روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 79

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 79 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 79 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 79   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 79 I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 10, 2020 5:07 pm

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
(79)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} بَيَانٌ لِمَا خَصَّ بهِ اللهُ نَبِيَّهُ ـ سُليمانَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإذا كانَ داوُدُ أَوَّلَ مَنْ جُمِعَتْ لَهُ النُّبُوَّةُ وَالْمُلْكُ فِي أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَلَغَ مُلْكُ إِسْرَائِيلَ فِي عَهْدِهِ حَدًّا عَظِيمًا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْبَأْسِ حَيْثُ أَلَانَ اللهُ لَهُ الحَديدَ فَصَنَّعَ أَدواتِ الحَرْبِ والقِتَالِ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ تَعَالى مِنْ سُورَةِ سَبَأ: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} الآيتَانِ: (10 و 11). وأُوتِي داودُ ـ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، الزَّبُورَ فِيهِ الحِكْمَةُ وَالمَوْعِظَةُ الحَسَنَةُ إِكْمالًا لِما أُنْزِلَ في التَوْرَاةِ عَلَى مُوسَى ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ السَّلامُ، مِنْ تَعَاليمِ الشَّرِيعَةِ، فاسْتُكْمِلَتِ التَّوْراةُ فِي عَهْدِ دَاوُدَ بِالْحِكْمَةَ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَرَقَائِقَ الْكَلَامِ. فإِنَّ سُليمانَ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسَّلامُ، أُوتِيَ الْحِكْمَةَ، وَسُخِّرَ لَهُ المُبْدِعونَ مِنْ أَهْلُ الصَّنَاعاتِ، فَاسْتَكْمَلَتْ دَوْلَةُ إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِهِ عَظَمَتَها بِالنِّظَامِ وَالْحِكْمَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالثَّرْوَةِ، فَكَانَتْ قَصَّتُهَا مَثَلًا يُحْتَذَى. وَكَانَتْ تِلْكَ الْقِصَّةُ مُنْتَظِمَةً فِي هَذَا السِّلْكِ النَّبويِّ الشَّرِيفِ، سِلْكِ إِيتَاءِ الْهُدَى والْفُرْقَانِ، وَالرُّشْدِ والعِرْفانِ، وَالْإِرْشَادِ إِلَى طريقِ الحَقِّ والإيمانِ، وَالْخَيْرِ والإحسانِ، وَالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ والبُرهانِ. فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ" أَنَّهُ أَلْهَمَهُ وَجْهًا آخَرَ فِي الْقَضَاءِ هُوَ أَرْجَحُ لِمَا تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ التَّفْهِيمِ مِنْ شِدَّةِ حُصُولِ الْفِعْلِ أَكْثَرَ مِنْ صِيغَةِ الْإِفْهَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فَهْمَ سُلَيْمَانَ فِي الْقَضِيَّةِ كَانَ أَعْمَقَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِمَا فَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَتَجَاذَبُهُ دَلِيلَانِ فَيُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ، وَالْمُرَجِّحَاتُ لَا تَنْحَصِرُ، وَقَدْ لَا تَبْدُو لِلْمُجْتَهِدِ، وَاللهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَ سُلَيْمَانَ عِنْدَ أَبِيهِ لِيَزْدَادَ سُرُورُهُ بِهِ، وَلِيَتَعَزَّى عَلَى مَنْ فَقَدَهُ مِنْ أَبْنَائِهِ قَبْلَ مِيلَادِ سُلَيْمَانَ. وَحَسْبُكَ أَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِقَضَاءِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وأَزكى السَّلامُ، فِي قَضِيَّةِ الزُّبَيْرِ ـ رِضِيَ اللهُ عنْهُ، وَلِلِاجْتِهَادَاتِ مَجَالٌ فِي تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ، والْبَيْهَقِيُّ، فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}، قَالَ: كَرْمٌ قَدْ أَنْبَتَتْ عَنَاقِيدُهُ، فأفْسَدَتْهُ الْغَنَمُ، فَقَضَى دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ، فَقَالَ سُلَيْمَان: أَغَيْرَ هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ؟، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تُدْفَعُ الْكَرْمُ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ فَيَقومَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ، وَتُدْفَعُ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ، فَيُصِيبُ مِنْهَا، حَتَّى إِذا عَادَ الْكَرْمُ كَمَا كَانَ، دُفِعَ الْكَرْمُ لِصَاحِبِهِ، وَدُفِعَتِ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِهَا، فَذَلِك قَوْلُهُ: "فَفَهَّمْناها سُلَيْمَانَ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ بْنِ شَرَاحِيْلَ الهَمْدَانِيِّ الكُوْفِيِّ، عنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ سُبْحانَهُ: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} قَالَ: كَانَ الْحَرْثُ نَبْتًا، فَنَفَشَتْ فِيهِ لَيْلًا، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بالغَنَمِ لِأَصْحَابِ الْحَرْثِ، فَمَرُّوا عَلَى سُلَيْمَانَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تُدْفَعُ الْغَنَمُ فَيُصِيبُونَ مِنْهَا، وَيَقُومُ هَؤُلَاءِ عَلَى حَرْثِهِمْ، فَإِذا عَادَ كَمَا كَانَ، رَدُّوا عَلَيْهِمْ، فَذلِكَ قولُهُ ـ جَلَّ وَعَلا: "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ قَالَ: النَّفَشُ بِاللَّيْلِ وَالهَمَلُ بِالنَّهَارِ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ غَنَمَ الْقَوْمِ وَقَعَتْ فِي زَرْعٍ لَيْلًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بالغَنَمِ لِأَصْحَابِ الزَّرْعِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لَهُ نَسْلُهَا وَرسْلُهَا وَعَوَارِضُها وَجزازُها، حَتَّى إِذا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أُكِلَ، دُفِعَتِ الْغَنَمُ إِلَى أَرْبَابِهَا، وَقَبَضَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ. قَالَ اللهُ ـ تَعَالى: "فَفَهَّمْناهَا سُلَيْمَانَ".
وقدْ أَبْرَزَتْ أَحاديثُ شريفةٌ أُخْرَى خُصُوصِيَّةَ ما أُوتيهِ نَبِيُّ اللهِ سُلَيْمانَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ، وَنُبُوغَهُ وعَبْقَريَّتَهُ التي وهَبَهُ اللهُ ـ تَعَالَى، إيَّاها في الحُكمِ بينَ الناسِ والقَضَاءِ بينَهم فِيما شَجَرَ بَيْنَهُم مِنْ مشاكِلَ وخلافاتٍ، والفَصْلِ بينَ المُتَخاصِمينَ، في مَسائلَ أُخْرَى. وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَانِ لَهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ أَحَدَ الِابْنَيْنِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا، فَدَعَاهُمَا سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هاتُوا السِّكِينَ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى: يَرْحَمُكَ اللهُ هُوَ ابْنُهَا لَا تَشُقَّهُ، فَقَضَى بِهِ للصُّغْرَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً حَسْنَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، فامْتَنَعَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فاتَّفَقوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَيْهَا، فَشَهِدُوا عَلَيْهَا عِنْدَ دَاوُدَ أَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا كَلْبًا لَهَا، قَدْ عَوَّدَتْهُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا.
فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَلَسَ سُلَيْمَانُ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ وِلْدانٌ مِثْلُهُ، فانْتَصَبَ حَاكِمًا، وَتَزَيَّا أَرْبَعَةٌ مِنْهُم بِزِيِّ أُولَئِكَ، وَآخَرُ بِزِيِّ الْمَرْأَةِ، وَشَهِدُوا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا كَلْبَهَا. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: فَرِّقُوا بَيْنَهُمْ. فَسَأَلَ أَوَّلَهمْ: مَا كَانَ لَوْنُ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: أَسْوَدَ. فَعَزَلَهُ. واسْتَدْعَى الآخَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ لَوْنِهِ فَقَالَ: أَحْمَر. وَقَالَ الآخَرُ: أَغْبَش. وَقَالَ الآخَرُ أَبْيَض. فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِهِمْ، فَحُكِيَ ذَلِكَ لِدَاوُدَ، فَاسْتَدْعَى مِنْ فَوْرِهِ أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةَ، فَسَأَلَهُمْ مُتَفَرِّقِينَ عَنْ لَوْنِ ذَلِكَ الْكَلْبِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِم.
وَمِنْ الحِكْمَةِ الَّتي أُوتيهَا سَيِّدُنَا سُلَيْمَانَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَوْلُهُ: أُوتِينَا مَا أُوتِيَ النَّاسُ، وَمَا لَمْ يُؤْتَوْا، وَعُلِّمْنَا مَا عَلِمَ النَّاسُ، وَما لَمْ يَعْلَمُوا. فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ: الْحِلْمُ فِي الْغَضَب وَالرِّضَا، وَالْقَصْد فِي الْفَقْرِ وَالغِنَى، وَخَشْيَةُ اللهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. أَخْرَجَهُ الإمامُ أَحْمَدُ بْنُ حنبلٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي كتابِ الزُّهْدِ مِنْ مُسْنَدِهِ.
وَمِنْ ذلكَ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وأَحْمَدُ بْنُ حنبلٍ، عَنْ التابعيِّ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ ـ عليْهِ السَّلامُ، لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تُكْثِرِ الْغِيرَةَ عَلَى أَهْلِكَ فَتُرْمَى بالسُّوءِ مِنْ أَجْلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بَريئَةً.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَغَضَبَ الْمَلِكِ الظَّلومِ، فَإِنَّ غَضَبَهُ كَغَضَبِ مَلَكِ الْمَوْتِ. يَا بُنَيَّ إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ صَمْتًا، وَمِنْهُ وَقارًا، يَا بُنَيَّ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَغيظَ عَدوَّكَ فَلَا تَرْفَعِ الْعَصَا عَنِ ابْنِكَ. يَا بُنَيَّ كَمَا يَدْخُلُ الوَتَدُ بَيْنَ الحَجَرَيْنِ، وَكَمَا تَدْخُلُ الْحَيَّةُ بَيْنَ الحَجَرَيْنِ كَذَلِكَ تَدْخُلُ الْخَطِيئَةُ بَيْنَ البَيِّعَيْنِ.
وَأَخْرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ التَّابِعِيِّ الإِمامِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ـ رضِيَ اللهُ تَعَالى عنْهُ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ: اِمْشِ وَرَاءَ الْأَسَدِ، وَلَا تَمْشِ وَرَاءَ امْرَأَةٍ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ التابعيِّ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّ مِنْ سُوءِ الْعَيْشِ نَقْلًا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ. وَقَالَ لَهُ: عَلَيْك بِخَشْيَةِ اللهِ فَإِنَّهَا غَلَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ التابعيِّ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لِابْنِهِ سُلَيْمَانَ: أَيُّ شَيْءٍ أَبْرَدُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَحْلى؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقْرَبُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقَلُّ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَكَثْرُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ آنَسُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَوْحَشُ؟. قَالَ: أَحْلَى شَيْءٍ رُوْحُ اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَبْرَدُ شَيْءْ عَفْوُ اللهِ عَنْ عِبَادِهِ، وَعَفْوُ الْعِبَادِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وآنَسُ شَيْءٍ الرُّوحُ تَكونُ فِي الْجَسَدِ، وَأَوْحَشُ شَيْءٍ الْجَسَدُ تُنْزَعَ مِنْهُ الرُّوحُ، وَأَقَلُّ شَيْءٍ الْيَقِينُ، وَأَكْثَرُ شَيْءٍ الشَّكُّ، وَأَقْرَبُ شَيْءٍ الْآخِرَةُ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَبْعَدُ شَيْءٍ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةَ. وأَخرجَ  بَعْضَهُ البُرْجُلانيُّ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ (المُتَوَفَّى: 238ه) في كتابِهِ (الكَرَمُ والجُودُ وَسَخَاءُ النُّفُوسِ)، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وَأَخْرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ عَنِ التَّابِعِيِّ الإِمَامِ، الحَافِظِ، أَبي نَصْرٍ الطَّائِيِّ اليَمَامِيُّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ لِابْنِهِ: لَا تَقْطَعَنَّ أَمْرًا حَتَّى تُؤامِرَ مُرْشِدًا فَإِذا فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِ. وَقَالَ: يَا بُنَيَّ: مَا أَقْبَحَ الْخَطِيئَةَ مَعَ المَسْكَنَةِ، وأَقْبَحَ الضَّلَالَةَ بَعْدَ الْهُدَى، وأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ رَجُلٌ كَانَ عابدًا فَتَرَكَ عِبَادَةَ رَبِّهِ.
وَأَخْرَجَ الإِمامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ التابعيِّ الإِمَامِ، الحَافِظِ، يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيْرٍ أَبُو نَصْرٍ الطَّائِيِّ مَوْلاَهُمُ اليَمَامِيُّ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالنَّمِيمَةَ فَإِنَّهَا كَحَدِّ السَّيْفِ.
وَأَخْرَجَ الإمامُ أَحْمدُ عَنْ التَّابِعِيِّ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ السَّدُوْسِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: عَجَبًا للتَّاجِرِ: كَيْفَ يُخْلِصُ، يَحْلِفُ بِالنَّهَارِ وَيَنَامُ بِاللَّيْلِ.
قولُهُ: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} بَيَّنَ اللهُ تَعَالى أَنَّهُ آتى عَبْدَيْهُ داودَ وَسُلَيْمَانَ حُكْمًا وَعِلْمًا، وَإِنْ خَصَّ سُلَيْمَانَ بِعِلْمٍ مُتَمَيِّزٍ في القَضَاءِ وَالحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يُؤْتِهِ غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى نَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَذُمَّ نَبِيَّهُ دَاوُدَ، ولَمْ يُقَلِّلْ مِنْ شَأْنِهِ، فَقَدْ كَانَ قَضَاؤُهُ حَقًّا لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى غُرْمِ الْأَضْرَارِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِينَ بِإِهْمَالِهِمُ الْغَنَمَ، وَأَصْلُ الْغُرْمِ أَنْ يَكُونَ تَعْوِيضًا نَاجِزًا، فَكَانَ قَضَاءُ داودَ حَقًّا. وَحَسْبُكَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي إِفْسَادِ الْمَوَاشِي. وَأَمَّا حُكْمُ سُلَيْمَانَ فقد كَانَ حَقًّا أَيْضًا لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى إِعْطَاءِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ مَعَ إِرْفَاقِ الْمَحْقُوقِينَ بِاسْتِيفَاءِ مَالِهِمْ إِلَى حِينٍ، فَهُوَ يُشْبِهُ الصُّلْحَ.
وَلَعَلَّ أَصْحَابَ الْغَنَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سِوَاهَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ في الواقعِ، هَذَا وَقَدْ رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِحُكْمِ سُلَيْمَانَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْإِنْصَافِ، ولَيْسَا مِنْ أَهْلِ الِاعْتِسَافِ، ثمَّ إنَّهُما لَوْ لَمْ يَرْضَيَا لَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَى حُكْمِ دَاوُدَ إِذْ لَيْسَ الْإِرْفَاقُ َبِوَاجِبٍ. وَنَظِيرُ هَذَا قَضَاءُ أَميرِ المُؤْمِنينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، بِأَنْ يَمُرَّ الْمَاءُ مِنَ (الْعُرَيْضِ) عَلَى أَرْضِهِ إِلَى أَرْضِ الضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ، وَقَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَكَ نَافِعٌ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وَاللهِ، فَقَالَ أَميرُ المُؤمنينَ: وَاللهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ، فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ راضِيًا، وَنَفَّذَ الحُكْمَ. فإِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَلِمَ أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَأَنَّهُمَا يَرْضَيَانِ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ قَضَاءُ سُلَيْمَانَ أَرْجَحَ. وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ شَبِيهَةٌ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَالْأَنْصَارِيِّ فِي السَّقْيِ مِنْ مَاءِ شِرَاجِ الْحَرَّةِ، إِذْ قَضَى أَوَّلَ مَرَّةٍ بِأَنْ يُمْسِكَ الزُّبَيْرُ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ إِلَى جَارِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَرْضَ الْأَنْصَارِيُّ قَضَى الرَّسُولُ ـ عَلَيْهِ صلاةُ اللهِ وسلامُهُ، بِأَنْ يُمْسِكَ الزُّبَيْرُ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ، ثُمَّ يُرْسِلَ، فَاسْتَوْفَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ. وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْأَرْفَقِ، ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَرْضَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ، قُضِيَ بَيْنَهُمَا بِالْفَصْلِ بالحقِّ، فَكَانَ قَضَاؤُهُ مُبْتَدَأً بِأَفْضَلِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى نَحْوِ قَضَاءِ سُلَيْمَانَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
وَقدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمِيدٍ الطَّوِيلِ: أَنَّ التابعيَّ العَلاَّمَةَ، إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ أَبُو وَاثِلَةَ المُزَنِيَّ قَاضِي البَصْرَةِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. لَمَا اسْتَقْضَى آتَاهُ الْحَسَنُ البَصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فَرَآهُ حَزينًا، فَبَكى إِيَاسٌ، فَقَالَ الحَسَنُ: مَا يُبْكيكَ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ بَلَغَنِي أَنَّ الْقُضَاةَ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ مَالَ بِهِ الْهَوَى، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ فِيمَا قَصَّ اللهُ مِنْ نَبَأِ دَاوُدَ مَا يَرُدُّ ذَلِكَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} حَتَّى بَلَغَ {وَكُلًّا آتَيْنَا حِكْمًا وَعِلْمًا} فَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَذُمَّ دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ: أَخَذَ اللهُ عَلَى الْحُكَّامِ ثَلَاثَةً: أَن لَّا يَشْتَرُوا بِآياتِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، وَلَا يَتَّبِعُوا الْهَوَى، وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} الآيَةَ: 26، مِنْ سُورةِ: (ص)، وَقَالَ: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} الآيَة: 44، مِنْ سُورةِ الْمَائِدَة، وَقَالَ: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآياتي ثَمَنًا قَلِيلًا} الآيَةَ: 44، مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَة.
وَفِي بَقِيَّةِ الْقِصَّةِ مَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِي رُجُوعِ الْحَاكِمِ عَنْ حُكْمِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ الْآيَةُ وَلَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْصِيلًا وَأَنَّ مَا حَاوَلَاهُ مِنْ ذَلِكَ غَفْلَةٌ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ الكَريمةُ أَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الِاجْتِهَادِ، وَفِي الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ، وَفِي مَرَاتِبِ التَّرْجِيحِ، وَفِي عُذْرِ الْمُجْتَهِدِ إِذَا أَخْطَأَ الِاجْتِهَادَ أَوْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَى الْمَعَارِضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلًّا آتَيْنا حُكْمًا وَعِلْمًا فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا ـ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ.
قولُهُ: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} الْمَعْنَى: أَنَّ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَانَ إِذَا سَبَّحَ اللهَ وَهُوَ بَيْنَ الْجِبَالِ، سَمِعَها تُردِّدُ تَسْبيحَهُ فَتُسَبِّحُ مِثْلَ تَسْبِيحِهِ. وَهَذَا مَعْنَى التَّأْوِيبِ فِي قَوْلِهِ مِنْ سورةِ سَبَأ: {يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ} الآيةَ: 10، وَالتَّأْوِيبُ التَّرْجِيعُ.
وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ الإِمَامِ الحَافِظِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الأَزْدِيِّ، الكُوْفِيُّ ـ رحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. قَالَ: كَانَ دَاوُدُ إِذَا وَجَدَ فَتْرَةً أَمَرَ الْجِبَالَ فَسَبَّحَتْ حَتَّى يَشْتَاقَ.
وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي "العَظَمَةِ" لَهُ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ" قَالَ: يُصَلِّينَ مَعَ دَاوُدَ إِذَا صَلَّى.
وَفِي هَذَا التَّسْخِيرِ لِلْجِبَالِ وَالطَّيْرِ ـ مَعَ كَوْنِهِ مُعْجِزَةً لَهُ، كَرَامَةٌ وَعِنَايَةٌ بِهِ مِنَ اللهِ رَبِّهِ، فقدْ آنَسَهُ بِتِلْكَ الْأَصْوَاتِ فِي وَحْدَتِهِ وهو فِي الْجِبَالِ، بَعيدًا عَنْ أَهْلِهِ.
قولُهُ: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} فِعْلُ الْكَوْنِ للإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ تَسْخِيرَ الجِبَالِ والطَّيْرِ لِسَيِّدِنا داودَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لِمُؤانِسَتِهِ، وأَمْثَالَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الخارِقَةِ للعَادَاتِ هُوَ شَأْنٌ ثَابِتٌ للهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالى، مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ، أَيْ: وَكُنَّا قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقد كَانَ فِي قصَّةِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ـ عَلَيْهِما السَلامُ، تَنْبِيهٌ عَلَى أَصْلِ الِاجْتِهَادِ وَعَلَى فِقْهِ الْقَضَاءِ فَلذَلِك خُصَّ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفْصِيلِ أَخْبَارِهِمَا فَيَكُونُ داوُدَ عَطْفًا عَلَى "نُوحًا" مِنْ قَوْلِهِ: {وَنُوحًا} الآيةَ: 76، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ الْمُباركةِ. أَيْ: وآتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ حُكْمًا وَعِلْمًا إِذْ يَحْكُمَانِ ... إِلَى آخِرِهِ. فَـ "إِذْ يَحْكُمانِ" مُتَعَلِّقٌ بِـ "آتَيْنَا" الْمَحْذُوفِ، أَيْ كَانَ وَقْتُ حُكْمِهِمَا فِي قَضِيَّةِ الْحَرْثِ مَظْهَرًا مِنْ مظَاهِرِ حِكْمِهِمَا وَعِلْمِهِمَا.  
قولُهُ تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "فَهَّمْنَاهَا" فعْلٌ ماضٍ مَبنَيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَميرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نَا" المُعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، وَ "نَا" التَّعْظيمِ هَذِهِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ ثانٍ. و "سُلَيْمَانَ" مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ منصوبٌ بهِ ولمْ يُنَوَّنْ لأنَّهُ ممنوعٌ مِنَ الصَّرْفِ بالعَلَمِيَّةِ وزِيادَةِ أَلِفٍ ونونٍ في آخِرِهِ، وَقَدْ قُدِّمَ المَفْعُولُ الثاني عَلَى الأَوَّلِ لِكَوْنِهِ ضَمِيرًا مُتَّصِلًا، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في محلِّ الجَرِّ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ {يَحْكُمَانِ} مِنَ الآيَةِ الَّتي قَبْلَها؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى المَاضِي.
قولُهُ: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} الوَاوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "كُلًّا"، مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ لِـ "آتَيْنَا" مُقَدَّمٌ علَيْهِ. و "آتَيْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، وَ "نا" التَّعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "حُكْمًا" مَفْعُولُهُ الثَّاني مَنْصوبٌ بِهِ. و "عِلْمًا" مَعْطُوفٌ عَلى "حَكْمًا" منصوبٌ مثلُهُ، وَالجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "فَفَهَّمْنَا".
قولُهُ: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "سَخَّرْنَا" ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، وَ "نا" التَّعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "مَعَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرفيَّةِ مُتَعَلَّقٌ بِـ "سَخَّرْنَا" وهوَ مُضافٌ، وَ "دَاوُودَ" مَجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، وعَلامةُ جَرِّهِ الفتْحَةُ نِيابَةً عَنِ الكَسْرةِ لأَنَّهُ مَمْنوعٌ مِنَ الصَّرْفِ بالعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ. وَ "الْجِبَالَ" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "آتَيْنَا".
قولُهُ: {يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} فِعْلٌ مُضارعٌ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بنونِ النِّسْوةِ، ونونُ النِّسْوَةِ هَذِهِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مينيٌّ على الفتْحِ فِي مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِ، والجُمْلةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنَ الجِبَالِ؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهَا مُسَبَّحَةً. وَ "وَالطَّيْرَ" الواوُ: للعَطْفِ أو للمعيَّةِ، و "الطَّيْرَ" مَنْصوبٌ عَطْفًا عَلى "الجِبَالِ"، أَوَ على أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ.
قولُهُ: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ مَبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، وقدْ حُذِفتِ أَلِف "كانَ" لالتقاءِ الساكنينِ. وَ "نا" التَّعْظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كانَ"، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "آتَيْنَا"، أَوْ عَلَى جملةِ "سَخَّرْنَا".
قَرَأَ العامَّةُ: {فَفَهَّمْناها} بِالتَّضْعيفِ للتَّعْدِيَةِ، وَالضَّمِيرُ عائدٌ للمَسْأَلَةِ أَوْ للفُتْيَا. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ ـ رَضِي اللهُ ـ تعالى عَنهُ: "فَأَفْهَمْناها" فعَدَّاهُ بِالْهَمْزَةِ. أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ.
قرأَ العامَّةُ: {والطَّيْرَ} نَصْبًا عَلى المَفْعُولِيَّةِ، وَقُرِئَ "والطَّيْرُ" بالرَّفْعِ، عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، والتقديرُ: وَالطَّيْرُ مُسَخَّراتٌ أَيْضًا. أَو على أَنَّهُ معطوفٌ نَسَقًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي "يُسَبِّحْنَ"، وَلَمْ يُؤَكَّدْ، وَلَمْ يُفْصَلْ، وَهُوَ مُوافِقٌ لِمَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 79
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 1
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 17
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 33
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 49
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 65

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: