كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} يَعْني: كُلَّما حَاوَلُوا أَنْ يَخْرُجوا مِنْ نَارِ جهنَّمَ لِمَا يَلْحَقُهُمْ فيها مِنْ كربٍ وضِيقٍ وَغَمٍّ أَخَذَ بِأَنْفُاسِهِمْ، وَلَيْسَ ثمَّةَ لهم منها مَخْرَجٌ. فَقد أَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَهَنَّادٌ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ سَلْمَانَ الفارسيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: النَّارُ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، لَا يُضِيءُ لَهَبُها، وَلَا جَمْرُهُا. ثُمَّ قَرَأَ "كُلَّمَا أَرَادوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا".
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ أَبي جَعْفَرٍ الْقَارِي أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ "كُلَّمَا أَرَادوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ"، فَبَكَى وَقَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ لَا يَتَنَفَّسُونَ.
قولُهُ: {مِنْ غَمٍّ} أَيْ بِسَبَبِ عدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ التَّنَفُّسِ، لأَنَّ الحَرَارَةَ المُرتفعةَ تَحْرُقُ غَازَ الأُكُسُجِين فَيَخْتَنِقُونَ، ثمَّ يردُّونَ إلى الحياةِ، ثمَّ يَخْتَنِقُونَ، وَهَكَذَا فَإِنَّهُمْ في شعورٍ دائمٍ بالاخْتٍناقِ، وهوَ لونٌ منْ أَلْوَانِ عَذابهم في النارِ، واللهُ أَعْلمُ.
وَالغَمُّ: واحدُ الغُمُومِ. تَقُولُ: غَمَّهُ فَاغْتَمَّ. وَغَمَّ الدابَّةَ أَلْقَمَ فَمَها وَمِنْخَرَيْها، قَالَ القُطَامِيُّ:
إِذَا رَأْسٌ رَأَيْتُ بِهِ طِمَاحًا ................. شَدَدْتُ لَهُ الغَمَائِمَ والصِّقَاعَا
وَالغِمَامَةُ مُفْرَدُ الغَمائِمُ. وَغَمَمْتُ الشَّيءَ فَانْغَمَّ: غَطَّيْتُهُ وأخْفيْتُهُ فَخَفِيَ. وأَمْرٌ غُمَّةٌ: مُلْتَبِسٌ مُبْهَمٌ. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ يونُسَ: {ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} الآيةَ: 71. أَيْ: هَمٌّ وَضِيقٌ وظُلْمَةٌ. ولَيْلَةٌ غَمٌّ، وَغَامَّةٌ: أَيْ: مُظلمةٌ لا ضَوْءَ فيها. وَنَهارٌ غَمٌّ: شَديدٌ حرُّهُ، فيشْعُرُ المَرءُ فيهِ بضيقِ التَنَفُّسِ لِشِدَّةِ الحَرِّ، لأَنَّ الحَرَّ الشَّديدَ يَجْعَلُ الهواءَ مخَلخلًا فتخفُ كَمِيَّةُ غازِ الأُكْسُجينِ فيهِ فيشعرُ الإنسانُ بضيقٍ في التنفُّسِ. وهوَ وَصْفٌ بِالمَصْدَرَ، كَقَوْلِكَ: مَاءٌ غَوْرٌ. وغُمَّ عَلَيْهِ الخَبَرَ: لَمْ يَفْهَمْهُ. وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ: فَقَدَ وَعْيَهُ. والغُمَّةُ: الكُرْبَةُ. وَغُمَّ الهِلَالُ: سَتَرَهُ الغيْمٌ. وَبَحْرٌ مُغَمَّمٌ: كَثيرُ المَاءِ. والغَمْاءُ: كالغَمِّ، وقد غَمَّه الأمرُ يَغُمُّه غَمّاً فاغْتَمَّ وانْغَمَّ، وَيُقالُ مَا أَغَمَّك إِلَيَّ، وَمَا أَغَمَّكَ لِي، وَمَا أَغَمَّكَ عَلَيَّ. وقالوا: لآخِرِ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ "غَمَّاءُ" لِأَنَّهُ غَابَ عَنْهُمْ بَدْرُها وَغُمَّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهَا، أَيْ سُتِرَ فَلَمْ يَدْرونَ أَهِيَ مِنَ الشَّهْرِ المَاضِي، أَمْ المُقبلِ. فَقدْ جاءَ في الحَدِيثِ النَّبَويِّ الشَّريفِ قَولُهُ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ)). وجاءَ فيما كَتَبَ الرَّسولُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّم، إِلَى وَائلِ بْنِ حُجْرٍ: (( .. وَلَا غُمَّةَ في فَرَائِضِ اللهِ،)) أَيْ: لَا تُسْتَرُ، وَلَكِنْ يُجَاهَرُ بِهَا وَتُعْلَنُ عنها وَتُظْهَرُ. فَقَدْ أَخْرَجَ الخَطَّابيُّ فِي (غَريبُ الحَديثِ) لَهُ: (1/280): كَتَبَ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: ((مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى الأَقْيَالِ الْعَبَاهِلَةِ، وَالأَرْوَاعِ الْمَشَابِيبِ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتٍ، بِإِقَامِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا، فِي التِّيعَةِ شَاةٌ لَا مُقَوَّرَةُ الأَلْيَاطِ وَلَا ضِنَاكٌ، وَأَنْطُوا الثَّبَجَةَ، وَفِي السُّيُوبِ الْخُمْسُ، وَمَنْ زَنَى مِمْ بِكْرٍ فَاصْقَعُوهُ مِئَةً، وَاسْتَوْفِضُوهُ عَامًا، وَمَنْ زَنَى مِمْ ثَيِّبٍ فَضَرِّجُوهُ بِالأَضَامِيمِ، وَلا تَوْصِيمَ فِي الدِّينِ، وَلَا غُمَّةَ فِي فَرَائِضِ اللهِ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ يَتَرَفَّلُ عَلَى الأَقْيَالِ أَمِيرٌ، أَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ فَاسْمَعُوا وأطيعوا)). وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: (1/287) بِنَحْوِهِ. وَالغُمُومُ مِنَ النُّجُومِ صِغَارُهَا الخَفِيَّةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ جَريرِ ابْنِ عَطِيَّةَ:
إِذَا نَجْمٌ تعَقَّبَ لَاحَ نَجْمٌ ................. ولَيْسَتْ بالمُحَاقِ وَلَا الغُمُومِ
قَالَ الإمامُ الأَزْهَرِيُّ: فَمَعْنَى غُمَّ وَأُغْمِيَ وَغُمِّيَ وَاحِدٌ، والغَمُّ وَالغَمْيُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَفِي حَديثِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْها وأَرضاها، قالتْ: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذا اغْتَمَّ كَشَفَهَا). أَيْ: إِذَا احْتَبَسَ نَفَسُهُ عَنِ الخُرُوجِ، وَهُوَ مِنَ الغَمِّ بِوزْنِ افْتَعَلَ.
وَغَمَّ القَمَرُ النُّجومَ بَهَرَها وَكَادَ يَسْتُرُ ضَوْءَهَا، وَغَمَّ يَوْمُنَا بِالْفَتْحِ يَغُمُّ غَمًّا وَغُمُومًا، مِنَ الغَمِّ، وَيَوْمٌ غَامٌ وَغَمٌّ وَمِغَمٌّ: ذُو غَمٍّ. وَغَمَّ الشَّيْءَ يَغُمُّهُ عَلَاهُ، قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
وكأَنَّهَا دَقَرَى تُخايِلُ نَبْتُها ................ أُنُفٌ يَغُمٌّ الضَّالَ نَبْتُ بِحارِها
وَغَمَمْتُه غَطَّيتُهُ فَانْغَمَّ، قَالَ أَوْسُ بْنُ حجْرٍ نيَرْثِي ابْنَهُ شُرَيْحًا:
وَقَدْ رَامَ بَحْرِي قَبْلَ ذَلِكَ طامِيًا .......... مِنَ الشُّعَراءِ كُلٌّ عَوْدٍ وَمُفْحِمِ عَلَى حِينَ أَنْ جَدَّ الذَّكاءُ وأَدْرَكتْ ........ قَريحةُ حِسْيٍ مِنْ شُرَيْحٍ مُغَمِّمِ
فقولُهُ: "رَامَ الشُّعَراءُ بَحْرِي بَعْدَمَا ذَكِيتُ"، الذَّكاءُ انْتِهَاءُ السِّنِّ وَاسْتِحْكامُهُ. وَقَوْلُهُ: "قَريحَةُ حِسْيٍ مِنْ شُرَيْحٍ" يُريدُ أَنَّ ابْنَهُ شُرَيْحًا قَدْ قالَ الشِّعْرَ، وَقَريحةُ المَاءِ أَوَّلُ خُرُوجِهِ مِنَ البِئْرِ، وَالمُغَمِّمُ: الغامِرُ المُغَطِّي، فقد شَبَّهَ شِعْرَ ابْنِهِ شُرَيْحٍ بِمَاءٍ غَامِرٍ لَا يَنْقَطِعُ، وَكما ترى فإنَّهُ لَمْ يَرْثِ بهذا ابْنَهُ بِقَدْرِ مَا افْتَخَرَ بِنَفْسِهِ وبْوَلِدِهِ. وَغَيْمٌ مُغَمِّمٌ كَثيرُ الماءِ، والغَمَامَةُ بِالْفَتْحِ السَّحَابَةُ وَالجَمْعُ غَمَامٌ، وَغَمائِمٌ، ومِنْهُ قَوْلُ الحُطَيْئَةِ يَمْدَحٌ سَعِيدَ بْنَ العَاصِ:
إَذَا غِبْتَ عَنَّا غَابَ عَنَّا رَبيعُنَا .......... وَنُسْقَى الغَمَامَ الغُرَّ حِينَ تَؤُوبُ
وَأَغَمَّتِ السَّمَاءُ: تَغَيَّرَتْ، وَسَحَابٌ أَغَمُّ: لَا فُرْجَةَ فِيهِ وَقَوْلُهُ تَعَاَلى مِنْ سورةِ الأَعْراف: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغَمَامَ} الآيةَ: 16، أَيْ: الغَيْمُ الأَبْيَضُ، وَإِنَّمَا سُمِّي غَمَامًا لِأَنَّهُ يَغُمُّ السَّمَاءَ، أَيْ يَسْتُرُهَا، وَسُمِّيَ الغَمُّ غَمًّا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى القَلْبِ وطُغيانِهِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ ـ تعَالى، في الآية: 153، مِنْ سُورةِ آلِ عِمْران: {فأَثابكم غَمّاً بغَمٍّ} أَيْ: غَمًّا مُتَّصِلًا، فَالْغُمُّ الأَوَّلُ: الجِرَاحُ وَالقَتْلُ، وَالغمُّ الثاني: مَا أُلْقِيَ إِلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ النَّبِيّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْسَاهُمُ الغَمَّ الأَوَّلَ. والغَمَمُ أَنْ يَسِيلَ الشَّعْرُ حَتَّى يَضِيقَ الوَجْهُ وَالقَفَا لِغَزَارَتِهِ، فيقالُ: رَجُلٌ أَغَمٌّ، وَجَبْهَةٌ غَمَّاءُ: قالَ هُدْبَةُ بْنُ الخَشْرَمِ:
فَلا تَنْكِحي إِنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا ......... أَغَمَّ القَفَا وَالوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا
والغَمْغَمَةُ، وَالتَّغَمْغُمُ: الكَلامُ الغامضُ، وَأَصْوَاتُ الأَبْطَالِ فِي سُوحِ الوَغَى، قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
وظَلَّ لِثيرانِ الصَّرِيم غَماغِمٌ .............. يُداعِسُها بالسَّمْهَريِّ المُعَلَّبِ
وَقَالَ الرَّاعِي النُّميري:
يَفْلِقْنَ كلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهُ ................ ضَرْبًا فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا غَمْغَمَهْ
وَقالَ عَنْتَرَةُ العَبْسِيُّ:
في حَوْمةِ المَوْتِ التي لا تَشْتَكي ......... غَمَراتِها الأَبْطالُ غَيْرَ تَغَمْغُمِ
قولُهُ: {أُعِيدُوا فِيهَا} أَيْ: رُدُّوا إِلَيْهَا بِالْمَقَامِعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي الْآيَةِ قَالَ: وَاللهِ مَا طَمِعًوا فِي الْخُرُوج، لِأَنَّ الأَرْجُلَ مُقَيَّدَةٌ وَالْأَيْدِي مُوثَقَةٌ، وَلَكِنْ يَرْفَعُهُمْ لَهَبُا وَتَرُدُّهُمْ مَقَامِعُهَا.
قولُهُ: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} أَيْ: أَنَّهُمْ لِشِدَّةِ مَا يَغُمُّهُمْ في نارِ جهَنَّمَ، يُحَاوِلُونَ الْخُرُوجَ منها فَيُعَادُونَ فِيهَا، فَيَحْصُلُ لَهُمْ أَلَمُ الْخَيْبَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ.
وَالْحَرِيقُ: النَّارُ الضَّخْمَةُ الْمُنْتَشِرَةُ. وَهَذَا الْقَوْلُ إِهَانَةٌ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنهم يذوقونه. الحَريقُ: هوَ الاسْمُ مِنَ الاحْتِرَاقِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقٍ: وَهَذَا لِأَحَدِ الخَصْمَيْنِ.
قوْلُهُ تَعَالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} كُلَّمَا: اسْمُ شَرْطٍ غَيْرُ جَازِمٍ مَبْنِيُّ عَلَى السُّكونِ، فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمَانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِجَوَابِهِ. و "أَرَادُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، والألِفُ، فارِقةٌ، وَالجُمْلَةُ فِعْلُ شَرْطِ "كُلَّمَا" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {أَنْ يَخْرُجُوا منها مِنْ غَمٍّ} أَنْ: حرفٌ نَاصِبٌ مصْدَرِيٌّ. وَ "يخرجوا" فِعْلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بِـ "أَنْ"، وعلامةُ نَصْبِهِ حذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ بالفَاعِليَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. وَ "مِنْهَا" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَخْرُجُوا"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجرِّ بحَرْفِ الجَرِّ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعَ "أَن" المَصْدَرِيَّةِ، فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَنْصُوبِ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، والتَّقْديرُ: كُلَّمَا أَرَادُوا الخُرُوجَ مِنْهَا. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ وَ "غَمٍّ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. والجارُّ والمَجْرورُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي "مِنْها" بِإِعَادَةِ العاملِ، بَدَلُ اشْتِمَالٍ، كما في قَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ الزُّخرُف: {لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} الآيةَ: 33. وَلَكِنْ لَا بُدَّ في بَدَلِ الاشْتِمَالِ مِنْ رابطٍ، وَلَا رَابِطَ هُنَا في الظاهِرِ، فَقَالُوا: هُوَ مُقَدَّرٌ، والتَّقديرُ: مِنْ غَمِّها.
وَيَجُوزُ: أَنْ يكونَ مَفْعُولًا لَهُ، فإنَّهُ لَمَّا نَقَصَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ النَّصْبِ جُرَّ بِحَرْفِ السَّبَبِ. وَذَلِكَ الشَّرْطُ: هُوَ عَدَمُ اتِّحَادِ الفاعِلِ؛ فَإِنَّ فَاعِلَ الخُرُوجِ غَيْرُ فَاعِلِ الغَمِّ، فَإِنَّ الخروجَ من الكفارِ وَالغَمَّ مِنَ النَّارِ.
قوْلُهُ: {أُعِيدُوا فِيهَا} أُعِيدُوا: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ، مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالنِّيابَةِ عَنْ فَاعَلِهِ، والألِفُ للتَّفريقِ. و "فِيهَا" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أُعِيدُوا"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونَ في محلِّ الجرِّ بحَرْفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ جَوَابُ "كُلَّما"، لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، وُجُمْلَةُ "كُلَّمَا" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ حَالِهِمْ فِي النَّارِ، فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ أَيْضًا.
قولُهُ: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} الواوُ: للعَطْفِ، وَ "ذُوقُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّة، والأَلِفُ فارقةٌ. و "عذابَ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، و "الحريقِ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ، مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْديرُ: وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ الحَريقِ، وجملةُ القَوْلِ المَحْذُوفِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جملةِ قولِهِ: "أُعِيدُوا" عَلَى كونِها جوابَ "كُلَّما" لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.