فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
(84)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} أَيِ: فاسْتَجَبْنَا دَعْوَتَهُ عَلى الفَوْرِ إِثْرَ نِدائِهِ ودعائهِ ورجائهِ إيَّانا، وَهُوَ مَا تُفيدُهُ فاءُ التَّعْقِيبِ، فَالتَّعْقِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. وَالْإِجَابَةُ إنَّما تَتَعَقَّبُ الدُّعَاءَ لَا الاشْتِكَاءِ.
إِذًا فإِنَّهُ دَعَا رَبَّهُ وتَضَرَّعِ إِلَيْهِ، ولَمْ يَشْتَكِي لربِّهِ مَا هُوَ فيهِ مِنْ كرْبٍ وبلاءٍ عظيمٍ، وَلِذَلِكَ فَقَدِ اسْتُحْسِنَ نِداؤهُ وارْتُضِيَ. وَلَمَّا سَأَلُوا الإِمَامَ الْجُنَيْدَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ الكَريمَةِ قَالَ: عَرَّفَهُ فَاقَةَ السُّؤَالِ لِيَمُنَّ عَلَيْهِ بِكَرَمِ النَّوَالِ.
وَيُقالُ: طَلَبَ الزِّيَادَةَ فِي الرِّضَا فَاستُجِيبَ لَهُ بكَشْفِ مَا كانَ بِهِ مِنْ ضَعْفِ الرِّضَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ والنَّصُّ لَهُ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ يَزِيدِ ابْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلبَسَ، الدِّمَشْقِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا ابْتَلَى اللهُ أَيُّوبَ بِذَهَابِ الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنَ الذِّكْرِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُكَ رَبَّ الْأَرْبَابِ الَّذِي أَحْسَنْتَ إِلَيَّ، قَدْ أَعْطَيْتَنِي الْمَالَ وَالْوَلَدَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلْبِي شُعْبَةٌ إِلَّا قَدْ دَخَلَهُ ذَلِكَ، فَأَخَذْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَفَرَّغْتُ قَلْبِي فَلَيْسَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْءٌ، فَمَنْ ذَا تُعْطِيهِ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، فَلَا يَشْغَلْهُ حُبُّ الْمَالِ وَالْوَلَدِ عَنْ ذِكْرِكَ، لَوْ يَعْلَمْ عَدُوِّي إِبْلِيسُ بِالَّذِي صَنَعْتَ إِلَيَّ حَسَدَنِي، قَالَ: فَلَقِيَ إِبْلِيسُ مِنْ هَذَا شَيْئًا مُنْكَرًا". حِلْيَةُ الأَوْلِياءِ وَطَبَقَاتُ الأَصْفِياءِ: (5/239).
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ الجَدَلِيِّ. والخَرَائِطِيُّ في مَسَاوِئِ الأَخْلَاقِ، والنَّصُّ لَهَ، عَنْ التابِعِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، كَانَ " أَيُّوبُ نَبِيُّ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارٍ عَيْنُهُ تَرَانِي، وَقَلْبُهُ يَرْعَانِي، إِنْ رَأَى حَسَنَةً أَطْفَأَهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً أَذَاعَهَا". "مَسَاوِئُ الأَخْلَاقِ وَمَذْمُومُها"، للخرائطِيِّ: (ص: 181). وَأَخْرَجَهُ عَنَهُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ في مُصَنَّفِهِ، وأَبُو عُبيدٍ في "الخُطَبُ وَالْمَوَاعِظُ" إِنَّمَا عَزَياهُ إِلى دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، واللهُ أَعلمُ.
قولُهُ: {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، يُريدُ الأَوْجَاعَ، إِشَارَةً إِلَى سُرْعَةِ كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُ، وَهُوَ مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ فِي الْبُرْءِ، وَحُصُولِ الرِّزْقِ، وَوِلَادَةِ الْأَوْلَادِ.
