الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 57.
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ} ذَكَرَ ـ سُبحانَهُ وتعالى، هؤلاءِ فِي المُؤمنينَ المُشْفِقِينَ الخائفينَ مِنْ سَخطِ اللهِ وعذابِهِ في مُقابلِ ما ذَكَرَ مِنْ قبلُ مِنْ أَوَلِئَكَ المُشركينَ أَهْلِ الغَمْرَةِ والغفلةِ الذينَ قَالَ فِيهِم: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهم} الآيَةَ: 54، السَّابقةِ فإنَّ أَولئِكَ المُشركونَ عَنْ رَبِّهم غافلونَ ساهونَ لَا هُونَ، مَشْغُولونَ بِدنياهُمْ وما فيها مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِم، لاهثونَ وراءَ شَهَوَاتِهِمْ ومَلَذَّتِهِمْ، مُنْهَمِكُونَ في أَعْمالهم الدُّنْيَوِيّةِ وَأشغالِهِمْ، لَا لَا يَسْتَمِعُونَ إِلى نَصِيحَةٍ، ولا تَنْفَعُ فيهم هِدَايَةٌ، وَهَؤُلاءِ المُؤمنونَ المُسْلمونَ لِرَبِّهم تَكادُ قُلوبُهُمْ تتفطَّرُ خَوْفًا مِنَ اللهِ وَخَشْيَةً مِنْ عَذابِهِ وَإِشْفَاقًا، أَنْ يَطالَهُمُ العَذَابُ، وَيَعُمَّهُمُ العِقَابُ عَلَى ما قَصَّرُوا في حَقِّ اللهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالى، يَذْكَرُونَ رَبَّهُمْ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ عَلَى مَا فَرَّطُوا فيهِ، وَمَا ارْتَكَبُوهُ في غفلةٍ منهم وسهوٍ وضَعفٍ مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَوْ قصَّرُوا فيهِ مِنْ طاعةٍ.
والآيَةُ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيَانِ لِمَنْ تَكونُ المُسَارَعَةُ فِي الخَيْرَاتِ، فإنَّهم هَؤلاءِ، الذينَ همْ مَحَلُ نَظَرِ اللهِ ـ تَعَالى، وَعِنَايَتِهِ، وَعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، ومَحَبَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَجَزيلِ عَطَائهِ وَعَظِيمِ نِعْمَتِهِ، ولَهُمْ مُسَارَعَتُهِ فِي التَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ والإكْرامِ لَهُمْ. وَذَلِكَ إثْرَ إِقْنَاطِ أُولئِكَ الكَفَرَةِ الفَجَرَةِ عَنْ أَنْ يَكونَ إِنْعَامُهُ عَلَيْهِمْ حُبًّا بِهِمْ، وتَفْضِيلًا لَّهُمْ، وَإِنَّما هُوَ اسْتِدْراجٌ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ في تَفْسِيرِ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
قولُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ} إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسخٌ، مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، للتوكِيدِ. و "الَّذينَ" اسْمٌ مَوْصولٌ مبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُ "إنَّ" وخَبرُها الجملةُ بعدها، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنِ اسْمِها وخَبَرِها مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} هُمْ: ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِدَاءِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "مُشْفِقُونَ"، قَالَهُ الحُوفِيُّ، وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هيَ لِبَيَانِ جِنْسِ الإِشِفَاقِ. وفيهُ بُعُدٌ. وَ "خَشْيَةِ" اسْمٌ مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضافٌ. وَ "رَبِّهِمْ" مَجْرُورٌ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، وَهوَ مُضَافٌ أَيْضًا، وَالهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ: علامةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ. و "مُشْفِقُونَ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرْفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، والنونُ عِوضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وخَبَرِهِ صِلَةُ الاسْمِ الموصولِ، "الذين" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.