أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ
(10)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} الإِشارَةُ بِـ "أُولَئِكَ" إِلَى المُؤمِنِينَ المُفْلِحِينَ الذينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَوْصافِهِمْ فيمَا مَضَى مِنْ آياتٍ كَريمَاتٍ مُبَارَكَاتٍ.
وَ "الْوَارِثُونَ" قِيلَ:سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُم يَرِثُونَ يومَ القِيَامَةِ مَنَازِلَ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الجَنَّةِ. لِمَا رَوَى الأئمَّةُ مِنْ حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ، مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: أُولَئِكَ هُمْ الْوَارِثُون)). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ: (2/1453، رقم: 4341) قالَ البُوصِيرِي: (4/266): هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَالبَيْهَقِيُّ في (شُعَبُ الإِيمَانِ): (1/341، بِرقم: 377). وابْنُ حِبَّانَ في صَحيحِهِ: (16/489). وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسيرِهِ: (18/6،5)، وَصَحَّحَ إِسْنَادُهُ ابْنُ حَجَرٍ في (الفَتْح): (11/442). وأخرجَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وابْنُ أبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ": مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُبْنَى بَيْتُهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ وَيُهْدَمُ بَيْتُهُ الَّذِي فِي النَّارِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُهْدَمُ بَيْتُهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ وَيُبْنَى بَيْتُهُ الَّذِي فِي النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ ذَلِكَ. ذكرَ ذلكَ ابْنُ كَثِيرٍ في تفسيرِهِ: /ط/ العِلْمِيَّةُ: (5/405).
وَقِيلَ: يَرِثُونَ بُيُوتَهُمْ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُمْ في الجَنَّةِ، وقدْ بُنيتْ بأَسْمائهِمْ خاصَّةً. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ فِي قَوْلِهِ: "الوارِثون" قَالَ: يَرِثُونَ مَسَاكِنَهُمْ وَمَسَاكِنَ إِخْوَانِهِمُ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُمْ لَوْ أَطَاعُوا اللهَ ـ تَبَارَكَ وتَعَالَى.
وَالمِيراثُ في الأَصْلِ: العَاقِبَةُ. فَجازَ أَنْ يُسَمَّى مِيراثًا وَإِن لَّمْ يُسْتَحَقَّ بِنَسَبٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} أُولئِكَ: اسْمً إِشارَةٍ للبعيدِ، أَيْ: أُولِئِكَ المَنْعُوتُونَ بِتِلْكَ النُّعُوتِ الجَلِيلَةِ التي تقدَّمَ ذِكْرُها، وَذَلِكَ إِيذانًا بِعُلوِّ طَبَقَتِهِمْ ورِفْعَةِ مَنْزِلَتِهم، وبُعْدِ دَرَجَتِهْمْ فِي الفَضْلِ وَالشَّرَفِ. وَهوَ مبنيٌّ على الكَسْرِ في محلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ، والكافُ: للخطابِ. و "هُمْ" ضَمِيرُ فَصْلٍ لِتَقْوِيَةِ الْخَبَرِ. و "الوارِثونَ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأَنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ. وهَذِه الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًا لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ.