الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 48
فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)
قولُهُ ـ تَعَالى شأنُهُ: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} أَيْ: فاسْتَمَرُّوا في تكذيبِهِم، وأَصَرُّوا عليْهَ، فَانْتَظَمُوا فِي سِلْكِ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ أُهْلِكُوا، فَأَهْلَكَهمُ اللهُ غَرَقًا فِي البَحْرِ. وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: فَأُهْلِكُوا، كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَفِي هَذَا تَهْدِيدٌ لِقُرَيْشٍ إِنْ هُمُ استمرُّوا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ لسَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ محمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: "مِنَ الْمُهْلَكِينَ" إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِهْلَاكَ المُكَذِّبينَ لأَنْبِيَائهِمْ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ ـ تعالى، فِي الَّذِينَ يكَذِّبُون رُسُلَهُ.
وقدْ رَتَّبَ إِهْلَاكَهم عَلَى كُفْرهِم بربِّهِمْ، وتكْذيبِهِم لِرسُولَيْهِ، بِفَاءِ التَّعْقِيبِ لأَنَّ كُفْرَهُم وتكْذيبَهم هُمَا سَبَبا إهْلاكِهِم، فَكَانُوا مِمَّنْ حَكَمَ اللهُ ـ تَعَالى، عَلَيْهِمْ بِالهلاكِ غَرَقًا، وَالتَّعْقِيبُ هُنَا تَعْقِيبٌ عُرْفِيٌّ لِأَنَّ الْإِغْرَاقَ لَمَّا نَشَأَ عَنِ التَّكْذِيبِ فَالتَّكْذِيبُ مُسْتَمِرٌّ إِلَى حِينِ الْإِهْلَاكِ. فَإِنَّ إهْلاكَهُم لَمْ يَحْصُلْ عَقِيبَ التَّكْذِيبِ، وَإِنَّمَا حُكْمُ اللهِ عَلَيهم بِذَلِكَ، وأَهْلكَهُم فِي الْوَقْتِ المُنَاسِبِ المُقَدَّرِ في عِلْمِهِ ـ تَعَالى.
قولُهُ تَعَالى: {فَكَذَّبُوهُمَا} الفاءُ: للعَطْفِ والتَّعْقيبِ والتفريعِ، وَ "كَذَّبُوهُما" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعَةِ، وَواوُ الجَماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ، وَ "هُما" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ للمثنَّى الغائبِ يعودُ على سيِّدِنا موسَى وأخيهِ هارونَ عَلَيْهِما السَّلامُ. وهو مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ على المفعولِيَّةِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {فَقَالُوا} مِنَ الجملةِ التي قبلَها فَلَيسَ لَهَا محلٌّ مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} الفَاءُ: للعَطْفِ والتَّعْقيبِ والتفريعِ. و "كَانُوا" فِعْلٌ مَاضٍ ناقصٌ، مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعَةِ، وَواوُ الجَماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كانَ"، والألِفُ للتَّفريقِ. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقدَّرٍ لِـ "كانَ"، و "الْمُهْلَكِين" مَجْرورٌ بحَرْفِ الجَرِّ، وعلامةُ جرِّهِ الياءُ لأنَهُ جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "كَذَّبُوهُمَا" فَلَيسَ لَهَا محلٌّ مِنَ الإِعْرابِ.