روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 23

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 23 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 23 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 23   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 23 I_icon_minitimeالسبت فبراير 20, 2021 7:29 am

إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {إِنَّ اللهَ} كَمَا توَعَّدَ اللهُ ـ تَعَالَى، فيما مَضى مِنْ آياتٍ بيِّناتٍ، عَبِيدَهُ الكافِرينَ بِهِ والمُشْرِكِينَ وَالمُنَافِقِينَ بأَنْ يُدخِلَهُم نارَ جهنمَّ خالدينَ في العَذَابِ المُهينِ. وَعَدَ في هَذِهِ الآيةِ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ المُتَّقينَ بالنعيمِ المُقيمِ في جنانِ النَّعيمِ. وقدْ أَكَّدَ وَعَدَهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، بـ "إِنَّ" وبِهِ بَدَأَ هَذِهِ الآيَةَ زِيادَةً في التَّأْكيدِ لِإدْخالِ اليَقينِ إِلَى قُلُوبِهم، والطُّمَأْنينةِ إِلى نُفُوسِهِم.
وكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُعطَفَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى جُمْلَةِ قولِه: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ} الْآيةَ: 19، السَّابقةِ لِأَنَّهُ قَسِيمُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ فِي تَفْصِيلِها الْإِجْمَالَ فِي قَوْلِهِ: هَذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}، بِأَنْ يُقَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يُدْخِلُهُمُ اللهُ جَنَّاتٍ .. إِلَى آخِرِهِ. وإنَّما عُدِلَ عَنْ ذَلِكَ الْأُسْلُوبِ إِلَى هَذَا الأُسْلُوبِ في النَّظْمِ اسْتِرْعَاءً لِأَسْمَاعِ المُخاطبينَ وَلَفْتًا لأَنْظارهم، فَجَاءَ مُبْتَدَأً بِهِ مُسْتَقِلًّا مُفْتَتَحًا بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ، وَمُتَوَّجًا بِاسْمِ الْجَلَالَةِ، وَلا تفوتَ النَّبيهَ مَعْرِفَةُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ هو قَسِيمُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي تَفْصِيلِ إِجْمَالِ ما يتعلَّقُ بِهَاذينِ الخَصْميْنِ، فَوَصَفَ مَا يَكونُ عَلَيْهِ حَالُ الْمُؤْمِنِينَ في الآخِرةِ، في مُقَابِلِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ حَالِ الكَافِرينَ مِنْ لِبَاسِ وَمُقامٍ وَخِطَابِ تَكرِيمٍ.
قولُهُ: {يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ} هوَ في مُقَابِلِ قَوْلِهِ مِنَ الآيةِ التي قبلَها: {كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها}. وَنَلاحِظُ اقْتِرَانَ الإيمانِ بِالعَمَلِ الصَّالحِ دَائمًا في كِتَابِ اللهِ، وَتَعْلِيقَ الثَّوابِ وَالجَزاءِ عَلَيْهِما مَعًا، ذَلِكَ لِأَنَّ الإِيمانَ باللهِ ـ تَبَاركَ وَتَعَالَى، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ طاعتُهُ، فَمَنْ آمَنَ أَنَّ لَهُ إِلَهًا خَلَقَهُ ووهبهُ الحياةَ، وَأَمَدَّهُ بأَسْبابِ اسْتِمْرارِهَا، وأَسْبَغَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ، لا بُدَّ أَنْ يدْفعَهُ إِيمانُهُ هَذَا إِلى مَحَبَّةِ هَذَا الإِلَهِ العَظِيمِ وَطَاعَتِهِ، وتَجَنُّبِ مَعْصِيَتِهِ، واتِّقاءِ غَضَبِهِ، وبِقَدْرِ الإيمانِ يَكونُ الالتِزامُ.
والعَمَلُ الصالحُ أَساسُهُ ومَبْدؤُهُ الإِيمانُ، وَلا شَكَّ في أَنَّ مَنْ لَا يَؤْمِنُ بِاللهِ، فَعَمَلُهُ مَقْصُودٌ بِهِ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ يَجْزيهِ عَلَيْهِ وهوَ في الأصْلِ ليسَ مَعْمولًا لِأَجلِهِ، فكيفَ تَعْمَلُ عَمَلًا لِأَحدِهم وَتَتَقَاضَى أَجْرَكَ مِنْ غَيْرِهِ، أَمْ كَيْفَ تَطالِبُ غيرَهُ بأَجْرِ عَمَلِكَ؟!              
قولُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} هِيَ إِحْدَى صِفاتِ هَذِهِ الجَنَّاتِ الَّتي وَعَدَ اللهُ بَهَا عِبَادَهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحاتِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ تَأْويلَ "تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهارُ"، أَنَّ الأَنْهَارَ مِنْ تَحْتِ شَجَرِهَا أَوْ قُصُورِهَا. أَيْ تَتَخَرَّقُ فِي أَكْنَافِهَا وَأَرْجَائِهَا وَجَوَانِبِهَا وَتَحْتَ أَشْجَارِهَا وَقُصُورِهَا، يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ شَاؤُوا وَأَيْنَ أَرَادُوا.  
قوْلُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} هُوَ مُقابِلٌ لِقَوْلَهُ ـ تَعَالَى، مِنَ الآيةِ: 19، السَّبقةِ: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ} فأُولَئِكَ يُصَبٌ الماءُ المَغْلِيُّ فوقَ رؤوسِهِهم، فَيُذيبُ أحشاءَهُمْ، فتَخُرُجُ مِنْ أَدْبارِهِم. وهؤلاءِ تُزينُ الأساورُ مَعاصِمَهم، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ: ((تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِه: (2/232، رقم: 371). ومُسْلِمٌ فِي الطَّهَارَةِ حَديث: (40)، والنَّسائي فِي الطَّهَارَةِ باب: (109)، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَلَكًا لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ يَصُوغُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ الْحُلِيَّ مُنْذُ خَلَقَهُ اللهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَوْ أُبْرِزَ قُلْبٌ مِنْهَا ـ أَيْ سِوَارٌ مِنْهَا، لَرَدَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ كَمَا تَرُدُّ الشَّمْسُ نُورَ القَمَرِ.
وَالتَّحْلِيَةُ: وَضْعُ الْحَلْيِ عَلَى أَعْضَاءِ الْجِسْمِ. وحَلَّاهُ: أَلْبَسَهُ الْحَلْيَ مِثْلُ جَلْبَبَ.
وَالْأَسَاوِرُ: جَمْعُ أَسْوِرَةٍ، وأَسْورةٌ: جَمْعُ سِوَارٍ، وَإسْوارٍ، وإَذا أَلْبَستَها السِّوارَ قِلْتَ: سَوَّرْتُها، فتَسَوَّرَها. وتَسَوَّرَ الحائطَ: تَسَلَّقَهُ. وَسَارَ إِلَيْهِ يَسُورُ سُؤُورًا: وَثبَ إِلَيْهِ. قَالَ الأَخْطَلُ يَصْفُ الخمْرةَ:
لَمَّا أَتَوْها بِمِصْباحٍ ومِبْزَلِهمْ ........ سارتْ إِلَيْهِمْ سُؤورَ الأَبْجَلِ الضَّاري
قولُهُ: "المِبْزَلُ" هو حَدِيدةٌ لها لولبٌ تُغْرَزُ في زِقِّ الخَمْرِ وَيُدارُ فتُخْرِجُ الخَمْرَ. وساوَرَهُ، أَيْ وَاثَبَهُ. وَسَوْرَةُ الغضَبِ حِدَّتُهُ. وهُوَ سَوَّارٌ، أَيْ: وَثَّابٌ مُعَرْبِدٌ. وَسَوْرَةُ الشَّرَابِ: وُثوبُهُ فِي الرَّأْسِ، وَكذلك سَوْرَةُ الحُمَى. وَسَوْرَةُ السُّلْطانِ: سَطْوَتُهُ. فَقَدْ أُتِيَ بِجَمْعِ الْجَمْعِ لَلتَّكْثِيرِ، كَمَا قَالَ فِي الآيَةِ: 31، منْ سُورَةِ الْكَهْفِ: {يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}. وَ "مِنْ" هنا لِلتَّوْكِيدِ. وَقدْ جِيءَ بِالْمُؤَكِّدِ لِإِفَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، لأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ تَحْلِيَةُ الرِّجَالِ بِالْأَسَاوِرِ، وَ "أَسَاوِرَ" هُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِـ "يُحَلَّوْنَ".
قَوْلُهُ: {وَلُؤْلُؤًا} أَيْ: وَيُحَلَّوْنَ عُقُودًا مِنْ لُؤْلُؤٍ. وَأَمَّا مَنْ قَرَأَهَا "لُؤْلُؤٍ" بِالْجَرِّ فَقَدْ عَطَفَها عَلَى "ذهَبٍ"، وَالْمَعْنَى: أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسَاوِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ، أَوْ تَكُونُ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعٍ باللُّؤْلُؤِ. وَيَجُوزُ فِي اللُّؤْلُؤِ تَخْفيفُ الهَمْزَتَيْنِ، وَيَجُوزُ تَخْفيفُ إِحْدَاهُمَا وَتَحْقيقُ الأُخْرَى. وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا "الدُّرُّ" و "الْجُمَانُ" وَ "الْجَوْهَرُ".
وَ "اللؤلؤُ" عَبَارَةٌ عَنْ حُبُوبٍ بَيْضَاءَ وَصَفْرَاءَ ذَاتِ بَرِيقٍ رَقْرَاقٍ، تُسْتَخْرَجُ مِنْ أَجْوَافِ حَيَوَانٍ حَلَزُونِيٍّ مَائِيٍّ ذي صَدَفَتينِ تُوجَدُ فِي جَوْفِهِ حَبَّةٌ ذَاتُ بَرِيقٍ تَتَفَاوَتُ كِبَرًا وَصِغَرا، فكِبَارُها اللؤلؤُ، وصِغَارُهَا المَرْجَانُ. وَيَتَفَاوَتُ أَيضًا بِصَفَاءِ اللَّوْنِ وَبَيَاضِهِ. أَجْوَدُهُ وَأَحْسَنُهُ ما هو مَوْجودٌ فِي الْبَحْرَيْنِ حَيْثُ مَصَبُّ نَهْرَيِ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ. قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ النَّحْلِ: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها} الآيةَ: 14. وفيهِ قَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ عَلَسٍ، أوْ الأعشى:
لَجُمَانَةُ الْبَحْرِيِّ جَاءَ بِهَا ...................... غَوَّاصُهَا مِنْ لُجَّةِ الْبَحْرِ
نَصَفَ النَّهَارَ الْمَاءُ غَامِرُهُ ..................... وَرَفِيقُهُ بِالْغَيْبِ لَا يَدْرِي
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ لُؤْلُؤَةً:
فَجَاءَ بِهَا مَا شِئْتَ مِنْ لَطَمِيَّةٍ ............ عَلَى وَجْهِهَا مَاءُ الْفُرَاتِ يَمُوجُ
وَقدْ دَلَّتْ التَّحليَّةُ بِصِيغَةِ المُضارعِ "يُحَلَّوْنَ" عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَالثَّبَاتِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى التَّجَدُّدِ والتَّلْوين بِمُختلِفِ الأَصْنَافِ.
قوْلُهُ: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} هُوَ فِي مُقَابلِ قَوْلِهِ {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ} مِنَ الآيةِ: 19، السَّابِقَةِ. فإِنَّ لباسَ أهْلِ الجَنَّةِ هم مِنَ الْحَرِيرِ إِسْتَبْرَقِهِ وَسُنْدُسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالى منْ سُورَةِ الإِنْسانِ: {عَالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} الْآيةَ: 21، ذلكَ لأنَّهُمْ حَرَّموهُ على أنْفُسِهِم في الدُنيا ائْتِمَارًا بأَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الأئمَّةُ عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليماني ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ)). صَحِيحُ البُخَارِيِّ بِرَقَمْ: (5426)، وَصحيحُ مُسْلِمٍ بِرَقَم: (2067)، وَغيرُهُما. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخطَّبِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ))، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِي الْآخِرَةِ))، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَالْأَحَادِيثُ في هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَأَمَّا لُبْسُ الذَّهَبِ: فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَاهُمْ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، فقد أَخْرجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَوْلَهُ: نَهَانَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ سَبْعٍ: نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ ـ أَوْ قَالَ حَلْقَةِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الْحَرِيرِ، وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَالْقِسِّيِّ، وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ. صحيحُ البُخَارِيِّ: الجَنَائِز، 2 ـ باب الأَمْرُ بِاتِّباعِ الجَنَائِزِ، حَديث: (662). وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَمْ يَشْرَبْ فِي الْآخِرَةِ)). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَشَرَابَ أَهِلْ الْجَنَّةِ، وآنِيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ عبدِ اللهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسهُ فِي الْآخِرَةِ)). وقَالَ ابْنُ الزَّبَيْرِ: مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: وَمَنْ لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ لِأَنَّ اللهَ ـ تَعَالَى، قَالَ: "وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ". وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ حِبَّان عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَخَلَ الْجنَّةَ، لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ.
وَيُطْلَقُ الْحَرِيرُ عَلَى كلِّ مَا نُسِجَ مِنْ خُيُوطِ الْحَرِيرِ كَمَا هُنَا. وَهُوَ المُحَرَّمُ لِبْسُهُ فِي الدُّنْيا عَلَى الرِّجَالِ لِمَا تقدَّمَ مِنْ حَديثٍ. وَالْحَرِيرُ في الأَصْلِ: اسْمٌ لِخُيُوطٍ تُفْرِزُهَا دُودَةٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْ لُعَابِهَا تُسمَّى بِدُودَةِ القَزِ، وَتَتَغذَّى عَلَى وَرقَةِ التُّوتِ. وَثِيَابُ الْحَرِيرِ أَجْوَدُ الثِّيَابِ فِي الدُّنْيَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَقَدَ ظَهَرتْ مُنْذُ خَمْسَةِ آلَافِ عامٍ تَقْرِيبًا فِي بِلَادِ الصِّينِ حَيْثُ يَكْثُرُ شَجَرُ التُّوتِ. وَكَانَتِ أَثْوَابُ الْحَرِيرِ تُبَاعُ بِوَزْنِهَا ذَهَبًا. وَمِنْ أَصْنَافِ ثِيَابِ الْحَرِيرِ السُّنْدُسُ وَالْإِسْتَبْرَقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذكْرُهما آنِفًا فِي سُورَةِ الْكَهْفِ.
قولُهُ تَعَالى: {إِنَّ اللهَ} إِنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ. ولفظُ الجلالةِ "اللهَ" اسْمُهَا مَنْصوبٌ بِهَا. وخبرُهُ جملةُ "يُدْخِلُ" والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، مَعْطُوفَةٌ في المَعْنَى عَلَى جُمْلَةُ قَوْلِهِ: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ ..}.
قوْلُهُ: {يُدْخِلُ الَّذِينَ} يُدْخِلُ: فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يعُودُ عَلى اللهِ ـ تَعَالى، و "الَّذِينَ" اسْمٌ مَوصولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةَ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إِنَّ".
قولُهُ: {آمَنُوا} فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلى الضَّمِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجَماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرفعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "الذين" فلا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ} الواوُ: للعطْفِ، و "عَمِلوا" مثلُ "آمَنوا" معطوفٌ عَلَيْهِ. و "الصَّالحاتِ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ الكَسْرةُ نيابةَ عَنِ الفَتْحَةِ لأنَّهُ جمعُ المُؤَنَّثِ السَّالمُ. و "جَنَّاتٍ" مَنْصوبٌ على المَفْعَولِيَّةِ لِـ "يُدْخُلُ" عَلَى التَّوَسُّعِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ معطوفةٌ عَلى جُمْلةِ "آمَنوا" عَلَى كَونِها صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "الذين" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
 قوْلُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} تَجْرِي: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ مُقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ لِثِقَلِهَا عَلَى الياءِ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَجْرِي"، و "تَحْتِهَا" مَجْرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وَهُوَ مُضافٌ، و "هَا" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "الْأَنْهَارُ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، صِفَةٍ لِـ "جَنَّاتٍ"، وَلَكِنَّهَا سَبَبِيَّةٌ.
قوْلُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} يُحَلَّوْنَ: فِعْلٌ مُضارعٌ مَبنِيٌّ للمجهولِ، مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصِبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثباتُ النّونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بِالْنِّيابَةِ عَنْ فاعِلِهِ، وهوَ في الأصْلِ المَفعولُ الأوَّلُ لـ "يُحَلَّوْنَ". وَ "فِيهَا" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُحَلَّوْنَ"، وَ "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ زائدٍ للتَّوكيدِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْريرُهُ عَنِ أبي الفضْلِ الرَّازي وَالعُكْبُريِّ أَبي البَقَاءِ. وَإِن لَّمْ يَكُنْ مِنْ أُصُولِ البَصْرِيِّينَ. وَ "أَسَاوِرَ" مَجْرُورٌ لَفْظًا بِحَرْفِ الجَرِّ الزائدِ وعلامةُ جرِّهِ الفتحةُ نيابةً عنِ الكَسْرةِ فهو مَمْنوعٌ مِنَ الصَّرف لأَنَّهُ عَلَى وَزْنِ "مَفَاعِلَ" وهوَ مَنْصُوبٌ محَلًا، على أَنَّهُ المفعولُ الثاني لـ "يُحَلَّوْنَ" وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَرَةٌ على آخِرِهِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بِالْفَتْحَةِ المَجْلُوبَةِ لِتَنُوبَ عَنِ الكَسْرَةِ المَجْلُوبَةِ لِحَرَكَةِ حَرْفِ الجَرِّ الزَّائِدِ؛ فَهُو مَمْنوعٌ منَ الصَّرْفِ لِصِيغَةِ مُنْتَهَى الجُمُوعِ بِوَزْ(مفاعل). وَيَجوزُ أَنْ تكونَ "مِنْ" هَذِهِ تَبْعِيضيَّةً هُنا؛ أَيْ: بَعَضَ أَسَاوِرٍ، ويجوزُ أَنْ تكونَ لِبَيَانِ الجِنْسِ. قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَبِهِ بَدَأَ. وَفِيهِ نَظْرٌ لأنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ مُبْهَمٌ ليُفَسَّرَ. وَ "مِنْ" الثانيَةُ: حرفُ جَرٍّ لِابْتِداءِ الغايَةِ مُتَعَلِّقةٌ بِنَعْتٍ لِلْأَسَاوِرَ؛ والتقديرُ: أَسَاوِرَ كَائِنَةً مِنْ ذَهَبٍ. وَيجوزُ أَنْ يَكُونَ "مِنْ أَسَاوِرَ" نَعْتًا لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: حِلْيًا كائنًا مِنْ أَسَاوِرَ مَصوغَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَ "وَلُؤْلُؤًا" الواوُ: للعَطْفِ، و "لُؤْلُؤًا" مَنْصُوبٌ على المَفعولِيَّةِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ "مِنْ أَسَاوِرَ". وَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هو مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذوفٍ، والتَقديرُ: وَيُؤْتَوْنَ لُؤْلُؤًا. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنَ الاسْمِ المَوْصُولِ "الَّذِينَ" في قولِهِ ـ تَعَالَى: "يُدْخِلُ الَّذِينَ".
قوْلُهُ: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} الوَاوُ: للعَطْفِ، وَ "لِبَاسُهُمْ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "فِيهَا" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحالٍ مِنَ الضَّميرِ في "لِبَاسُهُمْ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "حَرِيرٌ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرفوعٌ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "يُحَلَّوْنَ" على كونِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنَ الاسْمِ المَوْصولِ "الَّذِينَ". وَفِي العُدُولِ هنا عَنِ الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ إِلَى الاسْمِيَّةِ، دَلالَةٌ عَلى الاسْتِمْرارِ والدَّيْمُومَةِ، حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: وَيَلْبَسُونَ حَرِيرًا، فَدَلَّتِ الجملةُ الاسْميَّةُ عَلَى أَنَّ الحَريرَ ثِيابُهم الدائِمَةُ المُعْتَادَةُ فِي الجَنَّةِ، وَفِيهِ رِعَايَةُ الفَوَاصِلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَيَلْبَسُونَ حَرِيرًا لَكَانَ الألف في آخِرِ الفَاصِلَةِ كِتَابَةً، وَلَكَانَ الوَقْفُ عليْهِ بِخِلافِ الوقفِ عَلَى بَقِيَّةِ الآياتِ.
قرَأَ العامَّةُ: {يُحَلَّوْنَ} بيَاءٍ مُضْمومةٍ وَلامٍ مُشَدَّدَةً مَفتوحَةٍ، بالبناءِ للمَفعولِ مِنْ الرُّباعي: حَلاَّهُ، يُحَلِّيهِ، إِذَا أَلْبَسَهُ الحُلِيَّ. وَقُرِئَ "يُحْلَوْنَ" بِسُكونِ الحاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُخَفَّفَةً، وَهُوَ بِمَعْنَى الأَوَّلِ، كَأَنَّهُمْ عَدَّوْهُ تَارَةً بِالتَّضْعِيفِ، وَتَارَةً بالهَمْزَةِ. قالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُرِيُّ: هو مِنْ قَوْلِكَ: أَحْلَى أي: أَلْبَسَ الحُلِيَّ، وَهُوَ بِمَعْنَى المُشَدَّدِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "يَحْلَوْنَ" بِفَتْحِ اليَاءِ، وَسُكونِ الحَاءِ، وَفَتْحِ اللَّامِ مُخَفَّفَةً، وَفِيهَا حينئذٍ ثَلَاثَةُ أوجهٍ:
أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مِنْ حَلِيَتِ الْمَرْأَةُ تَحْلَى، فَهِيَ حَالٍ. وَكَذَلِكَ حَلِيَ الرَّجُلُ فَهُوَ حَالٍ، إِذَا لَبِسَا الحُلِيَّ أَوْ صَارَا دُونَ حُلِيٍّ.
ثانيها: أَنَّهُ مِنْ قولِكَ "حَلِيَ" بِعَيْنِي كَذَا، "يَحْلَى"، إِذَا اسْتَحْسَنْتَهُ. وَتكونُ "مِنْ" فِي قَوْلِهِ "مِنْ أَسَاوِرَ" مَزيدةً، فَيَكُونُ المَعْنَى: يَسْتَحْسِنونَ فيهَا الأَسَاوِرَ المَلْبُوسَةَ. وَلَمَّا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبو حيَّان هَذَا الوَجْهَ عَنْ أَبِي الفَضْلِ الرَازيِّ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَهُ جَعَلَ "حَلِيَ" فِعْلًا مُتَعَدِّيًا، ولِذَلِكَ حَكَمَ بِزِيَادِةِ "مِنْ" في الواجِبِ. وَلَيْسَ هذا مَذْهَبَ البَصْرِيِّينَ. وَعَلَيهِ ينبغي أَنْ لَا يَجُوزَ التقديرُ؛ لِأَنَهُ لَا يُحْفَظُ بِهَذَا المَعْنَى إِلَّا لَازِمًا، فَإِنْ كَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ "مِنْ" لِلسَّبَبِ، أَيْ: بِلِبَاسِ أَسَاوِرِ الذَّهَبِ يَحْلَوْنَ بِعَيْنِ مَنْ رَآهُمْ، أَيْ: يَحْلَى بَعْضُهُمْ بِعَيْنِ بَعْضٍ.
