الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 65
لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} اسْتِئْنَافٌ مَسُوقٌ لِبَيَانِ إِقْنَاطِ المُشركينَ مِنَ الانْتِفَاع بِصراخِهِمْ واستغاثَتِهِمْ، أَيْ: قُلْنَا لَهُمْ "لا تَجْأَروا اليومَ فقدْ فاتَ أَوَانُ ذَلِكَ، فَالْمَعْنَى عَلَى تَقْديرِ فِعْلٍ مَحذوفٍ. وَالْمُرَادُ بـ اليْوْمِ" الوَقْتُ الذي حَلَّ بهِمُ العَذابُ فيهِ، وهُوَ يومُ بدرٍ كَمَا تَقدَّمَ بَيَانُهُ في تَفْسيرِ الآيَةِ الَّتي قَبْلَهَا، وَذَلِكَ لِتَهْويلِ ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَيْهِم، وبَيَانِ أَنَّ وَقْتَ الصُراخِ قدْ فاتَ لأنَّ العَذَابَ قدْ وَقَعَ وانتَهَى الأَمْرُ.
وإنَّما كانَ هَذا القَوْلُ بِلَسَانِ الحَالِ وليسَ بالنُّطْقِ، وَيَجُوزُ أَنْ تكونَ الملائكةُ قَدْ قالَتْهُ لَهُمْ حَقِيقَةً أَوْ أَنَّهُ صَدَرَ مِنَ اللهِ ـ تَعَالَى، لهُمْ حينَ موتِهِمْ ورَفْعِ الحِجَابِ عَنْهُمْ لأَنَّ الميِّتَ تُرفعُ الحُجُبُ عَنْهُ حينَ يُغَرْغِرُ في سَكرَاتِ المَوْتِ كما قالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ (ق): {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد} الآيةَ: 22، وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ حِينَهَا لِأَنَّ الفَضْلِ للإيمانِ بِالْغَيْبِ وإنَّما يكونُ الثوابُ عليْهِ في الآخِرَةِ، قالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرغِرْ". أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ: (2/132، 6160 و 6408). وَعَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ: (847). وَالتِّرْمِذِيُّ: (3537) وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وابْنُ مَاجَةَ: (4253)، مِنْ حديثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما.
قوْلُهُ: {إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ} تَعْلِيلٌ للنَّهْيِ عَنِ الجُؤَارِ وبَيَانٌ لِعَدَمِ النَّفْعِ مِنْهُ؛ أَيْ: مهما اسْتَغَثْتُمْ فلنْ نَنْصُرَكُمْ ولنْ نُنَجِّيكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، وهذا إذا قلْنا بِأَنَّ "مِنْ" للابْتِداءِ. أَمَّا إذا كانَتْ "مِنْ" صِلَةً للنَّصْرِ، وَضُمِّنَ النَّصْرُ مَعْنَى المَنْعِ ـ وَهوَ جائزٌ، فيكونُ المَعنى: لَا تُمْنَعُونَ مِنَّا. وتكونُ اسْتِغاثَتُهُم بآلِهَتِهم، لكِنَّ التأْويلَ الأولَ أَوْلَى لأَنَّهُم حَينَ موتهِمْ تكونُ الأمُورُ قدْ وَضُحتْ لهم ـ كما سبقَ بيانُهُ، وعندَ ذلكَ لا يعودُ لآلهتِهِمْ أَيُّ مكانٍ في نَظَرِهِم. واللهُ أعْلمُ.
قولُهُ تَعَالَى: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} لَا: نَاهِيَةٌ جَازِمَةٌ. و "تَجْأَرُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بِهَا، وَعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الَأفْعَالِ الخَمْسَةِ. وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. و "الْيَوْمَ" مَنْصُوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ الزَّمانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَجْأَرُوا"، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقديرُ: فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ.
قولُهُ: {إِنَّكُمْ مِنَّا} إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتَّوكيدِ، وكافُ الخِطابِ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُ "إِنَّ"، والميمُ: للجمعِ المُذَكَّرِ. و "مِنَّا" مِنْ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُنْصَرُونَ"، و "نا" ضميرُ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَه، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلٍّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ مِنْ "إِنَّ" واسْمِها وخبرِها جُمْلةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ المَذْكُورِ قَبْلَهَا، لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {لَا تُنْصَرُونَ} لا: نافِيةٌ لَا عَمَلَ لَهَا. وَ "تُنْصَرونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ (أَوْ للمَفعولِ)، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الَّناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالنِّيَابَةِ عَنْ فاعِلِهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى كونِها خَبَرًا لِـ "إِنَّ".