الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 93
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} يَأْمُرُ اللهُ ـ تعالى، نَبِيَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ أنْ يَسْأَلَهُ فيقول: رَبِّ إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَهُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيا الَّذي سَوفَ يَسْتَأْصِلُهُم.
فهوَ المُرَادُ هنا أَمَّا عَذَابُ الآخِرَةِ فَليسَ المَرادُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَريمةِ. لِمَا روِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ الهُِ تعالى عَنْهُما، أَنَّهُ قالَ: "مَا يُوعَدُونَ" مِنَ النَّقْمَةِ فِيهِمْ. وَقَالُ مُقاتِلُ بْنُ سُلَيمانَ ـ رَضِيَ الهُ عنْهُ، في تفسيرِهِ: يَعْنِي القَتْلَ بِبَدْرٍ. تَفْسِيرُ مُقاتلِ: (2/33).
وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِمَا حَلَّ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ بِالْمُشْرِكِينَ مِنَ القَتْلِ والهزيمةِ. إذًا فَإنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ هُنَا وَعِيدٌ بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا بدليلِ قولِهِ في الآيةِ التي بعدَها: {فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
قولُهُ تَعالى: {قُلْ} فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا عَمَّا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ رَسُولِ الهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {رَبِّ} مَنْصوبٌ عَلَى النِّداءِ، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ ياءِ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفةِ تَخْفيفًا، لِانْشِغالِ المَحَلِّ بِالْحَرَكةِ المُنَاسِبةِ لِلياءِ، وَهوَ مُضَافٌ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ المَحذوفَةُ للتَّخْفيفِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وُجُمْلَةُ النِّدَاءِ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، مَقُولُ القوْلِ لِـ "قُلْ".
قولُهُ: {إِمَّا تُرِيَنِّي مَا} إِمَّا: هِيَ "إِنْ" حَرْفُ شَرْطٍ جازِمٌ. وَقدْ تَكونُ "مَا" شَرْطِيَّةً أَيضًا كالتي في قولِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ البَقَرَةِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} الآيةَ: 106؛ فَقد جُمِعَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ تَوْكِيدًا، فَلَمَّا وُكِّدَ الشَّرْطُ أُدْخِلَتِ النُّونُ الثَّقيلَةُ فِي الفِعْلِ لِتَوْكيدِهِ، لِأنَّها تَجِيءُ تَوْكِيدًا للأفعالِ. وَ "تُرِيَنِّي" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ لِاتِّصالِهِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقيلَةِ، فِى مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهَا فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ)، يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى، والنَّونُ الثانيةُ للوِقايَةِ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ. وَ "مَا" موصولةٌ مَبْنِيَّةٌ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولُهُ الثاني، وَالإراءَةُ هُنَا بَصَرِيَّةٌ إلَّا أَنَّ فِعْلُهَا قد تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ بِوِساطَةِ الهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْى الرُّباعِيِّ.
قولُهُ: {يُوعَدُونَ} فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغةِ، مَبنِيٌّ للمجهولِ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الَّناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بِالْنيابةِ عَنْ فاعِلِهِ، وَالْجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةٌ لِـ "مَا" الْمَوْصُولَةِ فليسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإعرابِ، والعائدُ مَحْذوفٌ، والتَّقديرُ: يُوعَدُونَ بِهِ مِنَ العَذَابِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {تُرِيَنِّي} بِالياءِ. وقرأَ الضَّحَّاكُ "تُرِئَنِّي" بالهَمْزِ بدَلَ الياءِ، وَهُوَ بَدَلٌ شَاذُّ.