الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 46
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} هَذا الجَارُّ مُتَعلِّقٌ بالفعلِ الذي قبْلَهُ مِنَ الجُملةِ السَّابقةِ، أَيْ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} إِلَى فِرْعونِ وأَشْرَافِ قَوْمِهِ الذينَ بِيَدِهم أو بِمَشورتِهم تخليةُ سبيلِ بني إِسْرائيلَ والتخلِّي عَنْ استغلالهم واسْتِعْبادِهم واستخدامِهِم وظُلمِهِم، لِأَنَّ ذلكَ هُوَ مِمَّا أُرْسِلَ موسى وهارونَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، لِأَجْلِهِ، قالَ ـ تَعالى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} الآيةَ: 47، مِنْ سُورةِ طَهَ.
قولُهُ: {فَاسْتَكْبَرُوا} فَلَمْ يَنْقَادوا لِمَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الإيمانِ باللهِ إلهًا واحدًا لا إِلَهَ غَيْرُهُ، وعبادَتِهِ وَحْدَهُ، وما أُمِرُوا بِهِ مِنَ إِرْسَالِ بَنِي إِسْرَائيلَ معَ مُوسَى وأخيهِ هارونَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، وَتَرْكِ تَعْذِيبِهِم وتسخيرِهِمْ لِخِدْمَتِهم، فَقَدْ كانوا يستخدمونَ بني إسرائيلَ وَيُسَخِّرونَهُمْ في الأعمالِ الشَّاقَّةِ والمُسْتَقْذَرَةِ. ولَيْسَتِ دَعْوَتُهما مُقْتَصِرَةً على إِرْسَالِ بَنِي إِسْرَائيلَ وَإِطْلاقِ سراحِهِمْ مِنَ الأَسْرِ فقد جاءَ فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ قولُهُ ـ تَعَالَى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} الآياتِ: (17 ـ 19).
قولُهُ: {وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} أَيْ: مُتَمَرِّدينَ عَلَى اللهِ رَبِّهِم، مُسْتَعلينَ عَلَى عِبَادِ اللهِ، مُتَكَبِّرينَ عَلى خَلْقِهِ، قاهرين لهم، مُتَطَاوِلِينَ عَلَى النَّاسِ بِالْبَغْيِ وَالظُّلْمِ. فَقَدْ كانَ التَّعالي عَنِ الحقِّ عادَتَهُمْ وَدَيْدَنَهُم. وهوَ مِنْ قولِهِمْ: عَلَا فُلَانٌ، إِذاَ تَرَفَّعَ وَطَغَى وَبَغَى وَتَجَاوَزَ حدَّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ـ تَعَالى، فِي الآيَةِ: 14، مِنْ سُورةِ النَّمْلِ عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} يَعْنِي جَحَدُوا بِآياتِ اللهِ الَّتِي جاءَهم بِهَا مُوسَى وهارونُ ـ عَلَيْهِما السَّلامُ، اسْتِعْلاءً بالباطِلِ وَتَعَديًا عَلَى الحَقِّ تَجَبُّرًا وَتَكَبُّرًا. ومنهُ قولُهُ في سورةِ النَّمْلِ ذاتها عَلَى لِسَانِ سُلَيمانَ ـ عليْهِ السَّلامُ، في كِتَابِهِ الذي أَرْسَلَهُ إلى بلقيسَ وقومِها: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُوني مُسْلمينَ} الآيَةَ: 31، أَيْ: لَا تَتَكَبَّرُوا عَلَيَّ وَلَا تَطْغَوْا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ"، قَالَ: عَلَوْا عَلَى رُسُلِهِم، وَعَصَوْا رُسُلَهُمْ، ذَلِكَ عُلُوُّهُمْ. وَقَرَأَ: {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} الْآيَةَ: 83، مِنْ سورةِ الْقَصَص.
قولُهُ تَعَالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} إِلَى: حرفُ جَرٍّ متعلق بِـ "أَرْسَلْنَا" مِنَ الآيةِ التي قبلَها، وَ "فِرْعَوْنَ" مَجْرُورٌ بحرْفِ الجرِّ، وَعَلامَةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ نِيَابَةً عَنِ الكَسْرَةِ، لِأَنَّهُ اسْمٌ ممنوعٌ منَ الصَّرْفِ بالْعَلَمِيَّةِ وَالعُجْمَةِ. و "وَمَلَئِهِ" الواوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "مَلَئِهِ" مَعْطُوفٌ عَلَى "فِرْعَوْنَ" مجرورٌ مِثْلُهُ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على الكَسْرِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ.
قولُهُ: {فَاسْتَكْبَرُوا} الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ. و "استكبروا" فِعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ على الضَّمِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفريقِ، والجُملةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفةٌ عَلَى جُملةِ "أَرْسَلْنَا" مِنَ الآيةِ التي قبلَها عَلَى كَوْنِها لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "كَانُوا" فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعةِ، وَواوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ اسْمُها، وَالأَلِفُ للتَّفريقِ. و "قَوْمًا" خَبَرُ "كان" منصوبٌ بِها، وَ "عَالِينَ" صِفَةٌ لـ "قَوْمًا" منصوبٌ مِثْلُهُ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنُّوُنُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. وَالْجُمُلةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفةٌ عَلَى جُملةِ "استكبروا" مِنَ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَها فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.