الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 48
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} هِيَ تَتمَّةُ قِصَّةِ بَعْثَةِ مُوسَى وهارونَ ـ علَيْهِما السَّلامُ، بِالْهَدَفِ مِنْهَا، وَهُوَ إِنْزالُ التوراةِ على مُوسَى لِهِدَايَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ الِاتِّعَاظَ بِخِلَافِهِمْ عَلَى رُسُلِهِمْ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ في الآيةِ: 53: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} كما سَيَأْتي ـ إنْ شاءَ اللهُ تَعَالى، فَإِنَّ مَوْعِظَةَ الْمُكَذِّبِينَ رَسُولَهُمْ بِذَلِكَ أَوْلَى.
والعَجَبُ مِنِ قولِ ابْنِ عاشُورَ في تَفْسيرِهِ (التحريرُ والتنويرُ): (18/66): وَهُنَا وَقَعَ الْإِعْرَاضُ عَنْ هَارُونَ لِأَنَّ رِسَالَتَهُ قَدِ انْتَهَتْ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ لِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِذْ كَانَتْ مَقَامَ مُحَاجَّةٍ وَاسْتِدْلَالٍ فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ إِشْرَاكَ أَخِيهِ هَارُونَ فِي تَبْلِيغِهَا لِأَنَّهُ أَفْصَحُ مِنْهُ لِسَانًا فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ وَالسُّلْطَانِ الْمُبِينِ. فإنَّ رِسالةَ هارونَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، لَمْ تَنْتَهِ، وَمُهِمَّتَهُ ما زالتْ مُسْتَمِرَّةً، كَمَا سَنَرَى، فقد كَلَّفَهُ أخُوهُ مُوسَى، أنْ يَخْلُفَهُ في قومِهِ، حينَ سبقهُمْ فصَعِدَ عَلى الطُّور لمناجاةِ رَبِّهِ.
قولُهُ تَعَالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} الواوُ: اسْتِئْنافيَّةٌ. واللَّامُ: مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ. و "قَدْ" للتَّحْقِيقِ. وَ "آتَيْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ متحَرِّكٍ هو "نا" المُعَظِّمِ نفسَهَ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "مُوسَى" مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ مَنْصوبٌ بِهِ، وَعَلَامةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهَا عَلى الأَلِفِ. وَقِيلَ: أَرَادَ قَوْمَ مُوسَى، فَحُذِفَ المُضافُ، وَأُقيمَ المُضَافُ إِلَيْهِ مُقَامَهُ؛ وَلِذَلِكَ أَعَادَ الضَّمِيرَ مِنْ قولِهِ "لَعَلَّهُمْ" عَلَيْهِمِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ يَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ تَقْديرِ إِضَافَتِهِمْ إِلَى مُوسَى، وَتَكونُ هِدايتُهم مُتَرَتِّبةً عَلى إِيتاءِ التَّوْرَاةِ لِمُوسَى ـ علَيْهِ السَّلامُ. و "الكتابَ" مَفْعُولُهُ الثاني مَنْصوبٌ بِهِ لأَنَّ "آتَى"؛ بِمَعْنَى أَعْطَى، وَالتَّعْرِيفُ فِي "الْكِتابَ" لِلْعَهْدِ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ. وَالْجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ جَوَابُ القَسَمِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وَجُمْلَةُ القَسَمِ مُسْتَأْنَفَةٌ فليسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ أَيْضًا.
قولُهُ: {لَعَلَّهُمْ} لَعَلَّ: حَرْفُ تَرَجٍ وَنَصْبٍ مُشَبَّهٌ بالفعلِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَرَقَّبَ مِنْ إِيتَائِهِ اهْتِدَاءُ النَّاس بِهِ. وَالهَاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْب اسْمُ "لَعَلَّ"، والميمُ لتَذْكيرِ الجَمعِ، وَهَذَا الضميرُ عائدٌ إِلَى قَوْمِ مُوسَى؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ كَانُوا قَدْ هلَكوا بالغرقِ في البَحْرِ. وخَبَرُ "لَعَلَّ" جُمْلَةُ "يَهْتَدونَ"، وُجُمْلَةُ "لَعَلَّ" مِنِ اسْمِها وخبرِها مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلَهَا ليسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {يَهْتَدُونَ} فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثبوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "لَعَلَّ".