وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ
(80)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} يَمْتَنُّ اللهُ ـ تَعَالَى، عَلى عِبادِهِ بِصَنْعَةٍ عَلَّمَهَا نَبِيَّهُ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، لِتَقيَهُمْ بَأْسَهُمْ، أَلَا وَهِيَ صَنْعَةُ الدُّرُوعِ دُرُوعُ السَّرْدِ، أَيْ إدخالُ حِلَقِ الحديدِ الدَّقِيقَةِ بعضَها بِبَعْضٍ كالنَّسيجِ، وَذَلِكَ بِإِلَانَةِ الْحَدِيدِ لَهُ. وَقدْ كَانَتْ صِناعةُ الدُّروعِ مَعْروفةً مِنْ قَبْلُ، إِلَّا أَنَّهَا كانَتْ تَتَأَلَّفُ مِنْ حَرَاشِفَ مِنَ حَدِيدٍ. فَقد أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي (العَظَمَةِ) لَهُ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ"، قَالَ: كَانَتْ صَفَائِحَ، فَأَوَّلُ مَنْ مَدَّهَا وَحَلَّقَهَا دَاوُدُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فجَمَعَتْ بَيْنَ الخِفَّةِ وَالتَّحْصِينِ، كَمَا قَالَ أَبْو إِسْحَاقٍ الزَّجَّاجُ في "مَعَانِي القُرْآنِ وإِعْرابُهُ" لَهُ: (3/400).
جَاءَ في الْإِصْحَاحِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ صَمْوِيلَ الْأَوَّلِ، أَنَّ جَالُوتَ خَرَجَ لِمُبَارَزَةِ دَاوُودَ يَلْبَسُ دِرْعًا حَرْشَفِيًّا. فَقدْ كَانَتِ الدُّرُوعُ ثَقيلَةَ الوَزْنِ تُرْبِكُ الْمُقاتِلَ إِذَا لَبِسَهَا، وتُعِيقُ حَرَكَتَهِ في سَاحِ القِتَالِ.
إِذًا كَانَتِ الدُّرُوعُ الْحَرْشَفِيَّةُ مُسْتَعْمَلَةً آنذاكَ، فَأَلْهَمَ اللهُ نَبِيَّهُ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنْ يَصْنَعَها مِنْ حَلَقٍ حَديدِيَّةٍ دَقِيقَةٍ، فَغَدَتْ رَشيقَةً خَفيفَةَ الوَزْنِ تَقِي المُحارِبَ إِذَا لَبِسَهَا، وَلَا تَعُوقُ حَرَكَتَهُ.
وَقَدْ لَبِسَ الْعَرَبُ مِنْ بَعْدُ هَذِهِ الدُّرُوعَ، وَاشْتُهِرَتْ عِنْدَهم، بِدَليلِ وُرودِ ذِكْرِها في أَشْعَارِهمْ، يَقُولُ الصَّحابيُّ الشَّاعِرُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ذَاكِرًا هَذِهِ الدُّرُوعَ:
شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ ......... مِنْ نَسْجِ دَاوُودَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ ........... كَأَنَّهَا حَلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ
القَفْعَاءُ: هوَ نَبَاتٌ صَحْراويٌّ يَنْبَسِطُ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ، شَبَّهَ الشَّاعرُ حَلَقَ تِلْكَ الدُّرُوعِ بِهِ.
وَلَعَلَّ تُبَّعًا اقْتَبَسَ هَذِهِ الصِّناعةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَمَا كَانَتِ الدُّرُوعُ التُّبَّعِيَّةُ مَشْهُورَةً أَيْضًا عِنْدَ الْعَرَبِ، أَوْ لَعَلَّ الدُّرُوعَ التُّبَّعِيَّةَ كَانَتْ مِنْ ذَاتِ الْحَرَاشِفِ، فَقَدْ جَمَعَ بينَهَا نَابِغَةُ بني ذُّبْيَانَ في قَوْلِهِ:
وَكُلُّ صَمُوتٍ نِثْلَةٌ تُبَّعِيَّةٌ ................. وَنَسْجُ سُلَيْمٍ كُلَّ قَمْصَاءَ ذَائِلِ
قولُهُ: "سُلَيْم" تَرْخِيمُ "سُلَيْمَانَ"، يَعْنِي بْنَ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِما السَّلامُ، فَقد نَسَبَ إِلَيْهِ عَمَلَ أَبِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُدَّخِرًا لَهَذِهِ الدُّروع.
و "اللَّبُوس" هُنَا: الدِّرْعٌ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السِّلَاحَ كُلُّهُ لَبُوسًا، دِرْعًا كَانَ، أَوْ جَوْشَنًا، أَوْ سَيْفًا، أَوْ رُمْحًا. قَالَ الشَّاعِرُ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ الحُلَيْسِ يَصِفُ رُمْحًا:
وَمَعِي لَبُوسٌ لِلْبَئِيسِ كَأَنَّهُ ................. رَوْقٌ بِجَبْهَةِ ذِي نِعَاجٍ مُجْفِلِ
فَكُلُّ شَيْءٍ لَبِسْتَهُ فَهُوَ لَبُوسٌ، وَقَالَ الشَّاعِرُ بَيْهَسُ الفَزَارِيُّ، وَكَانَ سَابِعَ سَبْعَةِ إِخْوَةٍ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ رِجالٌ مِنْ بَني أَشْجَعَ، وَهُمْ فِي إِبِلِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سِتَّةً، وَبَقِيَ بَيْهَسُ، وإِنَّمَا تَرَكُوهُ احْتِقَارًا لِأَنَّهِ كَانَ أَحْمَقًا، قِيلَ إِنَّهُ مَرَّ يَوْمًا بِنِسْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ يُصْلِحْنَ امْرَأَةً مِنْهُنَّ، يُرِدْنَ أَنْ يُهْدِينَهَا لِبَعْضِ مَنْ قَتَلَ إِخْوَتَهُ، فَكَشَفَ عَنْ دُبُرِهِ، وَغَطَّى رَأْسَهُ، فَقُلْنَ: وَيْحَكَ، أَيْ: شَيْءٍ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ:
أَلْبَسُ لِكُلِّ حَالَةٍ لَبُوسَهَا ........................ إِمَّا نَعيمَهَا وَإِمَّا بُؤْسَهَا
وَ "لَبُوس" بوزْنِ "فَعُول" بِمَعْنَى: "مَفْعُول"، ك "رَكُوب" و "حَلُوب" ثُمَّ جُعِلَتِ اسْمًا للدِّرْعِ؛ لِأَنَّها تُلْبَسُ.
قولُهُ: {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} أَيْ لِيُحْرِزَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ وَلِتَقِيَكُمُ الأَخْطارَ في حُرُوبِكم، و "مِنْ بِأْسِكُمْ" مِنْ حَرْبِكُمْ. وَقِيلَ: مِنْ آلَةِ بَأْسِكُمْ فَحُذِفَ الْمُضَافُ. أَيْ: مِنَ السَّيْفِ وَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ. فقد قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "مِنْ بَأْسِكُمْ" مِنْ سِلَاحِكُمْ. وقالَ الضَّحَّاكُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: مِنْ حَرْبِ أَعْدَائِكُمْ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَأَخْرَجَ السُّدِّيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ" قَالَ: هِيَ دُرُوعُ الْحَدِيدِ "لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بِأْسِكُمْ" قَالَ: مِنْ رَتْعِ السِّلَاحِ فِيكُمْ. وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: لِيَمْنَعَكُمْ. يَعْنِي اللَّبُوسُ. "تَنْويرُ المِقْبَاسِ مِنْ تفسيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ": (ص: 203). وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ لِيُحْصِنَكُمُ اللهُ. "مَعَاني القرآنِ وإِعْرابُهُ" لَهُ: (3/400). فالْإِحْصَانُ: الْوِقَايَةُ، وَالْحِمَايَةُ. وَالْبَأْسُ: مَا يَكونُ مِنْ شِدَّةٍ في الْحَرْبُ. وَإِسْنَادُ الْإِحْصَانِ إِلَى اللَّبُوسِ هُوَ مِنَ المَجَازِ.
قولُهُ: {فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ} تَذْكيرٌ لِهُمْ بواجِبِ الشُّكرِ على النِّعَمِ، والتي مِنْ جُمْلَتِها هَذِهِ النِعمَةُ، لِأَنَّهُمْ أَهْمَلُوا شُكْرَ اللهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ بِعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ. والْعُدُولُ عَنِ الجُملةِ الْفِعْلِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ لِمَا في الجُملةِ الِاسْمِيَّةِ مِنْ مَعْنَى الثَّبَاتِ وَالِاسْتِمْرَارِ، وهذا نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي آيَةِ تَحْرِيم الْخَمْرِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَة: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} الآيةَ: 91.
قولُهُ تَعَالَى: {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} الوَاوُ: حرفُ عَطْفٍ، وَ "عَلَّمْنَاهُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نا" المُعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التَّعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على كونِهِ مَفْعُولَهُ الأوَّلَ. و "صَنْعَةَ" مَفْعُولُهُ الثاني مَنْصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ. وَ "لَبُوسٍ" مَجْرورٌ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ. و "لَكُمْ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "عَلَّمْنَا"، وَقَالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "صَنْعَةَ". وَفِيهِ بُعْد، وَيجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذوفٍ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِـ "لَبوس". وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرف الجرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "سَخَّرْنَا".
قوْلُهُ: {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} اللَّامُ: حَرْفُ جَرِّ وَتَعْلِيلٍ (لامُ كي)، و "تُحْصِنَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَنْصوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ بعْدَ لامِ التَّعْلِيلِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيِهِ جوازًا تقديرُهُ (هي) يَعُودُ عَلَى "صَنْعَةَ"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفعولِيَّةِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُحْصِنَ"، وَ "بَأْسِكُمْ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِالإضافَةِ إِلَيْهِ، والمِيمُ: للجَمْعِ المُذكَّرِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ باللَّامِ، والتَّقْديرُ: لإِحْصَانِهَا إِيَّاكُمْ، الجَارُّ والمَجْرُورُ هَذا بَدَلٌ مِنَ الجَارِّ والمَجْرُورِ قَبْلَهُ، عَلَى كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِـ "عَلَّمْنَا"، وَهَذَا ظاهرٌ عَلَى القَوْلَيْنِ الأَخيريْنِ. وَأَمَّا عَلَى القَوْلِ الثالِثِ فَيُشْكِلُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَيُجابُ عَنْهُ: بأَنْ يُجْعَلَ بَدَلًا مِنْ "لَكُمْ" بِإِعَادَةِ العامِلِ، وهذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الزُّخرُفِ: {لِمَنْ يَكْفُرُ بالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ} الآيةَ: 33، وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، وَذَلِكَ أَنَّ "أَنْ" النَّاصِبَةَ لِلْفِعْلِ المُقَدَّرِ مُؤَوَّلَةٌ هِيَ وَمَنْصُوبُهَا بِمَصْدَرٍ. وَذَلِكَ المَصْدَرُ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ الخِطَابِ فِي "لكم" بَدَلُ اشْتِمَالٍ، وَالتَّقْديرُ: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لِتَحْصينِكُمْ. الثاني: أَنْ يَتَعَلَّقَ بـ "صَنْعَةَ" عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ "لَكُمْ" كَمَا تَقَدَّمِ تَقْريرُهُ، وَذَلِكَ عَلِى رَأْيِ أَبْي البَقَاءِ العُكْبُريِّ فَإِنَّهُ عَلَّقَ "لَكُمْ" بـ "صَنْعَةَ". وَالثّالِثُ: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالاسْتِقْرَارِ الَّذي تَعَلَّقَ بِهِ "لَكُمْ" إِذَا جَعَلْناهُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ.
قولُهُ: {فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ} الفاءُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. وَ "هَلْ" للاسْتِفْهَامِ التَّوْبِيخِيِّ. و "أَنْتُمْ" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِدَاءِ. و "شَاكِرُونَ" خَبَرُهُ مَرفوعٌ، وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جُمْلةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ الجمهورُ: {لَبُوسٍ} بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ الشَّيْءُ المُعَدُّ لِلُّبْسِ. وقُرِئَ "لُبُوْس" بِضَمِّهَا، وعلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يَكونَ جَمْعَ لُبْسِ، المَصْدَرِ الوَاقِعِ مَوْقِعَ المَفْعُولِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكونَ وَاقِعًا مَوْقِعَهُ، وَالأَوَّلُ أَقْرَبُ.
وَقَرَأَ الحَرَمِيَّانِ وَالأَخَوَانِ (الكِسَائِيُّ وحمزةُ)، وَأَبُو عَمْرِو بْنِ العَلاءِ "لِيُحْصِنَكُم" بالياءِ مِنْ تَحْتُ. وَالفاعِلُ اللهُ تَعَالَى، وَفِيهِ الْتِفَاتٌ عَلى هَذَا الوَجْهِ إِذْ تَقَدَّمَهُ ضَميرُ المُتَكَلّمِ في قَوْلِهِ: "وَعَلَّمْنَاهُ" أَوْ دَاوُدُ أَوْ التَّعْليمُ أَوْ اللَّبُوس.
وَقَرَأَ حَفْصٌ وَابْنُ عامِرٍ بالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ. وَالفاعِلُ الصَّنْعَةُ أَوْ الدِّرْعُ وهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، أَوْ اللَّبُوس؛ لِأَنَّهَا يُرادُ بِهَا مَا يُلْبَسُ، وَهُوَ الدِّرْعُ، والدِّرْعُ مُؤَنَّثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ: "لِنُحْصِنَكم" بالنُّونِ جَرْيًا عَلَى "عَلَّمْنَاهُ" وَعَلى هَذِهِ القِراءاتِ الثلاثِ: فالحاءُ سَاكِنَةٌ وَالصَّادُ مُخَفَّفَةٌ.
وَقَرَأَ الأَعْمَشُ "لِتُحَصِّنَكُم" وَكَذا الفقيمي عَنْ أَبي عَمْرٍو بِفَتْحِ الحَاءِ وتَشْديدِ الصّادِ عَلى التَّكْثيرِ. إِلَّا أَنَّ الأَعْمَشَ قرأَ بالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ، وَأَبُو عَمْروٍ بالياءِ مِنْ تَحْتُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا هُوَ الفاعِلُ.