وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ
(111)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَإِنْ أَدْرِي} عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} الْآيَةَ: 109، السَّابقةَ.
وقدْ تقدَّمَ أَنَّ "إِنْ" هُنَا بِمَعْنَى "لا"، فيكونُ المعنى وَلَا أَدَرِي، مِنَ الدِّرَايَةِ وهيَ العلْمُ، تَقُولٌ: دَرَى فلانٌ الشَّيْءَ دِرايَةً، وَدِرْيَةً، ودَرْيًا، وَدِرْيًا، وَدِرْيانًا، عَلِمَهُ. وتقولُ أَيْضًا: دَرَيْتُ الأَمْرَ أَدْرِيهِ: إِذَا عَرَفْتَهُ، وَأَدْرَيْتُهُ فُلَا: إِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهِ، قالَ العَجَّاجُ الرَّاجِزُ:
لاهُمَّ لا أَدْرِي وأَنْت الدَّارِي ................ كُلُّ امْرِئٍ مِنْك على مِقْدارِ
وهو قولٌ جَافٍ جَلْفٌ خَشِنٌ، لَا يَعْرِفُ قائلُهُ كَيْفُ يَتَحَدَّثُ عَنِ المَوْلَى العَظِيمِ، جَاهِلٌ بِمَا يُطْلَقُ عَلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مِنَ الصِّفَاتِ، وَمَا يَجُوزُ في ذَلِكَ مِنْ الأَسْمَاءِ والصِّفاتِ، وَمَا يَمْتَنِعُ، لِأَنَّ الدِّرايَةَ لَاَ تكونُ إلَّا بفاعلٍ ولا تَتِمُّ إِلَّا بِمُعَالَجَةٍ، فَقَدْ قِيلَ: "أَدْرَيْتُهُ" عَلَّمْتُهُ بِضَرْبٍ مِنَ الحِيلَةِ، وَ "ادَّريْتُ" بِمَعْنَاهُ. ومِنْهُ قَولُ الشَّاعِرِ الأَمَويِّ جَريرِ بْنِ عَطِيَّةَ:
وَمَاذَا تَدَّرِي الشُّعَرَاءُ مِنِّى .................... وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ اَلْأَرْبَعِينِ
وَقِيلَ: البيتُ لِسُحَيْمِ بْنِ وَثيلٍ الرِّيَاحِيِّ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ لِلْمُثَقِّبِ العَبْدِيِّ، وَقَبْلَهُ:
أَنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنايَا .................. مَتَى أَضَع العِمَامَةِ تَعْرِفُوني
وَنُسِبَ هَذا البَيْتُ "الأَوَّلُ" لِلْعَرْجِيِّ. وَ "جَلَا" صِفَةٌ لِمَحْذوفٍ، والمَعْنَى: أَنَا ابْنُ رَجُلٍ جَلَا أَمْرُهُ وَاتَّضَحَ بِالشَّجَاعَةِ. وَبَعْدَهُ:
أَخُو خَمْسينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي ................. وَنَجَّدَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ
وَلِذَلِكَ فَالدِّرايةُ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّهِ ـ تباركَ وَتَعَالَى. لأَنَّكَ إذا قُلْتَ: دَارَيْتُ الرَّجُلَ فهَذا معناهُ أَنَّكَ لَايَنْتَهُ وَخَتَلْتَهُ، وَعلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ "الدَّارِي" في وَصْفِ اللهِ، فَأَمَّا العَجَّاجُ فَإِنَّمَا اسْتَجَازَ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ "لَا أَدْرِي"، فهوَ مِنْ بابِ المُشاكلةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} الآيةَ: 194، وَنَحْوِهِ، فَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الاعْتِدَاءِ ما حَسُنَ قَوْلُ: "اعْتَدُوا". فإنَّ الابتِداءَ بالاعْتِدَاءِ الحَنيفِ مُحرَّمٌ مَحْظُورٌ في الدِّينِ الحنيفِ، لكنَّهُ واجِبٌ مَأْمورٌ بِهِ فِي الدِّفاعِ وردِّ العُدْوانِ، ومثابٌ عَلَيْهِ.
وَكُلُّ مَوْضِعٍ في القُرآنِ الكريمِ جاءَ فِيهِ: {وَمَا أَدْرَاكَ} فَقَدْ عُقِّبَ بِبَيَانِهِ؛ نَحْوَ قَوْلِهِ ـ تَعَالى، مِنْ سُورةِ القارِعَةِ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} الآيَةَ: 10، فَقَدْ عَقَّبَ بِبَيَانِهِ في الآيَةِ: 11، فَقَالَ: {نَارٌ حَامِيَةٌ}. وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ بِلَفْظِ {وَمَا يُدْرِيكَ} لَمْ يُعَقَّبْ بِبَيَانِهِ، نَحْوَ قَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ الشُّورَى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} الآيَةَ: 17، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَقَّبْ بِبَيَانٍ لَهُ ـ كَمَا تَرَىَ.
قولُهُ: {لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} أَيْ: مَا أَدْرَي لَعَلَّ مَا آذَنْتُكم بِهِ "فِتْنَةٌ لَكُمْ" أَيْ: اخْتِبَارٌ. قَالَهُ أَبو إسْحاقٍ الزَّجَّاجُ في "مَعاني القُرْآنِ وَإِعْرَابُهُ" لَهُ: (3/408). يَعْنِي: مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَدري وَقْتَ عَذَابِهِمْ أَيْ: يَوْمَ القِيَامَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَعَلَّ تَأْخِيرَ العَذَابِ عَنْكُمْ اخْتِبَارٌ لَكُمْ لِيَرَى كَيْفَ يكونُ صَنِيعَكُمْ. فَقَدْ ذَهَبَ أكْثَرُ المُفسِّرينَ إلى أَنَّ الفِتْنَةَ هُنَا بِمَعْنَى الاخْتِبَارِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ" يَقُول: مَا أَخْبَرَكُم بِهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالسَّاعَةِ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْكُمْ لِمُدَّتِكُمْ. وَروى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّهُ هَلَاكُكُمْ. يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَزْدَادُونَ طُغْيَانًا وَتَمَادِيًا فِي الشَّرِّ بِتَأْخِيرِ العُقوبَةِ عَنْهُمْ.
و الْفِتْنَةُ تَعْنِي اخْتِلَالَ الْأَحْوَالِ الذي يُفْضِي إِلَى مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ للنَّفْسِ أَوِ المُجْتَمَعِ. وأَصْلُها مِنْ: فَتَنَ الذَّهَبَ، أَوِ الفِضَّةَ: أَيْ صَهرَها بِالنَّارِ لينْفِيَ الخَبَثَ مِنْهَا، وَلِيُمَيِّزَ جَيِّدَها مِنَ الرَدِيءِ. والفَتْنُ: الإِحْراقُ، ومِنْهُ قَوْلُهُ ـ تَعَالى مِنْ سُورَةِ الذَّارياتِ: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أَيْ: يُحْرَقُونُ بها. ومِنُهُ سَمُّوا الصَّائِغَ بالفَتَّانِ والشَّيْطانَ: فتَّانٌ أَيْضًا. وَالكُفْرُ بِاللهِ فِتْنَةٌ، وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ، وَالفِتْنَةُ: المَالُ، وَالأَوْلادُ فِتْنَةٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الخَرَابِ وَالدَّمَارِ، والإِحْرَاقِ فِي بالنارِ نَارِ جهنَّمَ، وَأَيْضًا فَالفِتْنَةُ: الاخْتِبَارُ، والامْتِحانُ.
وَالضَّمِيرُ الَّذِي هُوَ اسْمُ "لَعَلَّ" عَائِدٌ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى في الآيةِ: 9، السَّابقةِ: {أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}، فَهُوَ ـ إِذًا، أَمْرٌ مُنْتَظَرُ الْوُقُوعِ، وَقدْ تَأَخَّرَ عَنْ وُجُودِ مُوجِبِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَعَلَّ تَأْخِيرَهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ، أَوْ لَعَلَّ تَأْخِيرَ مَا تُوعَدُونَ بِهِ فِتْنَةٌ لَكُمْ، أَيْ مَا أَدْرِي حِكْمَةَ هَذَا التَّأْخِيرِ فَلَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ أَرَادَهَا اللهُ ـ تَعَالَى، لِيُمْلِيَ لَكُمْ وليُمْهِلَكُمْ، حتَّى تَزْدَادُوا تَكْذِيبًا وَإِعْراضًا بِتَأْخِيرِ تنفيذِ الْوَعِيدِ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ.
قَوْلُهُ: {وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ} أَيْ: ولَعَلَّكمْ تَتَمَتَّعُونَ بِمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ نِعَمَ اللهِ إِلَى حِينِ انْقِضَاءِ آجالِكُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: "وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" يَقُول: هَذَا الْمَلَكُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبوَّةَ" لَهُ عَنِ الإمامِ الشَّعْبِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: لَمَّا سَلَّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: قُمْ فَتَكَلَّمْ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَقَنَ دِمَائِهِمْ، "وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.
وَأَخْرج الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الإمامِ الزُّهْرِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: خَطَبَ الْحَسَنُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ هَدَاكُمْ بِأَوَّلِنَا، وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا، وَإِنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ مُدَّةٌ، وَالدُّنْيَا دُوَلٌ، وَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالَى، قَالَ لِنَبِيِّهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: "ومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" الدَّهْرَ كُلَّهُ. وَقَوْلُهُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} الآيَةَ: 1، مِنْ سورةِ الْإِنْسَان، الدَّهْرَ: الدَّهْرَ كُلَّهُ. وَقَوْلُهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} الآيَةَ: 25، مِنْ سورةِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ مِنْ حِينِ تُثْمِرُ إِلَى أَنْ تَصْرِمْ. وَقَوُلُهُ: {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينَ} الآيةَ: 35، مِنْ سورةِ يُوسُفَ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ أَدْرِي} الواوُ: عَاطِفَةٌ. و "إِنْ" نَافِيَةٌ بِمَعْنَى "مَا". و "أَدْرِي" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ عَلى آخِرِهِ لِثِقَلِها عَلَى الياءِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيهِ وُوبًا تقديرُهُ (أَنَا) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "أَدْرِي" الأُولَى.
قوْلُهُ: {لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ} لَعَلَّهُ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ للتَّرَجِّي أَوِ التَّوَقُّعِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ، اسُمُهُ. و "فِتْنَةٌ" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "لَكُمْ" اللامُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "فِتْنَةٌ"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ: علامةُ جَمْعِ المُذكَّرِ. و "وَمَتَاعٌ" الواوُ: للعطْفِ، و "مَتَاعٌ" مَعْطُوفٌ عَلَى "فِتْنَةٌ" مَرْفوعٌ مِثْلُهُ. و "إِلَى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "مَتَاعٌ" أَوْ يَتَعَلَّقُ بِصِفَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى "تَمْتِيعٍ"، وَ "حِينٍ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وجُمْلَةُ "لَعَلَّ" فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِـ "أَدْرِي". وَالكُوفِيُّونَ يُجْرُونَ التَّرَجِّي، مُجْرَى الاسْتِفْهَامِ، فِي التَّعْلِيقِ عَنِ العَمَلِ، وَلَكِنَّ النُّحاةَ لَمْ يَذْكُرُوا "لَعَلَّ" مِنَ المُعَلِّقَاتِ، وَلَكِنَّهَا وَرَدَتْ كَثِيرًا في القَرْآنِ الكريمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى المُتَقَدِّمِ هُنَا فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَكَقَوْلِهِ في الآيةِ: 17، مِنْ سُورَةِ الشُّورَى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}، وقولِهِ في الآيةِ: 3، مِنْ سُورةِ عَبَسَ: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}.
وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ "وَمَتَاعٌ" لَيْسَ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ التَّرَجِّي؛ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ، فَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى "فِتْنَةٌ"؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى خَبَرِهَا، كَانَ مَعْمُولًا لَهَا، وَدَاخِلًا فِي حَيِّزِهَا، وَفِي نِطَاقِ التَّرَجِّي الَّذي تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَالأَوْلَى ـ إِذًا، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: "وَمَتَاعٌ" خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ والتَّقديرُ: وَهَذَا مَتَاعٌ إِلَى حِينٍ؛ أَيْ؛ وَتَأْخِيرُ عَذَابِكُمْ مَتَاعٌ لَكُمْ، وَتَكُونُ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ، فَتَأَمَّلْ.