْأُفُقِ لِقَصْدِ إِكْمَالِ الْمُشَابَهَةِ لِأَنَّ الْقَمَرَ يَبْدُو وَيَغِيبُ فِي بَعْضِ اللَّيْلَةِ بِخِلَافِ الْمِصْبَاحِ الْمَوْصُوفِ. وَبَعْدَ هَذَا فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ مَا حَفَّ بِالْمِصْبَاحِ مِنَ الْأَدَوَاتِ لِيَتَسَنَّى كَمَالُ التَّمْثِيلِ بِقَبُولِهِ تَفْرِيقَ التَّشْبِيهَاتِ كَمَا سَيَأْتِي بمشيئةِ اللهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْقَمَرِ.
وَ "كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ" الْمَقْصُودُ كَمِصْبَاحٍ فِي مِشْكَاةٍ. وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمِشْكَاةَ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ هُوَ مَجْمُوعُ الْهَيْئَةِ، فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ هُوَ مَجْمُوعُ الْمُرَكَّبِ الْمُبْتَدَئِ بِقَوْلِهِ: كَمِشْكاةٍ وَالْمُنْتَهِي بِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ فَلِذَلِكَ كَانَ دُخُولُ كَافِ الشَّبَهِ عَلَى كَلِمَةِ مِشْكَاةٍ دُونَ لَفْظِ مِصْباحٌ لَا يَقْتَضِي أَصَالَةَ لَفْظِ مِشْكَاةٍ فِي الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا دُونَ لَفْظِ مِصْباحٌ بَلْ مُوجِبُ هَذَا التَّرْتِيبِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ الذِّهْنِيِّ فِي تَصَوُّرِ هَذِه الْهَيْئَة المُتَخَيَّلَة حِينَ يَلْمَحَ النَّاظِرُ انْبِثَاقَ النُّورِ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى مَصْدَرِهِ فَيَرَى مِشْكَاةً ثُمَّ يَبْدُو لَهُ مِصْبَاحٌ فِي زُجَاجَةٍ.
وَ "الْمِشْكَاةُ" هيَ الفُرْجَةُ فِي الْجِدَارِ، تُشْبِهُ الْكُوَّةَ، لَكِنَّهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ كالكُوَّةِ فَإِنْ الكُوَّةَ نَافِذَةٌ بيْنما الْمِشْكَاةُ غيرُ نافِذَةٍ وإِنَّما جُعِلَتْ في الجِدارِ لِغَرَضِ وُضْعِ المِصْباحِ فيها فيضيئُ الغُرْفَةَ دونَ أَنْ ينتشِرَ نورُهُ خارجَ المَنْزِلِ.
فقد أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعَيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: المِشْكاةُ الكُوَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَن الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِي اللهُ تَعالى عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: في قولِهِ ـ تَعَالى: "مَثَلُ نُورِهِ"، قَالَ: مَثَلُ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْقَلْبِ، "كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: كَكُوَّةٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِم عَنْ أَبي مَالِكٍ قَالَ: الْمِشْكَاةُ الكُوَّةُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَنْفَذٌ، والمِصْبَاحُ السِّراجُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ قالَ: "مَثَلُ نُورِهِ" قَالَ: هُوَ أَعْظَمُ مَنْ أَنْ يَكونَ نُورُهُ مِثْلَ نُورِ الْمِشْكَاةِ، مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ كَمِشْكَاةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدَ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ـ تعالى: "كَمِشْكَاةٍ"، قَالَ: هِيَ مَوضِعُ الفَتيلَةِ مِنَ الْقِنْدِيلِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: كَكُوَّةٍ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّهُ قَالَ: "كَمِشْكَاةٍ" الكُوَّةُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنعانيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قالَ: "كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: الكُوَّةُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: "الْمِشْكاةُ" بِلِسَان الْحَبَشَة الكوَّةُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِم عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الْمِشْكَاةُ: الكُوَّةُ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيد بْنِ عِيَاضٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: كَكُوَّةٍ بِلِسَان الْحَبَشَةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَميدٍ، وَابْنُ جَريرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: الصُّفْرُ الَّذِي فِي جَوْفِ الْقنْدِيلِ
قولُهُ: {فِيهَا مِصْبَاح} المِصْباح: اسْمٌ لِلْإِنَاءِ الَّذِي يُوقَدُ فِيهِ بِالزَّيْتِ لِلْإِنَارَةِ، وَهُوَ السِّرَاجُ يَكُونُ فِي الزُّجَاجَة، وَالْمِصْبَاحُ: مِنْ صِيَغِ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ مِثْلُ الْمِفْتَاحِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ الصُّبْحِ، أَيِ ابْتِدَاءُ ضَوْءِ النَّهَارِ، فَالْمِصْبَاحُ آلَةُ الْإِصْبَاحِ، أَيِ: الْإِضَاءَةِ. وَإِذَا كَانَ الْمِشْكَاةُ اسْمًا لِلْقَصِيبَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِي جَوْفِ الْقِنْدِيلِ كَانَ الْمِصْبَاحُ مُرَادًا بِهِ الْفَتِيلَةُ الَّتِي تُوضَعُ فِي تِلْكَ الْقَصِيبَةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَميدٍ، وَابْنُ جَريرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "فِيهَا مِصْبَاح" قَالَ: السِّرَاجُ.
قولُهُ: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} إِعَادَةُ لِفَظِ الْمِصْباحُ دُونَ أَنْ يُقَالَ: فِيهَا مِصْبَاحٌ فِي زُجَاجَةٍ، كَمَا قَالَ: "كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ"، إنَّما هُوَ للإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ تَنْوِيهًا بِذِكْرِ الْمِصْبَاحِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَرْكَانِ هَذَا التَّمْثِيلِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَميدٍ، وَابْنُ جَريرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "فِي زجاجة" قَالَ: الْقنْدِيلُ. واِلْإِسْرَاجِ إنَّما يكونُ بِمَصَابِيحِ الزَّيْتِ، لِأَنَّ الزُّجَاجَ شَفَّافٌ، فَلَا يَحْجِبُ نُورَ السِّرَاجِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِم، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ وَصَححهُ، عَنْ أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قال: "اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ"، قَالَ: هُوَ الْمُؤمنُ الَّذِي جُعِلَ الإِيمانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ، فَضَرَبَ اللهُ مَثَلَهُ فَقَالَ: "اللهُ نورُ السَّمَوَات وَالْأَرْضِ" فَبَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ، ثمَّ ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ: مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ. فَكَانَ أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَؤُهَا: "مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ، فَهُوَ الْمُؤْمِنُ، جُعِلَ الإِيمانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ "كَمِشْكَاةٍ" قَالَ: فَصَدْرُ الْمُؤْمِنِ الْمِشْكَاةُ، "فِيهَا مِصْبَاح"، وَالمِصْبَاحُ: النُّورُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالإِيمانُ الَّذِي جُعِلَ فِي صَدْرِهِ "فِي زجاجَةٍ" وَالزُّجَاجَةُ: قَلْبُهُ.
وَالزُّجَاجُ: صِنْفٌ مِنْ عَجِينِ رَمْلٍ مَخْصُوصٍ يُوجَدُ فِي طَبَقَةِ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ رِمالِ الشَّواطئِ. وَاسْمُهُ فِي اصْطِلَاحِ الْكِيمْيَائيينَ (سِيلِكَا) يُخْلَطُ بما يُسَمَّى فِي الْكِيمْيَاءِ (صُودَا)، وَالعَرَبُ يُسَمُّونَهُ الْغَاسُولَ، وَهُوَ الَّذِي يُصَنَّعُ مِنْهُ الصَّابُونَ. وَيُضَافُ إِلَيْهِمَا جُزْءٌ مِنِ الْكِلْسِ (الْجِيرِ)، وَمِنَ (الْبُوتَاسِ)، أَوْ مِنْ (أُكْسِيدِ الرَّصَاصِ)، ويُصْهَرُ هَذَا المَزيجُ في أَفرانٍ عَالِيَةِ الحَرَارَةِ، حَتَّى يَتَمَيَّعَ وَتَخْتَلِطَ أَجْزَاؤُهُ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ العجينُ رَقِيقًا، ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ الْأَتُونِ قِطَعًا بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ الصَّانِعُ أَنْ يَصْنَعَ مِنْهُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ رَخْوٌ قَابِلٌ لِلتَّمَدُدِ وَلِلِانْتِفَاخِ، إِذَا نُفِخَ فِيهِ بِقَصَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ يَضَعُهَا الصَّانِعُ فِي فَمِهِ، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِقِطْعَةِ العَجِينِ الْمَصْهُورَةِ، فَيُنْفَخُ فِيهَا، فَإِذَا دَاخَلَهَا هَوَاءُ النَّفَسِ، تَمَدَّدَتْ وَتَشَكَّلَتْ بِالشَكْلِ الذي يَريدُهُ الصَّانِعُ، فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ وِيُشَكِّلُهُ كَمَا يَشاءُ، فَيَجْعَلُ مِنْهُ أَوَانِيَ مُخْتَلِفَةَ الأَشْكَالِ ـ كُؤُوس، قَوَارِير .. ، وَمِنْهَا ما هُوَ لِزَيْتِ الْمَصَابِيحِ، وأُخْرى لِضَوْئِهَا فتَفْضُلُ مَا عَدَاهَا بِأَنَّهَا لَا تَحْجِبُ ضَوْءَ السِّرَاجِ بل تَزِيدُهُ توهُجًا وإِشْعَاعًا.
وَقَدْ كَانَ الزُّجَاجُ مَعْرُوفًا عِنْدَ قُدَمَاءِ الفِنِيقِيِّينَ وَالْقِبْطِ نَحْوَ الْقَرْنِ الثَّلَاثِينَ قَبْلَ ميلادِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ عَرَفَهُ الْعَرَبُ، وَهُمْ الذيُنَ سَمُّوهُ الزُّجَاجَ وَالْقَوَارِيرَ. قَالَ بَشَّارٌ:
ارْفُقْ بِعَمْرٍو إِذَا حَرَّكْتَ نِسْبَتَهُ ............................ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنْ قَوَارِيرِ
وَقَدْ عَرَفَهُ الْعِبْرَانِيُّونَ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ ـ عليْهِ السَّلامُ، وَاتَّخَذَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ بَلَاطًا فِي سَاحَةِ صَرْحِهِ كَمَا وَرَدَ فِي قَوْله ـ تَعَالَى: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ} الآيةَ: 44، مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ. وَقَدْ عَرَفَهُ الْيُونَانُ قَدِيمًا وَمِنْ أَقْوَالِ الْحَكِيمِ (دِيُوجِينُوسَ الْيُونَانِيِّ): "تِيجَانُ الْمُلُوكِ كَالزُّجَاجِ يُسْرِعُ إِلَيْهَا الْعَطَبُ". وَسَمَّى الْعَرَبُ الزُّجَاجَ بِلَّوْرًا بِوَزْنِ سِنَّوْرٍ وَبِوَزْنِ تَنُّورٍ. وَاشْتُهِرَ بِصِنَاعَتِهِ أَهْلُ الشَّامِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي "الْكَشَّافِ": "فِي زُجاجَةٍ أَرَادَ قِنْدِيلًا مِنْ زُجَاجٍ شَامِيٍّ أَزْهَرَ". وَاشْتُهِرَ بِدِقَّةِ صُنْعِهِ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ الْمَسِيحِيِّ أَهْلُ الْبُنْدُقِيَّةِ وَلَوَّنُوهُ وَزَيَّنُوهُ بِالذَّهَبِ وَمَا زَالَتِ الْبُنْدُقِيَّةُ إِلَى الْآنَ مَصْدَرَ دَقَائِقِ صُنْعِ الزُّجَاجِ عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهِ وَأَلْوَانِهِ يَتَنَافَسُ فِيهِ أَهْلُ الْأَذْوَاقِ.
وَكَذَلِكَ بِلَادُ (بُوهِيمْيَا) مِنْ أَرْضِ (الْمَجَرِ) لِجَوْدَةِ التُّرَابِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُ فِي بِلَادِهِمْ. وَمِنْ أَصْلَحِ مَا انْتُفِعَ فِيهِ الزُّجَاجُ اتِّخَاذُ أَطْبَاقٍ مِنْهُ تُوضَعُ عَلَى الْكُوَى النَّافِذَةِ وَالشَّبَابِيكِ لِتَمْنَعَ الرِّيَاحَ وَبَرْدَ الشِّتَاءِ وَالْمَطَرَ عَنْ سُكَّانِ الْبُيُوتِ وَلَا يَحْجِبُ عَنْ سُكَّانِهَا الضَّوْءَ. وَكَانَ ابْتِكَارُ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَطْبَاقِ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مِنَ التَّارِيخِ الْمَسِيحِيِّ وَلَكِنْ تَأَخَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ لِعُسْرِ اسْتِعْمَالِهِ وَسُرْعَةِ تَصَدُّعِهِ فِي النَّقْلِ وَوَفْرَةِ ثَمَنِهِ، وَلِذَلِكَ اتُّخِذَ فِي النَّوَافِذِ أَوَّلَ الْأَمْرِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُصْنَعُ فِيهَا فَبَقِيَ زَمَانًا طَوِيلًا خَاصًّا بِمَنَازِلِ الْمُلُوكِ وَالْأَثْرِيَاءِ.
والمُرَجَّحُ أَنَّ الرَّمْلَ الزُّجاجيَّ قَدِ اكتُشِفَ أَوَّلِ الأَمْرِ في مَدينتي "أَرمناز" شماليَّ بلادِ الشَّامِ، التابعةِ لمحافظةِ حَلَبَ، ثمَّ إِدْلِبَ، حيثُ ذَكَرَ المُؤرخونَ أَنَّ "أرمنازَ" بُلَيْدةٌ قديمةٌ لها ذِكْرٌ في التَّاريخِ، تُشْتَهَرُ بصناعتي الخزفِ والزُّجاجِ، وَأَنَّ زُجاجها كانَ يُحملُ هدايا قيمةً إلى ملوكِ الهندِ والصِّنِ، ولا زالتْ هَذِهِ الصِّناعةُ رائجةً فيها إلى اليومِ، بلْ تكادُ تكونُ هذِهِ الصناعةُ حكرًا على الأَرْمَنَازيينَ في بلادِ الشامِ والعراقِ حتى اليومَ، ولذلكَ فقدْ ذَكَرتهُ في قَصيدتينِ مِنْ قصائدي الأرمنازيةِ مُفَاخِرًا بِهَذِهِ الصناعةِ العريقةِ التي تُعدَّ مِنْ أَقْدَمِ وَأَرْقَى ما عَرَفَهُ الإنسانُ منذُ فجرِ حضارتِهِ الأول، فقلتُ في الأولى:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 35 (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 35 (2)
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 5
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 20
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 35 (3)
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 6

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: