الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 27
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ
(27)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} قدْ يكونُ الوَحْيُ الثاني هُنَا بكيفيَّةِ صُنْعِ السَّفينةِ إِلْهامًا وَقَذْفًا فِي الرَّوْعِ، وَقدْ يَكونُ بَلَاغًا عَنْ طَريقِ جِبْريلَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، ولا إِشْكالَ في ذَلِكَ، فـ "نوحٌ" ـ عليْهِ السَّلامُ، نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ صُنْعِهِ الْفُلْكَ، فَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ نَجَّارًا وَكَانَ عَالِمًا بِكَيْفِيَّةِ اتِّخَاذِهَا، فَصَنَعها مِنْ أَلْوَاحِ الخشَبِ والدُّسُرِ كما قالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ القَمَرِ: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر} الآيةَ: 13، والدُّسُرُ هيَ الحِبَالُ، وَقِيلَ إِنَّ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَّمَهُ كيفَ يَصْنَعهُا وَوَصَفَ لَهُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِقَوْلِهِ ـ تَعَالى: "بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا". فـ: "بِأَعْيُنِنا" أَيْ: بِحِفْظِنَا وَكَلَئِنَا، كَأَنَّ مَعَهُ مِنَ الله حَافِظًا يَكْلَؤُهُ بِعَيْنِهِ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لَهُ أحَدٌ بسوءٍ، وَلَا يُفْسِدَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ مُفْسِدٌ.
قولُهُ {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} فإذا جاءَ أمْرُنا: المُرَادُ بِمَجيئِ الأَمْرِ كَمَالُ اقْتِرَابِهِ، أَوِ ابْتِداءُ ظُهُورِهِ، أَيْ إِذَا جَاءَ أَثَرُ تَمَامِ عَذَابِنَا.
وَكَمَا أَنَّ لَفْظَ الأَمْرِ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي طَلَبِ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الشَّأْنِ الْعَظِيمِ كَذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّكَ لوْ قُلْتَ هَذَا أَمْرٌ، لَبَقِيَ الذِّهْنُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَفْهُومَيْنِ، فدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ.
وَمِنْهمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا سَمَّاهُ أَمْرًا عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ، فهوَ كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى في الآيةِ: 11، مِنْ سُورةِ فُصِّلَتْ: {فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}.
وَقيلَ: المُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا هُوَ العَذَابُ لِقَوْلِهِ ـ عَليْهِ السَلامُ، في الآيةِ: 43، مِنْ سُورَةِ هُودٍ: {لَا عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهَ}، فَهُوَ وَاحِدُ الأُمُورِ، ولَيسَ المُرادُ الأَمْرُ بِالرُّكوبِ لأَنَّهُ وَاحِدُ الأَوَامِرِ.
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ التَّنُّورَ هُوَ الفُرْنُ الَّذي ينْضَجُ فيهِ الخُبْزُ، وهوَ مَعْرُوفٌ. فقدْ رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِنُوحٍ إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ يَفُورُ مِنَ التَّنُّورِ فَارْكَبْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ فِي السَّفِينَةِ، فَلَمَّا نَبَعَ الْمَاءُ مِنَ التَّنُّورِ أَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ فَرَكِبَ الفلْكَ، وَقِيلَ كَانَ تَنُّورَ آدَمَ ـ علَيْهِ السَّلامُ، وَكَانَ مِنْ حِجَارَةٍ، فَصَارَ إِلَى نُوحٍ ـ علَيْهِ السَّلامُ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَكَانِ التَنُّورِ أَيْضًا، فَرويَ عَنِ الإمامِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ كانَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ مِمَّا يَلِي بَابَ كِنْدَةَ، وَكَانَ نُوحٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ، عَمِلَ السَّفِينَةَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ.
وَقِيلَ: هُوَ بِالشَّامِ في مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: "عَيْنُ وَرْدَةٍ". وَقِيلَ: بَلْ هوَ في بِلادِ الْهِنْدِ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمَا: أَنَّ وَجْهَ الْأَرْضِ جميعًا هوَ التَّنُّورَ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ: أَنَّهُ أَشْرَفُ مَوْضِعٍ فِي الْأَرْضِ. أَيْ أَعْلَاها وأكْثَرُها إِشْرافًا.
وَعَنْ أَميرِ المُؤمنينَ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَرَّمَ وجهَهُ: وَفارَ التَّنُّورُ، أَيْ: طَلَعَ الفَجْرُ. فقدْ َقِيلَ: إِنَّ فَوَرَانَ التَّنُّورِ كَانَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَعَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: أَنَّ التَّنُّورَ هُوَ الْمَوْضِعُ الْمُنْخَفِضُ مِنَ السَّفِينَةِ، الَّذِي يَسِيلُ الْمَاءُ إِلَيْهِ
وَقيلَ: التَّنُّورُ هُوَ الوَطيسُ، كَقَوْلِهِمْ حَمِيَ الْوَطِيسُ إِذَا اشْتَدَّتِ الحَرْبُ. فَالوَطْسُ: هُوَ الضَّرْبُ الشَّديدُ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَا يَجُوزُ.
فقدْ جَعَلَ اللهُ ـ تَعَالَى، فَوَرَانَ التَّنُّورِ عَلَامَةً لِنُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى يَرْكَبَ السَّفِينَةَ عندَ ذلكَ طَلَبًا لِنَجَاتِهِ وَنَجَاةِ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ.
قولُهُ: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} فَاسْلُكْ فيها: أَيْ: أَدْخِلْ فِيهَا، وَهُوَ مِنْ سَلَكَ الشيْءَ في الشَّيْءِ إِذَا أَدْخَلَهُ فيهِ، َفانْسَلَكَ، أَيْ: دَخَلَ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنْ جَريرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "فَاسْلُكْ فِيهَا" الْآيَةَ: يَقُول: اجْعَلْ مَعَكَ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ إِثْنَيْنِ.
والمَصْدَرُ: السَلْكُ بِفَتْحِ السَّينِ، وَمِنْهُ قوْلُهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ سُورَةِ الشُعراءِ: {كَذلِكَ سَلَكْناهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ} الآيَةَ: 200، وَقَوْلُهُ مِنْ سُورَةِ القَصَصِ: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} الآيَةَ: 32، مِنْ سُورَةِ القَصَصِ، يؤَيِّدُ أَنَّ المُرادَ بِسَلَكَ: أَدْخلَ قولُهُ قبلَ ذلكَ في الآيةِ: 12، مِنْ سُورةِ النَّمْلِ: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}، وَقَدْ وَرَدَتْ سلكَ بمعنى "أَدْخَلَ" في آياتٍ أُخرى مِنْها قولُهُ منْ سُورَةِ الزُمَرِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} الآيةَ: 21، وَقولُهُ في الآيةِ: 17، مِنْ سُورَةِ الجِنِّ: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}، وَقَوْلُهُ مِنْ سورةِ الحاقَّةِ: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} الآيةَ: 32، وَقولُهُ في الآيَةِ: 42، مِنْ سُورةِ المُدَّثِّر: {ما سْلَكَكُمْ في سَقَرَ} إلى آخِرِ ذلكَ. وَمِنْ ذلكَ قَوْلُ الشَّاعِرُ الجاهليِّ زهَيْرِ بْنِ أَبي سُلْمَى:
تَعَلَّمَنْ: هَا، لَعَمْرُ اللهِ ذَا؛ قَسَمًا .... فَاقْصِدْ بِذَرْعِكَ، وَانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِكُ
والبَيْتُ مِنْ قَصِيدَةٍ لَهُ يخاطِبُ بِهَا الحارِثَ بْنَ وَرْقَاءَ الأَسَدِيَّ، وكانَ الحارثُ قَدْ أَغَارَ عَلَى بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ، فَغَنِمَ، وَاسْتَاقَ مَعَهُ إِبِلَ زُهَيْرٍ، وَرَاعِيَهُ يَسَارًا فَقَالَ يُنْذِرُهُ:
يا حَارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ .......... لَمْ يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي ولا مَلِكُ
فَارْدُدْ يَسَارًا، وَلا تَعْنُفْ عَلَيَّ وَلا ..... تَمْعَكْ بِعِرْضِكَ إِن الغَادِرَ المَعِكَ
وَلا تَكُونَنْ كَأَقْوَامٍ عَلِمْتَهُمُ ............ يَلْوُونَ مَا عَنْدَهُمْ حَتَّى إذَا نَهِكُوا
طَابْتْ نُفُوسُهُمُ عَنْ حَقِّ خَصْمِهِمْ ...... مَخَافَهُ الشَّرِّ، فَارْتَدُّوا لِمَا تَرَكُوا
تَعَلَّمَنْ: هَا، لَعَمْرُ اللهِ ذَا؛ قَسَمًا .... فَاقْصِدْ بِذَرْعِكَ، وانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِكَ
لَئِنْ حَلَلْتَ لَيَأْتِيَنَّكَ مِنِّي مَنْطِقٌ قَذَعٌ ..... بَاقٍ، كَمَا دَنَّسَ القُبْطِيَّةَ الوَدَكُ
وَقولُ الشَّاعِرِ: "يَا حَارِ" هوَ مِنَ التَّرْخَيمِ فَهُوَ يَرِيدُ أَنْ يقولَ: يَا حارِثُ، فحَذَفَ الثاءَ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الشَّاعِرِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
وكُنْتُ لِزازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرِّدْ ............ وَهُمْ سَلَكُوكَ في أَمْرٍ عَصِيبِ
وَسَلَكَ الطَّريقَ سَلْكًا وسُلُوكًا: مَشَى عَلَيْهِ، وأَسْلَكَ غَيْرَهُ أَوْ سلَكَهُ، إِذَا جَعَلَهُ يَمْشِي عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لَوْ سَلَكَ عُمَرُ فَجًّا لَسَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَ فَجِّ عُمَرَ)). وَكَقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)). أَخْرَجَهُ الأَئِمَّةُ: ابْنُ أَبي شَيْبَةَ: (8/541 (26108). وَأَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (2/252، برقم: 7421). والدَّارِمِيُّ بِرَقم: (344). وَمُسْلِمٌ في صحيحِهِ: (6952). وَأَبُو دَاوُدَ في سُنَنِهِ: (1455). وَابْنُ مَاجَةَ في سُنَنِهِ: (225). والتِّرمِذيُّ في جامعِهِ: (1425). والنَّسائيُّ في "السُّنَنِ الكُبْرَى": (7245). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، وَلَهُ رِوَايَةٌ أُخرى أَطْوَل عَنِ أَبي الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ ساعِدَةَ بْنِ العَجْلانِ:
وهُم مَنَعُوا الطَّرِيقَ وأَسْلَكُوهُم ................. عَلَى شَمَّاءَ مَهْوَاهَا بَعِيدُ
والسُّلوكُ: الطَّريقَةُ والسِّيرَةُ وَالنَّهْجُ، فَقَوْلُكَ: فُلانٌ حَسَنُ السُّلوكِ، أَيْ: هو ذُو طريقةٍ مُسْتَقيمةٍ في الحَيَاةِ وَنَهْجٍ سَديدٍ، وَالسُّلوكُ إِلَى اللهِ عِندِ السَّادةِ الصُّوفيَّةِ: القيامُ بالأَعْمَالِ الَّتي تُقربُهُ مِنَ اللهِ.
والسِّلْكُ وَالسِّلْكَةُ بِكَسْرِ السِّينِ فيهِما: الخَيطُ الَّذي يُخَاطُ بهِ الثّوْبُ وَالجَمْعِ أَسْلاكٌ وسُلُوكٌ.
والسُّلْكَى بالضَّمِّ: الطَّعْنَةُ المُستَقِيمَةُ تِلْقاءَ الوَجْهِ، قالَ الشَّاعِرُ الجاهِلِيُّ امْرُؤُ القَيسِ:
نَطْعُنُهُم سُلْكَى ومَخْلُوجَةً ....................... كَرَّكَ لِأَمَيْنِ عَلَى نَابِلِ
والسُلَكُ: هوَ الذَّكَرُ مِنْ وَلَدِ الحَجَل، وَالأَنْثَى مِنْهُ سُلَكَةٌ، ويُجُمَعُ عَلى "سِلْكانٌ".
وَإِذًا فَقَدْ أَدْخَلَ سيِّدُنا نُوحٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، مَعَهُ فِي السَفِينَةِ المُؤمنينَ بهِ وبرسالتِهِ، وَمِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الحَيَوَانِ زَوْجَيْنِ ـ ذَكَرًا وَأُنْثَى، لِكَيْ لَا يَنْقَطِعَ نَسْلُ ذَلِكَ النَّوعِ مِنَ الْحَيَوَاناتِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ إِلَّا مَا يَلِدُ وَما يَبِيضُ.
قَوْلُهُ: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} أَيْ: وَأَدْخِلْ أَهْلَكَ مَعَكَ في السَّفينَةِ واحْمِلْهُمْ بِهَا حتَّى لَا يَغْرقوا بالطُّوفانِ. وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْ أَهْلِهِ ابْنَهُ، وَكُلَّ الكافرينَ فقالَ بَعْضُهم: إِذِ المُرادُ بـ "أَهْلَكَ" أُمَّةَ الإِجَابَةِ الَّذينَ آمَنُوا بِهِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، سَواءً كانُوا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ أَمْ لَا، فَالاْسْتِثْنَاءَ هُنَا مُنْقَطِعٌ، وَجَاءَ إِطْلَاقُ الأَهْلِ عَلَى أُمَّةِ الإِجابَةِ، أَيْ: كُلِّ الذينَ آمَنُوا مَعَهُ، دُونَ المَشْهُورِ لِيَشْمَلَ جَمِيع المُؤْمِنينَ سَواءً أَكانُوا مِنْ ذَوي قَرَابَتِهِ أَوْ كانوا مِنْ غيْرِهِمِ، وَهَذَا قولٌ ضَعِيفٌ. وَإِلَّا لَمَا جَازَ الاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: "إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ".
وَحَمَلَ آخَرونَ قولَهُ: "وأَهْلكَ" عَلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ فَقَط ـ كَمَا هُوَ المَشْهُورُ في مَعْنى هَذِهِ المُفردَةِ، وهوَ الصَّوابُ، أَيْ أَنَّ المُرادَ بـ "وأَهْلَكَ" امْرَأَتُهُ وَبَنوهُ، فَيَكونُ الاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُتَّصِلًا، يُؤَيِّدُهُ قولُهُ في الآيةِ: 45، مِنْ سُورةِ هودٍ: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين} فقدْ تَشَفَّعَ بِابْنِهِ "كَنْعَانَ" وهوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غيْرُ مُؤمِنِ بِهِ، بدليلِ ما كانَ بينهُما مِنْ حوارٍ، قالَ ـ تَعَالى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء} الآيتانِ: (42 و 43، مِنْ سورةِ هُودٍ.
وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ حَرْفُ الجَرِّ "عَلَى" فِي الْمَضَارِّ، كما جاءَ في قَولِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ البقرةِ: {لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} الْآيَةَ: 286، وكقولِهِ ـ تَعَالى، مِنْ سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحُسْنَى} الآيةَ: 101، فَقَدْ اسْتَعْمِلَ "اللامُ" فيما هُوَ نَافِعٌ، و "عَلَى" فِيمَا هُوَ ضارٌّ.
قولُهُ: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ: وَلَا تَكَلِّمْني في الظَّالمينَ للتَشَفَعَ بِهِم، فهُمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم بِكُفْرِهمْ باللهِ رَبِّ العالَمِينَ، فَهُم ـ لَا مَحالةَ، مُغرقونَ.
وَالمَقْصودُ بقولِهِ: "وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا" ابْنُهُ كَنْعَانَ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، بِإِهْلَاكِهِمْ نْهَاهُ عَنْ أَنْ يَسْأَلَهُ الشَّفاعةَ فِي بَعْضِهِمْ. لأَنَّ الْغَرَقَ مُحيقٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ، فَلِذَلِكَ قَالَ: "إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ".
قولُهُ: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} تَعْليلٌ للنَّهْيِ عنْ مُخاطَبتِهِ بهِمْ لأنَّهم مَقْضِيٌّ عَلَيْهِمْ بالغَرَقِ لِظُلْمِهِمْ أُنْفُسَهُمْ بالشِّرْكِ وَغيْرِهِ مِنَ المَعَاصِي، وقدْ أَكَّدَ ذلكَ ـ سُبْحانَّهُ، بـ "إِنَّ" وبالجُمْلةِ الاسْميَّةِ، أيْ إِنَّهُ أَمْرٌ مفصولٌ بِهِ، وحكمٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ.
قوْلُهُ تَعَالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} الفاءُ: حَرْفُ جَرٍّ لِلتَّعْقِيبِ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذوفَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تكونَ اسْتِئْنافِيَّةً، كَمَا يَجُوزُ، أَنْ تكونَ فَصِيحَةً؛ لِكونِهَا أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ، والتقديرُ: إِذَا عَرَفْتَ مَا قَالُوا وَما قَالَ نُوحٌ، وَأَرَدْتَ بَيَانَ أَمْرِهم، وَأَمْرَه، فَأَقُولُ لَكَ: أَوْحِيْنَا إلَيْهِ .. . و "أَوْحَيْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لِاتَّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نَا" المعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، وَ "نَا" التعظِيمِ هَذِهِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ. وَ "إِلَيْهِ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَوْحَيْنا"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ، مَقُولٌ لِجَوابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" المَقَدَّرَةُ جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. أَوْ معطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ {قالَ} مِنَ الآيةِ التي قبلَها.
قولُهُ: {أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} أَنِ: هِيَ المُفَسِّرَةُ لِوُقُوعِهَا بَعْدَ جُمْلَةٍ فِيهَا مَعْنَى القَوْلِ، دُونَ حُرُوفِهِ، وَهُيَ "أَوْحَيْنَا". و "اصْنَعِ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وحُرِّكَ بالكَسْرَةِ لالْتقاءِ ساكنَينْ. وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى "نُوحًا" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. و "الْفُلْكَ" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ. و "بِأَعْيُنِنَا" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحَالٍ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ فِي "اصْنَعِ"، والتقديرَ: حَالَةَ كَوْنِكَ مُلْتَبِسًا بِأَعْيُنِنا، وَ "أَعْيُنِ" مجرورٌ بحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، وَ "نَا" التَّعظيمِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهِ. و "وَحْيِنَا" مِثْلُ "أَعْيُنِنَا" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ولَهُ مِثْلُ إعْرابِهِ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُفُسِّرَةٌ، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} الفاءُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، أَوْ فَصِيحَةٌ؛ فقد أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ بـ: إِذَا امْتَثَلْتَ أَمْرَنَا، وَصَنَعْتَ الفُلْكَ، وَأَرَدْتَ ما عَلَيْكَ فعلُهُ. فَأَقُولَ لَكَ: إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا .. . و "إذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، فيهِ معنى الشَّرطِ، وهو خافضٌ لِشَرْطِهِ مُتَعَلِّقٌ بِجَوَابِهِ. و "جَاءَ" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ. و "أَمْرُنَا" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، و "نا" المُعَظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهُ، ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السكونِ في محَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الجرِّ بإضافَةِ "إِذَا" إليها على كونِها جملةَ شَرَطٍ لَها.
قولُهُ: {وَفَارَ التَّنُّورُ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "فَارَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ. و "التَّنُّورُ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفةٌ عَلَى جملةِ "جَاءَ أَمْرُنَا" التي قبلَها عَطْفَ بَيَانٍ عَلَى مَبَيَنٍ.
قولُهُ: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} الفَاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوَابِ "إِذَا" وُجُوبًا. و "اسْلُكْ" فِعْلُ أَمْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ، وفاعِلُ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا نُوحًا ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. و "فِيهَا" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اسْلُكْ"، وَ "ها" ضميرٌ مُتَّلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ بحالٍّ مِنْ "زَوْجَيْنِ"، أَوْ مِنِ "اثْنَيْنِ"؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدَّمَتْ عَلَيْهَا، وَ "كُلٍّ" مَجْرُورٌ بحَرْفِ الجَرِّ. و "زَوْجَيْنِ" مَفْعُولٌ بِهِ لِـ "فَاسْلُكْ"، مَنْصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ مُثنَّى، والنُّونُ عِوَضٌ عَنِ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. و "اثْنَيْنِ" صِفَةٌ مِؤِكِّدَةٌ لَهُ مَنصوبةٌ مِثلُهُ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ جَوَابُ "إذا" لِا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ لِجَوابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ إِذَا المُقَدَّرَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْراب.
قولُهُ: {وَأَهْلَكَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "أَهْلَكَ" مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: واسْلُكْ فيها أَهلَكَ. وفاعلُهُ مُسْتترٌ تقديرُهُ (أَنْتَ) يعودُ على سيِّدِنا نوحٍ عليْهِ وسلَّمَ، والجملةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جملةِ "فَاسْلُكْ" على كونِها جوابَ "إِذا" لَا مَحَلِّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} إِلَّا: أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ بمعنى الَّذي، مبنيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الاسْتِثْنَاءِ المُتَّصِلِ. و "سَبَقَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ. و "عَلَيْهِ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "سَبَقَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "الْقَوْلُ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، و "مِنْهُم" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بحالٍ مِنَ المُسْتَثْنَى "مَنْ"، أَوْ مِنَ هاءِ الضَّميرِ في "عليْهِ"، وَالهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ: علامةُ الجَمعِ المُذَكَّرِ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "لا" نَاهِيَةٌ جازمةٌ، وَ "تُخَاطِبْنِي" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بها، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أنتَ)، يعودُ على سيِدِنا نوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. والنُّونُ للوِقايَةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ. وَ "في" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُخَاطِبْنِي"، وَ "الَّذِين" اسْمٌ مَوْصولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في محَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ الجَرِّ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "فَاسْلُكْ"، على كونِها جَوَابًا لِـ "إِذَا" الشَّرْطِيَّةِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابَ.
قولُهُ: {ظَلَمُوا} فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وواوُ الجماعةِ هَذا ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والألِفُ فارقةٌ، والجملةُ الفعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "الَّذينَ" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتوكيدِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ، اسْمُهُ، والميمُ لتذْكيرِ الجَمعِ. وَ "مُغْرَقُونَ" خَبَرُهُ مرْفوعٌ بِهِ، وعلامَةُ رَفْعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنِ الخطابِ قَبْلَهَا، لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.