وَقيلَ: إِنَّ الضُّرَّ الَّذي شَكَا مِنْهُ أَنَّهُ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ، وَبَلِيَّتُهُ كَانَتْ بِبَقِيَّتِهِ، فَلَمَّا أُخِذَ عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ زَالَ البَلَاءَ، وَلِهَذَا قَالَ: "فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ"، وَكَانَتْ نَفْسُهُ ضُرَّهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَةَ وَالعافِيَةَ وَالأَمَلَ فِي الظَّاهِرِ لَمَّا صَارَ مَأْخُوذًا بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهُ، مُنَقًّى عَنْ كُلِّ بَقِيَّةٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْتَوِي البَلاءُ وَالعافِيَةُ، وَالوُجُودُ وَالفَقْدُ.
وَالْكَشْفُ: مُسْتَعْمَلٌ هنا فِي الْإِزَالَةِ السَّرِيعَةِ للبلاءِ. شُبِّهَتْ إِزَالَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْأَضْرَارِ الْمُتَمَكِّنَةِ الَّتِي يُعْتَادُ أَنَّهَا لَا تَزُولُ إِلَّا بِمرورِ وِقْتٍ طَويلٍ، بِإِزَالَةِ الْغِطَاءِ عَنِ الشَّيْءِ بسُرْعَةٍ.
قوْلُهُ: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} والمُرَادُ بِالأَهْلِ هُنَا: الأَوْلَادُ. ذَكَرَهُ الإمامُ الثَّعلبيُّ في تفسيرِهِ: "الكَشْفُ والبَيَانُ": (3/40 أ). وكانوا سبعةَ بَنِينَ وسَبْعَ بنَاتٍ. قَالَهُ الكَلْبِيُّ. وَكانُوا قَدْ هَلَكوا في بَلَائهِ ـ كما تقدَّمَ ذِكْرُهُ في تفسيرِ الآيةِ التي قبلَها، فَنُشِرُوا لَهُ، وَوَلَدَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مِثْلَهُمْ سَبْعَةَ بَنِينَ وَسَبْعَ بَنَاتٍ. دكرَهُ الفَرَّاءُ في "مَعَانِي القُرْانِ": (2/209) وَابْنُ الجَوْزِيِّ في "زَادُ المَسِيرِ": (5/378 ـ 379) عنْ أَبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، مِنْ طَريقِ الكَلْبِيَّ. وَالثَّعْلَبِيًّ في "الكَشْفُ وَالبَيَانُ": (3/40 أ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَتَادَةَ، وكَعْبٍ، والحَسَنِ البَصْريِّ، وَرَوَاهُ الطبريُّ في تفسيرهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا، ورواهُ الطبرانِيَّ في معجمِهِ "الكَبيرِ": (9/254)، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي "الدُّرًّ المَنْثُورُ": (5/654، 655) وَعَزَاهُ لابْنِ أَبي شَيْبَةَ، وابْنِ جَريرٍ، وَابْنِ المُنْذِرِ، والطَّبَرَانِيِّ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ"، قَالَ: قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّوبُ، إِنَّ أَهْلَكَ لَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ أَتَيْنَاكَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْنَاهُمْ لَكَ فِي الْجَنَّةِ، وَعَوَّضْنَاكَ مِثْلَهُمْ. قَالَ: لَا، بَلِ اتْرُكْهُمْ لِي فِي الْجَنَّةِ. فتُرِكُوا لَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُوِّضَ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ نَوْفٍ البِكَالِيِّ، قَالَ: أُوتِيَ أَجْرَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأُعْطِيَ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مُطَرَّفا، فَقَالَ: مَا عَرَفْتُ وَجْهَهَا قَبْلَ الْيَوْمِ. وَقَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالحِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ" قَالَ: أُوتِيَ بِأَهْلٍ غَيْرِ أَهْلِهِ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَلْ أُوتِيَ بِأَعْيَانِهِمْ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ"، قَالَ: أَحْيَاهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَزَادَ إِلَيْهِم مِثْلَهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ البَصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ"، قَالَ: لَمْ يَكُونُوا مَاتُوا، وَلَكِنَّهُمْ غُيِّبُوا عَنْهُ، فَآتَاهُ أَهْلَهُ، "وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ" فِي الْآخِرَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فِي قَوْلِهِ: "وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ"، قَالَا: أَحْيَا اللهُ لَهُ أَهْلَهُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَزَادَهُ اللهُ مِثْلَهُمْ مَعْهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ الْحَسَنِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ" قَالَ: مِنْ نَسْلِهِمْ. واللهُ أَعْلمُ.
قولُهُ: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أَيْ: فَعَلْنَا ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا. قالَهُ الفَرَّاءُ في "مَعَاني القُرْآنِ" لَهُ: (2/209).
قوْلُهُ: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: مَوْعِظَةً للْمُطِيعِينَ. أَيْ: وَجَعَلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قُدْوَةً، لِئَلَّا يَظُنَّ أَهْلُ الْبَلَاءِ أَنَّمَا فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْنَا، وَلِيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَقْدُورَاتِ اللهِ وَابْتِلَائِهِ لِعِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدينَ"، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ (ص): {رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} الآيَةَ: 43، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَنْ أَصَابَهُ بلَاءٌ فَذَكَرَ مَا أَصَابَ أَيُّوبَ فَلْيَقُلْ: إِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: أَيْ وَتَذكِيرًا للعِبَادِ؛ لأَنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا بَلاءَ أَيَّوبَ وَصَبْرَهُ عَلَيْهِ، وَمِحْنَتَهُ لَهُ ـ وَهُوَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَطَّنُوا أَنْفُسَهم عَلى الصَّبْرِ عَلَى شَدَائِدِ الدُّنْيَا نَحْوَ مَا فَعَلَ أَيُّوبُ، فَيَكونُ هَذَا تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى إِدامَةِ العِبَادَةِ وَاحْتِمَالِ الضَّرَرِ. "الجامِعُ لِأَحْكامِ القُرْآنِ" لهُ: (11/327). وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ في "تفسيرِ القرآنِ العظيمِ" له: (3/190)، أَيْ: وَجَعَلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قُدْوَةً، لِئَلَّا يَظُنُّ أَهْلُ البَلاءِ إِنَّما فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْنا، وَلِيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَقْدُوراتِ اللهِ، وَابْتِلائِهِ لِعِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَهُ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ فِي ذَلِكَ.
وقدْ ذكَرَ العُلَماءُ أَسْبابًا لِهَذَا البَلَاءِ الذي نَزَلَ بأَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَالَ اللهُ لِأَيُّوبَ: تَدْرِي مَا جُرْمُكُ إِلَيَّ حَتَّى ابْتَلَيْتُكَ؟. فَقَالَ: لَا يَا رَبُّ. قَالَ: لِأَنَّكَ دَخَلْتَ عَلَى فِرْعَوْنَ فَدَاهَنْتَ عِنْدَهُ فِي كَلِمَتَيْنِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مَنْ طَرِيق جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَنْبُ أَيُّوبَ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ مِسْكِينٌ عَلَى ظُلْمٍ يَدْرَؤُهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُعِنْهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِمَعْرُوفٍ، وَيَنْهَ الظَّالِمَ عَنْ ظُلْمِهِ الْمِسْكِينَ، فابْتَلَاهُ اللهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ السَّبَبُ الَّذِي ابْتُلِيَ فِيهِ أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنَّهُ دَخَلَ أَهْلُ قَرْيَتِهِ عَلَى مَلَكِهِمْ ـ وَهُوَ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَذَكَرُوا بَعْضَ مَا كَانَ مِنْ ظُلْمِهِ النَّاسَ، فَكَلَّمُوهُ، فَأَبْلَغُوا فِي كَلَامِهِ، وَرَفَقَ أَيُّوبُ فِي كَلَامِهِ لَهُ مَخَافَة مِنْهُ عَلى زَرْعِهِ. فَقَالَ اللهُ: اتَّقَيْتَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مِنْ أَجْلِ زَرْعِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ بِهِ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْبلَاءِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبي إِدْرِيسٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: أَجْدَبَ الشَّامُ، فَكَتَبَ فِرْعَوْنُ إِلَى أَيُّوبَ: أَنْ هَلُمَّ إِلَيْنَا فَإِنَّ لَكَ عِنْدَنَا سَعَةً.
فَأَقْبَلَ بِخَيْلِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَبَنِيهِ، فَأَقْطَعَهُمْ. فَدَخَلَ شُعَيْبُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: أَمَا تَخَافُ أَنْ يَغْضَبَ غَضْبَةً فَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ والبِحَارِ؟ فَسَكَتَ أَيُّوب، فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ أَوْحَى اللهُ إِلَى أَيُّوبَ: أَوَ سَكَتَّ عَن فِرْعَوْنَ لِذَهَابِكَ إِلَى أَرْضِهِ اسْتَعِدَّ لِلْبَلاءِ. قَالَ: فَدِينِي؟ قَالَ: أُسَلِّمُهُ لَكَ. قَالَ: لَا أُبَالِي.
قوْلُهُ تَعَالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} الفاءُ: للعَطْفِ والتَّعْقِيبِ، و "استجبنا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "لَهُ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "استجبنا"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محلِّ الجَرِّ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {نَادَى} مِنَ الآيةِ التي قبلَها.
قولُهُ: {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} الفاء: الفاءُ: للعَطْفِ والتَّعْقِيبِ، و "كشفنا" مِثْلُ "استجبنا" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ولهُ مِثْلُ إعْرابِهِ. "مَا" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ لِـ "كشفنا". و "بِهِ" الباءُ حَرْفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بصِلَةٍ لِـ "مَا" المَوْصُولَةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ المفعولِ بِهِ "مَا" المَوْصُولَةِ، و "ضُرٍّ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ. والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محلِّ الجَرِّ عطفًا على الجملةِ التي قبلَها.
قولُهُ: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} الواوُ: للعطْفِ، وَ "آتَيْنَا" مِثْلُ "اسْتَجَبْنا" معطوفٌ عليْهِ ولَهُ مِثْلُ إِعْرابِهِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ. و "أَهْلَهُ" مَفْعُولُهُ الثاني مَنْصُوبٌ بِهِ؛ لأنَّ "آتينا" بِمَعْنَى "أَعْطَيْنَا"، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "وَمِثْلَهُمْ" الواوُ: للعَطْفِ أَو للمَعِيِّةِ، و "مِثْلَهُمْ" مَعْطُوفٌ عَلَى "أَهْلَهُ"، مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ، على أَنَّهُ مَفْعولٌ بِهِ أَوْ هُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذَكَّرِ. و "مَعَهُمْ" منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفِ حَالٍ مِنْ "مِثْلَهُمْ"؛ لِأَنَّهُ تَخَصَّصَ بِالإِضَافَةِ، وَإِن لَّمْ يُعْرَفْ؛ أَيْ: كَائِنينَ مَعَهُمْ، وهُوَ مُضافٌ، والهَاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ، وَالمِيمُ للجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "رَحْمَةً" مَفْعُولٌ لأَجْلِهِ، مَنْصُوبٌ بِـ "آتينا". أَوْ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: رَحِمْنَاهُ رَحْمَةً. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "رَحْمَةً"، وَيَجُوزُ أَنْ يتعلَّقَ بِمَصْدَرٍ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْديرُ: رَحِمْنَاهُ رَحْمَةً، و "عِنْدِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ فِي مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِليْهِ. و "ذِكْرَى" مَعْطُوفٌ عَلَى "رَحْمَةً" منصوبٌ مِثلُهُ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفَتْحُ المقدَّرُ على آخِرِهِ لتعذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ. و "لِلْعَابِدِينَ" اللامُ: جَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "ذِكْرَى"؛ و "العابدينَ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جَمْعُ المُذكَّرِ السَّالمُ.