روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 73

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 73 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 73 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 73   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 73 I_icon_minitimeالأحد مايو 02, 2021 9:06 am

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ
(73)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هَو مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنَ الآيةِ: 71، السَّابقةِ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا}. فَالْخِطَابُ هُنَا بِـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" هوَ لِلْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمُ هُمُ الْمَقْصُودُ بِالرَّدِّ عليْهِمْ وَزَجْرِهم بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعَدَ ذَلِكَ: "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ"، بحسَبِ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَالْمُرَادُ بِـ "النَّاسُ" الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ الكَريمِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِـ "النَّاسُ" جَمِيعَ النَّاسِ مُؤْمِنينَ وَمُشْرِكِينَ.
وَالمُلاحَظُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ الكَريمَةَ افْتُتِحَتْ بِـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" وَأُعِيدَتْ هُنَا في خِتَامِهَا وَهُوَ ما يُسَمَّى في عِلْمِ البَلاغَةِ بِرَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ، يَزِيدُهُ حُسْنًا أَنْ الْعَجُزَ جَامِعٌ لِمَا فِي الصَّدْرِ وَمَا بَعْدَهُ، فَهُوَ كَالنَّتِيجَةِ لِلِاسْتِدْلَالِ، وَالْخُلَاصَةِ لِلْخُطْبَةِ، وَالْمُحَصِّلَةِ لِلدَّرْسِ.
قوْلُهُ: {ضُرِبَ مَثَلٌ} أَيْ: بُيِّنَ لَكُم حَالٌ مُسْتَهْجَنةٌ غَريبَةٌ، أَوْ قِصَّةٌ غريبةٌ عَجيبَةٌ، وَهِيَ مَا عُرِفَ عَنْهُمْ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ.
وَإِنَّمَا قَالَ: "ضُرِبَ مَثَلٌ" لِأَنَّ حُجَجَ اللهِ ـ تَعَالَى، عَلَيْهِمْ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ أَقْرَبُ إِلَى أَفْهَامِهِمْ.
وَالضَّرْبُ إِيقَاعُ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ بِقُوَّةٍ، وَالمَثَلُ: تَشْبِيهُ شَيْءٍ مَجْهُولٍ بِآخَرَ مَعْلُومٍ عَجيبٍ غريبٍ بَديعٍ، يَعْلَقُ فِي الأَذْهانِ.
وذلكَ لأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ علَيْهِ، وَلَا عِلْمَ لهمْ بِهِ، فَجاءتْ هَذِهِ الْآيَةُ المُباركَةُ بِتَقْريعِهِمْ عَلَى فعلَتِهِمُ الشَّنيعةِ هذِهِ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَيْسَ ثَمَّ مَثَلٌ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى ضَرَبُوا للهِ مَثَلًا فَاسْتَمِعُوا قَوْلَهُمْ، يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ جَعَلُوا للهِ مَثَلًا بِعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ جَعَلُوا لِي شَبِيهًا فِي عِبَادَتِي فَاسْتَمِعُوا خَبَرَ هَذَا الشَّبِيهِ.
وَقَالُ الْقُتَبِيِّ: الْمَعْنَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَثَلُ مَنْ عَبَدَ آلِهَةً لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَخْلُقَ ذُبَابًا وَإِنْ سَلَبَهَا الذُّبَابُ شَيْئًا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَسْتَنْقِذَهُ مِنْهُ.
وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْمَعْنَى ضَرَبَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ مَثَلًا، قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ، أَيْ بَيَّنَ اللهُ لَكُمْ شَبَهًا لِمَعْبُودِكُمْ.
فإنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَثَلُ فِي الْأَكْثَرِ نُكْتَةً عَجِيبَةً غَرِيبَةً جَازَ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مَثَلًا.
وَقَالَ أَبو القاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الذي جاءَ بِهِ لَيْسَ مَثَلًا فَكَيْفَ سَمَّاهُ مَثَلًا؟ قُلْتُ: قَدْ سُمِّيَتِ الصِّفَةُ وَالقِصَّةُ الرَّائعَةُ المُتَلَقَّاةُ بِالِاسْتِحْسَانِ والاسْتِغْرَابِ مَثَلًا؛ تَشْبِيهًا لَهَا بِبَعْضِ الأَمْثَالِ المُسَيَّرَةِ لِكَوْنِهَا مُسْتَغْرِبَةً مُسْتَحْسَنَةً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَثَلٌ مِنْ حَيْثُ المَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضُرِبَ مَثَلُ مَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ بِمَنْ يَعْبُدُ مَا لَا يَخْلُقُ ذُبابًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ هَهُنَا مَثَلٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ قَطْعَ الشَّغَبِ لِأَنَّهُمْ كانُوا يَقُولونَ: {لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} الآيةَ: 26، مِنْ سورةِ فُصِّلَتْ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ"، فأَصْغَوْا إِلَيْهِ اسْتِمَاعًا لِلْمَثَلِ. فأَوْقَعَ فِي أَسْمَاعِهِمْ عَيْبَ آلِهَتِهِمْ، فَقَالَ: "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ". وَيُقَالُ: مَعْنَاهُ مَثَلُكُمْ مَثَلُ مَنْ عَبَدَ آلِهَةً مِنْ دونِ اللهِ، لَنْ يَقْدِرُوا عَلَى خَلْقِ الذُّبَابِ.
وَقدْ بُنِيَ فِعْلُ "ضُرِبَ" بِصِيغَةِ المبنيِّ للمَفعولِ، فَلَمْ يُذْكَرْ فَاعِلُهُ، بِعَكْسِ مَا جاءَ فِي مَوَاضِعِ أُخْرَى مِنَ الكتابِ العزيزِ، حيثُ بُنِيَ على الفاعِلِ وَصُرِّحَ فِيهَا بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ البقرَةِ: {إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بعوضَةً فما فَوْقها} الْآيَة: 26، وقولِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ سُورَةِ النَّحْلِ: {وضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ} الآيَةَ: 75، وقالَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى، مِنْ سورةِ الزُّمَرِ: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} الآيةَ: 29، وغيرِها مِنَ الآياتِ، فَأُسْنِدَ ضَرْبُ الْمَثَلِ فيها إِلَى اللهِ ـ سُبحانَهُ وتَعَالى، وَأَسْنَدَه إلى المُشْركينَ في قَوْلِهِ: {فَلا تَضْرِبُوا للهِ الْأَمْثالَ} الآيةَ: 74، مِنْ سُورَةِ النَّحْلِ. وقولِهِ في الآيةِ: 78، منْ سورةِ يس، فقالَ: {وضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ، ذلكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا نَسْجُ التَّرْكِيبِ عَلَى إِيجَازٍ صَالِحٍ لِإِفَادَةِ احْتِمَالَيْنِ:
الأَوَّلُ: أَنْ يُقَدَّرَ الْفَاعِلُ اللهَ ـ تَعَالَى، وَأَنْ يَكُونَ الْمَثَلُ تَشْبِيهًا تَمْثِيلِيًّا، أَيْ أَنُهُ أَوْضَحَ تَمْثِيلًا يُبيِّنُ حَالَ الْأَصْنَامِ فِي فَرْطِ عَجْزِها عَنْ إِيجَادِ أَضْعَفِ الْمَخْلُوقَاتِ، والقيامِ بأَبسطِ الأَعْمَالِ كَمَا هُوَ مَعروفٌ للجميعِ، ومُشَاهَدٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ.
الثَّانِي: أَنْ يكونَ الْمُشْرِكِونَ هُمُ الْفَاعِلَ المُقَدَّرَ، وَيَكُونُ الْمَثَلُ بِمَعْنَى الْمُمَاثِلُ، أَيْ: أَنَّ المُشْركينَ هُمُ الذينَ جَعَلُوا أَصْنَامَهُمْ مُمَاثِلَةً للهِ تَعَالَى فِي إِلَهِيَّتِهِ ومُشاركةً لَهُ.
قولُهُ: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ} أَيْ: أَجِيبُوا عَنْهُ، أَوْ تَدَبَّرُوهُ حَقَّ تَدَبُّرِهِ لِأَنَّ لِأَنَّ السَّمَاعَ وَحْدَهُ لَا يَنْفَعُ إِن لَّم يُرَافِقْهُ تَفَكُّرٌ وَتَدَبُّرٌ وَاعْتِبَارٌ.
وَلمَّا كانَ الذُّبَابُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، احْتَجَّ اللهُ بِهِ عَلَى تَفْنِيدِ دَعْوَاهُمْ بقَوْلِهِ: "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ".
قولُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} تَدْعونَ: يَعْنِي: إِنَّ الَّذينَ تَعْبُدُونَهم مِنْ دُونِ اللهِ مِنَ أَصْنَامٍ، وَقَدْ كَانَ عَدَدُها ثَلاثَمِئةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا ـ بِعَدَدِ أَيَّامِ السَّنَةِ، مُوَزَّعَةً حَوْلَ الكَعْبَةِ المُشَرَّفةِ وَدَاخِلَهَا.
قولُهُ: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} نَفْيٌ مُؤَكَّدٌ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى، لِمَقْدِرَةِ أَصْنامِهِمُ الَّتي يَعْبُدونَها مِنْ دونِ اللهِ عَلَى خلقِ مِثْلِ أَصْغَرِ وأَحْقَرِ شيْءٍ، مِمَّا خَلَقَهُ ـ تَعَالى، في هَذا الوجودِ العظيمِ الهائلِ المليءِ بالعجائبِ والغرائبِ، وعظيمِ المَخلوقاتِ، فَنَفَى أَنْ يَسْتَطِيعُوا خَلْقَ ذُبابةٍ واحدةٍ، ولو اجتمعَ لذلكَ كلُّ ما يؤلِّهونَهُ ويعبدونَهُ منْ دون اللهِ ـ تَعَالَى، الخالقِ العَظيم ـ سُبحانَهُ وتعالى. وَ "لَنْ" أَصْلٌ فِي نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ، نَفْيًا مُؤَكَّدًا.  
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا، أَنَّهُ قَالَ: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا مِثْلَ خَلْقِي ذَرَّةً أَوْ ذُبَابَةً أَوْ حَبَّةً)). المُسْنَدُ: (2/391). وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخانِ في صَحِيحِيهِما مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، فَلْيَخْلُقُوا شُعَيْرَةً)) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي اللَّبَاسِ، باب: 90، وَالتَّوْحيدِ، باب: 56، وأخْرجَهُ مُسْلِمٌ في اللِّباسِ، حديث: 101.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ" إِلَى قَوْلِهِ: "لَا يستنقذوه مِنْهُ" قَالَ: الْأَصْنَامُ، ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنَ الذُّبَابِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ" قَالَ: نَزَلَتْ فِي صَنَمٍ.
قولُهُ: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ آلِهَتِهِمُ الَّتي يَعْبُدُونَ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْ خَلْقِ الذُّبَابِ، فَقَالَ: "وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئًا"، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُلَطِّخُونَ العَسَلَ عَلَى فَمِ الأَصْنَامِ، فَيَجِيءُ الذُّبَابُ فَيَسْلِبُ مِنْهَا مَا لَطَّخُوا عَلَيْهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَطْلُونَ الْأَصْنَامَ بِالزَّعْفَرَانِ، فَإِذَا جَفَّ جَاءَ الذُّبَابُ فَاسْتَلَبَ مِنْهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا يَضَعُونَ الطَّعَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْأَصْنَامِ فَتَقَعُ الذُّبَابُ عَلَيْهِ فَيَأْكُلْنَ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا يُحَلُّونَ الْأَصْنَامَ بِالْيَوَاقِيتِ وَاللَّآلِئِ وَأَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ، وَيُطَيِّبُونَهَا بِأَلْوَانِ الطِّيبِ فَرُبَّمَا تَسْقُطُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ فَيَأْخُذُهَا طَائِرٌ أَوْ ذُبَابٌ فَلَا تَقْدِرُ الْآلِهَةُ عَلَى اسْتِرْدَادِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} أَيْ: وَإِنْ يَسْلُبِ الذُّبَابُ الْأَصْنَامَ شَيْئًا مِمَّا عَلَيْهَا لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ.
وَالسَّلْبُ: هوَ اخْتِطافُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ. فيُقالُ: سَلَبَهُ نِعْمَتَهُ. والسَّلَبُ: مَا يكونُ عَلى القَتِيلَ في ساحِ الوَغَى مِنْ مالٍ وَعَتَادٍ. فَقَدْ جَاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ قَوْلُهُ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ)). فقد رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ))، قَالَ: فَقُمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟، ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقُمْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟)) فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا هَا اللهِ إِذَنْ لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسُدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ))، فَأَعْطَانِي، قَالَ: فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهَا مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ. أَخْرَجَهُ الأَئِمَّةُ: مَالِكٌ في "المُوَطَّأ" (281). وعبدُ الرَّزَّاق في مُسْنَدِهِ: (9476). والحُمَيدي في مُسْنَدَهِ: (423). وأَحْمَدُ في "المُسْنَدِ": (5/295، برقم: 22885). والدارِمِي: (2485). وَالبُخاري: (3/82، برقم: 2100). وَمُسلم: (5/147). وأَبو دَاوُد: (2717). وابْنُ ماجةَ: (2837). والتِّرْمِذِيُّ: (1562). وابْنُ حِبَّانَ: (4805).
والذُّبَابُ: اسْمُ جِنْسٍ مُفْرَدٌ وَاحِدَتُهُ ذُبابة، يَقَعُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، فيُفَرَّقُ بِالْوَصْفِ فيقالُ: ذبابةٌ ذكَرٌ وذُبابةٌ أُنْثَى. وَيُجَمْعُ عَلَى: ذِبَّانٌ، للتَّكثيرِ، وَلِلتَّقْلِيلِ يُجْمَعُ على أَذِبَّةٌ، كَ: غُرَابٍ، وَغِرْبَانٍ، وَأَغْرِبَةٍ. وَهُوَ مِنَ الذَّبِّ لِأَنَّهُ يُذَبُّ، أَيْ: يُطْردُ وَيُبْعَدُ. ويقالُ "ذِبَّانٌ" ـ بكَسْرِ الذالِ، و "ذُبَّانٌ" بِضَمِّهَا. والمِذَبَّة مَا يُطْرَدُ بِهَا الذُّبَابُ.
وَقَدْ خُصَّ الذُّبَابُ بالذِّكُر هنا لِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ تَخُصُّهُ: لِمَهَانَتِهِ، وَضَعْفِهِ، وَلِاسْتِقْذَارِهِ، وَلكَثْرَتِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ الْحَيَوَاناتِ وَأَحْقَرُهُا لَا يَقْدِرُ مَنْ عَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى خَلْقِ مِثْلِهِ، وَدَفْعِ أَذاهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا آلِهَةً مَعْبُودِينَ وَأَرْبَابًا مُطَاعِينَ. وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الحُجَّةِ وَأَوْضَحِ البُرْهَانِ عَلَى وحدانيَّةِ الرحيمِ الرَّحمَنِ المَلِكِ الديَّانِ ووحدانِيَّتِهِ، واسْتِحقاقهِ العبادةَ وحدَهُ.
قولُهُ: {لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} أَيْ: لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَسْتَرْجِعوهُ مِنَ الذُّبابِ إنْ أَخَذَهُ مِنْهُم ويُخَلِّصِوهُ مِنْهُ. وقِيلَ: هوَ رَاجِعٌ إِلَى أَلَمِهِ فِي قَرْصِ أَبْدَانِهِمْ حَتَّى يَسْلُبَهُمُ الصَّبْرَ وَالْوَقَارَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: كَانُوا يَطْلُونَ أَصْنَامَهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ فَتَجِفُّ فَيَأْتِي فَيَخْتَلِسُهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا يَجْعَلُونَ لِلْأَصْنَامِ طَعَامًا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ فَيَأْكُلُهُ.
والِاسْتِنْقَاذُ، وَالْإِنْقَاذُ: التَّخْلِيصُ. يُقَالُ: أَنْقَذَهُ مِنْ كَذَا إِذا أَنْجَاهُ مِنْهُ، وَخَلَّصَهُ.
قولُهُ: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} الطالبُ: أَصْنَامُهُمْ وآلِهَتُهُم، والمًطْلوبُ الذُّبابُ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. وَقِيلَ: الطَّالِبُ عَابِدُ الصَّنَمِ وَالْمَطْلُوبُ الصَّنَمُ نَفْسُهُ، أَوْ عِبَادَتُهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ كَوْنَ الصَّنَمِ طَالِبًا لَيْسَ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ المَجَازِ، أَمَّا هَهُنَا فَعَلَى سَبِيلِ التَّحْقِيقِ لَكِنَّ الْمَجَازَ فِيهِ حَاصِلٌ لِأَنَّ الْوَثَنَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا، لِأَنَّ الضَّعْفَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَصِحُّ أَنْ يَقْوَى، وَهَهُنَا وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "ضَعُفَ" لَا مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةِ، وَلَكِنْ لِظُهُورِ قُبْحِ هَذَا الْمَذْهَبِ، كَمَا يُقَالُ لِلْمَرْءِ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ: مَا أَضْعَفَ هَذَا الْمَذْهَبَ وَمَا أَضْعَفَ هَذَا الوجه. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الطَّالِبُ الصَّنَمُ، وَالْمَطْلُوبُ الذُّبَابُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ. فقدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: "ضَعُفَ الطَّالِبُ" آلِهَتُكُمْ، "وَالْمَطْلُوبُ" الذُّبَابُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: "الطَّالِبُ": الْعَابِدُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الطَّالِبُ الْعَابِدُ، وَالْمَطْلُوبُ الصَّنَمُ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا" يَعْنِي الصَّنَم، لَا يَخْلُقُ ذُبُابًا. "وَإِنْ يَسْلُبُهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا" يَقُولُ: يَجْعَل للأَصْنَامِ طَعَامٌ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَنْقِذَهُ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّاسِ وَإِلَى الْأَصْنَامِ "ضًعُفَ الطَّالِبُ" الَّذِي يَطْلُبُ إِلَى هَذَا الصَّنَمِ الَّذِي لَا يَخْلُقُ ذُبابًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَنْقِذَ مَا سُلِبَ مِنْهُ وَضَعُفَ، "وَالْمَطْلُوب" إِلَيْهِ الَّذِي لَا يَخْلُقُ ذُبابًا، وَلَا يَسْتَنْقِذَ مَا سُلِبَ مِنْهُ. والآيَةُ تنْبيهٌ عَلَى حَقَارَةِ الْأَصْنَامِ وَسَخَافَةِ عُقُولِ عَابِدِيهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} يَا: حَرْفُ نِدَاءٍ. و "أَيُّ" مُنَادَى نَكِرَةٌ مَقْصُودَةٌ، مبنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالنِّداءِ، وَ "ها" حَرْفٌ للتَنْبِيهٍ. وَ "النَّاسُ"، بَدَلٌ مِنْ "أَيُّ" أَوْ صِفَةٌ لَهَا، وَجُمْلَةُ النِّداءِ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {ضُرِبَ مَثَلٌ} ضُرِبَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ، مبنيٌّ على الفتْحِ. وَ "مَثَلٌ" نَائِبٌ عَنْ فَاعِلِهِ مَرْفوعٌ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ جَوَابُ النِّدَاءِ، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ} فَاسْتَمِعُوا: الفاءُ: هِيَ الفَصِيحَةُ، أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ تَقْديرُهُ: إِذَا عَرَفْتُمْ مَا قُلْتُ لَكُمْ، مِنْ ضَرْبِ المَثَلِ، وَأَرَدتُّمْ بَيَانَ مَا هُوَ اللَّازِمُ لَكُمْ .. فَأَقُولُ لَكُمْ: اسْتَمِعُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ. و "اسْتَمِعُوا" فِعْلُ أَمرٍ مبنيٌّ على حذْفِ النُّونِ لأنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلفُ للتَّفريقِ. وَ "لَهُ" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "اسْتَمِعُوا"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: فاسْتَمِعوا مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، مَقُولُ القولِ لِجَوَابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ} إِنَّ" حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، للتَّوكيدِ. و "الذينَ" اسْمٌ موْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في مَحَلِّ النَّصْبِ، اسمُها. وخبرُها جُمْلَةُ "يَخْلُقُوا". وَجُمْلَةُ "إِنَّ" المُفَسِّرةِ هذِهِ مِنِ اسْمِها وخَبَرِهَا لَيسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ؛ لِأَنَّها جُملَةٌ مُفَسِّرةٌ مَسُوقَةٌ لِتَفْسيرِ المَثَلِ المَضْروبِ.    
قولُهُ: {تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} تَدْعُونَ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ متعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ فَاعِلِ "تَدْعُونَ"؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِكُمْ مُجَاوِزينَ اللهَ. و "دونِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ وهوَ مُضَافٌ، لفظُ الجلالةِ "اللهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وَالجُمْلةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "الذينَ"، وَالعَائِدُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: تَدْعُونَهُمْ.
قوْلُهُ: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} لَنْ: حَرْفٌ لِنَّصْبِ الفِعْلِ المُضارعِ وَنَفْيِ وقوعِهِ مُسْتَقْبَلًا. وَ "يَخْلُقُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "لَنْ" وعلامةُ نَصْبِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ، وَواوُ الجماعةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "ذُبَابًا" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، خَبَرُ "إِنَّ".
قوْلُهُ: {وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} الواوُ: عَاطِفَةٌ. و "لَوْ" شَرْطِيَّةٌ. و "اجْتَمَعُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفريقِ و "لَهُ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اجْتَمَعُوا"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِعْلُ شَرْطِ "لَوْ" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وَجَوَابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ، مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهَا، والتَّقْديرُ: وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهْ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا. وَجُمْلَةُ "لَوْ" الشَّرْطِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ، عَطْفًا عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، وَقَعَتْ حَالًا مِنْ فَاعِلِ: "يَخْلُقُوا"، والتَّقْديرُ: إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا، لَوِ انْفَرَدُوا فِي خَلْقِهِ لَنْ يَخْلُقُوهُ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهْ لَنْ يَخْلُقُوهُ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا، حَالَةَ كَوْنِهِمْ مُنْفَرِدينَ فِي خَلْقِهِ، وَحَالَةَ كَوْنِهِمْ مُجْتَمِعِينَ عَلَى خَلْقِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (نَصْبٌ عَلَى الحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ: يَسْتَحِيلُ خَلْقُهُمُ الذُّبَابَ مَشْروطًا عَلَيْهِمُ اجْتِمَاعُهُمْ جَمِيعًا لِخَلْقِهِ، وَتَعَاونُهُمْ عَلَيْهِ).
وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ هَذِهِ الوَاوَ عَاطِفَةٌ هَذِهِ الجُمْلَةَ الحَالِيَّةَ عَلَى حَالٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ: انْتَفَى خَلْقُهُمُ الذُّبَابَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ فِي هَذِهِ الحَالِ المُقْتَضِيَةِ لِخَلْقِهِمْ لِأَجْلِ الذُّبَابِ، أَوْ لِأَجْلِ الصَّنَمِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} الواوُ: عَاطِفَةٌ. و "إِنْ" شَرْطٍيَّةٌ جازمةٌ. و "يَسْلُبْهُمُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بِهَا عَلى كونِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولُهُ الَأَوَّلُ. و "الذُّبَابُ" فاعِلُهُ مَرفوعٌ بِهِ. و "شَيْئًا" مَفْعُولُهُ الثَّاني منصوبٌ بِهِ. وَجُمَلَةُ "إِنْ" الشَّرطِيَّةِ هَذِهِ مَعْطُوفَة عَلَى جُمْلَةِ: "إِنَّ الذينَ تَدْعُونَ" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} لَا" نَافِيَةٌ. و "يَسْتَنْقِذُوهُ" فِعْلٌ مُضارعٌ  مَجْزُومٌ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ جَوَابًا لَهَا، وعلامةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعليَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى المَفعوليَّةِ. و "مِنْهُ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يَسْتَنْقِذوهُ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا" عَلَى كَوْنِهَا خَبَرًا لِـ "إنَّ".
قولُهُ: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ضَعُفَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتْحِ. وَ "الطَّالِبُ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "وَالْمَطْلُوبُ" الواوُ: حَرْفُ عطْفٍ، و "المطلوبُ" مَعْطوفٌ عَلَى "الطَّالِبُ". مرفوعٌ مِثْلُهُ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ: إِمَّا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ "يَسْتَنْقِذُوهُ"؛ في مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِمَا ضَعِيفَيْنِ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {تَدْعونَ} بِالتَّاءِ على الخطاب، وَقَرَأَ أبو عَبْدِالرحمنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، والحَسَنُ، وَيَعْقُوبُ، وهَارونُ، ومَحْبُوبٌ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو "يَدْعُونَ" بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ. وَهُوَ فِي كَلْتَيْهِمَا مَبْنِيٌّ لِفَاعِلِ "يَدْعُونَ" بِالْيَاءِ على الخَبَرِ. وَقَرَأَ مُوسَى الأَسْوَارِيُّ، وَاليَمَانِيُّ: "يُدْعَوْن" بالياءِ أَيْضًا إنَّما على البِناءِ لِلْمَفْعُولِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 73
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 8
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 24
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 38
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 54
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 70

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: