الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 114
قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} أَيْ: يَقُولُ اللهُ ـ تَعَالَى، لِأَهْلِ النَّارِ مِنَ المُشْرِكِينَ مُصَدِّقًا قولَهُمْ في الآيةِ الَّتي قبلَها بِقِصَرِ مُدَّةِ حَيَاتِهِم في الدُّنْيَا، ومُؤَكَّدًا لَهُ: مَا لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الوَقْتِ. وذلكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَغَاثُوا بِهِ وسَأَلوهُ الخروجَ مِنْ نارِ جهنَّمَ وَزَجْرِهِ لهم وإِسْكاتِهم، أَوْ أَنَّ القائلَ هُوَ المَلَاكُ المُكَلَّفُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ الأرجحَ عِنْدَنا أَنَّ القائلَ هُوَ الهُِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَمْا أَوْضَحْنا هُنَاكَ.
قولُهُ: {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ: لَوْ أَنَّكمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ حقًّا لَعَلِمْتُمْ مِقدارَ قِصَرِ أَيَّامِ الحياةِ الدُّنْيَا، ودُنُوَّ آجالِهَا ومحدوديَّةِ الأَعْمَارِ فِيهَا، يومَ كُنْتُمْ تعيشونَها، كَمَا عَلِمْتُمْ ذلكَ اليَوْمَ، وَلَعَمْلْتُمْ بِمُوجَبِ ذَلِكَ، ولَمْ تَعْملُوا مَا أَوْجَبَ دُخولَكمُ النَّارَ وَخُلودَكُمْ فِيها، فقدْ أَرسَلْنَا لكمْ أَنْبِيَاءَ، أَخْبَرُوكمْ بِذَلِكَ، وَدَعَوْكُمْ إلى الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ المُؤدِّي إلى الجَّنَّةِ والخلودِ في نعيمِها، ونَهَوْكم عَنِ الشِّركِ والعَمَلِ المُؤدِّي بكم إلى دُخولِ نَارِ جَهَنَّمَ مُخَلَّدينَ في عذابِها، وَحَذَّروكُمْ مِنْ ذلكَ، ولكنَّكمْ، أَغلقتم آذانَكمْ، واتخَذْتموهم سُخْرِيَةً وهُزْءًا.
قولُهُ تَعَالَى: {قَالَ} فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى، وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} إِنْ: نَافِيَةٌ بمعنى "ما". و "لَبِثْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفعٍ مُتَحَرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والميم: علامةُ الجَمعِ المُذكَّرِ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَغٍ. و "قَلِيلًا" صِفَةٌ لِظَرْفٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مَصْدَرٍ مَحْذُوفْ؛ أَيْ: زَمَنًا قَلَيلًا، أَوْ لُبْثًا قَلَيلًا. وَ الجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالَ".
قولُهُ: {لَوْ أَنَّكُمْ} لَوْ: حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ شَرْطِيٌّ غَيْرُ جَازِمٍ، و "أَنَّكُمْ" إنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتوكيدِ، وَكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصِبِ اسْمُ "إِنَّ"، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. وخبرُ "إِنَّ" جملةُ "كُنْتُمْ" بعدَها، والجملةُ مِنْ "إِنَّ" واسْمِها وَخَبَرِهَا في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَرْفُوعٍ عَلَى الفَاعِلِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذوفٍ، هُوَ فِعْلُ شَرْطِ "لو"، وَجَوَابُـ "لَوْ" الشَّرْطِيَّةِ مَحْذوفٌ، وَالتَّقْديرُ: لَوْ ثَبَتَ عِلْمُكُمْ مِقْدَارَ لبْثِكُمْ فِي الطُّولِ، لَمَا أَجَبْتُمْ بِهَذِهِ المُدَّةِ القَلِيلَةِ، أَعْنِي لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. وَجُمْلَةُ "لَوْ" مَعَ شَرطِها وجوابِها في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالَ".
قوْلُهُ: {كُنْتُمْ} فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، مَبنيٌّ عَلَى السُّكونِ لِاتِّصَالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ تَاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ هَذِهِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ اسمُ "كانَ"، وَالميمُ: عَلَامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. وَخَبَرُ "كانَ" جُمْلَةُ "تَعْلَمُونَ" وَجُمْلَةُ "كَانَ" هَذِهِ مَعَ اسْمِها وخبرِها فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ".
قولُهُ: {تَعْلَمُونَ} فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ على كونِهِ فَاعِلًا بِهِ، وَمَفْعُولُ العِلْمِ مَحْذوفٌ، والتَّقْديرُ: مِقْدَارَ "لُبْثِكُمْ"، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى كَوْنِها خَبَرًا لِـ "كانَ".