الموسوعةالقرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ قراءات ـ أحكام ـإعراب ـ تحليل لغة
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزء الثامن عشر ـ المجلد السادس والثلاثون
سورةُ النّور
(24)
الآيةَ: 34
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} يَقولُ اللهُ ـ تعالى جَدُّهُ: أَنَّهُ أَنْزَلْنَا القُرْآنَ آياتٍ ظَاهِرَاتٍ وَاضِحاتٍ مُبَيِّنَاتٌ لِمَا يحْتَاجُ إِلَيْهِ عبادُهُ مِنَ الأَحْكَامِ والشَّرائعِ، لِيَعْمَلَ بِهَا النَّاسُ. وَمِنْ جُمْلَتِها مَا جاءَ في هَذِهِ السُّورَةِ المُباركَةِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ.
قولُهُ: {وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} مَثَلًا: أَيْ خَبَرًا مِنْ أَخْبارِ الأُمَمِ السَّابقةِ، والعُصُورِ الخالِيَةِ لِيَعْتَبِرَ النَّاسُ بِهَا.
وَقالَ مُقاتلٌ: وَ "مَثَلًا" أَيْ شَبَهًا مِنْ حَالِهِمْ بِحَالِكُمْ فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، يَعْنِي بَيَّنَّا لَكُمْ مَا أَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ لِتَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللَّهِ ـ تَعَالَى، فَجَعَلْنَا ذَلِكَ مَثَلًا لَكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِذَا شَارَكْتُمُوهُمْ فِي الْمَعْصِيَةِ كُنْتُمْ مِثْلَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ.
وَقالَ الضَّحَّاكُ: يُرِيدُ بِالْمَثَلِ مَا ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، فَأَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهُ. وهَهُنا آخِرُ الكَلَامِ فِي الأَحْكَامِ. وَفي هَذَا تَخْوِيفٌ لَهُمْ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ مَا لَحِقَ بالْمُكَذِّبِينَ مَنْ قَبْلَهُمْ.
قولُهُ: {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} مَوْعِظَةً: أَيْ: زَاجِرًا عَنِ ارْتِكَابِ الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِم، لِمَا فِي قَصَصِ تِلْكَ الأُمَمِ الغَابِرَةِ وَأَخْبَارِها المُتواترةِ مِنْ عِظَةٍ وعبرَةً لِمَنِ اتَّقَى اللهَ ـ تَعَالَى، وَخَافَ عَذابَهُ.
فَالْمُرَادُ هُنا الْوَعِيدُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ فِعْلِ الْمَعَاصِي وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ مَوْعِظَةٌ لِلْكُلِّ، لَكِنَّهُ ـ تَعَالَى، خَصَّ "الْمُتَّقِينَ" بِالذِّكْرِ لِأَنَّ لما لمَقَامَ التَّقْوَى مِنْ رِفعَةٍ وَشَرَفٍ عِنْدَهُ ـ سُبْحانَهُ، قَالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ النَّحْلِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} الآيةَ: 128، وَقَالَ مِنْ سورةِ الحُجُراتِ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}، الآيةَ: 13. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّهُ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَإِنَّمَا الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ، وَلَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ، وَاقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ بِالثِّيَابِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ نَزَلَ وَحْدَهُ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ، وَجَلَدَ عَبْدَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ يَبْغُضُ النَّاسَ، أَوْ يَبْغُضُونَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَمْ يُقِلْ عَثْرَةً، وَلَمْ يَقْبَلْ مَعْذِرَةً، وَلَمْ يَغْفِرْ ذَنْبًا، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ، إنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تُكَافِئُوا ظَالِمًا بِظُلْمٍ، فَيَبْطُلُ فَضْلُكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، يَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْأَمْرُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَأَمْرٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكِلُوهُ إلَى عَالِمِهِ)). أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: (675)، وابْنُ ماجَهْ: (959)، والحارثُ في "مُسْنَدِهِ": (بُغْيَةُ الباحِثِ: 1070)، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "زَوائِدِ الزُّهْدِ" (ص: 359 ـ 360)، وَالطَّبَرِيُّ في "تَهْذيبِ الآثارِ" (مُسْنَدُ عُمَرَ: 2/538)، والعُقَيْلِيُّ: (4/340 ـ 341)، وابْنُ حِبَّانَ في "المَجْروحين": (3/88 ـ 89)، وَالطَّبَرانيُّ في "الكَبير": (10781)، وَابْنُ عَدِيٍّ: (7/2564)، وَالحاكِمُ: (4/270)، وَأَبُو القاسِمِ الأَصْبَهَانيُّ في "التَّرْغِيبِ": (659 و 660 و 2107) وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الباقي الأَنْصَارِيُ في "المَشْيَخَةُ الكُبْرَى": (173)، وَالقَاسِمُ بْنُ الفَضْلِ الثَّقَفِيُّ في "الأَرْبَعِين": (ص: 203 ـ 204)، والذَّهَبِيُّ في "مُعْجَمُ الشُّيُوخِ": (1/36 و 2/163)، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ".
وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَة الباهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا اِسْتَفَادَ الْمَرْءُ بَعْد تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَة، إِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ)). حَسَنٌ لِغَيْرِهِ، أخرجَهُ ابْنُ مَاجَةَ في سُنَنِهِ بِرَقَم: (1857)، وَالبَيْهَقِيُّ في سُنَنِه: (1857)، والتَّرْغِيبُ والتَّرْهيبُ: (3/41) وَالطَّبَرِيُّ: (8/264).
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: التَّقْوَى تَرْكُ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَتَرْكُ الِاغْتِرَارِ بِالطَّاعَةِ.
وَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَأَلَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ التَّقْوَى فَقَالَ لَهُ: أَمَا سَلَكْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: شَمَّرْتُ وَاجْتَهَدْتُ، قَالَ: فَذَلِكَ التَّقْوَى. وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ فَقَالَ:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ...................................... وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْض ................................ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ........................................ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
وَأَنْشَدَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، يَوْمًا:
يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُؤْتَى مُنَاهُ ................................ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا مَا أَرَادَا
يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَمَالِي ........................ وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا
وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: التَّقْوَى أَن لَّا تَخْتَارَ عَلى اللَّهِ سِوَى اللَّهِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ.
وَقَالَ الواقدِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ تَعَالى: التَّقْوَى أَنْ تُزَيِّنَ سِرَّكَ لِلْحَقِّ كَمَا زَيَّنْتَ ظَاهِرَكَ لِلْخَلْقِ، وَيُقَالُ: التَّقْوَى أَنْ لَا يَرَاكَ مَوْلَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ، وَيُقَالُ: الْمُتَّقِي مَنْ سَلَكَ سَبِيلَ الْمُصْطَفَى، وَنَبَذَ الدُّنْيَا وَرَاءَ الْقَفَا، وَكَلَّفَ نَفْسَهُ الْإِخْلَاصَ وَالْوَفَا، وَاجْتَنَبَ الْحَرَامَ وَالْجَفَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَّقِي فَضِيلَةٌ إِلَّا مَا فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} كَفَاهُ، لِأَنَّهُ ـ تَعَالَى، بَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى لِلنَّاسِ فِي قَوْلِهِ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ} الآيةَ: 185، مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، ثمَّ قَالَ هَاهُنا فِي الْقُرْآنِ: إِنَّهُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّقِينَ هُمْ كُلُّ النَّاسِ، فَمَنْ لَا يَكُونُ مُتَّقِيًا كَأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: التَّقْوَى أَنْ لَا يَجِدَ الْخَلْقُ فِي لِسَانِكَ عَيْبًا. وَلَا الْمَلَائِكَةُ فِي أَفْعَالِكَ عَيْبًا وَلَا مَلِكُ العَرْشِ في سِرَّكَ عَيْبًا.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ومَثَلًا مِنَ الَّذينَ} الواوُ: للاسْتِئْنافِ. وَاللامُ: مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ. و "قَدْ" حَرْفٌ للتَّحْقيقِ. وَ "أَنْزَلْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نا" المُعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهُ وتعالى، و "نا" التعظيمِ هذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "إِلَيْكُمْ" إِلَى: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَنْزَلْنَا"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ: علامَةُ جمعِ المُذَكَّرِ. و "آيَاتٍ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وعَلامةُ النَّصْبِ الكَسْرُ عِوَضًا عَنِ الفَتْحِ لأنَّهُ جمعُ المُؤنَّث السَّالمُ. و "مُبَيِّنَاتٍ" صَفَةٌ لآياتٍ مَنْصُوبَةٌ مِثْلُهَا. وَ "مَثَلًا" مَعْطوفٌ عَلى "آياتٍ"، مَنْصًوبٌ مثلُها. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "مَثَلًا"، و " الَّذِينَ" اسْمٌ مَوْصولٌ مبنيٌّ على الفتْحِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ جَوابُ القَسَمِ ليسَ لها محلَّ مِنَ الإِعْرَابِ.
وُجُملَةُ القَسَمِ مُسْتَأْنَفَةٌ، مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ حَقيقَةِ الآياتِ المُنَزَّلَةِ، فَلَيْسَ لَهَا مَحلَّ منَ الإِعْرَابِ أَيْضًا.
قولُهُ: {خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} خَلَوْا: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، والضَّمُّ مُقَدَّرٌ عَلى الأَلِفِ المَحْذوفَةِ لِالْتِقاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَواوُ الجَمَاعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفريقِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "خَلَوْا"، أَوْ بِحالٍ مِنْ فاعِلِهِ، و "قَبْلِكُمْ" مجرورٌ بحرفِ الجَرَّ، مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرَّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ: علامةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ. والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "الذينَ" ليسَ لها مَحَلَّ مِنَ الإِعرابِ.
قولُهُ: {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} الوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "مَوْعِظَةً" مَعطْوفٌ عَلَى "آيَاتٍ" منصوبٌ مِثْلُها. و "لِلْمُتَّقِينَ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "مَوْعِظَةً"، و "المُتَّقِينَ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ.
قرأَ العامَّةُ: {مُبَيَّنَاتٍ}، على معنى: واضِحاتٍ، لا غُمُوضَ فيها ولا لَبْثَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍـ وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: "مُبَيِّنَاتٍ" بِكَسْرِ الْيَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تُبَيِّنُ لِلنَّاسِ كَمَا قَالَ في الآيةِ: 195، مِنْ سُورةِ الشُّعَرَاءِ: {بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، أَوْ تَكُونُ مِنْ "بَيَّنَ" بِمَعْنَى "تَبَيَّنَ"، وَمِنْهُ الْمَثَلُ القائلُ: "قَدْ بَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ".