وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ
(74)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} ولوطًا آتَيْنَا: قَدَّمَ ـ سُبحانَهُ وَتَعَالَى المَفْعُولَ بِهِ "لوطًا" عَلَى الفِعْلَ وفاعِلِهِ "آتَيْنا" للاهْتِمَامِ بِهِ، وللتَنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ بُعِثَ بِشَرِيعَةٍ خَاصَّةٍ، وَإِلَى قَوْمٍ غَيْرِ الْقَوْمِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ، وإسْحاقَ ويعقوبَ، وَفِي أَرضٍ غَيْرِ تِلْكَ الَّتِي كانَ يَسْكُنُهَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ. فإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ ـ تَعالى جَدُّهُ، مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ، أَتْبَعَهُ بِبيانِ نِعَمِهِ عَلَى نَبِيِّهِ لُوطٍ ـ عَلَى نَبِيِّنا وَعَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلَامُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ آتاهُ الْحُكْمَ، يَعْنِي: الْحِكْمَةَ، وَتَتَعَلَّقُ بِمَا يَجِبُ فِعْلُهُ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: "حُكْمًا": عقلًا وَفَهْمًا، أَوِ أَنَّ المَعني بِهِ هوَ القضاءُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَقِيلَ المُرادُ هُنَا هُوَ النُّبُوَّةُ، وَجائزٌ أَنْ يكونَ كُلُّ ذِلِكَ مَشْمُولًا وَمُرَادًا بهَذِهِ الكَلِمةِ فإنَّها تتسِّعُ لكُلِّ تلكَ المعاني، ولا شَكَّ ففي أَنَّهُ أُوتِيهَا كُلَّها ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَمَا آتاهُ اللهُ مَعَهَا الْعِلْمَ. وَقدْ أُتِيَ بِهِاتَيْنِ المُفردَتَيْنِ مُنَوَّنَتَيْنِ تَنْويهًا بِرِفْعَتِهِمَا وَعُلُوِّ شَأْنِهِمَا، فَهُما مُشْتَ.
قولُهُ: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} هِيَ نِعْمَةٌ أُخْرى ذَكَرَها الحَقُّ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مِمَّا امْتَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ لُوطٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهِيَ أَنَّهُ نَجَّاهُ "مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ"، وَبَيَّنَ في مَكانٍ آخَرَ مِنْ كِتابِهِ العزيزِ أَنَّ قَوْمَ لوطٍ كانُوا يَأْتونَ الذُّكْرانَ مِنْ دُونِ النِّساءِ، فَقَالَ تَعَالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} الآيَتَانِ: (80 ، 81)، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} الآيَتَانِ: (54 و 55). وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِي قَوْمِ لُوطٍ عَشْرُ خِصَالٍ يُعْرفُونَ بِهَا: لَعِبُ الْحَمَامِ، وَرَمِيُ البُنْدُقِ، وَالمُكاءُ، والخَذْفُ فِي الأَنْدَاءِ، وتَسْبيطُ الشَّعْرِ، وَفَرْقَعَةُ العِلْكِ، وَإِسْبَالُ الْإِزَارِ، وَحَبْسُ الأَقْبِيَةِ، وَإِتْيَانُ الرِّجَالِ، والمُنَادَمَةُ عَلَى الشَّرَابِ، وَسَتَزيدُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَيْهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا فِي (ذَمُّ الملاهي)، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ أَبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سِتَّةٌ مِنْ أَخْلَاقِ قَوْمِ لُوطٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ: الجُلاهِقُ، والصَّفْرُ، والبُنْدُقُ، وَالخَذَفُ، وَحَلُّ إِزَارِ القُبَاءِ، وَمَضْغُ العِلْكِ.
وأَخْرَجَ اسْحَقُ بْنُ بِشْرٍ، والخَطيبُ البغداديُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَشْرُ خِصَالٍ عَمِلَهَا قَوْمُ لُوطٍ بِهَا أُهْلِكوا، وَتَزيدُهَا أُمَّتِي بِخُلَّةٍ، أَيْ بِخَصْلَةٍ: إِتْيَانُ الرِّجَالِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَرَمْيُهُمْ بالجُلاهِقِ (البُنْدُقُ مِنْ طِينٍ، مُعَرَّبٌ) وَالخَذَفِ، وَلَعِبُهُمْ بالحَمَامِ، وَضَرْبُ الدُّفوفِ، وَشُرْبُ الْخُمُورِ، وَقَصُّ اللِّحْيَةِ، وَطُولُ الشَّارِبِ، والصَّفيرُ، والتَّصْفيقُ، وَلِبَاسُ الْحَرِيرِ، وَتَزيدُها أُمَّتِي بِخِلَّةٍ، إِتْيَانُ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا)). أَخْرجُهُ ابْن عَسَاكِرَ مِنْ حديثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، مُرْسَلًا: (50/322).
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَيْضًا عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلَّ سُنَنِ قَوْمِ لُوطٍ قَدْ فُقِدَتْ إِلَّا ثَلَاثًا: جَرُّ نِعَالِ السُّيُوفِ، وَقَصْفُ الْأَظْفَارِ، وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ)).
وَلِذَلِكَ فَقَدْ نَزَلَ الْهَلَاكُ بِهِمْ فَنَجَّاهُ اللهُ ـ تَعَالَى، نبيَّهُ لُوطًا، مِمَّا نزَلَ بِالقَرْيَةِ وأَهْلِها. وَ "الْقَرْيَةِ" هِيَ "سَدومُ"، وَالْمُرَادُ بِها أَهْلُها، إِذْ هُمُ الَّذِينَ عَمِلُوا الْخَبَائِثَ وَلَيْسَتِ القَرْيَةُ نَفْسُهَا.
قوْلُهُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} أَيْ: خَارِجِينَ عَنْ أَمْرِ اللهِ، تَارِكِينَ لِتَعَالِيمِهِ، مُفَارِقِينَ لِمِلَّتِهِ مُجافِينَ لِشَريعَتِهِ. وَالمُرادُ بِالْفِسْقِ هُنَا الْخَبَائِثُ الَّتي كانَ قَوْمُ لُوطٍ يَعْمَلُونَها، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّها إِتْيانُ الرِّجَالِ الرِّجَالَ دُونَ النِّساءِ مِمَّا يُخالِفُ الفِطْرَةَ وَيُفْسِدُ المُجْتَمَعَ.
وَالفِسْقُ في اللغَةِ: هُوَ الخُرُوجُ عَنِ الأَمْرِ؛ وَهُوَ مِنْ فَسَقَتِ الرُّطْبَةُ: إِذَا خَرَجَتْ عَنْ قِشْرِهَا. وَفَسَقَ الرَّجُلُ يَفْسُقُ ويَفْسِقُ فَسْقًا وَفُسُوقًا: فَجَرَ، وخَرَجَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.
وَقَدْ يَكونُ الفُسُوقُ شِرْكًا، وَقَدْ يَكونُ مَعْصِيَةً وَإِثْمًا. قَالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ الأَنْعَامِ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِه} الآيةَ: 145. فَالفِسْقُ هُنَا الذَّبْحُ كَمَا رُوِيَ عَنِ الإِمامِ مَالِكٍ ـ رَضيَ اللهُ عَنْهُ. وقالَ مِنْ سُورَةِ الحُجُراتِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الآيةَ: 1، فالمعنى: بِئْسَ الاسمُ أَنْ يَقولَ المُؤمِنُ لَأَخيهِ المُؤمِنِ: يا يَهُودِيُّ، وَ يا نَصْرانيُّ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ آمَنَ بالله ـ تَعَالى، ويُحتَمَلُ أَنْ يَكونَ المُرادُ بِهِ كُلَّ لَقَبٍ يَكْرَهُهُ الإِنْسانُ. قَالَهُ الزَّجَّاجُ.
وَفَسَقَ: مَعْنَاهُ أَيْضًا جَارَ وَمالَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ. وبابُهُ: نَصَرَ وَضَرَبَ وكرُمَ. وَللمبالغةِ يقولونَ: فلانٌ فِسِّيقُ، إِذَا كانَ دائمَ الفِسْقِ. وَ يَا فُسَقُ، تُقالُ فِي النِّداءِ، أَيْ يَا أَيُّها الفاسِقُ، وَللْمَرْأَةِ: يَا فَسَاقِ، مِثْلُ قولِكَ يا قَطَامِ، وَحَزامِ .. . والفُوَيْسِقَةٌ: اسْمٌ يُطْلَقُ عَلى الفَأْرِ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} الواوُ: للاسْتِئنافِ، و "لُوْطًا" مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ وُجوبًا يُفَسِّرِهُ الظَّاهِرُ بَعْدَهُ، وَالتَّقْديرُ: وَآتَيْنَا لُوطًا آتَيْنَاهُ .. ، وَهَذا مِنَ الاشْتِغَالِ. وَالنَّصْبُ في مِثْلِهِ هُوَ الرَّاجِحُ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُقْرَأْ إِلَّا بِهِ لِعَطْفِ جُمْلَتِهِ عَلى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ، وَهُوَ أَحَدُ المُرَجِّحَاتِ. و "آتَيْنَاهُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رِفعٍ مُتَحَرِّكٍ هو "نَا" المُعظِّمِ نَفْسَهَ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، و "نا" التَّعظِمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ بهِ عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولَهُ الأَوَّلَ. و "حكْمًا" مفعولُهُ الثاني مَنْصُوبٌ بِهِ، و "عِلْمًا" معطوفٌ علَيْهِ منصوبٌ مِثْلهَ، وقدْ نُوِّنا للتعظيمِ والتفخيم، وَالجُمْلَةُ الفِعليَّةُ هذِهِ جملةٌ تفسيريَّةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، والجملةُ المَحْذُوفَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي} الواوُ: للعَطْفِ، وَ "نَجَّيْنَاهُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رِفعٍ مُتَحَرِّكٍ هو "نَا" المُعظِّمِ نَفْسَهَ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، و "نا" التَّعظِمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بهِ. وَ "مِنَ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "نَجَّيْنَا"، و "القرْيةِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، عَلى تقديرِ مُضافٍ تقديرُهُ: مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: "إِنَّهُمْ كَانُواْ"، وإِسْنادُ عَمَلِ الخَبَائِثِ إِلَيْهَا، وَالمُرَادُ أَهْلُهَا لأنَّهُ همُ الذينَ يَعْمَلونَ وَلَيْسَتْ هِيَ. وَ "الَّتي" اسْمٌ مَوْصولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ صفةً للقريةِ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ معطوفةٌ على جملةِ قولِهِ "آتينا" عَلَى كَوْنِها جُمْلَةً مُسْتأْنَفَةً لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} كانتْ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، واسْمُها مُسْتترٌ فيها جوازًا تقديرُهُ (هيَ) يعودُ على "القريةِ" والتاءُ السَّاكنةُ للتأْنيثِ. وَ "تَعْمَلُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمْ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هِيَ) يَعُودُ عَلى "القَرْيَةِ"، و "الخَبَائثَ" مَنْصوبٌ عَلَى كونِهِ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذوفٍ، والتَقْديرُ: تَعْمَلُ الأَعْمَالَ الخَبَائِثَ. والجُمْلةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على كونِها خبرًا لِـ "كان"، وَجُمْلَةُ "كان" صِلَةٌ للاسْمِ المَوْصُولِ "الَّتي" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} إِنَّهُمْ: "إِنَّ" حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيد، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسمٌ لها، والميمُ علامةُ جمع المُذكَّر. و "كانوا" فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ هَذِهِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في محلِّ الرَّفعِ اسمُها، والألِف فارقةٌ. و "قومَ" خَبَرُ "كان" منصوبٌ بها، وهوَ مُضافٌ، وَ "سُوءٍ" مجرورٌ بالإِضافةِ إلَيْهِ. و "فاسِقِينَ" يجوزُ فيهِ أَنْ يَكونَ خبرًا لـ "كان" منصوبًا بها، وَيجوزُ أنْ يُعربِ نَعتًا لِـ "قومَ" منصوبٌ مِثْلُهُ، أَوْ حالًا مِنْهُ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لِأَنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السالِمُ. والجملةُ خبرُ "إِنَّ" في محلِّ الرَّفعِ. وجملةُ "إِنَّ" للتَّعْلِيلِ أَوْ هيَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانَيَّ، وعلى الحالينِ فلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعرابِ.