وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ
(43)
قَولُهُ ـ تَعَالَى شأْنُهُ: {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ} قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ هُمُ الْكَلْدَانُ، وَقَدْ بَيَّنَ ـ تَعَالَى، فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَما قَالَ في الآيةِ: 46، مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}، وَقالَ مِنْ سُورَةِ العَنْكَبُوتِ: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ} الآيةَ: 24، وَقَالَ مِنْ سُورةِ الأَنْبِيَاءِ: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} الْآيَةَ: 68، إِلَى غَيْرِها مِنَ الْآيَاتِ المُباركاتِ.
قَوْلُهُ: {وَقَوْمُ لُوطٍ} قومُ لُوطٍ: هُمْ أَهْلُ مَديِنَتَيْ "سَدُوم" وَ "عامُورَاء" فَقيلَ: هُمَا منْ دِيارِ بَكْرٍ، وقيلَ: هما مِنْ ديارِ رَبِيعَةَ، وَقِيل: مِنْ دِيارِ مُضَرَ وقالَ ابْنُ الأَثِيرِ: هُمَا مِنْ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ وَقيلَ: حَرَّان العَوَامِيدِ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ فِيمَنْ أَهْلَكَ مِنَ الأُمَمِ، بِسَبَبِ ارْتِكَابِهِمُ الفاحِشَةِ، وتَكذِيبِهِمْ نَبِيِّهِمْ لوطًا ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، منها قَوْلُهُ في الآيةِ: ، مِنْ سُورةِ الشُّعراء: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} الآيةَ: 160، وَقَوْلُهُ مِنْ سُورةِ النَّملِ: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ} الْآيَةَ: 56، إِلَى غَيْرِهما مِنَ الآياتِ المُبَاركاتِ.
وَ "لُوطُ" نَبِيُّهمْ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، هوَ بْنُ بَهَارَانَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَفي اللُّغةِ: "لُوط" مِنْ قَوْلِهِمْ: لَاطَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ إِذَا الْتَصَقَ بِهِ. وَلَاطَ الحَوْضَ، أَوِ الجِدَارَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ: طَيَّنَهُ وَصَقَلَهُ فجَعَلَهُ أَمْلَسًا، وَ "لَاطَ" الحُبُّ بِقَلْبِي "يَلُوطُ لَوْطًا" وَ "يَلِيطُ لَيْطًا": حُبِّبَ إِلَيَّ، وَأُلْصِقَ بِهِ، قالَ الشَّاعِرُ ذو الرُّمَّة:
رَمَتْنِيَ مَيٌّ بالهَوَى رَمْيَ مُمْضَعٍ ....... من الوَحْشِ لَوْطٍ لم تَعُقْهُ الأَوالِسُ
بِعَيْنَيْنِ نَجْلَاوَيْنِ لَمْ يَجْرِ فِيهِمَا ...... ضَمَانٌ، وَجِيدٌ جَلِيِّ الدُّرِّ شَامِسُ
وَالأَوَالِسُ: النِّيَاقُ، أَوِ الدَّواهِي، أيْ: لَمْ يَشْغَلْهُ شاغلٌ. وَلَاطَ لَوْطًا: أَلَحَّ، وَلَاطَهُ لَيْطًا: لَعَنَهُ، وَمِنْهُ قالوا: "شَيْطانٌ لَيْطانٌ" أَيْ: مَلْعُونٌ. وَاللَّوْطُ أَيْضًا: الرِّداءُ، والرَّجُلُ الخفيفُ، والرِّبا، كَاللِّياطِ، وَالشَّيءُ اللَّازِقُ، وَالْتَاطَهُ، وَاسْتَلاطَهُ: ادَّعَاهُ وَلَدًا لهُ وَما هوَ لهُ بولَدٍ. والتَّلْيِيطُ: الإِلْصاقُ.
فقد أَشَارَ الحقُّ ـ سُبْحَانَهُ، في هَذِهِ الآيةِ الكريمةِ إِلَى قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، الَّذينَ أَرَادُوا إِحْرَاقَهُ عِنْدَمَا حَطَّمَ لَهُمُ الأَوْثَانَ، وَإِلَى قَوْمِ لُوطٍ الذينَ كانُوا يَأْتُون الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ، وَكَيْفَ أَمْطَرَ اللهُ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِيلٍ مُسَوَّمةً مِنْ عِنْدِهِ فَأَهْلَكَهُمِ، وَدَمَّرَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ، وَجَعَلَ عَالِيهَا سَافِلَهَا.
قولُهُ تَعَالى: {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ} الوَاوُ: للعطْفِ، و "قَوْمُ" مَرفوعٌ بالفاعِلِيَّةِ عَطْفًا عَلَى "قَوْمُ" مِنَ الآيَةِ التي قبلَها، وهوَ مُضافٌ. وَ "إِبراهيم" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، وعلامةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ لأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ بالْعَلَمِيَّةِ والعُجْمةِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ عَلامَةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ. وَكَذَلِكَ "قَوْمُ لُوطٍ" معطوفٌ عَلَيْهِ.