وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
(75)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} أَيْ: أَنْجَيْناهُ مِنَ القَوْمِ السُّوءِ وأَنْ يهلِكَ بِهَلاكِهِمْ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما: يُريدُ الجَنَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتنَا" قَالَ: فِي الْإِسْلَامِ.
وَقَوْلُهُ: "رَحْمَتُنا" يَشْمَلُ نَجَاتَهُ مِنْ أَذَى أَهْلِ قَريَتِهِ (سَدُومٍ) الذينَ جاؤوا يريدونَ أنْ يُخَلِّي بينَهم وبينَ ضيوفهِ منَ الملائكةِ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ بَشَرٌ، فقدْ جاؤوا يريدونَهم لِيَفْعَلوا بهِمُ الفاحشَةَ، فَنَجَّاهُ اللهُ مِنْ أَذَاهُمْ، ونَجَاهُ مما نزلَ بأهلِ قَرْيَتَهِ مِنْ عَذَابٍ، وَهَوَانٍ، وَهَلاكٍ، واسْتِئصالٍ، كَمَا يَشْمَلً إِدْخَالَهُ الجَنَّةَ، إِذْ هِيَ رَحْمَةُ اللهِ أَيْضًا، لِمَا أَخَرْجَ الإمامُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخانِ، وغيرُهُم مِنْ حَديثِ أَبي هُريرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قال: ((تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِيَ، لاَ يَدْخُلُنِي إلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟! فَقَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلَّنارِ: إنَّما أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةِ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطْ، قَطْ، قَطْ، فَهُنَاكَ تَمْتَلِئُ، وَيَزْوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الجَنَّةُ فَإنَّ اللهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا)). مُتَّفقٌ عَليْهِ، أَخْرَجَهُ الأَئمَّةُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ في مُسْنَدِهِ: (4/314(8149). والبُخَارِيُّ في كِتَابِ: "التَّفْسِيرُ" مِنْ صحيحِهِ "تَفْسيرُ سُورَةِ (ق)": (8/595)، وَمُسْلِمٌ في كِتَابِ "الجَنَّةُ وَصْفُهُ نَعِيمَهَا وَأَهْلَهَا" مِنْ صحيحِهِ: (4/2186).
قوْلُهُ: {إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} أَيْ: إِنَّهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ. ومِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ الذينَ سَبَقَتْ لُهُمُ الحُسْنَى مِنْ رَبِّهِمْ ـ جَلَّ وَعَلَا. فَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَبْدَهُ ونبيَّهُ لُوطًا مِنْ الذينَ اسْتَحَقُّوا فَضْلَهُ وَكَرَمَهُ وَلُطْفَهُ.
قوْلُهُ تَعَالى: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} الواوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "أَدْخَلْنَاهُ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نَا" المُعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التَّعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعليِّةِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المفعوليَّةِ. و "في" حَرْفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بـ "أَدْخَلْنَا"، و "رَحْمَتِنَا" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضافٌ، و "نا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهْ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ معطوفةٌ على جُمْلَةِ "وَنَجَّيْنَاهُ" لَا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ,
قوْلُهُ: {إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتَّوكيدِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. وَ "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بخبرِه، وَ "الصَّالحينَ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جَمْعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، وجملةُ "إنَّ" مُسْتأْنفةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.