الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 39
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} تقدَّمَ أَنَّ رَسُولَ هَذِهِ الأُمَّةِ التي تَحَدَّثتْ عَنْهَا الآياتُ السَّابِقَةُ، بَذَلَ كُلَّ جُهْدٍ مُمْكِنٍ لإقناعِهِم، وأَتى بكلِّ دليلٍ وحُجَّةٍ وبرهانٍ، وسلَكَ كُلِّ مَسْلَكٍ ليُدْخِلَ نورَ الإيمانِ إلى قلوبِهِمْ، ولكِنْ دونَ جدوى، فقد أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِم، واسْتَمَرُّوا في عِنَادِهِم وأَذاهم لَهُ ولِمَنْ آمَنَ مَعَهُ، فلمَّا يَئِسَ مِنْهُمْ، وتبيَّنَ لهُ أَنَّهُ ما مِنْ سبيلٍ إِلى هِدايتِهم، وخافَ على نفسِهِ وعلى المُؤمنينَ منْ أَذَاهم، لَجَأَ إلى اللهِ طالبًا النَّصْرَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَولاهُ، حتَّى لا يَسْتَأْصلوا شأْفةَ المُؤمنينَ ويَقْضُوا عَلى الدِّينِ.
فَقَدِ اسْتَغَاثُ نَبِيُّهُمْ صالحٌ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِرَبِّهِ عَلَى المَلَأِ مِنْ عَدُوِّهِ،
حِينَ قالوا: {وما نَحْنُ بِمُؤْمِنِينَ} وسَأَلَهُ النَّصْرَ عليْهِمْ، فَأَغاثَهُ اللهُ وأَجَابَهُ إِلَى مَسْأَلَتِهِ، وأَهْلَكَ الكافرينَ المُكَذِّبينَ، كَمَا سَنَرَى فِي الآيَةِ التاليةِ ـ إِنْ شاءَ اللهُ ربُّ العالَمِينَ، واللهُ خَيْرُ النَّاصرينَ. قَالَ ـ جَلَّ مِنْ قائلٍ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} الآيةَ: 51، مِنْ سورةِ غافر.
قولُهُ تَعَالَى: {قَالَ} فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيْهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلى نَبِيِّهِم ـ علَيْهِ السَّلامُ، وَالجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، لِأَنَّ مَا حُكِيَ مِنْ صَدِّ الْمَلَأِ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَبثِّ الإِشَاعَاتِ عَنْهُ أَنَّهُ كاذبٌ مُفْتَرٍ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى، وَتَلْفِيقِهِمُ الْحُجَجَ الْبَاطِلَةَ عَلَى ذَلِكَ، قدْ يُثِيرُ السُّؤَالَ عَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ وَشَأْنِهِمْ بَعْدَ ذَلِك.
قَولُهُ: {رَبِّ} مَنْصوبٌ عَلَى النِّداءِ، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقدَّرَةٌ عَلَى مَا قبلِ ياءِ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفةِ تَخْفيفًا، لانْشِغالِ المَحَلِّ بِالْحَرَكةِ المُنَاسِبةِ لِلياءِ، وَهوَ مُضَافٌ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ المَحذوفَةُ للتَّخْفيفِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وُجُمْلَةُ النِّدَاءِ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، مَقُولُ "قَالَ".
قولُهُ: {انْصُرْنِي بِما} فِعْلُ دُعَاءٍ وَرَجاءٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلى "رَبِّ" ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، وَالنُّونُ: هِيَ نونُ الوِقَايَةِ. والياءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ، و "بِمَا" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ وَسَبَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِـ "انْصُرْنِي". و "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالَ" عَلَى كَوْنِهَا جَوَابًا للنِّدَاءِ.
قولُهُ: {كَذَّبُونِ} فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ، لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. وَالنُّونُ: لِلِوِقَايَةِ. وَياءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذُوفَةُ اجْتِزَاءً عَنْهَا بِكَسْرَةِ نُونِ الوِقَايَةِ، في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بالباءِ؛ أَيْ: بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ.