الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 113
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} نَسُوا مُدَّةَ حياتِهِمُ الدُّنيا لِعِظَمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ الشديدِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَنْسَاهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ العَذَابِ. قالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ الهُا عنهُما. ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في تفسيرِهِ "الكَشَّاف": (3/45)، وَالرَّازِيُّ في تفسيرهِ "الكبير": (23/126)، وَالقُرْطُبِيُّ في تفسيرِهِ "الجامعُ لأحكامِ القرآنِ: (12/155)، وَأَبُو حَيَّانَ الأنْدَلُسيُّ في تَفْسيرِهِ "البحرُ المُحيطُ": (6/424). وَقالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُليمانَ في تَفْسيرِهِ: (2/33 ب): اسْتَقَلُّوا ذَلِكَ، يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.
قولُهُ: {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} لقد جَاءُوا فِي جَوابهِمْ هَذَا بِمَا كَانَ مِنْ عادَتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ الدُّنْيَا، فَقَدْ كانُوا لَا يَضْبِطونَ حِسَابِ السِّنِينَ، إِذْ كَانَ عِلْمُ مُوَافَقَةِ السِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ لِلسِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ مِنِ اختصاصِ بَني كِنَانَةَ وحْدَهُمْ فهُمُ الَّذِينَ كانَ بِيَدِهِمُ النَّسِيءُ، وَلذلكَ كانُوا يُلَقَّبُونَ بِالنَّسَأَةِ، قَالَ الشَّاعِرُ الْكِنَانِيُّ:
وَنَحْنُ النَّاسِئُونَ عَلَى مَعَدٍّ ................. شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا
وَقَدْ جَعَلَ بعضُ الْمُفَسِّرينَ الْمُرَادَ مِنَ "الْعَادِّينَ" الْمَلَائِكَةَ، وَبعضُهُمْ جَعَلُوا النَّاسَ الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ حِسَابَ مُدَّةِ الْمُكْثِ هُمُ المُراد.
فقَدْ أَخرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنعانيِّ في تَفْسيرِهِ: (4/465)، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ الطَّبَرِيُّ في تفسيرِهِ: (18/63)، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ في تفسيرِهِ: (7/3 أ)، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ الهُُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "فَاسْأَلِ العَادِّينَ" قَالَ: الْحُسَّابَ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا السٌّيٌوطِيُّ فِي "الدُّرُّ المَنْثُور": (6/122)، وَنَسَبَهُ أَيْضًا لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وابْنِ المُنْذِرِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ،
وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ الهُم عنهُ، أَنَّهُ قالَ في قولِهِ ـ تَعَالَى: "فَاسْأَلِ العَادِّينَ" قَالَ: الْمَلَائِكَةَ.
قولُهُ تَعَالى: {قَالُوا} فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والألِفُ: للتَّفريقِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لَبِثْنَا: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ متحَرِّكٍ هُوَ "نَا" الدالَّةُ على جماعَةِ المُتكلِّمينَ، و "نَا" هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، و "يَوْمًا" منصوبٌ على الظَّرْفيَّةِ الزَّمانيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "لَبِثْنَا". و "أَوْ" حرفُ عَطْفٍ للتَّنْويعِ، و "بَعْضَ" مَعْطُوفٌ عَلَى "يَوْمًا" منصوبٌ مِثْلُهُ، وهُوَ مُضافٌ. و "يَوْمٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَالْجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالُوا".
قوْلُهُ: {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} الفاءُ: هِيَ الفَصِيحَةُ؛ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ بـ: إِذَا عَرَفْتَ جَوَابَنَا وَشَكَّنَا وَجَهْلَنَا، وَأَرَدْتَ بَيَانَ الحَقِيقَةِ لَنَا فَنَقُولُ لَكَ: اِسْأَلِ الْعَادِّينَ. و "اسْأَلِ" فِعْلُ طلَبٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وقدْ حُرِّكَ بالكَسْرِ لالتِقاءِ السَّاكنيْنِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى. و "الْعَادِّينَ" مَفُعُولٌ بِهِ أَوَّلُ لِـ "اِسْأَلِ"، مَنْصُوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأَنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، وَالمَفعولُ الثَّاني مَحْذوفٌ، والتَّقديرُ: فَاسْأَلَ العَادِّينَ عَدَدَهَا، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولٌ لِجَوَابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ "إذا" المُقَدَّرَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَرأَ الجُمْهورُ: {العآدِّينَ} بتشديدِ الدَّالِ، وهيَ جَمْعُ "عادٍّ" مِنَ العَدَدِ. وَقَرَأَ الحَسَنُ والكِسَائِيُّ ـ فِي رِوَايَةٍ عنْهُ، "العادِينَ" بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، جَمْعَ "عادٍ" اسْمُ فاعِلٍ مِنْ "عَدَا"، "يَعْدوا"، مِنَ التجاوُزِ وتعدِّي الحدودِ، كَ "عَدَا فُلانٌ عَلى فُلانٍ، إِذَا ظَلَمَهُ وَتَجَاوَزَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ العُكْبُريُّ: وَقُرِئَ بِالْتَخفيفِ عَلَى مَعْنَى العَادِيْنَ: المُتَقَدِّمِينَ كَقَوْلِكَ: وَهَذِهِ بِئْرٌ عَادِيَةٌ، أَيْ: سَلْ مَنْ تَقَدَّمَنَا. وَحَذَفَ إِحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ، كَمَا قالُوا: "الأَشْعَرُونَ"، وَحَذَفَ الأُخْرَى لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قالَ السَّمينُ الحَلَبي: المَحْذوفُ أَوَّلًا مِنَ اليَاءِ الثانيَةِ لِأَنَّها المُتَحَرِكَّةُ، وَبِحَذْفِها يَلْتَقِي سَاكِنَانِ. وَيُؤْيِّدُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو البَقَاءِ، مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: وَقُرِئَ "العَادِيِّينَ" أَيْ: القُدَمَاءَ المُعَمَّرينَ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَقْصِرُونَهَا، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُمْ؟.
وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: وَلُغَةٌ أُخْرَى "العاديِّين" يَعْنِي بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، جَمْعُ عَادِيَّةِ، بِمَعْنَى القُدَمَاءِ.