الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 103
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ : {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} في الآيةِ التي قبلَها ذكَر الحقُّ ـ تَبَارَكَتْ أَسْماؤُهُ الذينَ ثقُلَتْ موازينُهم بالحَسَناتِ، وأَنَّهُمْ هُمُ الَّذينَ أَفلحُوُا ورَبِحُوا في الدُّنيا والآخرَةِ، وفازوا بجنَّةٍ عَرْضُها السمَاواتُ والأَرضُ أُعِدَّتْ للمُتَّقينَ، وهُمُ المُؤمنونَ باللهِ ورَسولِهِ، المُتَّبِعونَ نَبِيَّهُمْ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، في كُلِّ أَمَرَ ونَهَى، وَهُنَا يَذْكُرُ ـ عَزَّ وجَلَّ، الذينَ خَفَّتْ موازينُ حسناتِهِم، لأنَّهم لمْ يعملوا إلَّا القليلَ مِنْها، وحتَّى هَذا القليل فقد مَحَقَهُ اللهُ ـ كما بَيَّنَّا في تفسيرِ الآيَةِ الَّتي قبلَها لِأَنَّهُمْ لمْ يعملوهُ ابتغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ورجاءَ ثوابِهِ، لأنَّهُمْ لا يُؤمنونَ بِهِ أَصْلًا فكيفَ يعملونَ لوجْهِهِ؟.
قولُهُ: {فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} وهَؤلاءِ الذينَ تتحدَّثُ عَنْهُمُ هَذِهِ الآيَةُ هُمُ المُشْركونَ، فإِنَّ المُؤْمِنينَ رَبِحُوا بينَما هَؤلاءِ خَسِروا، وإنَّ أَوَّلَ ما خَسِروهُ وأهَمَّهُ هُوَ أَنْفُسَهم، وذَلِكَ حينَ ربُّوها على الشِّركِ باللهِ، فأَوْرَدُوهَا مَواردَ الهلاكِ وَالشَّقَاءِ الأبدِيِّ، وإنَّها أُعْظَمُ ما يمكِنُ أَنْ يخسَرَ المَرْأُ، فإنَّ خسارةَ المالِ قَدْ تُعَوضُ، وَقَدْ يستطيعُ أَحَدُنا أَنْ يعيشَ سعيدًا بالقليلِ اليسيرِ مِنْهُ، أَمَّا خَسَارَةُ النَّفْسِ فهي الكَسْرُ الذي لا يُجْبَرُ والخَسَارةُ التي لا تُعَوضُ.
قولُهُ: {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} فإِنَّ هَؤلاءِ المُشْركينَ قَدْ خَسِروا مَساكنَهُمْ الَّتي كانَتْ مُخَصَّةٍ لَهُمْ في الجنَّةِ فيما لوْ آمنوا، وَرِثَها المُؤمنونَ ـ كَمَا سَبَقَ بيانُهُ، وَأُبدِلوا منها مَساكنَ في النَّارِ حيثُ العذابُ المُقيمُ، وهم فيها خالدونَ لا يَمُوتونَ فيها ولا هُمْ منها يُخْرجونَ.
قولُهُ تَعَالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} الواوُ: للعَطْفِ، وَ "مَنْ" اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٌ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ عَطْفًا على "مَنْ" الشَّرطِيَّةِ الَّتِي قَبْلُ، وَخَبَرُهُ جُمْلَةُ الشَّرْطِ، أَوِ الجَوَابِ، أَوْ كِلْتاهُما، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَثيلَتِها مِنَ الآيةِ الَّتي قَبْلَها عَلَى كَوْنِهَا، مَقُولًا لِجَوَابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ.
قولُهُ: {فَأُولَئِكَ الَّذِينَ} الفاءُ: رابِطَةٌ لِجَوَابِ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ وُجُوبًا. وَ "أُولَئِكَ" أُولاءِ: اسْمُ إِشارَةٍ مَبْنيٌّ عَلى الكَسْرِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ، والكافُ: للخِطابِ. وَ "الذينَ" اسْمٌ مَوْصولٌ مَبْنِيٌّ عَلى الفتْحِ في مَحَلِّ الرَّفعِ خَبَرُ المُبتَدَأِ. وهَذِهِ الجملةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ الجَزْمِ عَلَى كَوْنِها جَوَابَ شَرْطِ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ مُقْتَرِنًا بالفاءِ.
قولُهُ: {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} خَسِرُوا: فِعْلٌ ماضٍ مرفوعٌ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌّ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ على الفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ فارِقةٌ. وَ "أَنْفُسَهُمْ" مفعولُهُ منصوبٌ بِهِ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإِضافةِ إلَيْهِ، والميمُ لتذْكيرِ الجَمْعِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصولِ (الذينَ) فليسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَالِدُونَ، وَ "جهَنَّمَ" مَجْرُورٌ بحرْفِ الجَرِّ، وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الفتْحَةُ عِوَضًا عَنِ الكَسْرَةِ لأَنَّهُ علَمٌ مُؤَنَّثٌ تَأْنِيثًا مَعْنَوَيًّا فهوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ، وَلِذَلكَ لمْ يُنَوَّنْ مَعَ أَنَّهُ نَكِرَةٌ. وَ "خالدونَ" خبرٌ لمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ أَوْ هوَ خبَرٌ بعْدَ خَبَرٍ، مَرْفوعٌ وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ لأَنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ. وهَذِهِ الجمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ ضميرِ الفاعِلِ في "خَسِروا"، أَوْ في محَلِّ الرَّفعِ نَعْتًا لَهُ.