اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
(69)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الخِطَابُ هُنَا يَعُمُّ الفَريقَيْنِ، فَريقَ المُؤْمِنِينَ بِرَبِّ العَالَمينَ، وَفَريقَ الكَافِرينَ بِهِ، كَالَّذي قَبْلَهُ، وَلَيْسَ مَخْصُوصًا بِالكَافِرينَ، أَيْ: وَلَسَوْفَ يَجْمَعُ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، النَّاسَ جَمِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالعَدْلِ، وَسَيَحْكُمُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ هَؤُلاءِ الضَّالِّينَ المُعانِدينَ المُجادِلِينَ في اللهِ وآياتِهِ وأحكامِهِ.
قولُهُ: {فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أَيْ: فِيمَا كنْتُمْ تَخْتَلِفُونَ فيهِ مِنْ أَمُورِ الدِّينِ، فَيَتَبَيَّنُ المُحِقُّ مِنَ المُبْطِلِ، فَتَعْرِفُونَ حِينَئِذٍ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ. والاخْتِلَافُ معناهُ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ فريقٍ مِنَ المُتَخاصِمينَ إِلَى خَلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الفريقُ الآخَرُ، أَوِ الفُرقاءُ.
وَقدْ كانَ الحديثُ فيما تَقدَّمَ مِنْ آياتٍ مباركاتٍ عَنِ الذَبائحِ والاخْتِلَافِ بِشَأْنِها، وَلكِنْ يَصِحُّ أَنْ يَعَمَّمَ حَتَّى يَشْمَلَ كُلَّ مَا يَشْجُرُ بَيْنَ المُتَخاصِمِينَ مِنْ أُمورِ الدُّنْيا وَالدِّينِ، فيُصَدِّقُ المُحِقَّ وَيثيبُهُ، وَيُكَذِّبُ المُبْطِلَ ويُعاقبُهُ. وَذَلكَ مِصْداقًا لِقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ الزَّلْزَلةِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهْ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهْ} الآيَتانِ: (7 و ، فإنَّ هَذا وَرَدَ في آياتٍ وأَحاديثَ كثيرةٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ يومُ القيامةِ بِيَوْمِ الحِسَابِ أَيْضًا. وفي هذِهِ الآيةِ الكَريمةِ تَسْلِيَةٌ لِجَنَابِهِ الشَّريفِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بِأَنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ، سَوفَ يَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ كَذَّبَهُ، وَيُبَيِّنُ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَهُ وعَصَى أَمْرَهُ وَأَكْثَرَ جِدالَهَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَلِيِّ المُؤْمِنِينَ. قولُهُ تَعَالَى: {اللهُ} لفظُ الجلالةِ "اللهُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ. وَخَبَرُهُ جُمْلَةُ "يَحْكُمُ". وهَذِهِ الجُمْلةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولٌ لِـ {قُلْ}.
قولُهُ: {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا} يَحْكُمُ: فعلٌّ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يعودُ على اللهِ ـ تَعَالى. و "بَيْنَكُمْ" منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ الاعْتِبارِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَحْكُمُ"، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والميمُ: علامةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "يَوْمَ" مَنْصوبٌ على الظَّرْفيَّةِ الزَّمانِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَحْكُمُ" أَيْضًا، وهوَ مُضافٌ، و "القِيامةِ" مَجْرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "فِيمَا" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يَحْكُمُ" أَيْضًا، و "مَا" مَوصولةٌ مبنيَّةٌ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، أَوْ نَكِرةٌ مَوْصوفةٌ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ "اللهُ" في مَحَلِّ الرَّفعِ.
قوْلُهُ: {كُنْتُمْ فِيهِ} فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ التاءُ، والتاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كانَ"، والميمُ: علامةُ الجمعِ المُذَكَّرِ. وَ "فِيهِ" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَخْتَلِفُونَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرفِ الجَرِّ وَجُمْلَةُ "كَانَ" هذِهِ صِلَةٌ لِـ "ما" فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ الجَرِّ إِذا كانتْ نَكِرَةً مَوصوفةً، والعائدُ هاءُ الضَميرِ في "فيه".
قولُهُ: {تَخْتَلِفُونَ} فِعْلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامَةُ رفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ. وواوُ الجَماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والجُمْلةُ خَبَرُ "كانَ" في محلِّ الرَّفعِ.