وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ
(42)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ} أَيْ: لَسْتَ الوَحِيدَ الذي كُذِّبَ مِنْ بَيْنِ المُرْسَلِينَ، بَلْ إِنَّهم جميعًا كُذِّبوا فلا تحزنْ ولا يفتَّ هذا منْ عضُدِكَ فتفتُرَ همَّتُكَ في تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ إلى مَنْ أُرسِلْتَ إِلَيْهِمْ.
وَهَذِهِ تَسْلِيَّةٌ لِسَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَكْذِيبِ قومِهِ لَهُ مِنَ الحُزْنِ والهَمِّ وَالغمِّ، وَأَمْرٌ لهُ بالصَّبْرِ عَلَى تكْذيبِ قَوْمِهِ، تأسِّيًا بِمنْ سَبَقَهُ مِنَ المرسَلينِ.
وتَتضَمَّنُ هَذِهِ التِّسْليةُ أَيْضًا الوَعْدَ الكريمَ المُتَقَدِّمَ في الآيَةِ الَّتِي قَبْلَها بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ}، فقدْ تَعَهَّدَ لَهُ بِإِهْلاكِ مَنْ يُعَاديهِ مِنَ الكَفَرَةِ، وبَيَّنَ له كَيْفِيَّةَ نَصْرِهِ المَوْعُودِ، وذلكَ لأَنَّ عَاقِبَةِ الأُمُورِ كُلِها راجِعةٌ إِلَيْهِ ـ تَعَالَى. كما قالَ في الآيةِ: 120، مِنْ سُورةِ هُودٍ: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}، وَكَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ فاطر: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} الْآيَةَ: 4، وَقَوْلِهِ منْ سورةِ فُصِّلتْ: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} الآيةَ: 43.
وَفِي تَأْنِيثِ الفاعِلِ، وَهمْ قُريشٌ حَطٌّ لِقَدْرِ أُولِئِكَ المُكَذِّبِينَ. وَقَدِ اسْتَغْنَى فِي "عَادٍ" و "ثَمُودَ" عَنْ ذِكْرِ "قَوْمْ" لِاشْتِهَارِهِمْ بِهَذَا الاسْمِ.
قولُهُ تَعَالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} الواوُ: استئنافية. و "إِنْ" حَرْفُ شَرْطٍ جازمٌ. و "يُكَذِّبُوكَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بها عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَعَلَامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخمسَةِ، وواوُ الجَمَاعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُوليَّةِ.
قوْلُهُ: {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ} الفاءُ: هي الرَابِطَةُ لِجَوَابِ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ وُجُوبًا، لِكَوْنِ الجَوَابِ مَقْرُونًا بِـ "قَدْ". و "قَدْ" حَرْفُ تَحْقِيقٍ. و "كَذَّبَتْ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ جَوَابًا لَهَا. والتَّاءُ الساكِنَةُ لِتَأْنيثِ الفَاعِلِ، لِأَنَّ "قَوْم" اسْمُ جَمْعٍ فَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ، وَلَا حَاجَةَ لِتَأْوِيلِهِ بِالْأُمَّةِ أَوِ القَبيلَةِ كما فعَلَ بَعْضُهم. و "قَبْلَهُمْ" منْصوبٌ عَلَى الظَّرفيَّةِ الزَّمانيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "كَذَّبَ"، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والميمُ للجمعِ المُذَكَّرِ. و "قَوْمُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، مُضافٌ. و "نُوحٍ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. و "عَادٌ" مَعْطُوفٌ عَلَى "قَوْمُ" مرفوعٌ مِثلُهُ. وَ "ثَمُودُ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةُ مِنْ فعلِ شَرْطِها وجوابِها مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.