الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 89
سَيَقُولُونَ لهِِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
قولُهُ ـ تعالى شَأْنُهُ: {سَيَقُولُونَ لهُِ} أَيْ: سَيَقُولُونَ مُشْركو مَكَّةَ في الإجابةِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ الجَديدِ الذي كَلَّفَ الهُا ـ تَعَالَى رَسُولُهُ مُحَمَّدًا ـ صلَّى الهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، وهو موضوعُ الآيَةِ السَّابقةِ، كَمَا قَالُوا مِنْ قبلُ في الإجابةِ عَنِ الأَسْئلةِ السَّابقَةِ "لهِا" لأَنَهُ لا جوابَ لهُمْ ولا لغيرِهِم إلَّا هَذا الجوابُ، فالمَسْأَلَةُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَسْتَطِيعَ ادِّعاءَهَا مَخلوقٌ مَهْمَا بَلَغَ مِنَ التَكَبُّرِ والتَجَبُّرِ وَالكُفْرِ وَالإِلْحَادِ وَالضَّلَالِ.
قولُهُ: {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أَيْ: فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ تُصْرَفُونَ عَنِ التَّصْديقِ بالحشْرِ يومَ القيامةِ والبَعْثِ مِنْ جديدٍ؟. وَكَيْفُ تُكَذِّبونَ بِذَلِكَ وَيُخَيَّلُ لَكَمْ ما أتيتُم بهِ الكَذِبِ حَقًّا واقِعًا؟. وَمِنْ أَيْنَ تُخْدَعُونَ عَنِ الحقِّ والرُّشْدِ، مَعَ أنَّكمْ تَعْلَمونَ بِحقيَّتِهِ، وَكيفَ تُصْرَفُونَ إِلَى مَا أَنْتُم عَلَيْهِ مِنَ الباطِلِ والغَيِّ والضَّلالِ، فَمَنْ سَلِيمَ التفكيرِ غيرَ مُخْتَلِّ العَقْلِ لَا يمكِنُ أَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إِذَا كانَ مَسْحورًا فاقدَ الصَّوابِ. وَقَالَ الفرّاءُ، وَالزَّجَّاجُ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ المَعْنَى: أَنَّى تُخْدَعُونَ وتُصْرَفونَ عَنْ هَذَا؟! وانْظُرْ: "مَعَاني القُرْآنِ وإِعْرَابُهُ" للفَرَّاءِ: (2/241). وَ "مَعَاني القُرْآنِ وإعرابُهُ" لأَبي إسْحاقٍ الزَّجَّاجِ: (4/20). وَ "غَريبُ القُرْآنِ" لِابْنِ قُتَيْبَةَ: (ص: 229). وَالسِّحْرُ ـ هُنَا، مُسْتَعَارٌ لِتَرْوِيجِ الْبَاطِلِ بِجَامِعِ تَخَيُّلِ مَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ حقيقةً وَاقِعَةً.
قولُهُ تَعَالى: {سَيَقُولُونَ} السِّينُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَنِ، و "يقولونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الَّناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بِالْفاعِليَّةِ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلإِخْبَارِ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى، عَمَّا يَكونُ مِنْ جوابِهِمْ قبْلَ وُقُوعِهِ، لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {للهِ} حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، وَالتَّقْديرُ: هِيَ كائِنَةٌ للهِ ـ تَعَالَى وعَزَّ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "سيقُولونَ".
قولُهُ: {قُلْ} فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} الفاءُ: هيَ الفصيحةُ؛ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ، والتَّقْديرُ: إِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ، فَأَقُولُ لَكُمْ: أَنَّى تُسْحَرُونَ؟. و "أَنَّى" اسْمُ اسْتِفْهَامٍ، بِمَعْنَى: كَيْفَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى "مِنْ أَيْنَ"؟ كَمَا تَقَدَّمَ قولُهُ ـ تعالى فِي الآيةِ: 37، مشنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا}، وَالِاسْتِفْهَامُ تَعْجِيبِيٌّ. مَبْنِيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ نَائِبِ الفَاعِلِ في "تُسْحَرُونَ". وَ "تُسْحَرُونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مُغَيَّرُ الصِّيغةِ، مبنيٌّ للمجهولِ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الَّناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بِالْنيابةِ عَنْ فاعِلِهِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ اقولِ لِجَوَابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ "قُلْ".