وَقاَلَ السَّمِينَ: وَهَذَا الَّذي نَقَلَهُ عَنْ أَبي الفَضْلِ قَالَهُ أَبُو البَقَاءِ، وَجَوَّزَ فِي مَفْعُولِ الفَعْلِ وَجْهًا آخَرَ فَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ مِنْ حَلِيَ بِعَيْنِي كَذَا إِذَا حَسُنَ، وَتَكُونُ "مِنْ" زائدَةً، أَوْ يَكُونُ المَفْعُولُ مَحْذُوفًا، وَ "مِنْ أساورَ" نَعْتٌ لَهُ. فَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالتَّعَدِّي لَيْسَ إِلَّا، وَجَوَّزَ فِي المَفْعُولِ الوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.
الثالثُ: أَنَّهُ مِنْ "حَلِيَ" بِكَذَا إِذَا ظَفِرَ بِهِ، فَيَكُونُ التَّقْديرُ: يَحْلَوْنَ بِأَسَاوِرَ. فَتكونُ "مِنْ" بِمَعْنَى الباءِ. وَمِنْ مَجِيءِ "حَلِيَ" بِمَعْنَى ظَفِرَ قَوْلُهُمْ: لَمْ يَحْلَ فُلانٌ بِطَائِلٍ، أَيْ: لَمْ يَظْفَرْ بِهِ. وَحَلِيَ بِمَعْنَى لَبِسَ الحِلْيَةَ، أَوْ بِمَعْنَى ظَفِرَ مِنْ مَادَّةِ الياءِ، لِأَنَّهُما مِنَ الحِلْيَةِ. وَأَمَّا حَلِيَ بِعَيْنِي كَذَا فَإِنَّهُ مِنْ مَادَّةِ الوَاوِ لِأَنَّهُ مِنَ الحَلَاوَةِ، وَإِنَّما قُلِبَتِ الوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلها.
قرأَ العامَّةُ: {مِنْ أَساورَ}، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما: "مِنْ أَسَوِرَ" دُونَ أَلِفٍ وَلَا هَاءٍ، وَهُوَ مَحْذُوفٌ مِنْ "أَسَاوِرَ" كَمَا في "جَنَدِلٍ" والأَصْلُ "جَنَادِل"، قَالَ الشَّيْخُ أَبو حيَّانَ الأَنْدَلُسيُّ: وَكَانَ قِياسُهُ صَرْفَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ بِنَاؤُهُ فَصَارَ كَ "جَنَدِلٍ"، لَكِنَّهُ قَدَّرَ المَحْذُوفَ مَوْجُودًا فَمَنَعَهُ الصَرْفَ. قالَ السَّمينُ: فَقَدْ جَعَلَ أَنَّ التَّنٍوينَ فَي "جَنَدِلٍ" المَقْصُورِ مِنْ "جَنَادِلَ" تَنْوينُ صَرْفٍ. وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَنْوينُ عِوَضٍ كهُوَ في "جَوارٍ" و "غَواشٍ" وَبَابِهِمَا.
قَرأَ العامَّةُ: {وَلُؤْلُؤٍ} بِالْخَفْضِ، وفيها وَجهَانِ، أَحَدُهُمَا: لأَنَّهُ مَعْطوفٌ عَلَى "أَسَاوِرَ" المَجْرَورِ بحرفِ الجَرِّ الزّائدِ ـ كما تقدَّمَ بيانُهُ في مبحَثِ الإعرابِ. وَالثاني: أَنَّهُ عَطْفٌ عَلى "مِنْ ذهبٍ" لأَنَّ السِّوارَ يُتَّخَذُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ أَيْضًا، فيُنْظَمُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ.
وَقَدْ مَنَعَ أَبُو البَقَاءِ العَطْفَ عَلى "ذَهَبٍ" قَالَ: لِأَنَّ السِّوَارَ لَا يَكُونُ مِنْ لُؤْلُؤٍ فِي العادَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حُلِيًّا.
وَقَرَأَ نافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَيَعْقُوبُ، "ولُؤْلُؤًا" بالنَّصْبِ. وَفِيهِ حينئذٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ هِيَ:
الأَوَّلُ: أَنَّه مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْديرُهُ: وَيُؤْتَوْنَ لُؤْلُؤًا. وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَ هَذا الوجْهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو الفَتْحِ عُثْمَانُ ابْنُ جِنِّي حَمَلَهُ عَلى إِضْمَار فِعْلٍ.
الثاني: أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بالمفعوليَّةِ نَسَقًا عَلَى مَوْضِعِ "مِنْ أساور"، وَهَذَا كَما خَرَّجِوا قولَهُ ـ تَعَالَى، في الآيةِ: 6، مِنْ سورةِ المائدَةِ: {وَأَرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ} أَي: النَّصْبُ عَطَفًا عَلَى مَحَلِّ "بِرُؤوسِكِمْ}، وَلِأَنَّ "يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ" فِي قُوَّةِ: يَلْبَسُونَ أَسَاوِرَ، فَحُمِلَ هَذَا عَلَيْهِ.
الثالثُ: أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى "أَسَاوِرَ"؛ لِأَنَّ "مِنْ" هي مَزيدَةٌ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْريرُهُ.
وَالرابعُ: أَنَّهُ مَعْطوفٌ عَلَى ذَلِكَ المَفْعُولِ المَحْذُوفِ. وَالتَّقْديرُ: يُحَلَّوْنَ فِيهَا الْمَلْبُوسَ مِنْ أَسَاوِرَ وَلُؤْلُؤًا. فَـ "لُؤْلُؤًا" عَطْفٌ عَلَى الْمَلْبُوسِ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "وَلِيْلِيا" بِيَاءَيْنِ، ثُمَّ أَتْبَعَ الوَاوَ الأُولَى للثَّانِيَةِ فِي القَلْبِ وكَذا قَرَأَ الفَيَّاضُ إِلَّا أَنَّهُ قَرَأَ "ولُوْلِيا" بِوَاوٍ أَوَّلًا وَيَاءٍ أَخِيرًا، وَالأَصْلُ: لُؤْلُؤًا أَبْدَلَ الهَمْزَتَيْنِ وَاوَيْنِ، فَبَقِيَ فِي آخِرِ الاسْمِ وَاوٌ بَعْدَ ضَمَّةٍ. فَفُعِل فِيهَا مَا فُعِل بـ "أَدْلٍ" جَمْعَ "دَلْوٍ" حيثُ قُلِبَتِ الواوُ ياءً وَالضَّمَّةُ كَسْرَةً.
وَقَرَأَ طَلْحَةُ: "وَلُوْلٍ" بِالْجَرَّ عَطْفًا عَلَى المَجْرُورِ قَبْلَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالأَصْلُ "ولُوْلُوٍ" بِوَاوَيْنِ، ثُمَّ أُعِلَّ إِعْلالَ "أَدْلٍ".
وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الأنباريِّ فِي رِوَايَةِ المُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْهُ "لُؤْلُوا" بِهَمْزَةٍ أَوَّلًا وَوَاوٍ آخِرًا. وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْهُ عَكْسُ ذَلِكَ.
وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْمُصْحَفِ الإمامِ بِأَلِفٍ بَعْدِ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَكَانَتْ قِرَاءَة جر لُؤْلُؤ مُخَالِفَةً لِمَكْتُوبِ الْمُصْحَفِ. وَالْقِرَاءَةُ نَقْلٌ وَرِوَايَةٌ فَلَيْسَ اتِّبَاعُ الْخَطِّ وَاجِبًا عَلَى مَنْ يَرْوِي بِمَا يُخَالِفُهُ. وَكُتِبَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ بِدُونِ ألف، وَالَّذين قرأوه بِالنَّصْبِ خَالَفُوا أَيْضًا خَطَّ الْمُصْحَفِ وَاعْتَمَدُوا رِوَايَتَهُمْ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 23
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 3
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 19
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 34
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 49
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 65

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: