روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 87

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 87 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 87 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 87   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 87 I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 24, 2020 7:06 am

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
(87)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَذَا النُّونِ} قِصَّةُ جَديدَةٌ أُخرى يُحَدِّثُ اللهُ عَنْها نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ـ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، تَسْلِيَةً لِقَلْبِهِ، وتَثْبيتًا لقَدَمِهِ، وحَفزًا لهُ على متابعةِ طَريقِهِ في الدَّعوةِ إِلَى اللهِ والقِصَّةُ الجديدَةُ هي لِنَبِيٍّ آخَرَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ ـ تَعَالى، وَقَعَ في ضِيقٍ وَدَعَا مَوْلَاهُ أَنْ يكشِفَ عنْهُ ما هوَ فيهِ مِنْ بلاءٍ فَاسْتَجَابَ لَهُ أَيْضًا، وكَشَفَ عنْهُ مَا هوَ فيهِ مِنْ بلاءٍ، فهيَ تُشْبِهِ إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ القِصَّةَ السَّابقةَ لَهَا، قِصَّةَ أَيُّوب ـ عليْهِ السَّلامُ، وهذِهِ القِصَّةُ الجديدةُ تتحدَّثُ عنْ نبيِّ اللهِ يونُسَ بْنِ مَتَّى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقدْ لقَّبَهُ اللهُ بذي النُّونِ نِسْبَةً إلى النُّونِ الذي ابْتَلَعَهُ فحبسَهُ اللهُ في جوفِهِ إِلَى أَنِ الْتَجَأَ إِلَى اللهِ مَولاهُ وَدَعَاهُ ورَجَاهُ، فاستجابَ لَهُ وَنَجَّاهُ وخَلَّصَهُ مما كانَ فيهِ ضِيقٍ وكَرْبٍ وبلاءٍ.
فَذِكْرُ ذِي النُّونِ فِي جُمْلَةِ مَنْ خُصُّوا قبلَهُ بِالذِّكْرِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، لِأَجْلِ مَا فِي قَصَّتْهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي الِالْتِجَاءِ إِلَى اللهِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الْجَزَعِ وَاسْتِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ.
يَقُولُ اللهُ ـ تَعَالَى: "وَذَا النُّونِ" أَيْ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ قِصَّةَ صَاحِبِ النُّونِ. والنونُ هُوَ الحُوتُ، فقدْ قَالَ فِي الآيةِ: 48، منْ سورةِ القَلَم: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}.
والنُّونُ: الحوت ـ كَمَا جَاءَ في الصِّحَاحِ، والجَمْعُ أَنْوانٌ، وَنِينَانٌ. رُوِيَ عَنْ سيِّدِنا عليٍّ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كانَ يُسَبِّحُ رَبَّهُ فيقولُ: يَعْلَمُ اخْتِلافَ النِّينَانِ فِي البِحَارِ الغَامِرَاتِ. وأَصْلُ "نينان": نُونانٌ، فقُلِبَتِ الوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ النُّونِ. والنُّونُ أَيْضًا: شَفْرَةُ السَّيْفِ.
قولُهُ: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} قيلَ: ذَهَابُهُ مُغَاضِبًا خُرُوجُهُ غَضْبَانَ مِنْ قَوْمِهِ أَهْلِ (نِينَوَى) إِذْ أَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِهِ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَات) لَهُ، عَنِ عبدِ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا" يَقُولُ: غَضِبَ عَلَى قَوْمِهِ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ في تفسيرِهِ أَنَّ الضَّحَّاكَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، "الكَشْفُ والبَيَانُ لَهُ: (3/41 أ). وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ في تفسيرِهِ: (17/76)، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي "الدُّرِّ المَنْثُورِ" (5/665) وعَزَاهُ لِابْنِ أَبي شَيْبَةَ، وابْنِ جَريرٍ وَابْنِ المُنْذِرِ، وابْنِ أَبي حَاتِمٍ.
وقال آخرون: إِنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَقولُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُمْ جميعًا. وذَكَرَهُ الإمامُ الرَّازي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، التفسير الكبير: (22/214)، وذكرَهُ أَيْضًا القُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (الجامِعُ لأحكامِ القُرآنِ): (11/329)، وَأَبُو حَيَّانَ فِي "البَحْرِ المُحيطِ": (6/335). قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا وَعَدَ قَوْمَهُ العَذَابَ، وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَرُفِعَ عَنْهُمُ العَذَابُ بَعْدَ مَا أَظَلَّهُمْ ـ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي القِصَّةِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ يُونُسَ أَبَقَ مِنْ رَبِّهِ إِلى الفُلْكِ المَشْحُونِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا دَعَا يُونُسُ قَوْمَهِ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ، أَنَّ الْعَذَابَ يُصَبِّحُهُمْ، فَقَالَ لَهُم، فَقَالُوا: مَا كَذَبَ يُونُسُ وَلَيُصَبِّحَنَا الْعَذَابُ، فَتَعَالوا حَتَّى نُخْرِجَ سِخَالَ كُلِّ شَيْءٍ فَنَجْعَلَها مِنْ أَوْلَادنَا لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرْحَمَهُمْ.
فأَخْرَجُوا النِّسَاءَ مَعَ الْوِلْدَانِ، وَأَخْرَجُوا الْإِبِلَ مَعَ فُصْلانِهَا، وَأَخْرَجُوا الْبَقَرَ مَعَ عَجَاجِيلِهَا، وأَخْرَجُوا الْغَنَمَ مَعَ سِخَالِهَا، فَجَعَلوهُ أَمَامَهُمْ وَأَقْبَلَ الْعَذَابُ. فَلَمَّا رَأَوْهُ جَأَرُوا إِلَى اللهِ وَدَعَوْا وَبَكَى النِّسَاءُ والوِلْدانُ، وَرَغَتِ الإِبِلُ وَفُصْلانُهَا، وَخَارَتِ الْبَقَرُ وَعَجَاجِيلُها، وَثَغَتِ الْغَنَمُ وَسِخَالُهَا، فَرَحِمَهُمْ اللهُ فَصَرَفَ ذَلِكَ الْعَذَابَ عَنْهُمْ. وَغَضِبَ يُونُسُ فَقَالَ: كُذِّبْتُ، فَهُوَ قَوْلُهُ: "إِذْ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا" فَمَضَى إِلَى الْبَحْرِ، وَقَوْمٌ رَسَتْ سَفِينَتُهُمْ، فَقَالَ: احْمِلُونِي مَعكُمْ فَحَمَلُوهُ. فَأَخْرَجَ الْجُعْلَ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبِلُوهُ مِنْهُ، فَقَالَ: إِذًا أَخْرُجُ عَنْكُمْ، فَقَبِلُوهُ. فَلَمَّا لَجَّتِ السَّفِينَةُ فِي الْبَحْرِ، أَخَذَهُمُ الْبَحْرُ والأَمْوَاجُ، فَقَالَ لَهُم يُونُسُ: اطْرَحُونِي تَنْجُوا. قَالُوا: بَلْ نُمْسِكُكَ نَنْجُو. قَالَ: فساهِمُوني ـ يَعْنِي قارِعُوني، فَسَاهَمُوهُ ثَلَاثًا، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى سَمَكَةٍ يُقَال لَهَا النَّجْمُ مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ أَنْ شُقِّي الْبِحَارَ حَتَّى تَأْخُذِي يُونُسَ، فَلَيْسَ يُونُسُ لَكَ رِزْقًا، وَلَكِنَّ بَطْنَكِ لَهُ سِجْنٌ، فَلَا تَخْدُشِي لَهُ جِلْدًا، وَلَا تَكْسَرِي لَهُ عَظْمًا. فَجَاءَتْ حَتَّى اسْتَقْبَلَتِ السَّفِينَةُ، فَقَارَعُوهُ الثَّالِثَةَ، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، فاقْتَحَمَ المَاءَ، فالْتَقَمَتْهُ السَّمَكَةُ، فَشَقَّتْ بِهِ الْبِحَارَ حَتَّى انْتَهَتْ بِهِ إِلَى الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ.
وَأخرجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي معجَمِهِ الكبيرِ عَنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا" قَالَ: عَبْدٌ أَبَقَ مِنْ رَبِّهِ. "المُعْجَمِ الكَبِيرِ": (9/255)، وَذَكَرَه ابْنُ حَجَرٍ الهَيْثَمِيُّ في "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ": (7/68). وَرَوَاهُ الإمامُ الثَّوْرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" (صَ: 204)، وَالطَبَرِيُّ في تفسيرِهِ: (17/77). وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا" قَالَ: انْطَلَقَ آبِقًا.
وَيجوزُ أَنْ يكونَ قد ظَنَّ أَنَّهُ يُهَاجِرُ مِنْ دَارِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَظُنَّ ـ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ، أَنَّ اللهَ يَعُوقُهُ عَنْ ذَلِكَ، إِذْ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ وَحْيٌ مِنَ اللهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
 وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا" قَالَ: مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ. وَلا بُدَّ مِنْ أَنَّهُمْ أَيْضًا غَاضِبُونَ مِنْ دَعْوَتِهِ، لأَنَّ الْمُغَاضَبَةَ مُفَاعَلَةٌ، فيجِبُ أنْ تكونَ مِنْ طَرَفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَقِيلَ: إنَّهُ خَرَجَ مُغاضِبً لِنَبِيٍّ آخَرَ كانَ رَئيسَهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِم عَنْ شيخِ أَهْلِ حِمْصَ، التَّابِعِيِّ الإِمَامِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مَازِنٍ، أَبُو ثَوْرٍ السَّكُوْنِيُّ، الكِنْدِيُّ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: كَانَتْ تَكونُ أَنْبيَاءُ جَمِيعًا، يَكونُ عَلَيْهِم وَاحِدٌ، فَكَانَ يُوحَى إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ أَرْسِلْ فُلَانًا إِلَى بَنِي فلَانٍ، فَقَولُهُ تَعَالَى: "إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا"، أَيْ: مُغَاضِبًا لِذَلِكَ النَّبِيِّ الرَّئيسِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما، في رِوَايَةِ العَوْفِيِّ، قَالَ: إِنَّ شَعْيَا  النَّبِيَّ وَالْمَلِكَ الذي كَانَ فِي وَقْتِهِ، وَذَلِكَ القَوْمُ أَرَادُوا أَنْ يَبْعَثُوهُ إِلَى مَلِكٍ كانَ قَدْ غَزَا بَنِي إِسْرَائيلَ، وَسَبَى الكَثِيرَ مِنْهُمْ لِيُكَلِّمَهُ حَتَّى يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسٍرائيلَ، فقَالَ يُونُسُ لِشَعْيا: هَلْ أَمَرَكَ اللهُ بِإِخْرَاجِي؟ قالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ سَمَّانِيَ اللهُ لَكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إِذًا فَهَاهُنَا أَنْبِياءُ غَيْرِي ـ أَيْ فكَلِّفْ واحِدًا مِنْهُمْ. فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ بالذَّهابِ، فَخَرَجَ مُغَاضِبًا للنَّبِيِّ، ولِلْمَلِكِ، وَلِقَوْمِهِ ـ أَيْضًا. فَلَمَّا أَتَى بَحْرَ الرُّومِ، كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ مَا كَانَ. ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ في تفسيرِهِ: "الكَشْفُ والبَيَانُ": (3/41، أَ)، مِنْ رِوَايَةِ العَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما. ورَوَاهُ الطَّبَرِيُّ": (17/76)، مُخْتَصَرًا جِدًّا، قالَ: غَضِبَ عَلى قَوْمِهِ. وَشَعْيَا ـ علَيْهِ السَّلامُ، هُوَ بْنُ أَمصْيَا، وَقِيلَ: ابْنُ آموسَ، أَحِدِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ، وَقَبْلَ زَكَرِيَّا وَيَحَيَى، وكانَ مِمَّنْ بَشَّرَ بِعِيسَى وَمُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وقدْ قَتَلَهُ بَنُو إِسْرَائيلَ لَمَّا وَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ باللهِ ـ تَعَالى. انظُرْ: (1/532 ـ 537) مِنْ تَاريخِ الطَّبَرِيِّ، وَ "الكَامِلَ" لِابْنِ الأَثيرِ: (1/143 ـ 145)، و "البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ" لِابْنِ كَثِيرٍ: (2/32 ـ 33)، و "دَائِرَةُ المَعَارِفِ الإِسْلامِيَّةِ": (13/316). وَعَلَيْهِ فقدْ عُوقِبَ يونُسُ ـ عليْهِ السَّلامُ، بِتَرْكِهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ شَعيا وَقَوْمُهُ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالى قَالَ فِي الآيةِ: 142، مِنْ سُورَةِ الصَّافَّاتِ: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}، وَالْمُلِيمُ: هُوَ الذي أَتَى مَا يُلامُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي "الْكَشَّافِ": إِنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ بَارِدُ التَّعَسُّفِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ" يَقْتَضِي أَنَّهُ خَرَجَ خُرُوجًا غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ مِنَ اللهِ. ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا ابْتَعَدَ عَنِ الْمَدِينَة الْمُرْسل هُوَ إِلَيْهَا يُرْسِلُ اللهُ غَيْرَهُ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ (حَزْقِيَالَ) مَلِكَ إِسْرَائِيلَ كَانَ فِي زَمَنِهِ خَمْسَةُ أَنْبِيَاءَ مِنْهُمْ يُونُسُ، فَاخْتَارَهُ الْمَلِكُ لِيَذْهَبَ إِلَى أَهْلِ (نِينَوَى) لِدَعْوَتِهِمْ فَأَبَى وَقَالَ: هَاهُنَا أَنْبِيَاءُ غَيْرِي وَخَرَجَ مُغَاضِبًا للْمَلِكِ. وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى وَمِنْ كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ. وَإِلَى هَذِهِ الطَّريقَةِ مَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فإِنَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: يَسْتَوْحِشُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَنْ يُلِحِقُوا بالأَنْبِياءِ ذُنوبًا، وَيَحْمِلُهُمُ التَنْزيهُ لَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ كِتَابِ اللهِ، وَاسْتِكْراهُ التَّأْويلِ، وَعَلَى أَنْ يَلْتَمِسُوا لِأَلْفَاظِهِ المَخَارِج البَعِيدَةَ بِالْحِيَلِ الضَّعِيفَةِ.
فقد جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ: ((أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَخَطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ غَيْر يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا)). أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": (1/254)، وأَخرجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي "مُسْنَدِهِ": (4/418) مِنْ حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَنَصُّهُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ، أَوْ هَمَّ، لَيْسَ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا". أَلَمْ يَقُلْ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} الآيةَ: 53، مِنْ سورةِ يُوسُفَ. ويَعني بِذلِكَ: مَا أَضْمَرَهُ وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ حُدوثِ الشَّهْوَةِ. فإِنْ كانَ "ذُو النُّونِ" قَدْ غَاضَبَ قَوْمَهُ فَبَأَيِّ ذَنْبٍ عُوقِبَ بِأَنِ الْتَقَمَهُ الحُوتِ وَحُبِسَ فِي الظُّلَماتِ؟ وَمَا الأَمْرُ الذي كان فيهِ مُليمًا؟ حتى نَعَاهُ اللهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} وَالمَلِيمُ: هُوَ الَّذي ارْتكبَ خطيئةً اسْتَوْجَبَ اللَّوْمَ عَلَيها؟.
قوْلُهُ: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} نَقْدِرَ: هُوَ مُضَارِعُ "قَدَرَ"، بِمَعْنَى "ضَيَّقَ"، كَمَا هوَ في قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الرَّعْد: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} الآيةَ: 26، وَكَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةَ الطَّلَاق: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ} الآيةَ: 7.
وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ في قَوْلِهِ: "فَظَنَّ" عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، فَحُذِفَتْ هَمْزَتُهُ. وَالتَّقْدِيرُ: أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ؟.
وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكونَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، ظَنَّ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحُوتِ أَنَّ اللهَ لَنْ يُخَلِّصِهِ مِنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ المُسْتَحِيلِ عَادَةً في نَظَرِهِ، وَعَلَيْهِ فالتَّعْقِيبُ بالفاءِ بِحَسَبِ الْوَاقِعَةِ، أَيْ أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ الظَّنَّ بَعْدَ أَنِ ابْتَلَعَهُ الْحُوتُ.
وَقِيلَ: بأَنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يُضَيِّقَ اللهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَفْرِضِ عليْهِ الإِقامَةَ مَعَ الْقَوْمِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ، أَوْ قِيَامِهِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ سَقَطَ تَعَلُّقُ تَكْلِيفِ التَّبْلِيغِ عَنْهُ اجْتِهَادًا مِنْهُ.
وَالأَرجحُ أَنَّ ظَنَّهُ هَذَا، أَلَّا يُعاقِبَهُ اللهُ بِسَبَبِ تَرْكِهِ قومَهُ وَخُرُوجِهِ مِنْ قريتِهَ مُغاضِبًا، لِمَا كَانَ يَرَاهُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وَعِنَايَتِهِ بِهِ. فَعُوتِبَ بِمَا حَلَّ بِهِ مِنْ كَرْبٍ، إِذْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ عَمَّا كانَ يَنْوي فِعْلَهُ قبلَ أَنْ يفعَلَهُ، إِنْ كانَ يُرْضِيهِ، أَو يُغْضِبُهُ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ الطَّبريُّ في تفسيرِهِ (جامعُ العلومِ والحِكَمِ)، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ) لَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدرَ عَلَيْهِ" يَقُولُ: أَنْ لَّنْ نَقْضِي عَلَيْهِ عُقُوبَةً وَلَا بَلَاءً فِيمَا صَنَعَ بقَوْمِهِ فِي غَضَبِهِ عَلَيْهِم، وَفِرَارِهِ مِنْهُم. قَالَ: وَعُقوبَتُهُ أَخْذُ النُّون إِيَّاهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ـ رَضِي اللهُ ـ تَعَالى، عَنْهُمَا، أَنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ـ سُبْحانَهُ: "فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ": ظَنَّ أَن لَّنْ يَأْخُذَهُ الْعَذَابُ الَّذِي أَصَابَهُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ" أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ" قَالَ: ظَنَّ أَن لَّنْ نُعَاقِبَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ" عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ" قَالَ: ظَنَّ أَن لَّنْ نُعَاقِبَهُ بِذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِي، وهوَ حفيدُ أَسَدِ اللهِ الزًّبيرِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي "أَخبارُ المُوَفَّقِيَّاتِ" مِنْ طَرِيق الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تَعَالى، عَنْهُمَا، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أبي سُفْيَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ لَهُ يَوْمًا: إِنِّي قَدْ ضَرَبَتْنِي أَمْوَاجُ الْقُرْآنِ البَارِحَةَ، فِي آيَتَيْنِ لَمْ أَعْرِفْ تَأْوِيلَهُمُا، فَفَزِعْتُ إِلَيْكَ. قَالَ: وَمَا هُمَا؟. قَالَ: قَوْلُ اللهِ ـ جَلَّ جَلَالُهُ: "وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ"، أَوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَفُوتُهُ إِنْ أَرَادَهُ؟. وَقَوْلُ اللهِ ـ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} الآيةَ: 110، مِنْ سُورَةِ يُوسُفَ. كَيْفَ هَذَا؟. يَظُنُّونَ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا يُونُسُ ـ علَيْهِ السَّلامُ، فَظَنَّ أَن لَّنْ تَبْلُغَ خَطِيئَتُهُ أَنْ يَقَدِّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِيهَا الْعِقَابَ، وَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ اللهَ إِنْ أَرَادَهُ قَدِرَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْآيَةَ الْأُخْرَى فَإِنَّ الرُّسُلَ اسْتَيْأَسُوا مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ مَنْ عَصَاهُمْ ـ لِرِضًا فِي الْعَلَانِيَةِ، قَدْ كَذَبَهُمْ فِي السِّرِّ، وَذَلِكَ لِطُولِ الْبلَاءِ، وَلَمْ تَسْتَيْئِسِ الرُّسُلُ مِنْ نَصْرِ اللهِ، وَلَمْ يَظُنُّوا أَنَّهُ كَذَبَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَرَّجْتَ عَنِّي يا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَرَّجَ اللهُ عَنْكَ.
وَأَوْردَ الزَّمَخْشَريُّ هَذِهِ القِصَّةَ فِي تفسيرِهِ "الكَشَّافِ" قالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: لَقَدْ ضَرَبَتْنِي أَمْوَاجُ الْقُرْآنِ الْبَارِحَةُ فَغَرِقْتُ، فَلَمْ أَجِدْ لِنَفْسِي خَلَاصًا إِلَّا بِكَ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: أَوَ يَظُنُّ نَبِيُّ اللهِ أَنَّ اللهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مِنَ الْقَدْرِ لَا مِنَ الْقُدْرَةِ. يَعْنِي التَّضْيِيقَ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ نَقْدِرَ هُنَا بِمَعْنَى نَحُكْمَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُدْرَةِ، أَيْ ظَنَّ أَنْ لَنْ نُؤَاخِذَهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ دُونَ إِذْنٍ. وَنُقِلَ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْكَلْبِيِّ، وَهُوَ مَرْوِيٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ، وَالزَّجَّاجُ أَبُو إسْحاقَ ـ رَحَمَهُما اللهُ ـ تَعَالى. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ نبيُّ اللهِ يُونُسُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قدِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالتَّفْرِيعُ بالفاءِ هُنَا تَفْرِيعُ خُطُورِ هَذَا الظَّنِّ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْهُ بَادِرَةً بِدَافِعِ الْغَضَبِ عَنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُ فِي لَوَازِمِهِ وَعَوَاقِبِهِ. قَالُوا: وَكَانَ فِي طَبْعِ نَبِيِّ اللهِ يُونُسَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، ضِيقُ الصَّدْرِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ الكَلْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ" قَالَ: أَن لَّنْ نَقْضِيَ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ" يَقُولُ: ظَنَّ أَنَّ اللهَ لَنْ يَّقْضِيَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً وَلَا بَلَاءً فِي غَضَبِهِ الَّذِي غَضِبَهُ عَلَى قَوْمِهِ وَفِرَاقِهِ إيَّاهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالكَلْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، في قولِهِ تَعَالَى: "فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ" قَالَا: ظَنَّ أَن لَّنْ نَقْضِيَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ.
وَسَبَبُ ظَنِّهِ هَذا أَنَّهُ كانَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى والصَّلاحِ، وَمَحَطَّ عِنَايَتِهِ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى، فَظَنَّ أَنَّ اللهَ سَوْفَ يُسَامِحُهُ بِمَا سَلَفَ مِنَ صالِحِ أَعْمَالِهِ الَّتي وَفَّقَهُ اللهُ إِلَيْهَا مِنْ قَبْلُ. فَقَدْ أَخْرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ فِي "الزُّهْدِ"، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَظَنَّ أَن لَّنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ"، فَكَانَ سَلَفَ لَهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَلَمْ يَدَعَهُ اللهُ ـ تَعَالَى، فَبِهِ أَدْرَكَهُ.
قولُهُ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} الظُّلُمَاتُ: جَمْعُ ظُلْمَةٍ، ولمْ تَرِدْ هَذِهِ اللفظةُ مفردةً في القُرْآنِ البَتَّةَ. وَالْمُرَادُ بها ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ قَعْرِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ. قالَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: فيما أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَريرٍ الطَّبَريُّ مِنْ طَرِيقِ سَعْيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَأَخْرَجَ الإمامُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ" عَنِ الإمامِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَنَادَى فِي الظُّلُمَات" قَالَ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، وَقَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ مِثْلَهُ عَنْ سعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي "الزُّهْدِ"، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "الْفَرَجُ بَعْدَ الشَّدَّةِ"، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ في تفسيرِهِ، وَالْحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ، وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ" قَالَ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبي الْجَعْدِ، قَالَ: أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى الْحُوتِ أَنْ: لَا تَضُرَّ لَهُ لَحْمًا وَلَا عَظْمًا، ثُمَّ ابْتَلَعَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ، قَالَ: "فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ" قَالَ: ظُلمَةُ الْحُوتِ، ثمَّ حُوتٌ ثُمَّ ظُلْمَةُ الْبَحْرِ. وَقِيلَ: الظُّلُمَاتُ مُبَالَغَةٌ فِي شِدَّةِ الظُّلْمَةِ كَما في قَوْلِهِ ـ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ} الْآيةَ: 257.
قولُهُ: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} تَقْدِيمُهُ الِاعْتِرَافَ بِالتَّوْحِيدِ مَعَ التَّسْبِيحِ كَنَّى بِهِ عَنِ انْفِرَادِ اللهِ تَعَالَى بِالتَّدْبِيرِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ صَلَاةٌ إِلَّا قَوْلَهُ: "سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ".
وَأَخْرَج ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا الْتَقَمَ الْحُوتُ يُونُسَ ذَهَبَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ بِالْأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الأَرْضِ، فَهَيَّجَهُ عَلَى التَّسْبِيحِ، فَقَالَ: "أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فَأَخْرَجَتْهُ حَتَّى أَلْقَتْهُ عَلَى الأَرْضِ بِلَا شَعْرٍ وَلَا ظُفْرٍ مِثْلَ الصَّبِيِّ المَنْفُوسِ، فَأُنْبِتَتْ عَلَيْهِ شَجَرَةٌ تُظِلُّهُ وَيَأْكُلُ مِنْ تَحْتِهَا مِنْ حَشَرَاتِ الأَرْضِ، فَبَيْنَا هُوَ نَائِمٌ تَحْتَهَا إِذْ تَسَاقَطَ وَرَقُهَا، قَدْ يَبِسَتْ. فَشَكا ذَلِكَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: تَحْزَنُ عَلَى شَجَرَةٍ يَبِسَتْ، وَلَا تَحْزَنُ عَلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ يُعَذَّبُونَ؟
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا، فِي "الْفَرَج"، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، رَفَعَهُ: أَنَّ يُونُسَ حِينَ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ بالكَلِمَاتِ، حِينَ نَادَاهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، قَالَ: اللَّهُمَّ "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فَأَقْبَلَتِ الدَّعْوَةُ تَحُفُّ بِالْعَرْشِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: هَذَا صَوتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ فِي بِلَادٍ غَرِيبَةٍ، فَقَالَ: أَمَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَوا: لَا يَا رَبُّ، وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ذَاكَ عَبْدِي يُونُسُ.
قَالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُجَابَةٌ؟ قَالَ: نَعَم. قَالُوا: يَا رَبُّ أَفَلَا تَرْحَمُ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنْجِيهِ مِنَ الْبلَاءِ؟ قَالَ: بَلَى. فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ بِالْعَرَاءِ، فَأَنْبَتَ اللهُ عَلَيْهِ اليَقْطِينَةَ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْأَسْمَاء وَالصِّفَات" عَنِ التابعيِّ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" قَالَ الْمَلَائِكَة: صَوت مَعْرُوف فِي أَرض غَرِيبَة
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الصَّحابيِّ الجَلِيلِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الحَارِثِ ابْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا الْتَقَمَ الْحُوتُ يُونُسَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، نُبِذَ بِهِ إِلَى قَرَارِ الأَرْضِ، فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الأَرْضِ، فَذَاكَ الَّذِي هَاجَهُ فَنَادَاهُ.
وَلهَذا الدُّعاءِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةٌ خاصَّةٌ فإنَّهُ مُسْتجابٌ لا مَحالةَ. فَقَدْ أَخْرَجَ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي "نَوَادِرِ الْأُصُولِ"، وَالْحَاكِمُ في المُسْتَدْركِ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإيمانِ" عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"، لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْهُ أَيْضًا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: اسْمُ اللهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، دَعْوَةُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً، أَمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً، وَلِلْمُؤْمنِينَ إِذَا دَعَوا بِهَا، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}؟ فَهُوَ شَرْطٌ مِنَ اللهِ لِمَنْ دَعَاهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، والدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((هَذِهِ الْآيَةُ مَفْزَعٌ لِلْأَنْبِيَاءِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" نَادَى بِهَا يُونُسُ ـ علَيْهِ السَّلامُ، فِي ظُلْمَةِ بَطْنِ الْحُوتِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطى: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ".
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمْ؟، دُعَاءُ يُونُسَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ". فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ دَعَا رَبَّهُ بِهِ فِي مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ مَرَّة فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، أُعْطِيَ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَإِنْ بَرَأَ بَرَأَ مَغْفُورًا لَهُ)).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ عَلَى ثِنْيَةٍ فَقَالَ: ((مَا هَذِهِ؟)). قَالُوا: ثِنْيَةُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: ((كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ خُطَامُهَا لِيفٌ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ)).
قوْلُهُ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} إِنِّي: مُفَسِّرَةٌ لِفِعْلِ "نَادَى". لَقَدْ كَانَ هَذا الْنِّداءُ تَوْبَةً صَدَرَتْ مِنْهُ عَنْ تَقْصِيرِهِ، أَوْ عَجَلَتِهِ، أَوْ خَطَئِهِ في اجْتِهَادِهِ، وَلِذَلِكَ فإِنَّ قَولَهُ: "إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" مُبَالَغَةٌ مِنْهُ فِي اعْتِرَافِهِ بِظُلْمِ نَفْسِهِ، إِذْ أَسْنَدَ إِلَى نَفْسِهِ فِعْلَ الْكَوْنِ "كُنْتُ" الدَّالَّ عَلَى رُسُوخِ الْوَصْفِ، وَجَعَلَ الْخَبَرَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ فَرِيقِ الظَّالِمِينَ، وَهذا أَدَلُّ عَلَى رُسُوخِ وَصْفِهِ نَفْسَهُ بِالْظُّلْمِ.
وَقدْ نَهَى سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ قدْرِ أَخِيهِ يونَسَ ـ عَلَيْهِ والسَّلامُ، وقد جاءَ ذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأحمدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ـ نِسْبَةً إِلَى أَبِيهِ، أَصَابَ ذَنْبًا، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ)). مُسْنَدُ أَحْمَدٍ: (1/242(2167)، وَصحيحُ البُخَاريُّ: 4/186(3395)، وصحيحُ مُسْلِمٌ: (7/102(6236). وسُنَنُ أَبُي دَاوُدَ: (4669).
أَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ فِي "المُصَنّفِ"، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ أَميرِ المُؤْمِنِينَ عَليٍّ ـ رَضِيَ الله عَنْهُ، رفَعَهُ: ((لَيْسَ لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، سَبَّحَ اللهَ فِي الظُّلُمَاتِ)).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ)).
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى)).
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى)). وَاللهُ أَعْلَمُ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَا النُّونِ} الواوُ: للعطْفِ، وَ "ذَا" مَنْصُوبٌ بِـ "اذْكُرْ" مُقَدَّرًا، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ الأَلِفُ لِأَنَّهُ مِنَ الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ، وَهوَ عَلَى تَقْديرِ مُضافٍ، أَيْ: وَاذْكُرْ خَبَرَ ذِي النُّونِ، وَهُوَ مُضافٌ، وَ "النُّونِ" مَجْرُورٌ بالإضافةِ إِليْهِ، وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةِ عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ: {واذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ}.
قولُهُ: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} إِذْ: ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، مبنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ، مُتَعلِّقٌ بِبَدَلٍ مِنَ المُضَافِ المَحذوفِ؛ والتقديرُ: وَاذْكُرْ خَبَرَ ذِي النُّونِ حِينَ ذَهَبَ مُغاضِبًا. و "ذَهَبَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "ذَا النُّونِ". و "مُغَاضِبًا" منصوبٌ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "ذَهَبَ"، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإِضَافةِ "إِذْ" إليْها.
قولُهُ: {فَظَنَّ} الفاءُ: للعَطْفِ والتَّعْقيبِ. و "ظَنَّ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنِيٌّ عَلى الفتْحِ، وفاعلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى "ذَا النَّونِ"، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "ذَهَبَ".
قولُهُ: {أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أَنْ: حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، فَهِيَ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ، أَنَّهُ. وَ "لَنْ" حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ. و "نَقْدِرَ" فعلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "لَنْ"، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يَعُودُ عَلى اللهِ ـ تَعَالَى. و "عَلَيْهِ" على: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نَقْدِرَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ، خَبَرًا لـ "أَنَّ" المُخَفَّفَةِ، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" المُخَفَّفَةُ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ، سَادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "ظَنَّ"، والتقديرُ: فَظَنَّ عَدَمَ قُدْرَتِنَا عَلَيْهِ.
قوْلُهُ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} الفاءُ: للعَطْفِ والتَّعقيبِ، و "نادى" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ المُقدَّرِ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ. وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "ذا النَّونِ". و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ فاعِلِ "نَادَى"، و "الظُّلُمَاتِ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَحْذوفٍ، والتَّقْديرُ: فَهَرَبَ مِنْ قَوْمِهِ، فَرَكِبَ السَّفِينَةَ، فَوَقَفَتْ، فَاقْتَرَعُوا، فَرَمَوهُ، فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ، فَنَادَى فِي الظُّلُماتِ، وَالجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ: "فَظَنَّ".
قولُهُ: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ} أَنْ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ فهي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ؛ أَيْ: أَنَّهُ. و "لَا" نَافِيَةٌ للجِنْسِ تَعْمَلُ عَمَلَ "إنَّ". و "إِلَهَ" اسْمُهَا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، وَخَبَرُها مَحْذُوفٌ جَوَازًا تَقْديرُهُ: مَوْجُودٌ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ (أَداةُ حَصْرٍ). و "أَنْتَ" ضَمِيرُ رَفْعٍ مُنْفَصِلٌ، مبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ على البَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنَّ فِي خَبَرِ "لَا"، وَجُمْلَةُ "لَا" مِنِ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، خَبَرًا لـ "أَنَّ" المُخَفَّفَةِ، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" المُخَفَّفَةُ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ جَرِّ مَحْذوفٍ: والتقديرُ: بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ "أَنْ" مُفَسِّرَةً؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ فِيهِ مَعْنَى القَوْلِ دُونَ حُروفِهِ.
قولُهُ: {سُبْحَانَكَ} مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ منصوبٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: أُسَبِّحُكَ سُبْحَانًا، وَالجُمْلَةُ المَحْذُوفَةُ الفعلِ هَذِهِ اعْتِرَاضِيَّةٌ دُعَائِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. وأَعْرَبَهَا بعضُهُمْ في محلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ الضَّمِيرِ "أَنْتَ"؛ أَيْ: أُسَبِّحُكَ حَالَةَ كَوْنِكِ مُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَ.
قولُهُ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} إِنِّي: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتَّوْكيدِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصِبِ اسْمُهُ. و "كُنْتُ". فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ التاءُ، والتَّاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ اسْمُهُ. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بخبرِ "كانَ" المُقدَّرِ. و "الظَّالِمِينَ" مَجْرورٌ بِحَرفِ الجَرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأَنَّهُ جَمعُ المُذكَّرِ السالمُ، وجُمْلَةُ "كانَ" مِنِ اسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لـ "إنَّ"، وجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنِ اسْمِها وخبرِها جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ فِعْلٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: فَارْحَمْنِي؛ لِأَنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
قرأَ العامَّةُ: {مُغَاضِبًا} اسْمَ فاعِلٍ. وَقَرَأَ أَبُو شَرْفٍ "مُغَاضَبًا" بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ. وهكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبو حَيَّانَ الأنْدَلُسِيُّ، وَنَقَلَهُ أبو القاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ أَبي شَرَفٍ "مُغْضَبًا" دُونَ أَلِفٍ، مِنْ أَغْضَبْتَهُ فَهُوَ مُغْضَبٌ.
قرأَ العامَّةُ: {نَقْدِرَ} بِنُونِ العَظَمَةِ مَفْتَوحَةً، وبِتَخْفِيفِ الدَّالِ. فالمَفْعُولُ مَحْذوفٌ، أَيْ: الجِهَاتِ وَالأَماكِنَ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ "نُقَدِّرَ" بِضَمِّهَا وَتَشْديدِ الدَّالِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبي لَيْلَى، وَأَبُو شَرَفٍ، والكَلْبِيُّ، وحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ: "يُقْدَر" بِضَمِّ الياءِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الدَّالِ خَفِيفَةً بالبِناءِ للمَفْعُولِ. وَقَرَأَ الحَسَنُ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ "يَقْدِرَ" بِفَتْحِ الياءِ وَكَسْرِ الدَّالِ خَفيفَةً. وقرأَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، واليَمَانِيُّ "يُقَدِّرَ" بِضَمِّ الياءِ، وَكَسْرِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً وَعَلَى هاتَيْنِ القراءتَيْنِ يكونُ الفَاعِلُ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلى اللهِ ـ تَعَالَى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 87
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 5
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 21
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 37
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 53
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 69

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: