يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(21)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، جاءَ عَقِبَ الْآيَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي تَحدَّثَتْ فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ التي اتَّهَمَ بها المُنافقونَ السَّيِّدةَ عائشةَ أمِّ المُؤمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْها، يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ تِلْكَ الْآيَاتُ مِنَ الْمَنَاهِي، وَظُنُونِ السُّوءِ، وَمَحَبَّةِ أَنْ تَشيعَ الْفَاحِشَةُ بينَ المُؤمنينَ كُلُّ هَذا مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ، فَالخطابُ هُنَا لِلمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا خَاطَبَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، المُؤمنينَ مِنْ عبادِهِ، فَإِنَّما لِيَكَلِّفَهُمْ بأَمْرٍ فِيهِ صَالِحُهُمْ في الدُّنيا وَالآخِرةِ.
قولُهُ: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} خُطُوات ـ بِضَمِّ الخاءِ وَالطّاءِ: جَمْعُ خُطْوَةٍ، وهي المَسافَةُ مَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ أَثناءَ المَشْيِ، والمُرادُ بها هُنا: أحابِيلُ الشّيطانِ وَحِيَلُهُ التي يوقعُ بها المُؤمنينَ لِيَصْرِفَهُمْ عَنْ طاعَةِ رَبِّهمْ وَكُلِّ مَا فِيهِ فَلاحُهُمْ في الدنيا والآخِرةِ.
والخِطَابٌ مِنَ الحَقِّ ـ جَلَّ جلالُهُ، لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ يَأْمُرُهمْ فيهِ أَلَّا يَتَّبعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَسَالِكَهِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ فِعْلِ المُنْكَراتِ وارْتِكابِ الفَواحِشِ وإِشَاعَتِهَا بينَ النَّاسِ.
فَمَنْ اتَّبَعَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ جَرَّهُ إِلى ارْتِكَابِ هَذِهِ المُوبقَاتِ. وَلَوْلاَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَرْزقُ مَنْ يَشَاءُ التَّوْبَةَ، والرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَيُزَكِّي بِهَا النُّفُوسَ وَيُطَهِّرُهَا مِنْ شِرْكِهَا وَفُجُورِهَا وَدَنسِها، لَمَ تَطَهَّر مِنْكُم أَحَدٌ مِنْ ذَنْبِهِ، وَلَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ النَّكَالَ والوَبَالَ، وَلَعَاجَلَكُم بالعُقُوبَةِ، وَلَكِنَّ الله تَعَالَى يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ، واللهُ سَمِيعٌ لأَقْوَالِ العِبَادِ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُم الهِدَايَةَ فَيَهْدِيِهِ.
قولُهُ: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} خُطُوَاتُ الشَّيْطَانِ: طُرُقهُ وَمَذَاهِبُهُ وَآثَارُهُ وَوَساوِسَهُ. وإِنَّمَا يَأْمُرُ الشَّيْطَانُ أَتباعَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ بِفِعْلِ الفَاحِشَةِ وإِشَاعَتِهَا بينَ الناسِ وارْتِكَابِ المُنْكَرَاتِ، فَمَنْ اتَّبَعَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ جَرَّهُ إِلى ارْتِكَابِ هَذِهِ المُوبقَاتِ.
وَتشْمَلُ كَلِمَةُ: "الْفَحْشَاء" كُلُّ فِعْلٍ قبيحٍ أَوْ قَوْلٍ قَبِيحٍ، وإنْ شَاعَ إِطْلاقُهَا عَلَى الزِّنا خَاصَّةً. كَمَا تَشْمَلُ كَلِمَةُ "الْمُنْكَر": كُلَّ مَا تُنْكِرُهُ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّةُ الغرَّاءُ، وَيُنْكِرُهُ أَهْلُ الْخَيْر والتُّقى والصَّلاحِ.
قولُهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أَيْ: وَلَوْلَا أَنْ تَفَضَّلَ اللهُ عَلَيْكُمْ بِأَنْ هَدَاكُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الذُّنوبِ والآثامِ، وَرَحِمَكُمْ بِأَنْ تابَ عليكُمْ وَغَفَرَ للتَّائبينَ مَنْكُمْ، وعَفَا عَنْكُمْ.
قولُهُ: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} أَيْ: مَا كانَ أَحَدٌ مِنَكُمْ أَيُّها النَّاسُ طاهِرًا زَاكِيًا، لِأَنَّ فِتْنَةَ الشَّيْطَانِ قويَّةٌ وَكَيْدَهُ عَظِيمٌ، لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ مِنَكُمْ، قَالَ ـ تَعَالَى، حِكَايَةً عَنِ الشَّيْطَانِ، لمَّا طَرَدَهُ اللهُ مِنْ مَلَأِ السَّمَاءِ: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} الآيتانِ: (82 و 83) مِنْ سُورةِ: (ص).
وَ "زَكَى" بِتَخْفِيفِ الْكَافِ ـ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ. وَقَدْ كُتِبَ زَكى فِي الْمُصْحَفِ بِأَلْفٍ مَقْصُورَةٍ. وَكَانَ شَأْنُهُ أَنْ يُكْتَبَ بِالْأَلِفِ الْمَمْدُودَةِ لِأَنَّها غَيْرُ مُمَالَةٍ وَلَا أَصْلُهُا يَاءٌ فَإِنَّهُا مِنْ أَصْلٍ وَاوِيِّ اللَّامِ. وَرَسْمُ الْمُصْحَفِ قَدْ لَا يَجْرِي عَلَى الْقِيَاسِ. وَلَا تُعَدُّ قِرَاءَتُهُ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ مُخَالِفَةً لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ الْمُخَالِفَةَ الْمُضْعِفَةَ لِلْقِرَاءَةِ هِيَ الْمُخَالَفَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى اخْتِلَافِ النُّطْقِ بِحُرُوفِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَّا مِثْلُ هَذَا فَمِمَّا يَرْجِعُ إِلَى الْأَدَاءِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّابتَةُ هِيَ الَّتِي تَعْصِمُ مِنَ الْخَطَأِ فِيهِ.
قولُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} وَلَكِنَّ الله تَعَالَى يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ، فإِنَّهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، يَرْزقُ مَنْ يَشَاءُ التَّوْبَةَ إلى اللهِ، والرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَيُزَكِّي النُّفُوسَ وَيُطَهِّرُهَا مِنْ كُفرها وَشِرْكِهَا، وَدَنَّسِهَا وَرِجْسِها، وَفِسْقِها وَفُجُورِهَا بهَذِهِ التَّوبةِ، ولولا ذَلِكَ لَمَا تَطَهَّر مِنْكُم أَحَدٌ مِنْ ذَنْبِهِ، وَلَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ العُقُوبَةُ وَالنَّكَالَ وَالوَبَالَ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ، عَاجَلًا وَآجِلًا.
قولُهُ: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} واللهُ ـ تعال، سَمِيعٌ لأَقْوَالِ عِبَادِهِ جميعِهِم، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الهِدَايَةَ مِنْهُم، فَيَهْدِيِهِ، ويُعاقِبُ المُصِرَّ على ذَنْبِهِ مِنْهُمْ، المُغضِبِ لِباريهِ.
قولُهُ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} يَا: حَرْفُ نِدَاءٍ لمُتَوَسِّطِ البُعْدِ. و "أيُّ" مُنَادَى نَكِرَةٌ مَقْصُودَةٌ، مبنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ النَّصْبِ على النِّداءِ. وَ "هَا" حَرٌفُ تَنْبيهٍ زائِد تَعْويضًا عَّما فَاتَهُ مِنَ الإِضَافَة. وَ "الَّذِينَ" اسْمٌ مَوْصولٌ مَبْنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ النَّصْبِ أَوِ الرَّفْعِ صِفَةً لِـ "أَيُّ" أوْ بَدَلًا مِنْها. وَجُمْلَةُ النِّداءِ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {آمَنُوا} فِعْلٌ ماضٍ مبنيٍّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ فارقةٌ. والجملةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوصولِ "الذينَ" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} لَا: هيَ النَاهِيَةٌ الجَازِمَةٌ. و
"تَتَّبِعُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجْزومٌ بها، وعَلَامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ فارقةٌ. وَ "خُطُوَاتِ" مفعولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الكَسْرَةُ نِيَابَةً عَنِ الفَتْحَةِ لأَنَّهُ جمعُ المُؤَنَّثِ السَّالِمُ، وهوَ مُضافٌ. وَ "الشَّيْطَان" مَجرورٌ بالإضَافَةِ إِلَيْهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ جَوَابُ النِّداءِ، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ. و "مَنْ" اسْمُ شَرْطٍ جازِمٍ، مَبْنيٌّ على السُّكون في مَحَلِّ الرَّفْعَ بالابْتِداءِ، وَالخَبَرُ جُمْلَةُ الشَّرْطِ أَوِ الجَوَابِ أَوْ هُمَا معًا. و "يَتَّبِعْ" فِعُلٌ مُضَارِعٌ مَجْزومٌ بِـ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ، فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا. وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى "مَنْ". وَ "خُطُوَاتِ" مفعولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الكَسْرَةُ نِيَابَةً عَنِ الفَتْحَةِ لأَنَّهُ جمعُ المُؤَنَّثِ السَّالِمُ، وهوَ مُضافٌ. وَ "الشَّيْطَان" مَجرورٌ بالإضَافَةِ إِلَيْهِ. وَجُمْلَةُ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلِّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَإِنَّهُ} الفاءُ: رَابَطَةٌ لِجَوَابِ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ. و "إِنَّ" حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتَّوكيدِ، والهاءُ: ضميرُ الشَّأْنِ. أَوْ أنها ضميرُ الشَّيْطانِ. وهَذَانِ الوَجْهَانِ عَلَى رَأْيِ مَنْ لا يَشْتَرِطُ عَوْدَ ضَمِيرٍ عَلَى اسْمِ الشَّرْطِ مِنْ جُمْلَةِ الجَزَاءِ. ويجوزُ أَنْ يَعُودَ عَلى "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ. وهو مُتَّصِلٌّ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُ "إِنَّ" وخَبَرُها جُمْلَةُ "يأْمُرُ". وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنَ اسْمِها وخبرِها في مَحَل الجَزْمِ بِـ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِها جَوَابًا لَهَا.
قولُهُ: {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} يَأْمُرُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "الشَّيْطَانِ". و "بِالْفَحْشَاءِ" الناءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَأْمُرُ"، و "الْفَحْشَاءِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "وَالْمُنْكَرِ" الواوُ: للعَطْفِ، و "الْمُنْكَرِ" مَعْطُوفٌ عَلَى "الفَحْشَاءِ" مجرورٌ مِثْلُهُ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفُعِ خَبَرُ "إِنَّ".
قولُهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ. و "لَوْلَا" حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ. و "فَضْلُ" مرفوعٌ بالابْتِداءِ، مُضافٌ. ولفظُ الجَلالةِ "اللَّهِ" مَجْرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "عَلَيْكُمْ" عَلَى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ المُبْتَدَأِ المَحْذوفِ وُجُوبًا، تَقْديرُهُ: مَوْجودانِ، وكافُ الخِطابِ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ: علامَةُ الجمعِ المُذَكَّرِ. و "وَرَحْمَتُهُ" الواوُ: للعَطْفِ، و "رَحْمَةُ" مَعْطوفٌ عَلَ "فضْلُ" مَرْفوعٌ مِثْلُهُ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وَجُمْلَةُ "لَوْلَا" الإِسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} مَا: هي النَافِيَةٌ وليسَ لها عَمَلٌ. وَ "زَكَى" فِعْلٌ مَاضٍ، مَبْنَيٌّ عَلى الفتْحِ المُقدَّرِ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ عَلَى الأَلِفِ. وَ "مِنْكُمْ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعلّقٌ بِحالٍ مِنْ "أَحَدٍ"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ: علامَةُ الجمعِ المُذَكَّرِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ زَائِدٍ. و "أَحَدٍ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ الزائدِ لفظًا، مَرْفوعٌ مَحَلًّا عَلَ الفاعِلِيَّةِ. و "أَبَدًا" منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ الزَّمانيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "زَكَى". وَالجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ جَوَابُ "لَوْلَا" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ} الواوُ: للعَطْفِ. و "لَكِنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للاسْتِدْراكِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهَ" اسْمُهُ منصوبٌ بِهِ، وخَبَرُها جملةُ "يُزكي". وجُمْلَةُ "لَكِنَّ" مِنِ اسْمِها وخبرِها مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "لَوْلَا" على كونِها مُسْتَأْنَفةً لا مَحلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {يُزَكِّي مَنْ} يُزَكِّي: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِثِقَلِ ظُهورِها عَلَى الياءِ، وَفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ إِلَى اللهِ ـ تَعَالى. وَ "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المفعولِيَّةِ. وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ على كونِها خَبَرًا لِـ "لَكِنَّ".
قولُهُ: {يَشَاءُ} فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ إلى اللهِ ـ تعالى، والجملةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "مَنْ" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الوَاوُ: حاليَّةٌ، ولَفْظُ الجَلالةِ "اللَّهُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ. وَ "سَمِيعٌ" خَبَرٌ أَوَّلُ لَهُ مَرْفوعٌ. و "عَلِيمٌ" خَبَرٌ ثانٍ لَهُ مرفوعٌ. وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحالِ مِنْ فاعِلِ "يُزَكِّي".
قَرَأَ العامَّةُ: {خُطُواتِ} بِضمِّ الخاءِ والطاءِ، لِأَنَّ تَحْرِيكَ الْعَيْنِ السَّاكِنَةِ أَوْ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ فَاءِ الِاسْمِ الْمَضْمُومَةِ أَوِ الْمَكْسُورَةِ جَائِزٌ وَكَثِيرُ الاسْتِعمالِ.
وَقرأَ نَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَالْبَزِّيُّ عَنْ ابْنِ كَثِيرٍ "خُطْواتِ" بِضمِّ الخاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ كَمَا هِيَ فِي الْمُفْرَدِ بإضافةِ أَلِفٍ وتاءٍ كما هُوَ الحالُ في جَمْعِ المُؤَنَّثِ السَّالمِ. وَقُرِئَ أَيْضًا "خَطَوَاتِ" بِالفَتْحِ.
قرأَ العامَّةُ: {مَا زَكَا} بِتَخْفِيفِ الكَافِ مِنْ: زَكَا يَزْكُو. وَفِي أَلِفِهِ الإِمالَةُ وَعَدَمُها. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَأَبُو جَعْفَرَ بِتَشْديدِ الكافِ. وكُتِبَتْ أَلِفُهُ يَاءً، وَهُوَ شَاذٌّ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الوَاوِ كَ "غزا". وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلى لُغَةِ مَنْ أَمَالَ، أَوْ عَلَى كِتَابَةِ المُشَدَّدِ. فَعَلَى قِراءَةِ التَّخْفيفِ يَكونُ "مِنْ أَحَدِ" فاعِلًا بِهِ. وَعَلى قِراءَةِ التَّشْديدِ يَكونُ مَفْعُولًا. وَ "مِنْ" مَزيدَةٌ عَلَى كِلَا التَّقْديرَيْنِ. والفاعِلُ هُوَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى.