الموسوعة القرآني
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 81
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81)
قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ} الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَانْتِقالٌ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالتَّهْدِيدِ إِلَى حِكَايَةِ ضَلَالِهِمْ، فقد خُتِمَتِ الآيَةُ الَّتي قَبْلَها بِحَضِّ المُشْركينَ عَلَى التفَكُرِ والتَّعَقُّلِ والتَّبَصُّرِ وَالتَّدَبُّرِ، فَجَاءَتْ هَذِه الآيَةُ عَطْفًا عَلَى قَوْلٍ مُضْمَرٍ يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ، تَقْديرُهُ: فَلَمْ يَعْقِلُوا، وَلَا تَفَكَّروا، بَلْ كَذَّبُوا كَمَا كَذَّبَ آباؤُهُمُ الأَوَّلونَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ كانَ عَلَى دِينِهِمْ مِنَ الكَفَرِةِ الْمُنْكِرينَ لِيَوْمِ البَعْثِ والجَزَاءِ، وَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ أُولَئِكَ الكَافِرُونَ. وَفِي قَوْلِهِ: "الأَوَّلونَ" إِشارَةٌ إِلَى الأُمَمِ الكافِرَةِ السَّابِقَةِ: كَ "عَادٍ" وَ "ثَمُودَ".
وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالٌ لِكَوْنِهِمْ يَعْقِلُونَ، وَإِثْبَاتٌ لِإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ مَعَ بَيَانِ مَا بَعَثَهُمْ عَلَى إِنْكَارِهِ والتَّكْذيبِ بِهِ، وَهُوَ تَقْلِيد آبَائهِمْ وأَجْدَادِهِمْ، فإِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ، وَإِنَّما يَتَّبِعُونَ أَقْوَالَ الآبَاءِ وَالأَجْدَادِ دونَ تَفَكُّرٍ وَلَا تَعَقُّلٍ ولا تَدَبُّرٍ.
قَوْلُهُ ـ تَعَالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا} بَلْ: حَرْفُ عَطْفٍ لِلْإِضْرَابِ الْإِبْطَالِيِّ، أَوْ للاسْتِئنافِ. وَ "قَالُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وَواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. وَ "مِثْلَ" مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ هُوَ المَفْعُولُ الْمُطْلَقُ أَصَالَةٌ، والتَّقْديرُ: بَلْ قالوا قولًا مِثْلَ مَا قالَ الأَوَّلونَ، وَهُوَ مُضافٌ. وَ "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكونِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جملةِ {يَعْقِلُونَ} عَلَى كَوْنِهَا صِلَةَ الاسْمِ المَوْصولِ، أَوْ هي مُسْتَأْنَفَةٌ وهي في
الحالَيْنِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {قَالَ الْأَوَّلُونَ} قالَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، و "الأَوَّلونَ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وعلامةُ رَفْعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التَّنْوينِ في الاسْمِ المُفْردِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوصولِ الحَرْفي "مَا" المَصْدَرِيَّةِ، وَجُمْلَةُ "مَا" المَصْدَرِيَّةِ مَعَ صِلَتِهَا، فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بإِضَافَةِ "مِثلَ" إِلَيْهِ.